اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي (وزيرة الفلاحة الفرنسية)    بدء أشغال المؤتمر السابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية بالقاهرة بمشاركة المغرب    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    بنسليمان.. شرطي يطلق النار لإيقاف رجل حاول تهريب ابنه    حديقة المغرب الملكية في اليابان: رمز للثقافة والروابط العميقة بين البلدين    البطولة: "ريمونتادا" اتحاد تواركة أمام حسنية أكادير تقوده لتحقيق انتصاره السادس هذا الموسم    ألمانيا.. فوز المحافظين بالانتخابات التشريعية واليمين المتطرف يحقق اختراقا "تاريخيا"    تجار سوق بني مكادة يحتجون بعد حصر خسائرهم إثر الحريق الذي أتى على عشرات المحلات    الملك محمد السادس يهنئ سلطان بروناي دار السلام بمناسبة العيد الوطني لبلاده    نجوم الفن والإعلام يحتفون بالفيلم المغربي 'البطل' في دبي    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    الإمارات تكرم العمل الجمعوي بالمغرب .. وحاكم دبي يشجع "صناعة الأمل"    مصرع فتاتين وإصابة آخرين أحدهما من الحسيمة في حادثة سير بطنجة    الكاتب بوعلام صنصال يبدأ إضرابًا مفتوحا عن الطعام احتجاجًا على سجنه في الجزائر.. ودعوات للإفراج الفوري عنه    إسرائيل تنشر فيديو اغتيال نصر الله    انتخاب خالد الأجباري ضمن المكتب الوطني لنقابة الاتحاد المغربي للشغل    لقاء تواصلي بمدينة تاونات يناقش إكراهات قانون المالية 2025    مودريتش وفينيسيوس يقودان ريال مدريد لإسقاط جيرونا    هذه هي تشكيلة الجيش الملكي لمواجهة الرجاء في "الكلاسيكو"    عامل إقليم الدريوش ينزل للعالم القروي ويعطي انطلاقة مشاريع تنموية ورياضية ببودينار وأولاد امغار وبني مرغنين    أمن تمارة يوقف 3 أشخاص متورطين في نشر محتويات عنيفة على الإنترنت    تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس : الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تنظم المؤتمر 87 للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    هل الحداثة ملك لأحد؟    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المساء » تروي القصة الكاملة ل«موؤودة» العرائش
مغتصبها يقول إنه تزوجها عن «رضى وحب» ووالدا الضحية يتهمانه باغتصابها
نشر في المساء يوم 18 - 03 - 2012

على بعد 10 كيلومترات من العرائش في اتجاه أصيلة، أنهت الطفلة- الزوجة أمينة الفيلالي، يوم السبت المنصرم، حياتها. اختارت مبيد الفئران للهروب من أمام القطط السمان التي تصيدت طفولتها
وظلت تلاحق حقها في العيش الكريم. والحق، كما أكد ذلك كل من التقتهم «المساء» أن أمينة لم يكن في نيتها أن تضع حدا لحياتها. بل أرادت وضع حد لمأساتها؛ فلم تكن غايتها، وهي تقتني قرص مبيد الفئران، غير لفت الانتباه إلى معاناتها وإعلان احتجاجها على وضع لا تتوفر فيه لا على حق الطفلة ولا على حق الزوجة.

اختارت أمينة يوم السوق الأسبوعي لرفع عقيرتها بالاحتجاج أمام المئات من القرويين القادمين من مداشرهم المتفرقة من أجل التسوق والتعاقد والتقاضي... لتعبر عن مأساتها في صمت؛ قصدت صاحب بائع «دوا الفيران»، ودونما إطالة في الكلام وضعت القرص تحت لسانها وغابت إلى غير رجعة.

في مدشر «الشرفا» بقلب جماعة الساحل، وهو المدشر الممتد على يمين الطريق الوطنية في اتجاه طنجة، التقت «المساء» مصطفى، الشخص الذي أرغمت أمينة على الزواج منه. شاب في العشرينات من العمر طويل القامة، سريع الاحمرار خجلا، قليل الكلام، طوَّق عنقه بكوفية فلسطينية، وجلس يستعيد شريط الأحداث رفقة أخيه أمين، وسط إحدى غرف البيت الذي عاشت فيه أمينة أيامها الأخير لتغادره بغير رجعة.

حكى مصطفى كيف تعرف إلى أمينة، قبل حوالي 6 أشهر، حينما كانت تدرس في القسم السادس ابتدائي، «كنت أتردد على مدشر القريمدة، حيث تسكن عائلة أمينة، أعجبت بها وأعجبت بي، و...»، يصمت مصطفى، وتحت قصف الأسئلة يضيف: «لقد كانت ترافقني بطيب خاطر على عكس ما يروج له الناس، وكنا نتقاسم الحب وحلم العيش تحت سقف الزوجية. بعد حوالي شهرين على تعارفنا بلغ الخبر إلى والدة أمينة، التي فاتحتني في موضوع علاقتنا، فطمأنتها إلى حسن نيتي، وهو ما أثبته فعلا عندما عقدت عليها مباشرة بعد عيد الأضحى الأخير، ثم حين استقبلها والداي دونما اعتراض عليها، وأسكناها بين إخوتي لتصبح أمينة واحدة من أفراد العائلة». مصطفى ينفي بشدة قيام خلافات كبيرة بينه وبين زوجته الراحلة دفعتها إلى الانتحار: «لم تصل بيننا المشاكل إلى حد أن تختار أمينة الانتحار، أنا أشتغل عاملا مياوما بتعاونية الرمال بمنطقة ولاد صخر، وفي الليل أعود إلى البيت. مرة في الأسبوع كنت أرافقها إلى بيت أهلها، وهذا ما كنت بصدد القيام به يوم الواقعة».

ما الذي قام به مصطفى تجاه أمينة يوم الواقعة بالتحديد؟ يجيب مصطفى: «صباح السبت أخبرتني أمينة برغبتها في زيارة والديها، ثم خرجت إلى الطريق العام، ذهبت أنا إلى السوق حيث وجدتها هناك، فعادت بصحبتي إلى البيت، تناولنا طعام الغداء معا، ولم ينشب بيننا أي خلاف، لم أخاصمها، ولم أنتبه إلى أن حالتها غير طبيعية، طلبت مني أن أصطحبها إلى بيت أهلها ففعلت. بعد ابتعادنا بمسافة 300 متر عن منزلنا، وبالضبط أمام إدارة المياه والغابات، بدأت تتقيأ من دون أن تخبرني أنها تناولت مادة سامة، وما هي إلا لحظات حتى سقطت أرضا، فتحلق حولنا بعض المارة من المتسوقين، وبما أن المسافة كانت قريبة من بيتنا، لحق بنا أخي أمين وزوج أختي عبد الله، هذا الأخير أسرع لإخبار القائد وإحضار سيارة إسعاف».

لم يخطر ببال مصطفى، حسب ما يؤكد، أن يكون السبب في تناول زوجته مواد سامة، ولم يعرف ذلك، يضيف، إلا بعد أن حضرت أمها وأخذت تسعفها بطرق تقليدية «ناولتها والدتها لبنا حامضا لكي تتقيأ ما في بطنها من سم، في تلك اللحظة فقط عرفت لماذا ذهبت أمينة إلى السوق بدل التوجه مباشرة إلى بيت والديها». يُطرق مصطفى، متنازلا عن الكلام لأخيه الأصغر أمين، الذي كان قد استأنف رحلة أمينة نحو الموت، يقول أمين: «عندما جاءت سيارة الإسعاف رافقت أمينة أنا وأمها، كانت تتضور ألما طيلة الطريق إلى المستشفى وتصرخ بشدة. عندما وصلنا، أخبرت الطبيب بأنها تناولت مبيدا للفئران».

الساعة الثالثة بعد زوال يوم السبت 10 مارس، بعد يومين على عيد المرأة: تناولت الطفلة أمينة بدل الحلوى سما، صرخت، ابتسمت في وجه أمها وأختها، ماتت. قبل هذا الوقت بنصف سنة أجبرت أمينة على استبدال اللعب بالجد، والالتحاق بعالم الكبار. سواء كان ذلك تحت طائلة التهديد، أم «طوعا» استدرجت إليه بإغراءات، فهو لا يحيد عن كونه غصبا لها على الانتقال، دونما شرط السن القانوني والبيولوجي وشرط الوعي بالانتقال من اللعب إلى الجد، انتقلت أمينة من ابنة مسؤول عنها إلى أم مسؤولة عن أبناء مفترضين.

مصطفى، زوج أمينة قد حياتها يبرر، كما لو من باب أخف الأضرار، بأنه لم يغتصب أمينة بل أحبها وأحبته، إذ يقول: «تعارفنا بعدما اقتنع كل واحد منا بالآخر، وكنت أنوي منذ البداية الزواج منها قبل أن أفاجأ بوالدتها تتقدم بشكاية ضدي إلى السلطات القضائية». يستطرد مصطفى محاولا التدليل على أن عائلة أمينة هي التي عكرت صفو علاقتهما وجعلتها تتخذ مسارا معقدا ومخالفا لعادات المنطقة «أنا كنت ناوي نعمل العرس». ما الذي حدث إذن حتى عدل مصطفى عن إشهار احتفاله بزواجه؟ «ذات ليلة باغتتني أمينة بعد منتصف الليل وهي تحمل كيسا بلاستيكيا فيه ملابسها، ولم يكن قد مضى على عقد زواجنا سوى أسبوع، قالت لي إن والدها عنفها وإن استمرارها في بيت أهلها لم يعد ممكنا، حينها لم أجد بدا من استقبالها في بيت والدي، والإقلاع عن فكرة إقامة حفل زفاف». عندما تطلب «المساء» من مصطفى أن يطلعها على صورة تجمعه بزوجته الراحلة، يجيب: «شكون اللي خلاك تتصور»، وكمن يسترجع أسوأ المحطات التي نغصت عليه «حبه» لأمينة، يضيف مصطفى: «أنا لم يسبق لي أن اغتصبت أمينة، أمها هي التي تصر على قول ذلك، وهي التي ذهبت إلى الوكيل العام للملك في طنجة وضغطت على أمينة لتوقيع شكاية ضدي»، يصمت ويستطرد: «مازلت أذكر كيف كانت أمينة تحتج على والدتها في محكمة طنجة وتقول لها إنها هي التي ترغمها على تقديم الشكاية ضد مصطفى».

لم يتوقف «كيد الحماة» بتعبير مصطفى، عند هذا الحد، بل استمر حتى بعد انتحار أمينة «أمها ما زالت تقول للناس إن والدي ووالدتي يعتديان على أمينة، بالرغم من أن والدي رجل مريض ولا يقوى حتى على الذهاب إلى الحمام بمفرده». ينفي مصطفى أن يكون قد تعرض يوما لزوجته بالضرب أو الإهانة، كما ينفي أن تكون زوجته أمينة قد طالبته يوما بالطلاق، بل ويصر على القول: «حتى لو كانت قد طالبتني بتطليقها ما كنت لأوافق على ذلك، لأنني...» يصمت.

يحكي مصطفى ويحكي، كلما ألحت «المساء» على السؤال، يسوق لكل حادث حديثا، إلا سؤال: لماذا انتحرت أمينة؟ فهو لا يقوى على الإجابة عنه بالتدقيق، ولا يقول شيئا عن الدوافع الحقيقية التي دفعت فتاة لم تكمل بعد ربيعها 16 إلى إنهاء حياتها وزواجها الذي لم يكمل السنة. ببرود يجيب مصطفى: «مدشر قريمدة الذي تنحدر منه أمينة معروف بحالات انتحار الفتيات، فقد أقدمت 4 فتيات خلال السنة الفارطة وبداية السنة الجارية على محاولة الانتحار».

«اغتصبها وعنفها»

كان وصول «المساء» إلى منزل والدي أمينة «لحسن الفيلالي والزوهرة بلمعلم» حوالي العاشرة مساء. لا شيء يضيء الطريق إلى المنزل غير عيون الكلاب المنتشرة على جنبات المدشر، وبضعة نجوم متفرقات في سماء لم تعد تمطر. تراكم الأحذية والنعال عند مدخل أول غرفة تلوح من باحة المنزل القروي، تشي بأن «خلقا» كثيرا يلتئمون في بيت لحسن هذه الليلة، بديهي فهو بيت جنازة ليست كباقي الجنائز. نادى مرافق «المساء» على لحسن، فخرج من خلف رواق. كان لحسن ينتظر قدومنا، قال لزوجته الزوهرة: «المساء» هي أول من أثار قضية ابنتنا». قبل أن تتلقفها المئات من وسائل الإعلام العالمية والجمعيات الحقوقية التي لم تتوقف عن التقاطر على بيت لحسن في مدشر القريمدة، الناعس تحت رطوبة الشريط الأطلسي.

حكى لحسن مستعينا بذاكرة زوجته الزوهرة وابنته حميدة، وكلهم تسلحوا بما يكفي من حجج ودلائل لتفنيد رواية مصطفى، زوج أمينة قيد حياتها، قالت الأم: «أنا أشتغل خادمة بيوت في العرائش»، وأضافت: «ذات يوم عدت من عملي مساء ولم أعثر على أمينة بالبيت، فخرجت أسأل عنها ابنة الجيران، وكم كان هولي عظيما عندما أخبرني طفل صغير أن أمينة اقتادها أحدهم إلى الغابة، بعد أن وضع سكينا على صدرها. جريت كالمجنونة وسط الغابة أصرخ وأنادي، عندما سمعني مغتصب ابنتي فر هاربا وتركها. احتضنتها وعدنا أدراجنا، تركتها بالبيت وقصدت بيت والدته لأخبرها بجريمة ابنها، ففوجئت بها تقول لي: «والله ما يتزوج بيها، هي كانت مع السراحا في الغابة». في اليوم الموالي ساقت الزوهرة ابنتها إلى مستشفى لالة مريم بالعرائش: «شافها الطبيب، وقاللي: ما بقاتش بنت». يمسح لحسن بيده شاربه الكث، ويرمق زوجته الزوهرة بنظرة، تصمت هي ويبدأ هو: «كانت أمينة تدرس في القسم السادس ابتدائي، مرة لاحظت أنها تغيبت لأزيد من شهر ونصف عن المدرسة، سألت والدتها عن سبب انقطاعها عن الدراسة، فأجابتني بأن أمينة لم تعد ترغب في ذلك، لحظتها كانت تخفي اغتصابها ولم يكن أحد منا يعرف ذلك». ينفعل لحسن ويوجه سبابته إلى زوجته ويضيف: «بعد ذلك بفترة قصيرة لم تعد أمينة تقضي الليل بالمنزل، سألت أمها فقالت لي إنها مع الجيران. لم أقتنع بالجواب، وعندما ألححت على معرفة الحقيقة كاملة أخبرتني زوجتي بالحقيقة الصادمة.. قالت لي إن أمينة اغتصبها أحد يدعى مصطفى بن الفلاق من الساحل، وأنه اختطفها تحت التهديد بالسلاح، واقتادها إلى الغابة، سألتها أين الطفلة الآن، فأجابتني أنها معه في الغابة».

ترك لحسن أشغاله الفلاحية ومسؤولية بيته الثاني- متزوج من زوجتين- واقتحم رفقة زوجته الزوهرة دهاليز غابة الفلين، بحثا عن طفلة في كنف المجهول. «تقدمت بشكاية إلى الدرك الملكي، ورافقوني باتجاه الغابة، ولم نعثر على أثر لهما، بعدها توجهنا إلى وكيل الملك بالعرائش، وعندما علم أن المعنية بالأمر لم تتجاوز 15 سنة أحالنا على الوكيل العام بطنجة». أعطى الوكيل العام للملك بطنجة أوامره للدرك بإحضار مصطفى المتهم بالاختطاف والاغتصاب. ترددت عناصر الدرك مرارا على بيت عائلة مصطفى، تربصوا له في المقاهي، لكن عبثا، فقد كان رفقة أمينة في مكان ما من الغابة. بعد البحث سيهتدي لحسن وزوجته إلى مكان مصطفى؛ لقد كان عبارة عن اسطبل غابوي تعود ملكيته إلى والد مصطفى. تحكي الزوهرة والدة أمينة: «عندما داهمتهما في الإسطبل حاصرت مصطفى وأخبرته بأن الدرك الملكي سيلقي عليه القبض إذا لم يقدم نفسه ويعرب عن حسن نيته بالزواج من البنت، وفعلا رافقني إلى مركز الدرك بالساحل، استمعوا إلى أقواله واعتقلوه لليلة قبل أن يقدموه في اليوم الموالي إلى الوكيل العام للملك في طنجة»، يقاطع لحسن زوجته متذكرا: «عندما سأل الوكيل العام مصطفى عن الجريمة التي ارتكبها نفى كل شيء وقال لوكيل الملك: أنا أحبها وهي تحبني وسوف أتزوج بها، ثم توجه الوكيل إلى أم أمينة فأبدت موافقتها على الزواج». يتوقف لحسن عن الحكي ويعلق: «أنا لم أكن موافقا على هذه الزيجة، لكن إصرار زوجتي على «ستر» البنت ووضع حد للفضيحة جعلني أصمت وأتنازل عن رفض تزويج ابنتي لمغتصبها بالقوة». بعدما تعهد مصطفى بالزواج من أمينة وموافقتها أيضا على الزواج منه، أطلق الوكيل العام للملك بطنجة سراح مصطفى، وأحال الملف على قاضي الأسرة بالعرائش، لتزويجهما وفق مسطرة استثنائية اعتبارا لكون أمينة لا تزال قاصرا. «عندما بدأنا إجراءات الزواج عاد مصطفى إلى سابق خداعه وبدأ يتغيب عن جلسات يوم الأربعاء، التي كنا نحضر فيها أمام قاضي الأسرة» تحكي الزوهرة والدة أمينة، وتضيف: «إلى درجة أن قاضي الأسرة انفعل في إحدى المرات وقال لي: هاذ الراجل ماعندو غرض فالزواج».

أربع محاولات انتحار

لماذا لجأت أمينة إلى الانتحار؟ تجيب والدتها «أمينة لم تكن تنوي قتل نفسها، بل أرادت فقط أن تلفت الأنظار إلى وضعيتها المزرية، هذا ما قالته لنا قبل وفاتها». تتذكر الزوهرة كيف أن أمينة تأثرت بإحدى صديقاتها (هاجر) من المدشر، التي أقدمت، بدورها، على تناول «دوا الفيران» للتعبير عن اغتصابها من طرف أحد الشبان، «زارتها أمينة وقالت لها: علاش أهاجر شربتي سم الفئران، فأجابتها: أنا غير عملت ليهم. وأضافت أنها كانت قريب من الموت». حالة هاجر وأمينة لم تكونا الوحيدتان، في مدشر القريمدة، خلال نهاية السنة الفارطة وبداية السنة الحالية، عرف المدشر 4 حالات انتحار فتيات عن طريق تناول «مبيد الفئران» ماتت منهما اثنتان بينما عاشت الأخريان «مع أن الطبيب قال لهم إن شارب سم الفئران لا يشفى نهائيا، بل يبقى معرضا للخطر في أي وقت».

تعود الزوهرة، والدة أمينة لتذكر لحظة لقائها الأخير بابنتها، تحكي بصوت يقطعه الألم والبكاء، أنها عندما لحقت بابنتها بالقرب من مقر «المياه والغابات» وجدتها في حالة متردية، وكانت تبكي وتقول لها «قتلوني أ يما قتلوني، سمحي لي يا يما». عندما تم نقل أمينة إلى مستشفى للا مريم بالعرائش، ابتسمت في وجه أختها حميدة وطلبت منها أن تأتيها بقارورة ماء باردة وعلبة «دانون»، تحكي حميدة ل»المساء» بصوت متهدج: «قالت لي يا أختي الما سخون، جيبي لي قرعة باردة ودانون، وكأنها عرفت أنني لن آتيها بهما، أضافت: كاع ما غاديا تجيبيهم لي أختي ياك». جاء رجال الشرطة حوالي الساعة الثامنة والنصف ليستمعوا إليها «حكى لي شرطي أنها كانت في كامل وعيها وأكدت لهم أن زوجها ظل يعنفها ويسيء معاملتها» يقول لحسن والد أمينة.

وكأنما كانت أمينة تنتظر قدوم الشرطة لتسجل، رسميا، شكواها، قبل أن تموت. على الساعة الحادية عشرة من مساء السبت 10 مارس توفيت أمينة الطفلة- الزوجة ولم تكمل ربيعها السادس عشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.