سحبت الحكومة المغربية الثقة من كريستوفر الروس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، وهو إجراء يتزامن مع قرب المفاوضات المقبلة غير الرسمية بين المغرب وممثلين عن جبهة البوليساريو بحضور الجزائر كملاحظ في الملف. هذا الإجراء المغربي طرح عددا من الإشكالات في المناهج التي ستعتمد في مستقبل المفاوضات القادمة، خصوصا أن الأممالمتحدة والأطراف المتنازعة حول الصحراء كانت تعتبر أن روس يعلم بخبايا الصراع ويتوفر على القدرة على تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف، بحكم تجربته التي خبرها أثناء اشتغاله ضمن البعثة الدبلوماسية الأمريكية في كل من المغرب والجزائر. كما ساد التفاؤل في البداية بأن روس قادر على إقناع الأطراف الأخرى بالقبول بالحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب. ويظهر أن رد وزارة الخارجية والتعاون كان شديد اللهجة على التقرير الأخير للمبعوث الشخصي، الذي وجه العديد من الانتقادات للحكومة المغربية، التي اعتبرته بدورها ينحاز إلى الأطراف المعادية. ويقر العديد من المحللين السياسيين بأن روس لا يتوفر على القدرة الكافية على نهج الحياد تجاه الأطراف المتنازعة، إذ يعتبر طارق تلاتي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، أن «روس أبان عن انحيازه للأطراف المعادية للمغرب فبلغ السيل الزبى بالنسبة إلى الحكومة»، وهو ما دفع المغرب إلى اتخاذ هذا الموقف. وأضاف تلاتي أن منحى المفاوضات المقبلة سيأخذ أشكالا أخرى، حيث يجب على الحكومة المغربية، حسب أستاذ العلوم السياسية، أن تدافع عن موقفها من سحب الثقة من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، حيث سبق، يضيف تلاتي، أن تحفظت الجزائر عن المبعوث السابق فان فالسوم، وبالتالي يكون للمغرب، حسب رأي المتحدث نفسه، «كامل الأحقية في الدفاع عن مواقفه السيادية والحرص على أي انحرافات من المسلسل التفاوضي». من جهته، يرى عبد الفتاح البلعمشي، مدير المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن إجراءات الحكومة المغربية هي نوع من الاحتجاج على طريقة تدبير الملف، بعدما برهنت المفاوضات السابقة، يضيف البلعمشي، «على عدم حدوث أي تقدم، فالمفاوضات مرت بنفس الأسلوب ولم تخطُ إلى ما كان يصبو إليه المغرب». تحديات كثيرة ستواجه المفاوضات في طريقة تدبير الصراع، بعدما دعمت الجزائر تجديد الثقة في روس، إذ اعتبر رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات بأن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كان يريد إقحام ملفات سياسية وحقوقية في المفاوضات المقبلة، وكان على الحكومة المغربية، يضيف البلعمشي، أن ترفع تظلما إلى الأمين العام للأمم المتحدة، على اعتبار أن مجلس الأمن الدولي هو المسؤول المباشر، بينما روس يعتبر وسيطا فقط في المفاوضات. ولمواجهة مرحلة المفاوضات المقبلة يرى البلعمشي أن الحكومة المغربية يجب أن تتبنى «دبلوماسية هجومية» في قراراتها مع ضمان التوازن الذن لها انعكاسات سلبية ليبقى المغرب محافظا على هذا التوازن». ويرى المتحدث ذاته أن وزارة الخارجية والتعاون مطالبة باقتحام المنظمات الدولية التي تدافع عن اللاجئين، من أجل إثارة عدد من القضايا في مراحل المفاوضات المقبلة، وإثارة إشكالية مصير الدعم المقدم إلى قاطني مخيمات تندوف، بعدما أظهرت عدد من التحقيقات اختلاسها من قبل قيادة جبهة البوليساريو، وهو دعم يمكن أن تلعب فيه الدبلوماسية الموازية دورا مهما في كسب تعاطف المنظمات الحقوقية مع المواقف المغربية، على حد تعبير البلعمشي. ويساند تلاتي موقف البلعمشي في إشراك الخبراء ومراكز البحث العلمي في المفاوضات المقبلة. إذ «هناك قصور خطير على مستوى تفعيل الدبلوماسية المغربية «يقول تلاتي في تصريح ل«المساء»، حيث اعتبر أن روس يتوفر على علاقات جيدة مع الجزائر، كما يمتلك أسهما بشركة «سوناطراك» للمحروقات، مضيفا أن الدبلوماسية المغربية كان عليها أن تعارض تعيين هذا المبعوث في السنوات الماضية، مشيرا إلى أن ما حصل في المغرب بعد سحب الثقة هو «تحصيل حاصل». واعتبر تلاتي أن الحكومة في حاجة ماسة إلى إشراك الخبراء في المفاوضات المقبلة، قصد الدفاع عن موقفها القوي والمعبر في الحفاظ على سيادتها. «هناك خبراء يشتغلون في مراكز وذوو كفاءة، لكن لا تعترف بهم الدبلوماسية المغربية في مثل هذه الملفات» يضيف المتحدث ذاته، مشيرا إلى أن المجتمع المغربي يتوفر على طاقات هائلة يمكن الاستعانة بخبراتها وأخذ وجهات نظرها بعين الاعتبار. وكفل الدستور المغربي، الذي صادق عليه المغاربة بالأغلبية الساحقة في فاتح يوليوز الماضي، منح المجتمع المدني دورا مهما والأخذ بعين الاعتبار مقترحاته، لكن الإشكالات التي تطرح من قبل الحكومة المغربية هي المعايير التي تعتمد في اختيار خبراء مراكز البحث والدراسات للاستعانة بهم في الملفات الحرجة. كما أثيرت في الشهور الماضية إشكالية الدعم المالي المقدم إلى مراكز البحوث، بعدما أثارت أنشطة معهد «أماديوس» المحسوب على نجل وزير الخارجية السابق عددا من الاحتجاجات في طريقة التعامل معه، على الرغم من تداوله في قضايا كبرى تهم السياسة الخارجية للبلاد.