-أنت واحد من الذين التقوا إدريس البصري أكثر من مرة بعد إقالته من طرف الملك محمد السادس، فماذا قال لك البصري عن ملابسات هذه الإقالة؟ < دعني أقول لك في البداية إن الملك محمد السادس عندما أقال البصري استقبل في اليوم نفسه السفير الإسباني خورخي ديسكايار الذي أصبح فيما بعد رئيسا للمخابرات الإسبانية. وحكى لي خورخي كيف أن محمد السادس أخبره بإقالة البصري بلغة فيها مزيج بين الانشراح والرهبة، قائلا له: «لقد أقلت البصري». والبصري نفسه كان يتحدث بمرارة عن الإجراءات التي رافقت إقالته، خاصة عندما وضعوا له أمام منزله بالرباط عناصر من الديستي لمراقبة كل تحركاته. وأنا شخصيا شاهدت بأم عيني بعض العناصر المرابطة بشكل دائم أمام منزله. وكان البصري يؤكد لي أن المحيطين بالملك محمد السادس «بهدلوه» إلى حد بعيد وأن ما قاموا به في حقه يفوق ما كان يقوم به هو مع أشد المعارضين من اليسار في نظام الحسن الثاني. - وهل فعلا كان البصري يحذر من الجنرالين عبد العزيز بناني وحسني بنسليمان كما جاء في التصريحات الأخيرة للهمة؟ < التقيت بإدريس البصري أكثر من 15 مرة. بعد أن غادر المغرب واختار باريس إقامة له. وكان الهدف من هذه اللقاءات هو أنني كنت أرغب في إجراء حوار مطول معه رفقة ريمي لوفو، الباحث الفرنسي المتخصص في الشأن المغربي، بطلب منه، على أساس أن ينشر هذا الحوار في كتاب شبيه بكتاب الحسن الثاني «ذاكرة ملك». لكن المشكل الذي وقع هو أن البصري كان يرفض إجراء هذا الحوار رغم أننا حاولنا إقناعه عبر عدة لقاءات، قبل أن نعدل فيما بعد عن إنجاز هذا الكتاب، لأن البصري من خلال الحديث معه كان يصور الحسن الثاني كأنه نبي مرسل من السماء وأنه ديمقراطي. وأتذكر أني قلت للبصري غاضبا إنه إذا كتبنا أن الحسن الثاني ديمقراطي فلن يصدقنا ولو مغربي واحد، وبالتالي فإن هذا الكتاب لن يباع في المغرب، فأحرى أن يباع خارجه. وهذا هو السبب الحقيقي الذي جعلني أعدل عن فكرة الكتاب، لأن إنجاز كتاب مع البصري لن يكون مشابها لإنجاز كتاب مع الحسن الثاني أو محمد السادس. - لكنك لم تجبني عما كان البصري يحذر منه بخصوص الجنرالين حسني بنسليمان وعبد العزيز بناني.. < لم يسبق للبصري إطلاقا أن تحدث عن هذين الجنرالين بكلمة سوء أو ذكرهما بالاسم. لكنه عندما كان يتحدث عن الجيش كان دائما يصفهم ب«القتالة». وأنا لا أتحدث هنا من فراغ، بل مازلت أحتفظ بهذه الحوارات في أشرطة مسموعة، كما أنه لا تربطني أية علاقة فكرية أو مادية بالبصري أو بغيره من رموز المخزن الحالي، لكن هذه شهادة للتاريخ. وأتذكر في هذا السياق أن البصري كان يذكر دائما بما فعله الجيش في أحداث الدارالبيضاء سنة 1981. وكان ينفي نفيا قاطعا أن تكون قوات الأمن التابعة له كوزير للداخلية هي التي مارست العنف والقتل في هذه الأحداث، وحكى لي كيف أن رجال الأمن أغلقوا الكوميساريات وفروا من أمام المتظاهرين بعد الغليان الشعبي في هذه الأحداث. وقال لي البصري إن الحسن الثاني، عندما علم باندلاع أحداث الدارالبيضاء، اتصل به وقال له: «إن هذا المشكل لن يحله إلا الجيش». وفعلا هذا ما وقع بالضبط، إذ أعطيت الأوامر للجيش والدرك بقيادة الدليمي والجنرال بنسليمان لإطلاق الرصاص على المتظاهرين. - هل استنتجت عداء كان يكنه البصري للجنرالين بنسليمان وبناني؟ < أنا شخصيا لم أستنتج أي شيء من هذا القبيل. والبصري بدوره لم يتحدث إطلاقا عن اسم بعينه من الجنرالات. غير أني أحب أن أذكر في هذا السياق أن البصري قال لي بعد أن أقيل من منصبه وكان وقتها ما زال في المغرب إن وفدا يتكون من الجنرال حسني بنسليمان وعبد الحق المريني، مدير التشريفات والأوسمة، وفؤاد عالي الهمة وشخصيات أخرى زاره في بيته. وكان سبب هذه الزيارة أن هذا الوفد حمل رسالة شفوية من الملك محمد السادس إلى البصري مفادها، كما يقول البصري، «إن سيدنا يخيرك إما أن تسكت وإما أننا سنحرك المتابعة في حق ابنك هشام في قضية المستثمر السويسري لوفاط». - وما سبب هذه «الرسالة الشفوية»؟ < السبب هو أن البصري، في أول خروج إعلامي له، نشر مقالة بمجلتي «دومان مغازين» تحدث فيها عن النزاع في الصحراء. وقد صدر ذلك العدد من المجلة صباح يوم السبت، فيما الوفد زار البصري في اليوم نفسه ما بين الساعتين الخامسة والسادسة مساء، وقد أثاروا معه موضوع المقالة التي نشرها بمجلتي. - وهل كان البصري مكلفا من طرف الحسن الثاني بالتجسس على الجيش؟ < الجيش لم يكن قضية البصري، بل كان قضية شخصية للحسن الثاني. والحسن الثاني كان يعرف أن الجيش لا يتقبل أن تتجسس عليه شخصية مدنية. ولكن المؤكد أن الحسن الثاني كان يتوصل بمعلومات عن الجيش من طرف جواسيس من داخل الجيش. وهو الذي كان يقرر أي معلومة ينبغي للبصري أن يعلم بها من أخبار الجيش. ثم إن مؤسسة الديستي التابعة للبصري غير مؤهلة للتجسس على الجيش، لأن الديستي تشتغل بأسلوب تقليدي قائم على استعمال العنف والتعذيب لا أقل ولا أكثر... - وماذا كان يقول البصري عن الهمة؟ < البصري كان يقول إن سبب مشاكله مع الملك محمد السادس هما الهمة والجنرال لعنيكري، غير أنه كان واثقا من أن لعنيكري والهمة لن تكون نهايتهما سعيدة في العهد الجديد، وكان يقول إنه يعرف جيدا طريقة اشتغال المخزن. وهذا ما حصل بالضبط، فها هو لعنيكري حاليا تحول إلى «مردا»، فيما أصبح الهمة «براحا» في سوق أسبوعي يدعو الناس إلى الانخراط في حزب وهمي. - وماذا كان يقول البصري عن محمد السادس؟ البصري كان يقول عن نفسه إنه هو المغربي رقم واحد الأكثر وفاء للعرش. وكان يقول إنه لا يعرف في المغرب إلا الله والملك الحسن الثاني وما سواه لا يهمه. وكان يردد دائما عندما، كان يتحدث عن العهد الجديد، أن ما بناه الحسن الثاني طيلة عقود من الزمن سيهدمه قريبا المحيطون بالملك محمد السادس.