ابتهجت قبيلة الفزيائيين لأن واحدا من أبنائها فاز بثقة الشعب وترأس أول حكومة بعد الدستور الجديد. الفيزيائي عبد الإله بنكيران نبذ وراءه معادلات «ماكسويل» و«شرودِنجر» المعقدة، وانخرط في الهم السياسي بعدما لبس جبة الفقيه الواعظ والخطيب الفصيح والمتحدث بلسان قومه. المغرب اليوم على صفيح ساخن، ورياح التغيير العربي لم تهدأ بعد. وقع رئيس الحكومة مع أعضاء فريقه في عين العاصفة. الضغط متواصل والفيزيائي أدرى من غيره بأن الضغط يولد الانفجار. اكتشف «نيوتون» قانون الجاذبية وهو جالس تحت شجرة، واستحضرها بنكيران يوم جلوسه على كرسي رئاسة الحكومة، فحدث رفاقه عن سحر وقوة الجاذبية، ثم أوحى إليهم بأن يقاوموها على الكراسي الوزارية، وبذلك أعطى الفيزيائي إشارة مطمئنة إلى الديمقراطية، وهو أعلم من غيره بأن ضوء الشمس خليط من ألوان متعددة ومتكاملة تُرى بالعين المجردة في قوس قزح. تلك الألوان، حسب قياس الإشعاعات، تكمن في الحيز المرئي، أما الذبذبات الخارجة عن الحيز المرئي فتشكل خطرا على الصحة العامة إن لم يحسن التعامل معها. يسهل على الأستاذ بنكيران حل المعادلات على اختلاف درجاتها، لكن معادلة العدل ستُؤرقه رغم بساطتها، فيها القاضي والقضية عاملان معروفان، أما المجهول فيستتر في ذبذبات الخطوط الهاتفية ويصعب ضبطه. حينما يزور رئيس الحكومة أحد المستشفيات العمومية، سيجد ريح الفيزياء في أجهزة «السكانير» وأشعة «إكس»، لكنه لن يفهم كيفية اشتغالها. ولو يسأل أي عجوز شاحبة الوجه، متثاقلة الخطى، فلسوف تجيبه بأدق التفاصيل: «الراديو خاسر، والرانديفو على ثلْث شهور!» في أواسط القرن التاسع عشر، وقع الفيزيائيون في ورطة لأنهم لم يستطيعوا حل معضلة ما يسمى ب«الجسم الأسود»، فاختلت الحسابات وسمي ذلك ب«الكارثة فوق البنفسجية». ولما عجزت الفيزياء الكلاسيكية عن تفسير بعض الظواهر، برزت نظرية «الكوانتا»، فأنقذت ماء وجه الفيزياء. لو أسقطنا تلك الحقبة على مغرب اليوم لحق لنا القول إننا على شفا حفرة من الكارثة، والفيزيائي مطالب اليوم بابتكار نظرية «الكوانتا السياسية» أو نظرية «النسبية السياسية»، حتى نتمكن من سبر أغوار «الثقوب السوداء» المتجلية في الفساد واقتصاد الريع وتوظيف الأشباح. «الثقوب السوداء»، كما لا يخفى على أهل الفيزياء، هي أماكن غير مرئية في الفضاء، تبتلع كل شيء يمر قربها، من كواكب ونجوم ومجرات، وحتى الضوء لا يفلت من شفطها. كان الله في عون رئيس الحكومة ورفاقه، فالملفات متعددة والضغوطات مستمرة، والحكومة أمام امتحان ومحك صعب. فلا يسعنا إلا أن نذكر الأستاذ بنكيران بنصائحه لتلاميذه يوم الامتحان: «إبدؤوا بالأسهل كي لا تضيعوا الوقت !»