محمد أحداد كان من الواضح طيلة اعتلاء الملك محمد السادس الحكم تركيزه على السياسات الداخلية، وبدا أن المغرب انكفأ على نفسه لترتيب البيت الداخلي ومواجهة المعضلات الاجتماعية المتربصة به. على هذا الأساس، ظلت الحكومات المتعاقدة منذ أكثر من عقد من الزمن تبتعد قليلا عن السياسة الخارجية ما عدا ما يرتبط بقضية الصحراء، محور الديبلوماسية الخارجية. لكن المغرب، ومع تنصيب حكومة الإسلاميين، التي يترأسها عبد الإله ابن كيران، استشعر كثيرا أهمية العلاقات الخارجية لخدمة ما هو داخلي، خاصة بعد أن ظهرت مؤشرات توحي بأن السياسة الخارجية للمغرب تبدو باهتة بعد أن تم بتر الخريطة المغربية في الدورة العربية بقطر وتصويت البرلمان الأوربي ضد قرار تجديد اتفاقية الصيد البحري التي اعتبرت «صفعة ديبلوماسية» للمغرب. يقول المحللون إن السياسة الخارجية للمغرب، لم تحقق نجاحات كبيرة بالمقارنة مع الموقع الاستراتيجي الذي يحظى به في المنطقة، ومرد ذلك أن الحكومات المغربية، منذ حصول المغرب على الاستقلال، ظلت تناور في دائرة جغرافية ضيقة قطرها فرنسا ومحورها إسبانيا وبعض بلدان الاتحاد الأوربي. وقد كان لافتا خلال تصويت البرلمان الأوربي على اتفاقية الصيد البحري أن اعتماد المغرب على هؤلاء الشركاء في ظل ظهور قوى جديدة، لم يعد يحقق النتائج المرجوة. بيد أن الزيارات التي قام بها سعد الدين العثماني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي في الحكومة الجديدة، إلى كل من الجزائروتونس وفي وقت لاحق إلى أديس أبابا أعادت إلى الواجهة الأدوار التي من المفترض أن يضطلع بها المغرب على المستوى العربي والإفريقي. زيارات سعد الدين العثماني إلى هذه الأقطار فهمت من لدن بعض المتتبعين بأن المغرب بصدد بناء سياسة خارجية جديدة تنبني على الانفتاح أكثر على البلدان العربية في ظل متغيرات جديدة تتمثل في المقام الأول في سقوط أنظمة كثيرة، وكذا مع البلدان الإفريقية التي انسحب المغرب من منظمتها منذ الثمانينيات من القرن الماضي عقب الاعتراف بالجمهورية الوهمية «البوليساريو». ولا ريب أن زيارة سعد الدين العثماني إلى الجزائروتونس حملت في طياتها أكثر من رسالة، في مقدمتها أن المغرب يسعى إلى بناء الاتحاد المغاربي كتكتل جهوي وإقليمي له قوته الاقتصادية والسياسية علاوة على أنه يبتغي بناء علاقات جديدة مع «صقور» قصر المرادية بعيدا عن لغة «التوتر» والتصعيد التي طبعت العلاقات بين البلدين على خلفية الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية والمواقف الصادرة عن الجزائر والداعمة لجبهة «البوليساريو». ثم إن زيارة وزير الخارجية المغربي إلى تونس بعيد أيام قليلة على تعيين «الحكومة الملتحية أشرت على بداية علاقات جديدة بين بلاد «البوعزيزي» والمغرب، بعد سنوات طويلة من الجمود في فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. لكن بعض المتتبعين يقولون إن الزيارات المتتالية للعثماني إلى بعض البلدان العربية ربما تمنح الانطباع بأن المغرب يفكر جديا في العودة إلى الساحة السياسية العربية، ولا أدل على ذلك دوره البارز في ما أصبح يسمى بالقضية السورية، حيث بدا أن المغرب يلعب دورا حيويا من أجل الدفاع عن المبادرة العربية والمناداة برحيل بشار الأسد داخل أروقة الأممالمتحدة. على المستوى الإفريقي، كان المغرب يعتمد دائما على توطيد العلاقات مع البلدان الإفريقية خارج منظمة الاتحاد الإفريقي التي طلقها المغرب أيام الملك الراحل الحسن الثاني، غير أن سياسة «المقعد الشاغر» أدت إلى خسارة المغرب لأكثر من «مبارزة» ديبلوماسية، الأمر الذي يحتم على المغرب حاليا إعادة النظر في هذا القرار، ولعل زيارة سعد الدين العثماني إلى أديس أبابا على هامش انعقاد القمة الإفريقية بالعاصمة الإثيوبية تندرج ضمن هذا الإطار. وليس خافيا أن بعض البلدان الإفريقية دعت إلى عودة المغرب إلى أجهزة المنظمة الإفريقية على اعتبار موقع الرائد داخل القارة السمراء. على ضوء ذلك، يبدو أن حكومة الإسلاميين ومعها أجهزة الدولة تريد ضخ دماء جديدة في شرايين السياسة الخارجية تعتمد بالأساس على الانفتاح على البلدان العربية والإفريقية، والمبتغى القديم الجديد، بحسب بعض المحللين، يتجلى دائما في الدفاع عن القضية الترابية للمغرب والبحث عن شركاء اقتصاديين جدد بعد أن ظهر أن المراهنة على الشريك الأوربي وحيدا ليس بمقدوره ضمان «الأمن الاقتصادي للمغرب». في هذا الإطار بالذات، يؤكد نجيب بوليف، وزير الحكامة والشؤون الاقتصادية، أن المغرب يتوفر على حلول استبدالية جديدة في علاقاته الخارجية تتمثل في البلدان الإفريقية والعربية والآسيوية، وهي حلول، في تقدير بوليف، من شأنها أن تضمن للمغرب مكانة اقتصادية قوية وتنمي قدرته التنافسية. ويبرز بوليف في حوار مع «المساء» أن الحكومة الجديدة تفكر جديا في تنويع شركائها وزيارات العثماني الأخيرة عقب تنصيب الحكومة تنم عن إرادة واضحة في تغيير السياسة الخارجية الجديدة للمغرب وإعطائها بعدا جديدا. في السياق نفسه، لا يتوانى الأستاذ محمد براو، الباحث في الشؤون السياسية، عن التأكيد على أن الزيارات الأخيرة لبعض البلدان الإفريقية ولدول المغرب الكبير تترجم بأمانة ما حمله التصريح الحكومي من توجهات ومعالم استرشادية للسياسة الخارجية للمغرب، فهي تعكس أولوية الدائرتين الإفريقية والمغربية من جهة كما تعكس المعايير التوجيهية الجديدة في ما يتعلق بالسلوك السياسي الخارجي والمتمثل في الاستباقية والهجومية وملء الساحة كبديل عن سياسة المقعد الفارغ التي انتهجها المغرب لسنوات مضت. وهي حركية تذكرنا بالدينامية التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، يردف براو في تصريح ل«المساء»، لدى تنصيب حكومة التناوب، في بعض الدول الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينينة، ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن هذه الدينماية الجديدة تستفيد من مستجدات هامة، منها الحضور الديبلوماسي الدولي للمغرب والموقع الاعتباري للحكومة المنبثقة عن صناديق الاقتراع، فالحكومة القوية لا شك أنها ستتوفر على سياسة خارجية ومواقف قوية وذات مصداقية وكذا شخصية وزير الخارجية والتيار السياسي الذي ينتمي إليه، وربما أن موافقة الدولة على وجود تياره على رأس الديبلوماسية المغربية يعكس وعيا بضرورة تضافر الجهود بين الدولة من جهة ورأسمال التيار الإسلامي مغاربيا وعربيا وهو تيار بدا مسيطرا على بعض البلدان.