قال الخبير الاقتصادي إدريس بنعلي إن حكومة بنكيران ستتعرض لضغوطات من قبل بعض اللوبيات. ودعا إلى الحزم في مواجهة هذه الضغوطات. وأثار بنعلي أيضا إمكانية أن تلقى هذه المجهودات معارضة من داخل الحكومة نفسها، واستبعد أن تقدم وزارة الداخلية على كشف أسماء المستفيدين من ريع الامتيازات على غرار الخطوة التي قامت بها وزارة التجهيز والنقل. كيف تنظر إلى إقدام وزارة التجهيز والنقل على إصدار قائمة بأسماء مستفيدين من مأذونيات النقل للحافلات بين المدن؟ تعتبر هذه الخطوة إيجابية، لكنها تبقى رمزية بالأساس، لأنها تخص وزارة واحدة ذات طابع تقني. والواقع أن الريع حاضر بقوة في المغرب، حتى إنه يكتسي بالأساس طابعا سياسيا، وهو ما يفسر إسناد مهمة توزيع الامتيازات إلى وزارة الداخلية، التي تعتبر سيادية، ولم يعهد بها إلى وزارة النقل ذات الطابع التقني. تدبير الامتياز أسند بذلك إلى وزارة سياسية كانت تعتبر في أعين الملك الراحل الحسن الثاني الوزارة الأولى في المغرب. وإذا رجعنا إلى السنوات الأولى من الاستقلال، سنكتشف بأن بعض الوطنيين، دون الحاجة إلى ذكر أسمائهم، استفادوا من امتيازات وأصبحوا بعدها من كبار المدافعين عن النظام القائم بالمغرب. يكشف الريع أيضا فصولا من تاريخ المخزن عملت فيه الدولة على توزيع الامتيازات على بعض الشخصيات مع احتفاظها بالقوة الكافية للتدخل وحرمان المستفيدين من تلك الامتيازات إذا حاذوا عن الطريق، وهو ما جعل النظام قائما منذ الاستقلال على الامتياز. - هل من نماذج عن طبيعة الشخصيات التي استفادت من الامتيازات في إطار اقتصاد الريع في المغرب في السنوات التالية للاستقلال؟ النماذج كثيرة. وقد ورد في كتاب «ضباط صاحب الجلالة» للكاتب محجوب طوبجي أن الملك الراحل الحسن الثاني جمع ضباط القوات المسلحة الملكية بعيد المحاولة الانقلابية الثانية، وقال لهم: «راكموا الأموال، ولكن إياكم والسياسة». من هذا المنطلق، أؤكد على أن أكبر نموذج لاقتصاد الريع، الذي يغفل كثيرون أهميته، يتمثل في سياسة المغربة التي انتهجها المغرب بعيد حصوله على الاستقلال. بموجب هذه السياسة، تم توزيع المقاولات على بعض الشخصيات ومنحت أراض لشخصيات أخرى، وكانت تلك بمثابة انطلاقة العديد من المقاولين المشهورين حاليا. - في ظل خصوصيات الظرفية التي يجتازها المغرب حاليا، هل يمكن أن تقدم وزارة الداخلية على خطوة مماثلة وتكشف عن أسماء المستفيدين من المأذونيات التي وزعتها طيلة عقود من الاستقلال؟ الجميع يعلم طبيعة الوضع الحالي وإكراهاته. وزارة النقل يتولى مسؤوليتها قيادي في العدالة والتنمية، أما وزارة الداخلية، فلم تمنح للعدالة والتنمية، وإنما عهد بها إلى حزب الحركة الشعبية. أعتقد أن الشخصيتين اللتين تتوليان تدبير وزارة الداخلية لا يمكنهما أن تقدما على خطوة مماثلة لما قامت به وزارة النقل. وهنا تبرز أهمية أن يعيد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، التأكيد على أن سياسته ترتكز على محاربة الريع ويطالب جميع الوزراء بالعمل على تنفيذها. - ما هي القطاعات التي يتركز فيها اقتصاد الريع؟ بالإضافة إلى وزارتي الداخلية والنقل، ثمة أيضا حالات اقتصاد الريع في كل من وزارة الفلاحة والصيد البحري وإدارة الضرائب. - هل تعتقد بأنه سيكون هناك فرق بين جهود الوزراء في مجال محاربة الريع؟ لم يتم إسناد حقائب القطاعات التي يتركز فيها الريع لوزراء العدالة والتنمية. لا يتحمل هذا الحزب مسؤولية الداخلية والفلاحة والصيد البحري، ولا حتى وزارة المالية حتى تكون له عين على المستفيدين من الامتيازات الضريبية والاطلاع على لوائح الذين لا يؤدون واجباتهم الضريبية. وقد قبل العدالة والتنمية بهذا المعطى، وسيكون على رئيس الحكومة أن يتعامل معه. - هل يمكن أن يؤثر هذا الوضع على مجهودات حكومة بنكيران الرامية إلى محاربة اقتصاد الريع؟ يتوقف هذا الأمر على الموقف الذي سيتخذه بنكيران إزاء هذه الوضعية. إذا لم يفرض سياسته ويمضي قدما في محاربة الريع، فإن حزبه سيلقى مصيرا مماثلا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. - هل تعني أن بنكيران سيواجه معارضة داخل حكومته بخصوص سياسة محاربة اقتصاد الريع؟ بكل تأكيد. والأمر يتوقف على ما إذا كانت بعض اللوبيات ستحول دون التقدم خطوات في نهج سياسة محاربة الريع. ولفهم هذه الأمور، ينبغي الرجوع إلى البدايات الأولى لتشكيل هذه الحكومة. إذ بدا جليا منذ أول وهلة أنها لن تكون منسجمة، وهو ما سيجعلها عاجزة عن تجاوز حدود مرسومة سلفا في بضع القضايا، ومنها محاربة اقتصاد الريع. الواضح أن بنكيران لم يحسن تدبير تحالفات تشكيل الحكومة، وهو ما انعكس سلبا على حكومته. وحتى الوزراء الذين يقدمون مبادرات في هذا الاتجاه سيتأثرون بهذا الوضع مستقبلا. ذلك أن التقدم في محاربة الريع قد يضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع بعض الأطراف القوية في الدولة، وقد تتعرض الحكومة لضغوطات من أجل العدول عن هذه تفعيل هذه السياسة. - وما هي طبيعة هذه الضغوطات؟ يمكن أن تجد الحكومة نفسها أمام ضغوط بتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية للغاية على معدلات الاستثمار. وفي هذه الحالة، يمكن للحكومة أن ترد بإقرار تدابير حازمة لمنع تهريب الأموال من المغرب وفرض إجراءات أمنية مشدد على الحدود وإنزال عقوبات بمن يثبت تورطه في هذه القضايا. هل تستطيع الحكومة القيام بهذه الخطوة؟ لا أعتقد.