قضى رفقة أخويه علي وبايزيد حوالي سنتين من الاعتقال التعسفي في المعتقل السري “P.F.3 ” في نفس الفترة التي قضى فيها الكثير من المعتقلين فترات متراوحة في نفس المعتقل السري الرهيب الذي كان يشرف عليه رجالات الجينرال الدليمي. والتقى في دهاليزه بالمختفي قسرا والمجهول المصير، الحسين المانوزي، وأيضا العسكريين اعبابو وشلاط ومزيرق، الذين شاركوا في الانقلاب الأول بقصر الصخيرات. جاء إلى المغرب بناء على استدعاء من قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرباط، للإدلاء بشهادته في قضية الحسين المانوزي المختفي منذ 29 أكتوبر 1972 لحظة اختطافه من تونس، بعد الشكاية التي تقدم بها كل من الحاج علي المانوزي وخديجة الشاو، والدي الحسين المانوزي . وفي الجزء الأخير يكشف بوريكات عن علاقات أسرته بالقصر ورجالات الدولة المغربية، والتعويض الذي لم يتوصل سوى بجزء يسير منه، يجدد مطالبته بإنصافه هو وإخوته وجبر الأضرار التي تكبدوها بعد قضائهم سنوات رهن الاعتقال في غياهب السجون السرية. قضيتم 18 سنة من الإعتقال، أنت وإخوتك ضحية من؟ أنا ضحية التنافس في الأعمال أولا، وثانيا مولاي حفيظ كان دائما في صراع مع أبي منذ البداية، وبقي المشكل إلى وفاته. أنت إذا تقول أنك ضحية المؤامرات التي تحبك في القصر؟ نعم ألم تكن لديك عداوة مع الحسن الثاني؟ لا أكنت تنتظر منه أن ينظر إليك بعين الرحمة ويفرج عنكم كعائلة قريبة من القصر؟ نعم، نحن قدمنا خدمات للقصر، كنا عائلة ثرية جدا ولم يكن لدينا خلاف مع أي كان... هل ندمت أنك حذرت الملك لأنها كلفتك قضاء جزء من حياتك في المعتقلات؟ لم أندم رغم المعاناة التي عشتها؟ نعم ، لأنني كنت أعرف ما أقوم به، ولا أحد فرض علي القيام بذلك، ولكن هل مولاي حفيط يمكن أن يفهم ذلك، أكثر من ذلك كنا أسسنا شركة لتكرير البترول وذهب بايزيد إلى مكتب مولاي حفيظ وأخبره بالأمر، وكان مرات يمنحه أجرة، بل بدأنا في إعداد معمل للصناعات الزيتية. أريد أن أضيف شيئا وهو أن جميع المعتقلات السرية كان أوفقير والدليمي يبعثان من يشاءان إليها لكن لابد من موافقة الملك. لكن لم تحاكموا؟ لا، أبدا رغم أن لا علاقة لنا بالمخططين للإنقلاب، لم نكن نتدخل في الأمور السياسية، نعرف الكثير من الأسرار لكن كنا بعيدين جدا. ولكن؟ كل شيء كان بيد الملك، هو من يقرر الزج بأي كان في المعتقلات، حين كان أفقير مسؤولا كان مولاي حفيظ هو نائبه، وعندمات مات أفقير أصبح مولاي حفيظ هو المسؤول وكان حينها وزير القصور والبرتكول. وغالبا حينما تحدث الملك مع الدليمي حول التقرير الذي قمت باعداده أكيد أنه استشار مولاي حفيظ، وهذا الأخير جاءته الفرصة لينتقم منا. غادرتم معتقل تازمامارت بموجب العفو؟ نعم جاؤوا إلينا في المعتقل وأخبرونا أننا سنغادر، خففوا علينا الحراسة، وقالوا لنا إننا سنذهب من هنا، وحلقوا لنا لحانا ، لأننه كانت لدينا لحى طويلة.. كم قضيتم في تازمامارت؟ عشر سنوات ونصف منذ متى تم الزج بكم في ذلك المعتقل؟ ربما سنة 1981 مع من التقيت هناك؟ كان العسكريون من مدبري انقلاب الصخيرات ومحاولة إسقاط الطائرة. التقيت بالمعتقلين السياسيين؟ تازمامارت كان عبارة عن بنايتين، كل منهما يضم زنازن بها معتقلون. مع من كنت تلتقي؟ لا كان كل منا بمفرده في زنزانة، لا نغادرها بتاتا طيلة عشر سنوات. حتى في الفسحة؟ أبدا، كنا نتحدث عن بعد والجميع يسمع الحديث. كيف كنتم تقضون أيامكم هناك؟ عندما دخلنا تازمامارت وجدنا المعتقلين في حالة يرثى لها، ومات منهم الكثير، وقبل أن ينقلوننا إلى هناك أخبرونا أن الزنازن مات فيها معتقلون، وقاموا بغسلها تمهيدا لإحضار معتقلين جدد، و لم يتم إحضار سوى نحن الإخوة بوريكات، وبقيت الزنازن الأخرى فارغة. هل كنتم مجتمعين في زنزانة واحدة؟ لا، كل منا في زنزانته، ووجدنا معتقلين آخرين تقريبا ثمانية أشخاص. كيف تم إطلاق سراحكم في تازمامارت؟ بعد أن أخرجونا من تازمامارت، نقلنا إلى أهرمومو، وخضعنا لفحص طبي، وبدؤوا يطلق سراحنا الواحد بعد الآخر، منهم من قضى يومين أو ثلاثة فأطلق سراحه، وخاصة من العسكريين، لكنني كنت مريضا جدا وكان معي أخي بايزيد، ثم أرسلت إلى المستشفى العسكري بالرباط، ولا أحد في علمه ذلك، فيما بقي أخي علي ينتظرنا في أهرمومو. وبعدها قرروا إطلاق سراحنا، وكان حينها الرئيس «ميتران» قد راسل الملك يستفسره عن مصيرنا بعد أن سمع عن إطلاق سراح معتقلي تازمامارت، وكان رد الحسن الثاني لمبعوث «ميتران» الذي التقيته فيما بعد أننا نخضع للعلاج بسبب تدهور حالتنا الصحية وسيتم إرسالنا بعد أن نستعيد عافيتنا. هل أنصفتكم هيئة الإنصاف والمصالحة في إطار جبر الضرر؟ في البداية طلبوا منا رؤيتنا، وحين التقينا بهم لم أرتح أبدا لحديثهم، وقالوا لنا زننا تلقينا تعويضا من الملك. هل استرجعتم ممتلكاتكم؟ لا أبدا، لم نكن نملك عقارات، كل مخازن البضائع كانت مكترية، وكانت لنا شركات مع أشخاص أغلبهم توفوا قبل مغادرتنا السجن، ولم نسترجع أي شيء. بالنسبة لتعويض جبر الضرر؟ لم نتلق أي شيء. لحد الان؟ نعم لحد الآن. هل قدمتم طلبا بذلك؟ لا ، ولا أحد طلب منا ذلك. حين التقينا معهم قالوا لنا إن الحسن الثاني منح لكم مبلغا ماليا، لكن قلنا لهم إننا لم نتلق أي تعويض، وكان من بينهم أشخاص لم يتعاملوا معنا بشكل جيد، بل منهم من قال لنا أننا لا نستحق أي تعويض، وفكرت حتى في العراك معه (نخلي دار بوه)، غضبت كثيرا، فلا يعقل أن يزج بنا في المعتقلات لسنوات ولا نستحق أي تعويض. وذلك الشخص المحامي الذي تحدثت عنه أعرفه جيدا. هل قررت الإقامة في الخارج بإرادتك؟ لأنه ليست لدي جنسية مغربية، أنا فرنسي الجنسية. هل تقدمت بطلب للحصول على الجنسية المغربية؟ لا أصدرت كتابا حول سنوات الاعتقال، لم تتحدث فيه عن كل ما حدث، لماذا؟ تلك قصة أخرى، فأنا تحدثت عن كل شيء، لكن الناشر طلب مني إزالة مقاطع عديدة ليوافق على نشر الكتاب، وقبلت بالأمر مكرها. مالذي لم يوافق عليه؟ حذفت الكثير من الأمور، ومنها قضية مختطفي بن بركة وكيف زج بهم في معتقل «PF3»، وكيف تم اغتيالهم، وأمور أخرى على مولاي حفيظ، لأن الناشر قال لي إن الملك صديقنا، ولا يمكن أن نسمح بنشر ما يمس به، وتحدثنا عن الدولة الفرنسية واتهمناها بتخاذلها وعدم اتخاذ ما هو ضروري بخصوص ملفنا. وللأسف لم أجد أي ناشر آخر، ولذلك قبلت حذف كل المقاطع التي لم تعجبه. وأين وصل ملف تعويضكم؟ كتبنا مرارا للملك محمد السادس، لكن دون أن نتلقى أي رد، لأن الحسن الثاني قرر منحنا تعويضا، لم نتلق منه سوى الخمس. كيف ذلك؟ اتفقنا مع الحسن الثاني عبر وسيط، وطلبنا الحصول على 50 مليون فرنك فرنسي لكل منا، أنا وإخوتي وأمي وأختي، لكن المحامين والوزراء الذين تكلفوا بالأمر قالوا لنا إن الأموات لا حق لهم، قلت لهم إن أختي لها الحق في التعويض لأنها تعذبت كثيرا في المعتقل بدورها إلى جانب والدتي، وحين سنوقع على الاتفاق في «جنيف» تلقينا عشرة ملايين فرنك فرنسي فقط، والحسن الثاني وافق على خمسين مليون فرنك فرنسي، وكان حينها إدريس البصري وزيرا للداخلية وطلب منه أن ينهي مشكلتنا بسرعة وبأي ثمن. ولقد توصلت بمعلومات من المخابرات الفرنسية وأخبرني أحد الأصدقاء منهم، أن الوزير الأول المغربي عبد اللطيف الفيلالي، كان حاضرا والوزير الأول الفرنسي و المحامي محمد الناصري الذي كلفه الملك بالقضية، وهم المسؤولون عن مصير بقية تعويضنا، وهذا في علم محمد الناصري، ووقعت أمور كثيرة ولم نستطع الحصول على بقية تعويضنا، ولقد راسلت الملك الحالي لكن دون جدوى. وراسلت أيضا وزير العدل السابق. هل طالبت بإنصافك؟ نعم، وأخبرته أن ملفنا لم يأخد مجراه الصحيح، وطالبنا الملك بإنصافنا، وما زلنا ننتظر إيجاد تسوية لملفنا. انتهى