محمد زيان نقيب المحامين السابق والأمين العام للحزب الليبرالي المغربي والسياسي المثير للجدل يحكي في اعترافاته ل«المساء» عن طفولته وكيف كان مسيحيا يحمل اسم فيكتور مارتين ليصبح فيما بعد شيوعيا ملحدا، قبل أن يهتدي إلى الإسلام. في هذه الحلقات يتحدث زيان لأول مرة عن أسرار وخبايا «ضياع» موريتانيا من المغرب، وعن معتقل تازمامارت وعلاقة الحسن الثاني به وحكاية استقالته من الوزارة واتهامه بتهريب المخدرات وكيف كانت الدولة «تصنع» الأحزاب والزعماء. - أنت، كمحام وكرجل يدافع عن حقوق الإنسان، حينما كان يحاكم بعض الأشخاص وبعد ذلك يختفون تماما، ويروج بقوة أنهم اقتيدوا إلى ثكنة عسكرية اسمها تازمامارت، ألم يكن حريا بك أن تستفسر عنهم؟ كنت أعرف أن من كانوا يختفون كان يتم الزج بهم في تزمامارت، وكنت الوحيد الذي حاربت هذا الأمر بكل ما أوتيت من جهد. ومعرفتي بذلك بدأت منذ قدمت عندي زوجة الكومندان حشاد، وكانت تعمل طبيبة صيدلية، فقد كنت أنا من خطط لأن تذهب ابنتها عند الحسن الثاني ورتبت للمقابلة، حيث أخبرنا الملك الراحل حينها بوجود تزمامارت، وكنت أنتظر أن تقوم هي بتصريح تذكر فيه الجهد الذي بذلته في هذه القضية، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.. لا أعرف لماذا يتم التعتيم على بعض الحقائق المهمة. أنا أذكر أن الابنة جاءت عندي بعد مقابلتها للحسن الثاني -وهي المقابلة التي تم الترتيب لها أثناء ممارسة الملك للكولف- وهي تقول: «أستاذ زيان، الحسن الثاني لا يعرف شيئا عن وجود تازمامارت، وعندما ذكرت له الاسم نادى على جنرالاته، وراح يسألهم عن تازمامارت هاته ويلومهم على ما يفعلونه في بلاده»، وأنا أسألها أمام الله أن تقول هذا الكلام علنا. وأذكر أنني حين كنت وزيرا لحقوق الإنسان، بذلت أكثر من جهدي، بل وبكيت، حتى يتمكن حشاد من الحصول على جواز سفره كي يستطيع الحضور أثناء مناقشة ابنته لرسالة الدكتوراه، كل ذلك لأني كنت أقدر كثيرا تلك الفتاة، وكنت أعلم أنه لو تمكن والدها من الحضور في مثل ذلك اليوم لكان وجوده قد مثَّل بالنسبة إليها الشيء الكثير، لأني لاحظت تلك العلاقة الوطيدة التي تربطها بوالدها والعلاقة المتميزة التي تربطه هو الآخر بها. بكيت وطرقت كل الأبواب، ذهبت عند البصري وعند أحمد رضا اكديرة و»رميت عليهم العار» والتمست منهم أن يخبروا الحسن الثاني بأني أرغب في رؤيته، وكان موقف الأمنيين حينها صارما، حيث كان يقضي بعدم خروج أي أحد من البلد تفاديا لأن يُقدم من سيسمح له بالخروج على الكتابة والحكي عما يحدث داخل البلاد، بينما كنت أقول لهم إنه في كل الأحوال سوف يكون هناك من يكتب، وإن هؤلاء الناس سيكتبون إن عاجلا أم آجلا، لأن تازمامارت أصبحت الأصل التجاري بالنسبة إليهم وغدت جزءا لا يتجزأ من حياتهم.. والإخوة بوريكات كان يجب أن يعترفوا بهذه الحقيقة ويحكوا عن الدور الذي لعبتُه في إطلاق سراحهم وتسفيرهم إلى فرنسا، فقد كنت أنا من أحضر السفير الفرنسي للقائهم. - في أي سنة حدث ذلك؟ عندما خرجوا من آزرو، في حوالي 1993. لقد كنت مدعوا، بصفتي رجل سياسة، إلى العشاء لدى السفير اليوناني الذي كان يستقبل يومها رئيس برلمان بلده، واستغللت الفرصة لأطلب منه أن يتصل بالسفارة الفرنسية، ثم يكلم سيدة كانت مكلفة بمهمة هناك، وتحدثت إليها لأخبرها بأنه بإمكاني ترتيب موعد لها مع الإخوة بوريكات، كنت سأحجز لهم في فندق هيلتون بالرباط، على أن يظلوا هناك إلى أن يذهب السفير لمقابلتهم، لكن أحدهم قال لي إن لهم أختا تقيم بالدارالبيضاء وإنه من المستحسن أن ينزلوا عندها، وبالفعل استقبلهم زوج أختهم لأن هذه الأخيرة كانت في تلك الأثناء في باريس، وقد كلمت السيدة الفرنسية بحضور سفير اليونان الذي جعلته شاهدا لكل غاية مفيدة وأخبرتها بمكان وجودهم، لم تصدق في البداية، لكنها بعد ذلك أخبرتني بأنها ستبعث في الغد شخصا مكلفا بالشؤون السياسية في السفارة برفقتي، ثم كلمت أنا الصحافي بايلان الذي كان يعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية، ورتبت معه موعدا في الغد حتى يكون شاهدا أيضا على ذلك اللقاء، وأذكر أني قلت له: «غدا ستحضر أهمَّ حدث سياسي سيقع في الدارالبيضاء». الذي حدث هو أن الإخوة بوريكات عندما استقروا بمنزل شقيقتهم، ظنوا أنه من الأفضل أن يبقى أمرهم محاطا بالسرية لأنهم لم يكونوا يعرفون ما الذي يمكن أن يقع في ذلك الحين، وقد فوجئوا حين دخلت عليهم رفقة ممثل السفارة الفرنسية وصحافي وكالة الأنباء الفرنسية، وبالفعل تحدثوا وحكوا قصتهم. - بأي صفة كنت تتحرك معهم حينها؟ كنت حينها عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. - إذن، فقد كنت تتابع القضية بتفويض من المجلس؟ لا، كنت عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وكنت ألعب دورا مهما فيه آنذاك، وأتمنى من الإخوان الذين اشتغلوا معي في تلك الفترة أن يقروا بهذا الأمر.. لقد كنت العضو الأكثر نشاطا والأكثر تأثيرا، وكنت أبذل جهدا مضاعفا لإيجاد حل لقضية تازمامارت. - لكنك لم تخبرنا بتكليف مِمّن قمت بالتدخل في قضية الإخوة بوريكات؟ من يمكن أن يقوم بالتكليف في قضايا مثل هذه؟ الملك طبعا. في نظرك، من كان سيسمح، في عهد الحسن الثاني، بالتصرف في مثل هذه القضية إن لم يسمح بذلك الملك شخصيا. - هل اتصل بك شخصيا؟ أحمد رضا اكديرة هو الذي كان صلة الوصل بيننا، وكذلك والي الرباط آنذاك عمر بنشمسي الذي كانت تربطه علاقة متينة بمولاي حفيظ الذي كان وزيرا مكلفا بالقصور والتشريفات والأوسمة، وقد أعلمني كلاهما بأن ما سيُطلب مني يجب أن يتم توخي حذر تام في تنفيذه، وأني سوف أتحمل المسؤولية كاملة إذا ما حدث أي خطأ. - هل طلبت أنت من الإخوان بوريكات ألا يتكلموا في السياسة، وألا يسيئوا إلى الحسن الثاني؟ لا أبدا، يجب أن تعرف كيف تم فتح تازمامارت، الفرق بيني وبين الآخرين هو أنهم يتحدثون من موقع المشاهد، فيما أنا أعرف الوقائع والتفاصيل. حين علم الحسن الثاني بوجود تازمامارت... - (أقاطعه) هل تعني أن الحسن الثاني لم يكن يعرف شيئا عن تازمامارت؟ لا لم يكن يعرف عنها شيئا. يجب أن تعرف أمرا مهما.. المجموعة التي اعتقلت على إثر انقلاب الصخيرات، وضمنها الإخوة بوريكات، كانت معتقلة في طريق زعير. وفي الوقت الذي هرب فيه أفرادها من السجن كان يتم التهييء لإخراجهم لأنهم كانوا قد أنهوا مدة عقوبتهم. وفي تلك الفترة، كانت قضية أوفقير قد غيرت المفاهيم والجيش كان يريد نوعا من السلم الداخلي، حينها تم إمداد أفراد تلك المجموعة ومعهم الإخوة بوريكات بالسلاح من طرف شخص قصدهم ليلا وكلمهم بالأمازيغية، ليخبرهم بأن الأبواب ستكون مفتوحة ليلا. - هل كان هذا الشخص حارسا في السجن؟ لا أعرف، وبما أنني لا أملك حجة فلا يمكنني ذكر أسماء، مع أنني أشك في اسمين بالتحديد، وهما اسمان كان لهما وزنهما في الجيش. - هل لازال صاحبا هذين الاسمين يتحملان مسؤولية في البلاد الآن؟ لا، بل توفيا. - وهل ظل هذان الشخصان على علاقة جيدة بالنظام حتى وفاتهما؟ طبعا، كانا يشغلان مناصب مهمة للغاية في البلاد.. المجموعة التي هربت تم اعتقالها من جديد، وقد كان من ضمنها حشاد والمرزوقي والإخوة بوريكات، مع العلم بأن الإخوة بوريكات لم يكونوا يرغبون في الهرب إلا أنهم غامروا حين رأوا الآخرين يملكون أسلحة، وهكذا نجح من سهلوا هروبهم بغرض تأبيد اعتقالهم. تم اعتقالهم، إذن، من جديد واقترح أحد الجنرالات ،الذي كان له تأثير كبير على السياسة في البلاد، على الملك الحسن الثاني أن يأخذهم إلى سجن بعيد. - من يكون هذا الجنرال؟ لا داعي إلى ذكر اسمه. - ما دمت تقول إن هذا الجنرال الذي خطط لنقل السجناء إلى تازمامارت قد توفي رفقة الشخص الثاني، فلماذا الإصرار على الاحتفاظ باسمه سرا. أليس من حق المغاربة أن يعرفوا هذه الحقائق، بعد تقادمها؟ مولاي حفيظ العلوي هو من اقترح ذلك، والدليمي أيد الفكرة، لكنهما لم يخبرا الحسن الثاني بأن المكان الذي سيسجن فيه هؤلاء هو تازمامارت، كما أن قائد تازمامارت عوض أن يسهل الحياة على أفراد تلك المجموعة، أذاقهم القهر والتعذيب لأنه كان يشاع أن بينه وبينهم مشاكل. - إذن الحسن الثاني كان يعرف أنهم في تازمامارت لكنه لم يكن يعرف بالمعاناة التي يعيشونها؟ لا، الحسن الثاني كان يعلم فقط أنهم مسجونون في «قشلة» قاعدة عسكرية، ولم يكن يعلم شيئا عن عمق معاناتهم، فهو لم يكن يعرف بوجود تازمامارت إلى أن قابلته ابنة حشاد. وحين فتح ملف تازمامارت كان يجب إيجاد حل صارم، إلا أن النظام أنكر وجود هذا المعتقل.