إفراج قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في طنجة عن أحد أبرز المتهمين في قضية تهريب قرابة 30 طنا من المخدرات نحو أوروبا، وهو (م. ب)، أعاد من جديد هذه القضية إلى الأضواء، والتي جرت قبل ثلاث سنوات، أي في أكتوبر 2005 بالضبط. الإفراج عن (م. ب)، الذي كانت مصادر التحقيق تصفه بأنه أحد المتهمين الرئيسيين وكان اسمه على رأس اللائحة، أثار موجة تساؤلات بين مطلعين على خبايا واحدة من أكبر وأغرب عمليات تهريب المخدرات في المغرب. تم إطلاق سراح (م. ب) تم وسط تكتم شديد بعد أن قضى بضعة أيام في السجن المدني بطنجة، لكن أطرافا معينة، وفق ما تقوله مصادر مطلعة في المدينة ل»المساء»، عملت على ترويج معلومة تقول إن الشخص الذي تم إطلاق سراحه هو أ. ج، وهو متهم أيضا في قضية تهريب حوالي 20 طنا من المخدرات ولا علاقة له بملف 27 طنا، خصوصا وأن هذا الأخير قضى سنتين ونصف سجنا في إسبانيا، وتم الإفراج عنه نتيجة تعاونه مع السلطات الإسبانية، بينما (م. ب) كان في حالة فرار داخل المغرب، وأفرج عنه أسبوعين بعد اعتقاله، أو بعد تسليمه نفسه وفق اتفاق محتمل. هذا الخلط يبدو متعمدا لأسباب رئيسية من بينها خلط الأوراق في قضيتين مختلفتين لتهريب المخدرات. أ. ج تتلخص قضيته في الملف التالي: إنه مسجون في قضية مختلفة تماما تتعلق ب20 طنا من المخدرات ضبطت في نفس السنة (2005) بالعاصمة مدريد داخل مستودع بالعاصمة مدريد، ولعب أحد أفراد المخابرات الإسبانية دورا كبيرا في ذلك الاعتقال الهوليودي، حيث إنه ساعد المتهم في تهريب عدة أطنان من قبل، وهذا ما أكسبه ثقة ومصداقية، فاستطاع إقناعه بتهريب كميات كبيرة، وتوجه كل أفراد الشبكة بعد ذلك نحو مدريد، وكل ذلك بتنسيق مع الأمن الإسباني، فوقع الجميع في حالة تلبس، فقرر المتهم الرئيسي التعاون مع الأمن الإسباني وذكر أسماء مغربية وازنة، وذكر أيضا اسم والي الأمن الأسبق في طنجة عبد العزيز إيزو، الذي تم تغييره فورا نحو أمن القصور الملكية، لكن الإلحاح الإسباني ظل قائما إلى أن سقط إيزو في قضية الشريف بين الويدان، وهي قضية تقول مصادر مطلعة ل«المساء» إن جزءا كبيرا منها مفبرك لأن الهدف لم يكن بين الويدان، بل توريط إيزو وأشخاص نافذين مقربين منه، وأن المسألة تتضمن تصفية حسابات كبرى. أما اسم (م. ب)، فموجود في ملف تهريب 27 طنا، والذي كان منذ أكتوبر 2005 في حالة فرار، بينما تم اعتقال أفراد آخرين لايزالون مصرين على براءتهم. (م. ب) سلم نفسه قبل بضعة أسابيع وأدخل سجن طنجة، وبقي هناك لبضعة أيام، حيث كان يرفض بشكل قاطع الكشف عن هويته لأي كان، وكان يقول لمن يلح في معرفة اسمه إن اسمه «الحاج»، وإن تهمته هي قضية شيكات بدون رصيد، في الوقت الذي تشير محاضر التحقيق إلى أنه كان واحدا من المتهمين الرئيسيين في ملف ال27 طنا قبل ثلاث سنوات. يمكن لهذا الرجل أن يكون بريئا حتى تثبت إدانته، لكن الأسئلة الكثيرة والغموض الكبير الذي يلف القضية تجعل من الصعب تصديق كيف أن متهما فارا من العدالة لسنتين ونصف السنة يقرر أخيرا تسليم نفسه ويقضي بضعة أيام في السجن، ثم يقرر قاضي التحقيق الإفراج عنه حين «لم يتم التعرف عليه من طرف متهمين آخرين». وتقول مصادر قضائية في طنجة إن قاضي التحقيق الذي أفرج عن (م. ب)، انتقل بنفسه إلى سجن ساتفيلاج من أجل دفع بعض المتهمين إلى مواجهة مع المتهم، وحين لم يفلح في ذلك، مع أنه كان يتوفر على كل وسائل الإجبار، قرر الإفراج بسرعة عن المتهم. الخلط إذن بين اسمه الجعباق وبين (م. ب) يبدو غريبا، والسبب طبعا هو أن الإفراج عنه جاء بطريقة غريبة أيضا لأن اسمه كان مدرجا في لائحة تضم مجموعة من المتهمين الرئيسيين في قضية تهريب 27 طنا من المخدرات نحو إسبانيا في أكتوبر 2005، وهي العملية التي مازالت تثير إلى اليوم كثيرا من الأسئلة، على اعتبار أن مناطق الغموض التي تلفها لاتزال لم تحل بعد. وكان هذا الرجل، حسب محاضر التحقيق ، في حالة فرار منذ 2005، وبينما كان الكثيرون يتحدثون عن فراره إلى أحد البلدان الأوروبية، إلا أن وجوده في المغرب طوال هذه المدة من دون القبض عليه يثير استغرابا كبيرا حول الدور الذي لعبه الأمن في هذه القضية. ومنذ اللحظة الأولى للعثور على السبعة والعشرين طنا من المخدرات، كان اسمه على لائحة محضر الشرطة. وفي الإرسالية التي وجهها عميد الشرطة الممتاز ورئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية بطنجة، فإن اسم (م. ب) صدرت في حقه مذكرة بحث على الصعيد الوطني، رفقة شخص آخر، ومنذ تلك الفترة لم يتم العثور على أي أثر له، رغم أنه كان يعيش داخل المغرب. غير أن مسار التحقيق في قضية ال27 طنا سيأخذ مجرى مغايرا، حين وجهت التهمة إلى مسؤول شركة إيغل طرانس، وتم اعتقال جمال بنيعيش رفقة سائقين من الشركة، وهو الاعتقال الذي أثار وقتها مجموعة من ردود الفعل القوية، حيث قام أصحاب شركات النقل الدولي بإضراب مفتوح، ووجهوا رسائل إلى مسؤولي المدينة ووزارة العدل وهيئات أخرى، كما دخل بنيعيش في إضراب عن الطعام مطالبا بإعادة فتح تحقيق في القضية. تغيير لوحات المقطورة.. اللغز الكبير في قضية ال27 طنا قضية ال27 طنا من المخدرات بدأت عندما ضبطت شرطة الجزيرة الخضراء مقطورتين محملتين بحوالي 30 طنا من المخدرات، وتبين فيما بعد أنهما كانتا تحملان تسجيلا إسبانيا مزورا. التحقيقات بينت بعد ذلك أن هناك مقطورتين تم شحنهما بسمك السردين المجمد بمدينة طانطان لإسباني يدعى خوسي، وأن المقطورتين وصلتا إلى مدينة طنجة مجرورتين بجرارات تابعة لشركة إيغل طرانس، غير أن هاتين المقطورتين ظلتا في ميناء طنجة، ومقابل ذلك تم العثور في ميناء الجزيرة الخضراء على مقطورتين محملتين بالحشيش وتحمل إحداهما نفس لوحة إحدى المقطورتين اللتين ظلتا في ميناء طنجة. مناطق الغموض تبدأ من هذه النقطة، حيث يقول مسؤولو شركة إيغل طرانس إن مهمتهم انتهت مباشرة بعد حمل البضاعة إلى الميناء، وإن أية مسؤولية بعد ذلك لا تتحملها إطلاقا الشركة التي أدخلت المقطورتين إلى الميناء. ويقول جمال الدين بنيعيش، الذي يوجد حاليا في السجن المدني بطنجة بتهمة تهريب مخدرات، وهو المسؤول عن شركة إيغل طرانس، إنه بعد عدة أشهر من التحقيق قدمت الشرطة القضائية تقريرها إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بطنجة من دون أن يتضمن التقرير أي اتهام له أو لشركته. غير أن المفاجأة حدثت بعد ذلك عندما فوجئ بنيعيش بقرار استدعائه هو والعاملين معه في الشركة من طرف الشرطة القضائية في طنجة، بينما كل الذين وردت أسماؤهم من المغاربة في اللائحة الإسبانية تم الاستماع إلى أقوالهم ثم غادروا المغرب. هكذا تحولت القضية بشكل جذري، وأغلب المتهمين، مغاربة وإسبان، غادروا المغرب أو ظلوا في حالة فرار، بينما تم تركيز التهمة على شخص بنيعيش وشركة إيغل طرانس، وقرر قاضي التحقيق، م. ت، القيام بالإنابة القضائية في القضية بإسبانيا، وبنا قرار الإحالة في حق بنيعيش على ترجمة أنجزها بنفسه للوثائق التي أحضرها من إسبانيا، وهي ترجمة يقول بنيعيش إن بها تحريفات كثيرة، وتم تنبيه الدفاع وقتها إلى تلك التحريفات، وتم اعتبار الترجمة غير قانونية وطالب الدفاع بترجمة محلفة، والتي جاءت بعد ذلك متناقضة مع ترجمة قاضي التحقيق، لكن المثير أن الترجمة التي قام بها قاضي التحقيق هي التي تم الاعتماد عليها في المحاكمة، وعليها بنيت الأحكام. وفي رسالة إلى وزير العدل سنة 2007، يصف جمال بنيعيش، المحكوم استئنافيا بثماني سنوات نافذة، أنه لا توجد أية شبهة تدينه، وأن الوقائع كلها تؤكد براءته، وأن شركته نقلت السردين المجمد وليس المخدرات، وأن محاضر الشرطة القضائية التي عاينت مقطورة السمك تثبت ذلك، وأن مقطورته تم العثور عليها مغلقة وبالختم الرسمي للجمارك داخل ميناء طنجة وبداخلها السمك، وذلك بعد أيام من حجز مقطورة المخدرات في الجزيرة الخضراء، كما تم نزع لوحة هذه المقطورة وألصقت في مقطورة أخرى، وهي المقطورة التي تم العثور على المخدرات بداخلها في إسبانيا. يبدو مستغربا أن يحدث كل هذا ومع ذلك تؤيد محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي وتدين بنيعيش بنفس المدة السجنية، لكن بنيعيش يفسر ذلك في رسالة لوزير العدل بما يلي «لا بد من التنبيه إلى أن المقطورة التي تم ضبطها وكلها مخدرات حمولتها 27 طنا تساوي الملايير، مما يثير علامات استفهام كثيرة، أولها كيف عبرت هذه المقطورة ميناء طنجة في أمن وأمان وفي غفلة عن مسؤولي الأمن بالميناء وهم أطراف كثيرة ورؤوس متعددة، مثل الأمن العام وفرق الأمن الخاص والجمارك وكل أشكال السلطات المغربية. ويضيف بنيعيش «عوض أن يطال التحقيق المعنيين الحقيقيين، إلا أنه تمت إدانة ثلاثة أبرياء ليسوا من أصحاب السوابق ولا من المشبوهين لكي تتم تغطية جريمة شنيعة اشتركت فيها أطراف متعددة ومتنفذة لا بد من فضحها». السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بعد ثلاث سنوات من محاولة عبور أكبر كمية من المخدرات في تاريخ التهريب عبر ميناء طنجة، هو: هل صاحب شركة للجر واثنين من عماله سيأتون بحوالي 30 طنا من الحشيش من الصحراء حتى طنجة، وأكثر من ذلك ستعبر هذه المقطورة كل الحواجز حتى تصل الجزيرة الخضراء، وسيتم العثور على محتوياتها بالصدفة فقط بميناء الجزيرة الخضراء، لأنه لولا حادث بسيط لما تم اكتشاف هذه الشحنة أبدا. من الضروري التوفر على قدر هائل من الغباء حتى يصدق الناس أن 27 طنا يمكن أن تعبر بهذه السهولة، وعندما وقعت، تم وضع ثلاثة أشخاص في السجن.. وانتهى الأمر، بينما غادر كل المشبوهين الرئيسيين المغرب أو اختفوا. إنها قضية تحتاج إلى شجاعة حقيقية للنبش في مناطقها المظلمة وإعادة التحقيق في تفاصيلها المثيرة.