إذا كان حسن بنعدي، الأمين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة» نجح في شيء ما خلال مروره الأخير في برنامج مصطفى العلوي، فهو نجاحه في الكشف عن قدرة كبيرة على «التمركيش». وقد ظهرت هذه القدرات خصوصا عندما وصف كل من يحاولون فهم الأسرار الخفية وراء إنشاء حزب من طرف صديق الملك، بالأناس الذين أصيبوا بالعمى مباشرة بعد رؤيتهم للفأر. وهكذا أصبحوا كلما حدثهم أحد عن «مخلوق» جديد لا يستطيعون تخيله على هيئة شيء آخر غير الفأر. هذه الحكاية الطريفة، حتى لا نقول السخيفة، تذكرنا بحكاية أخرى طالعناها في تلاوة «اقرأ» للراحل «بوكماخ» عنوانها «فرفر يعلق الجرس». وتروي الحكاية قصة مجموعة من الفئران المرعوبة داخل جحورها بسبب قط مفترس يتهدد حياتها كل يوم ويحرم عليها الخروج للعب أمام الجحور. وهكذا عقدت الفئران الخائفة على مستقبلها اجتماعا طارئا في برلمانها الداخلي وخرجت منه بقرار تاريخي يقضي بتعليق جرس في عنق القط، حتى إذا خرج للصيد سمعت رنين الجرس من بعيد، فيكون باستطاعتها الفرار بجلودها في الوقت المناسب. المشكلة التي واجهتها الفئران هي في اختيار من سيتطوع لتعليق الجرس. وهنا ظهرت شخصية «فرفر» المنقذ كبطل قومي لشعب الفئران الخائفة. فغادر جحره ونزل إلى الساحة وحمل الجرس وترصد القط وقفز فوق ظهره وعلق الجرس حول رقبته، وعاد سالما لعشيرة القوارض التي ينحدر منها. ويبدو أن فؤاد عالي الهمة مؤسس الحزب الذي جاء حسن بنعدي يبشر بتعاليمه الجديدة، يحب عالم الحيوان كثيرا، لذلك اهتزت نظارتاه الطبيتان وهو يكشف عن أسنانه في ضحكة واسعة بعد سماعه لحسن بنعدي يشبه معارضيه السياسيين بالعميان الذين لم يسبق لهم أن شاهدوا شيئا آخر في حياتهم غير الفأر. وبما أن حسن بنعدي معجب بابن المقفع وحكاياته حول الحيوان فقد ضيع على صديقه فؤاد فرصة الاستشهاد ببيت الشاعر العربي الذي قال في باب الاستخفاف بضحك البعض «إذا رأيت أنياب الليث بارزة فلا تحسبن أن الليث يبتسم». لكن ضحك فؤاد عالي الهمة المستمر في كل مرة تلتقطه كاميرا المخرج، كان ضحكا أقرب ما يكون من ضحك «البهلان» منه إلى الضحك الذي يخرج من القلب. وهذا ما يسميه المغاربة بالضحكة «الصفرا»، أو الضحك «ديال بلعاني». لكن الهمة معذور في خلطه بين حلقة مصطفى العلوي وحلقة في ساحة جامع الفنا. خصوصا عندما استعان حسن بنعدي بالفئران، بعد أن كان خلال ماضيه اليساري يستعين بديناصورات الفكر الماوي، لكي يشرح فلسفة حزبه العتيد. ولكي يوصل حسن بنعدي «الحلقة» إلى مستوى الفرجة القصوى، أو ما يسمى عند رجال المسرح ب Le paroxisme، عبر عن إحساس عارم بالشفقة من التقارب الحاصل اليوم بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية. وسبب شفقته، على الاتحاد الاشتراكي طبعا لأن العدالة والتنمية لا تستحق منه سوى التشفي، هو كون هذا التقارب ضد الطبيعة. أي بعبارة أخرى فحسن بنعدي يتهم الاتحاد الاشتراكي بالشذوذ. السياسي طبعا. وعندما يتحدث بنعدي عن التقارب ضد الطبيعة بين الإخوة الأعداء في الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية ، ويجد أن تحالف الاشتراكي اليساري التقدمي مع الإسلامي اليميني الرجعي اليوم بعد أن كانوا بالأمس يكتفون ب«التحالف» على بعضهم البعض في افتتاحيات جرائدهم المتخاصمة، هو ضرب من الشذوذ السياسي غير المقبول، فإن أستاذ الفلسفة السابق ينسى درسا فلسفيا مهما يعرفه كل طلبة السنة الأولى في شعبة علم النفس اسمه الإسقاط. أي أن الأعراض التي يعاني منها المريض النفساني يقوم بإسقاطها على الآخرين كشكل من أشكال الدفاع عن النفس المريضة بأوهامها وعقدها. وحسن بنعدي عندما يتحدث عن التحالفات التي تحدث خارج الطبيعة في الحقل السياسي المغربي، ينسى أن حزبه حقق نجاحا باهرا في تخصص «التحالفات السياسية» يستحق أن يدرج في أرقى جامعات العلوم السياسية العالمية. ونجح في إنجاز خوارق سياسية بفئران تجارب منتقاة بعناية من مختبرات حزبية أصابها الإفلاس. وإذا كان تحالف الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية خارج الطبيعة، فكيف يشرح لنا اندماج حزب الكولونيل القادري، صنيعة إدريس البصري، داخل حزب الأصالة والمعاصرة الذي جاء لكي يقطع مع الماضي ويؤسس لتقاليد ديمقراطية حديثة. وماذا يمكن أن نسمي جلوس الشيوعيين واليساريين والمعتقلين السابقين إلى جانب اليمينيين والليبراليين والانتهازيين والذين بدون بوصلة ولا خريطة سياسية. إذا لم يكن اندماج خمسة أحزاب يمينية داخل حزب يفكر بدماغ مخزني وينطق بلسان يساري ويتحرك بأطراف إدارية، فإننا نعترف بأننا لم نفهم معنى «الشذوذ السياسي». لكن يبقى أحسن شيء قاله حسن بنعدي في «الحلقة» هو أن الجميع يتحدث عن مغرب نافع ومغرب غير نافع، فيما يفضل حسن بنعدي الحديث عن «المغرب التافه». وهنا اكتشفت تفاهة «الحلقة» وتفاهة الموضوع المطروح وتفاهة الأسئلة. لأن الموضوع الحقيقي الذي كان يجب أن يناقش ذلك المساء في قنوات القطب العمومي السبع هو تحديدا ذلك المغرب التافه الذي يتنفس هذه الأيام تحت الماء، ويحتضر ببطء. مدن وقرى ومداشر كاملة تغطيها المياه، وآلاف المواطنين العزل يبيتون في العراء جوعانين وعطشى عرضة لتيارات البرد في الخلاء. آلاف القطعان من الماشية جرفتها المياه، وقرى كاملة مسحت من وجه الأرض في الراشيدية والناظور وميسور وبقية المدن المنكوبة. ورغم كل ذلك يجد التلفزيون الوقت الكافي للضحك على ذقون المغاربة بحكايات ابن المقفع في طبعته المزيدة والمنقحة. إن المطلوب اليوم بعد الفيضانات المهولة التي تعرفها مناطق كثيرة من المغرب الذي يسميه بنعدي «تافها» هو إعلان حالة الطوارئ وإعلان هذه المناطق مناطق منكوبة، وإخراج الجيش من ثكناته ونشر وحداته في جميع هذه المناطق لإغاثة السكان بالمواد الغذائية الضرورية ومساعدتهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة بناء القناطر والطرق المحطمة والبيوت التي جرفتها المياه. هذا هو النقاش المهم الذي يجب فتحه اليوم في الإعلام العمومي. وعندما سننقذ المواطنين العالقين في الجبال وحيواناتهم الغارقة في الأوحال، ونفتح الطرق المقطوعة ونبني القناطر المحطمة، آنذاك يمكن أن نتحدث عن فئران بنعدي وقططه السمينة. أما أن يغض فيصل العرايشي الطرف عن كل هذه الكوارث والنكبات التي تحل بالمغرب التافه، ويكتفي بالنظر في الوجه العزيز للهمة وأصدقائه، فالمسكين سيتوحشهم لأنه يجمع حقائبه للذهاب إلى واشنطن، فإن «الحلقة» تتحول إلى مسخرة لا تضحك أحدا، عدا المصابين بعادة «الضحك بلا سبب». لذلك فقد كان من الممكن، في إطار حمى الاندماج السائد حاليا، دمج برنامج «حوار» مع برنامج «كوميديا» الذي سبقه بدقائق قليلة في نفس الأمسية التلفزيونية، مع تغيير اسم البرنامج لكي يصبح «تراجيكوميدايا». فمكان بنعدي الحقيقي كان فوق الخشبة أمام «الأستاذ» الخياري. فالأكيد أن حكاية العميان والفأر كانت ستعجب «الأستاذ» وتؤهل صاحبها للنهائيات.