- لماذا لا يتم الإعلان بشكل رسمي عن رقم ثابت للموارد المالية التي يتحكم فيها صندوق الإيداع والتدبير؟ < صندوق الإيداع والتدبير، مؤسسة عمومية، مهمتها التدبير والتوظيف الجزئي، للمساهمات التي تأتي من المعاشات الخاصة بالعمال والموظفين وأموال المحاجير، وغيرها عبر مؤسسات متخصصة، وهو ما يمكن الصندوق من موارد مالية هائلة، ومتجددة، يتولى تدبيرها على أصعدة متعددة، كإيداع حصص منها في شركات متخصصة في هذا المجال مقابل فوائد، أو المساهمة في رأس أموال شركات عمومية، وشبه عمومية، في قطاعات مختلفة، أو الاستثمار المباشر وتمويل مشاريع كبرى في مجال البنية التحتية والأشغال الكبرى المتعلقة بالأشغال العمومية، والسكن، والسياحة، والمواصلات، كما أن عدم الإعلان عن رقم ثابت للموارد المالية التي يتحكم الصندوق في تدبيرها، مرتبط بالحركية التي تتميز بها هذه الموارد. - وكيف تتم مراقبة الأنشطة المالية للصندوق؟ وهل للبرلمان دور في هذه الرقابة؟ < صندوق الإيداع والتدبير هو مؤسسة عمومية، بحكم أن أموالها تعود إلى المواطنين الذين يعدون المساهمين الأساسيين ذوي الأولوية. بالنسبة إلى المغرب، يتم تدبير هذه الموارد تحت مراقبة المجلس الإداري، المكون من أعضاء من بينهم وزارة المالية، وبنك المغرب، اللذين يعتبران بمثابة العقل المدبر للسياسة المالية في حين أن المجلس الأعلى للحسابات ليس له تدخل واضح ومستمر، في الطريقة التي يتصرف بها الصندوق في الأموال المودعة، إضافة إلى أن الجهات الأخرى المختصة بالمراقبة لها دور سطحي، وشكلي، عكس ما هو حاصل في فرنسا التي أخذ عنها المغرب هذه المؤسسة، حيث نجد أن صندوق الإيداع والتدبير الفرنسي يضم في تشكيلته زيادة على الجهات المختصة، والوزارات المعنية، برلمانيين يتولى مساعدتهم خبراء اقتصاديون، وماليون، ولهم كافة الصلاحيات في رصد الاستراتيجيات الناجعة، في ما يتعلق بتدخل الصندوق في المجال القطاعي، وكذا على مستوى التوزيع الجهوي، الشيء الذي يمكن من مراقبة تطور الموارد والنفقات. - هل يعني هذا أن الصندوق يتوفر على صلاحيات استثنائية، تتيح له التصرف بكل حرية في أرصدة مالية ضخمة دون مراقبة؟ < تدبير الأموال في هذه المؤسسة يجب أن يؤدي إلى ربح المساهمين الحقيقيين فيها، في حالة تحقيق نتائج ايجابية، لكن الملاحظ أن الفوائد التي يجنيها المنخرطون ضعيفة، وشبه ثابتة، زيادة على ذلك فإن القرارات التي يتخذها المجلس الإداري تلغي دور ممثلي المنخرطين سواء كانوا برلمانيين أو نقابات، وهنا قد نتساءل كيف كان رد فعل هؤلاء حينما تم الإعداد لصفقة صندوق الإيداع والتدبير مع المكتب الشريف للفوسفاط، والتي كان من شأنها إدارج صندوق الإيداع في رأس مال شركة الفوسفاط، مقابل أداء المتأخرات المتعلقة بالواجبات الاجتماعية لعمال المكتب الشريف للفوسفاط. - هل تقصدون بأن الدولة توظف الصندوق لدعم المؤسسات العمومية التي تعاني من صعوبات؟ < ما أقصده هو أن تصرفا كهذا ليس أمرا هينا، بل يكتسي خطورة بالغة من الناحية الاقتصادية، حيث يعطي الانطباع بأن رأسمال المكتب الشريف للفوسفاط قابل للانفتاح على المستثمرين، خاصة الأجانب، بالرغم من أهميته الإستراتيجية كحصن دفاعي في مجال الطاقة، إضافة إلى دوره على المستوى المالي والاقتصادي. من جهة أخرى فإن التدبير المالي للصندوق لايجب أن يتم على أساس تدبير رأس مال سيادي، يمنحه الحق في استغلاله لأغراض يصعب الوصول إلى عمق مضمونها، ويختلف مداها في الزمان والمكان، وهو ما يشكل أيضا مصدر خطر كبير، لأن هذه الطريقة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عدم سيطرة هاجس استغلال الأموال لتحقيق أرباح على المدى القصير، ما قد تنتج عنه تداعيات كارثية على المستوى المتوسط والبعيد، كما حدث مع شركات بارن ستيرزن، وفاني ماي، وفريدي ماك التي كادت تفلس لولا تدخل الدولة من خلال الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، غير أن المفارقة هو أن الدولة المغربية ليست لها نفس الإمكانيات التي تتيح لها تجنب ذلك. - لكن ما هو الدور الحقيقي للصندوق؟ وما مدى مساهمته في تنمية الاقتصاد الوطني؟ < لقد تحدثت سابقا عن خطورة التعامل وفق منطق رأس المال السيادي، وبالتالي فمن الضروري إعادة النظر في الهيكلة التدبيرية للصندوق، والإدماج الفعال لممثلي المجتمع من برلمانين ونقابيين، مع دعمهم بخبراء اقتصاديين وماليين، لهم القدرة على تصور استراتيجيات قطاعية فاعلة في مجال الاستثمار، بهدف تحقيق توازن جهوي في مجال التنمية، ومن بينها إعطاء فرص حقيقية في مجال تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة، في أفق النهوض بالطبقة المتوسطة بالمغرب. كما أنه من الضروري تعيين الأشخاص الذين لديهم كفاءة، والحكامة في إسناد المسؤولية على رأس المصالح والفروع المعقدة والحساسة، لأن الأمر يهم عشرات الآلاف من الأسر المغربية، كما يهم استقرار الصندوق، والنجاعة الاقتصادية والاجتماعية للبلد. الكل يتذكر إفلاس البنك الوطني للإنماء الاقتصادي، وتأثيره على الشركات التي كانت تحت ظله، في الوقت الذي كان فيه الصندوق المساهم الأكبر فيه، كما أن الجميع يتذكر تدخلات الصندوق لإنقاذ العديد من المؤسسات المالية والشركات المهددة بالإفلاس، مثل القرض العقاري والسياحي، والقرض الفلاحي، وهو أمر تطلب الملايير التي خرجت من أموال عمومية، علما أن طبيعة هذه التدخلات قد تكون مفروضة من بعض الجهات لأسباب مختلفة. * خبير ومحلل اقتصادي