حضر وزير خارجية معمر القذافي ووزير اتصاله السابق عبد الرحمان شلقم إلى المغرب في إطار مشاركته في ندوة عن «الحركات الإسلامية والفضاء السياسي في المغرب العربي». وقد كانت هذه مناسبة لشلقم كي يكشف عن تصوره بخصوص صعود الإسلاميين إلى السلطة.كما كانت مناسبة لتبريره العمل إلى جانب الديكتاتور. وقد قال في هذا الإطار: «كلنا قبلنا بنسبة من الاستبداد، وأنا أتحدى من يقول العكس، فحتى من هرب التجأ إلى العراق أو الجزائر. قبلنا جميعا بنسبة من نسب الاستبداد». وأوضح شلقم أنه مع صعود الإسلاميين، مؤكدا «بأننا تضررنا من غيابهم عن الساحة». بدأ عبد الرحمان شلقم حديثه في هذا اللقاء عن الفكر العقلاني الذي يمتلكه المغاربة عكس المشرق، وقال: «ما أظن أن الإخوة في المشرق تمكنوا من القراءة الصعبة للمناهج الفلسفية والفكرية مثل ما تمكن الإخوة في المغرب. يبدو لي أيضا أن اللغة وتعدد اللسان يصبحان غنى أيضا. فلا تزال تطغى على المشرق العربي الانطباعية أكثر من التحليلية، وأنا سعيد بأن أكون مع هؤلاء السادة العظام». وأضاف «نتحدث اليوم عن موضوع ساخن، سارٍ، جارٍ وفي صيرورة معينة. نحن في بداية الاستعمار انتقلنا إلى صيغ من صيغ الاستقلال. والحكام آنذاك كان حلمهم أن يرووا المولود الجميل، أي الوطن. خبرتهم كانت بسيطة وكانت دولهم طالعة من الاستعمار». كلنا قبلنا بالاستبداد وأشار شلقم إلى أن مفهوم الدولة لم يعشه العرب في الوطن العربي. قبل أن يضيف أنه في العشر سنوات الأخيرة تغير مفهوم الدولة كثيرا. وعن علاقته بمعمر القذافي قال شلقم: «هناك من قال لي : أنت يا عبد الرحمان تتكلم عن الطاغية والحرية، وكنت مع معمر القذافي وعملت معه عن قرب وكنت وزيرا لخارجيته ولإعلامه، فأقول لهم: نعم كلنا قبلنا بنسبة من الاستبداد، وأنا أتحدى من يقول العكس، فحتى من هرب التجأ إلى العراق أو هرب إلى الجزائر. قبلنا جميعا بنسبة من نسب الاستبداد». واسند شلقم في تبريره للعلاقة مع الاستبداد على قولة للشوكاني وهي «دفع الضرر يسبق جلب المنفعة». مضيفا: «لقد كنا نتكلم بمنطق دفع الضرر، لم يكن لدينا كتائب ولا سلاح لنسقط هذا النظام. وأنا أقول من لم تتلطخ يداه بدماء الليبيين ولم يسرق أموالهم، فنحن مستعدون للتعامل معه، ونحن ضد سياسة الإقصاء، والقانون بيننا». ومن جهة أخرى تحدث عن غياب الاحزاب في ليبيا حيث قال :«مند سيدنا آدم لم تعش حالة أحزاب إطلاقا ولا نقابات، باستثناء سبعة شهور في الإدارة البريطانية وفي طرابلس، برقة وفزان لم يكن أي نوع من العمل السياسي والنقابي ولا المجتمع المدني». وعلل هذا الغياب بأن الملك إدريس ساهم في انحطاط المجتمع، من خلال منع تكوين الأحزاب. ويضيف شلقم :«لما جاء معمر القذافي منع الممنوع، حيث قال: من تحزب خان. وهكذا فالليبيون يرون أن الملك لم يستعمل أحزابا، وهذا ما يعني عندهم أن الأحزاب فيها مشكل». واستدرك قائلا :«والمشكلة هي أن الأحزاب أرقى أعمال العمل السياسي، وأرى أن أكثر جسم معقد هو الحزب. وحتى في دول مثل المغرب وتونس ومصر ولبنان تستعمل فكرة الحزب بشكل مشوه». ويصرح شلقم: «لقد ألغيت بديهية الحزب، «مافيش الما صدق» كما يقول الفلاسفة». وعاد وزير خارجية ليبيا إلى التاريخ لفهم ما يجري وفي هذا الاطار قال :«نحن بعد الخلفاء الراشدين والخلافة الخامسة مع عمر بن عبد العزيز دخلنا المُلك العضوض والمتخلف. وأنتم تعرفون التاريخ». وحول علاقة الدين بالدولة قال شلقم إنه حينما «حدثت في بداية عصر التجربة قطيعة بين الكنيسة وبين الدولة وظهرت الفلسفة وبدأت تتطور من روسو إلى مونتيسكيو. في تلك الفترة كنا نحن في زمن الانحطاط الحقيقي. عندما بدأت أوروبا تخرج من القرون الوسطى من حيث المفاهيم وعلاقة الدين بالسياسة وعلاقة العقل والإنسان، بدأنا نحن في العهد التركي والتخلف العثماني والانحطاط الحقيقي، ثم جاء الاستعمار الذي هو إلغاء للإنسان بالكامل، مع الإشارة إلى أن المغرب وتونس كانا تحت الوصاية وليس الاستعمار». طعم الحرية وفي حديثه عما عرفته ليبيا وتذوقها للحرية قال عبد الرحمان شلقم :» أؤكد أن الحرية تحققت لما شاهدنا معمر القذافي مقتولا. لكن ما حدث في تونس، وفي مصر في مباراة لكرة القدم حيث قتل 74 شخصا، يطرح سؤال حول علاقة الناس بالوطن . فالمواطن لم يبن علاقة سوية مع الوطن، حيث ما يزال العام يأتي بعد الخاص.»«وساق في هذا الصدد مثالا يظهر العلاقة السوية في العالم الغربي وكيف يقدر الناس وطنهم : «أذكر أن سكرتيرة بريطانية قدم لها رئيسها شيكا كعلاوة، فبلغت عنه، قائلة له: أنت تريدني أن أسكت عن خطأ أكبر. و في سويسرا بدأت الدولة تخفض الضرائب، فقالوا لها: لا، إنك تريدين أن تتهربي من الالتزامات والاستحقاقات. «وهكذا يتساءل عبد الرحمان شلقم: «إذن السؤال المطروح اليوم هو: كيف نؤسس للمواطنة؟ كيف تكون سياسة القانون شيئا مقدسا شيئا من الإيمان والعقيدة». ويرى أن هذا الامر لا يفهمه القادة الجدد. الإسلام القادم: وبالنسبة إلى الإسلام واكتساح الاسلاميين للساحة قال وزير خارجية القدافي السابق :«هو بالنسبة لموضوع الإسلام. أنا أرى أن هناك خلطا كبيرا». ويذكر للتوضيح ضبابية مفهوهما ويستشهد على الامر بتركيا التي يعتبرها المسلمون أنها دولة إسلامية. :«لقد جلست مع أردوغان نتحدث في الدولة الدينية والعلمانية، فبدت لي أن هناك مغالطات خطيرة». الإسلاميون نريدهم ونحن في حاجة إليهم. إنهم يطلعون في الشاشة ويقولون: تركيا دولة إسلامية. وهذا كذب، ففي دستورها أنها دولة علمانية». فالجيش يضيف شلقم :«فرض الجمهورية، وأردوغان لعب لعبة مع الجيش من التمكن من الانضمام إلى الاتحاد الأوربي ... «ويضيف :»«أنا أريد الإسلام، لكني لا أريد الشريعة بمعناها «الضيق»، لأن هناك سورة منسوخة تقول: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها»، فالتدبر غير التفسير، والتدبر غير التأويل، مثلما ما نقول تدبير المنزل. وفي الآية سؤال إنكاري توبيخي نجيب عنه ب«بلى» في حالة الإيجاب. ويوضح شلقم مندوب ليبيا حاليا بالأمم المتحدة: «أنا آخذ من الإسلام قيمه، فمثلا لما يقول تعالى «وبالوالدين إحسانا»، فهذا يعني أن هناك عناية كبيرة بهم ، فدور العجزة ستكون عشرة نجوم، وحينما يقول «وأما اليتيم فلا تقهر» فدور الأيتام ستكون عشرة نجوم، وحينما يقول و«تواصوا بالبر والتقوى»،فهذا يعني أن العمل الخيري سيكون جزءا من التكوين الإنساني والعمل التطوعي. ولكن لما تقول لي إنك تحكم بالإسلام بشكل ما، فالأمر هنا يستدعي التأمل».»و يرى بأن أنه لا بد من تعامل واقعي مع الواقع ، ويتساءل: «لما تكون هناك مشكلة مجارٍ، كيف سنحلها؟ هل ب«الليل إذا عسعس» أو ب«النازعات غرقا»؟. ويستخلص عبد الرحمان إلى أن القول بوجود دولة إسلامية فيه نظر يقول : «لما نقول هناك دولة إسلامية فيجب التحفظ على ذلك»، ويسوق الامثلة للتدليل ما انتهى إليه بالقول التالي: «الإسلام قام على خمسة أركان: لا الله إلا الله محمد رسول الله، فهل الدولة تتشهد؟. الركن الثاني إقامة الصلاة، فهل الدولة تصلي؟. الثالث إيتاء الزكاة، فهل الدولة تزكي؟ هل تحج؟ وهل تصوم؟ لقد قلت في لقائي مع أردوغان: أنت مسلم تقود دولة علمانية. وماليزيا ليست إسلامية، حيث الدعارة والقمار والخمر موجود. ويضيف :«لما التقيت مهاتير محمد هندي المسلم، في طرابلس وسألته: كيف تقدمتم فأجاب بسيادة القانون والتعليم». و يرى شلقم بأنه ليس الإسلام شعارا، بل سياسة. يقول: «نحن في حاجة إلى الإسلام لأن هناك إكراهات كما تسمونها في المغرب. ونحن لا نريد أيديولوجيا. علينا أن نعرف كيف نحول الدين إلى خطة. أنا لا أومن بالأحزاب والأيديولوجيا . على الإسلاميين أن يقولوا لي ماذا سيعملون مثلا في البطالة، في السكن..». وبالنسبة للجانب الاقتصادي لليبيا أوضح شلقم بأن «ليبيا لا يمكن إلا أن تكون دولة خدمات بامتياز، ومن لا يتعامل مع الخريطة لا يعرف السياسة. ولا بد من اتحاد مغاربي. وأنا متفائل وغياب الإسلاميين أضر بنا».