أما المشروع النووي الإسرائيلي فيمثل المحور الثالث من هموم الإيرانيين. فلماذا لا يتوجه العالم للتخلص من هذه الأسلحة بشكل كامل، خصوصا أن المخزون منها يكفي لتدمير الكوكب الأرضي وما عليه مرات عديدة؟ لماذا يتم التغاضي عن السلاح النووي الإسرائيلي؟ ما المبرر الأخلاقي للضغط على إيران والتغاضي عن «إسرائيل» في المجال النووي؟ لماذا لا يضغط على الكيان الإسرائيلي للسماح بتفتيش منشآته النووية؟ ولماذا لا ترغم على توقيع اتفاقية منع انتشار السلاح النووي (إن بي تي)؟ التساؤل الثالث: لماذا يسمح للإسرائيليين بقرع طبول الحرب والتهديد المستمر لبلد آخر؟ ما هو هذا العالم الذي يسمح بالبلطجة والعدوان من قبل كيان ما يزال يعتبر محتلا لأراضي الغير من وجهة النظر الدولية؟ كيف تستهدف إيران رغم توقيعها اتفاقية (إن بي تي) وسماحها لفرق التفتيش الدولية بزيارة منشآتها بشكل دروي شبه منتظم؟ ولماذا يتم التغاضي عن التصريحات والفتاوى الدينية التي تؤكد حرمة تصنيع الأسلحة النووية وحرمة اقتنائها وحرمة استعمالها على أساس ديني؟ وأخيرا: أين هو الموقف العربي والإسلامي الضاغط بشكل فاعل لإخلاء منطقة الشرق الأوسط كلها خالية من السلاح النووي؟ ألا تستطيع هذه الدول مجتمعة، باستعمال إمكاناتها السياسية والمالية وعلاقاتها بدول الغرب، أن تحقق منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، خصوصا السلاح النووي؟ لماذا تتم معاقبة من يطرح تصريحات أو تصورات أو مواقف بأسلوب سلمي لا يتوافق مع النظرة الصهيونية حول الاحتلال الإسرائيلي؟ ما مبررات التصدي للنائبة البرلمانية البريطانية عن حزب الديمقراطيين الأحرار، البارونة تونج، عندما قالت إن «إسرائيل» لن تبقى إلى الأبد؟ الأمر المؤكد أن التحريض ضد إيران ومشروعها النووي ينطلق من تل أبيب عبر ما تمتلكه من مجموعات ضغط في الغرب، وبالتالي كيف يسمح لكيان غاصب بتوجيه السياسات الغربية على طريق الحرب والصراع الحضاري المدمر؟ وهنا يلاحظ تقاعس الدول العربية عن التصدي للمشروع النووي الإسرائيلي، واكتفاء الزعماء بالإشارة إليه عن بعد مع العلم بأنه يمثل حجر الزاوية في أي مشروع صهيوني لمواجهة العالمين العربي والإسلامي، فبدلا من إخضاع الكيان الإسرائيلي للرقابة الدولية ومحاسبتها على عدم القيام بذلك، أصبحت «إسرائيل» هي التي تقرر الموقف إزاء إيران التي ما تزال تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وليتصور أحد ماذا سيحدث لو أن إيران هي التي تهدد الكيان الإسرائيلي بقصف منشآته النووية! هذا الانقلاب في المعايير والاستخفاف بعقول البشر يمثل أزمة أخلاقية وقيمية لعالم اليوم الذي تقوده أمريكا والذي تدفع البشرية أثمانا باهظة لبعده عن المنطق والإنسانية. وفي الحديث عن المحور الرابع لا تستطيع إيران، وهي تخوض انتخاباتها البرلمانية أن تكون بمعزل عن الظروف والعلاقات الإقليمية التي أصبحت مرتبطة باستحقاقات ثورات الربيع العربي التي دخلت في دهاليز السياسة الدولية من أوسع أبوابها وتزداد تعقيدا بمرور الوقت. وتشعر طهران بأن هذه الثورات عندما انطلقت كانت امتدادا لثورتها، ولكن قوى الثورة المضادة تخطط ليلا ونهارا وتبذل أموال النفط الهائلة لمنع تحول البلدان العربية إلى دول ديمقراطية لأن ذلك يؤثر سلبا على توازن القوى مع الكيان الإسرائيلي. هذه الثورات، في نظر طهران، لا بد أن تفضي إلى إسقاط الأنظمة التي تمارس سياسات محلية ودولية شبيهة بما كان نظام الشاه السابق يمارسه، خصوصا في علاقات التبعية للولايات المتحدة و«إسرائيل». ولكن دخول الغرب، خصوصا الولاياتالمتحدة، على الخط أصبح حائلا دون تحقق ذلك. الانتخابات الإيرانية جاءت على خلفية صراع المصالح والمبادئ في منطقة ما تزال تبحث عن هوية تؤسس وفق رغبات أبنائها وليس بإملاءات القوى التي ما فتئت تعمل ضد مصالحهم. وتعتقد إيران، التي تجد نفسها محرجة أيضا في موقف صعب إزاء الوضع السوري، أن الصراع على مصر سيكون عنوان المرحلة المقبلة، لأن الثورة المصرية لم تكتمل بعد، خصوصا مع تركز القوة في أيدي العسكر. وترى نفسها كذلك في مواجهة مشروع الطائفية الذي يتناقض في جوهره مع المشروع الديمقراطي الذي يرفع معنويات الشعوب ويجمعها على أرضية التوافق والتفاهم والبناء ومواجهة تحديات الخارج. العلاقات بالربيع العربي كانت واضحة منذ انطلاق الثورات العام الماضي، ولكن الربيع العربي نفسه خضع لهندسة سياسية خطيرة حرفت مساره وأوقفت عجلاته في غضون أسابيع من تفتح أزهاره. وتشعر إيران بأن من مصلحتها تغير أنظمة الحكم الاستبدادية في المنطقة لأنها عانت كثيرا من الأنظمة التي تحالفت مع الغرب وسعت إلى التطبيع مع «إسرائيل»، ولذلك فالصراع على الربيع العربي وثوراته لا يخلو من أبعاد مرتبطة بالصراع بين الظاهرة الإيرانية والهيمنة الغربية. وسيظل هذا الصراع قائما في الفترة المقبلة حتى يتم حسم مستقبل العالم العربي، خصوصا في مجال الحريات والديمقراطية. أما العلاقات مع الغرب فهي الوجه الآخر للمشكلة الإيرانية. والغرب هنا يتمثل بالمنظومة السياسية في الولاياتالمتحدة وأوربا التي ربطت مصالحها بالكيان الإسرائيلي. ومنذ الثورة الإسلامية أصرت إيران على التعامل مع الغرب على قدم المساواة، وعلى استقلال القرار. وكان للبرلمان الإيراني دوره في تحديد معالم تلك العلاقة وحدودها، واحتفظ لنفسه بدور المحافظ على الثورة وقيمها، فيما كانت الحكومات المتعاقبة تسعى إلى تطوير علاقاتها بالمحيط الإقليمي وبالشريك الدولي، خصوصا في أوربا. ونجحت طهران في تحقيق شراكة اقتصادية مع العديد من الدول الأوربية، مثل ألمانيا وايطاليا، ولكن علاقاتها ببريطانيا اتسمت دائما بالتشكيك في النوايا ومحاكمة المواقف، واستحضار التاريخ كشاهد على المواقف. ومع صعود الدور الإقليمي لإيران، أصبح الغربيون أمام مشكلة حقيقية، خصوصا أنهم احتاجوا الدعم الإيراني في بعض الحالات، ولم يستطيعوا استثناء طهران من أية صيغة للتعايش والتعاون. الغربيون تقلص حماسهم للعلاقات بإيران، إما بسبب اقتناعهم بأن إيران لم تعد لقمة سائغة بل تصر على التعامل بالمثل وترفض الانصياع للإملاءات والسياسات الغربية، أو لإيمانهم بأن عجلة الزمن دارت باتجاه لا يناسبهم، وبالتالي لم يعودوا قادرين على فرض الواقع الذي يريدونه، ولا يتذوقون طعم التعايش المؤسس على المعاملة المتساوية بالمثل والاحترام المتبادل والاعتراف للشعوب بحق تقرير مصائرها. وإذا كان الغربيون يهدفون إلى تصميم سياساتهم الجديدة تجاه إيران على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، فقد جاءت نتائجها بغير ما يشتهونه، وأصبح التوجه أكثر ميلا إلى مشروع الإسلام السياسي. فقد أجريت الانتخابات التي شارك فيها قرابة ثلثي الناخبين، وفاز فيها العديد من المرشحين المحسوبين على خانة المرشد العام على خلفية تحديات وتهديدات عديدة منبثقة من الغرب. وإذا كانت حظوظ الرئيس أحمدي نجاد قد انخفضت نتيجة الانتخابات، فإنه لن يتضرر كثيرا لأن فترة رئاسته الثانية اقتربت من نهايتها ولن يستطيع الترشح للمنصب مرة ثالثة. طهران تبدو واثقة من نتائج انتخاباتها، وأصبح على الغربيين التعاطي مع الطروحات الإيرانية بجدية واهتمام أكبر. لقد كانت الانتخابات تنافسا محموما بين تيارين غير متباعدين، يختلفان أحيانا حول النظرة العامة لسير الأمور، ويتفقان في أكثر الأحيان على ما يعتبرانه توجهات مشتركة عن طريق تحكيم صناديق الاقتراع. ولكن تلك الانتخابات أيضا كانت عرضا سياسيا «مبدئيا» من وجهة النظر الإيرانية الدينية في مقابل الليبراليات الغربية التي فشلت في امتحانها الأصعب عندما تخلت عن دعم التحول الديمقراطي السلمي في دول الربيع العربي.