تلقى أحمد الخريف، كاتب الدولة في الشؤون الخارجية، بذهول خبر إعفائه من مهامه، مساء أول أمس، بعدما بثت وكالة المغرب العربي النبأ. وكان الخريف إلى حدود الساعة الثالثة من بعد ظهر أمس، جالسا تحت قبة البرلمان يتابع مناقشات قانون المالية بمجلس المستشارين، قبل أن يتلقى مكالمة هاتفية تخبره بأن الملك قرر إعفاءه من مهامه. في البداية، اعتقد أن الأمر يتعلق بمزحة، لكن تبين له فيما بعد أن الأمر صحيح، وأن خبرا سينشر في القريب في وكالة المغرب العربي للأنباء. الذين كانون قرب كاتب الدولة المقال، لاحظوا آثار الارتباك على وجهه من شدة الصدمة، حيث جمع أغراضه بسرعة وخرج من البرلمان، ولم يعرف إلى أين كانت وجهته، حيث رجحت مصادر أن يكون توجه لاستفسار الديوان الملكي حول القرار، قبل أن يعود إلى مكتبه ليجمع ملفاته. وما يعزز واقعة المفاجأة أن الخريف كان يستعد لتمثيل المغرب في اجتماع وزاري للجامعة العربية يوم الجمعة المقبل بالقاهرة. وفي حدود الساعة الرابعة وخمسين دقيقة، نشرت وكالة المغرب العربي قصاصة مقتضبة جاء فيها «علمت حكومة صاحب الجلالة أن السلطات الإسبانية شرعت، منذ عدة شهور، في منح الجنسية الإسبانية للعديد من سامي المسؤولين المغاربة، وأن هذا الإجراء قد يجد تبريره في مسؤولية إسبانيا عن مناطق من المملكة المغربية كانت تخضع للحماية الإسبانية، وفي هذا السياق، قرر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أيده الله، إنهاء مهمة السيد أحمد الخريف، ككاتب للدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون». ويبدو من خلال هذا الإعلان أن سبب إقالة الخريف هو حصوله مؤخرا على الجنسية الإسبانية. ورفض أحمد الخريف في اتصال مع «المساء» الإدلاء بأي توضيحات إضافية حول الخلفيات الحقيقية لإقالته، واكتفى بالقول: «أنا مرتاح ولدي الثقة في جلالة الملك. لن أضيف شيئا آخر على ما جاء في وكالة المغرب العربي للأنباء». داخل مقر وزارة الخارجية، لا أحد يملك جوابا شافيا حول ملابسات الإقالة، الموظفون بدا عليهم صباح أمس الاستغراب والذهول لقرار الإقالة المفاجئ. لا أحد يملك تفسيرا للإقالة أكثر مما ورد في قصاصة الوكالة. لكن هل هذا يعني أن السلطات المغربية ستعمد إلى إقالة جميع المسؤولين المغاربة السامين، الحاصلين على جنسيات أجنبية؟ وهل تم أي نقاش مع الخريف من أجل تخييره بين الجنسية الإسبانية ومنصبه في وزارة الخارجية؟ مصدر مطلع على شؤون وزارة الخارجية، قال ل«المساء» إن «حصول الخريف على الجنسية الإسبانية وهو مسؤول في وزارة الخارجية يعد سابقة نظرا لحساسية موقعه»، لكن مصدرا آخر أكد ل«المساء» أن أحمد الخريف كان يحمل الجنسية الإسبانية قبل توليه منصب كاتب الدولة في الخارجية، وأن السلطات كان تعلم بذلك. وفسر المصدر قرار الإقالة بكونه ينطوي على أبعاد أخرى تتعلق بتوجيه رسالة إلى السلطات الإسبانية من جهة، وإلى بعض المسؤولين في المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء، الذي يترأسه خليهن ولد الرشيد، والذين وضعوا مؤخرا طلبات لدى محكمة «سالامنكا» الإسبانية، يطلبون فيها الحصول على الجنسية الإسبانية. ويؤكد المصدر أن ما أغضب السلطات المغربية هو عبارات وردت في طلبات الحصول على الجنسية، تشير إلى أن المعنيين يبررون طلب الحصول على الجنسية بأنهم «ينتمون إلى مناطق غير مستقلة، وأنهم نشؤوا تحت السيادة الإسبانية». ويعد الخريف من المقربين من رئيس الكوركاس خليهن ولد الرشيد، ويرى متتبعون أن إقالته تعد رسالة لهذا الأخير بخصوص عدم تحركه لوقف طلبات الجنسية الإسبانية من بعض أعضاء الكوركاس. واعتبر الصحافي الإسباني إغناسيو صيمبريرو، المختص في الشؤون المغاربية، أن إعفاء الملك محمد السادس لكاتب الدولة لدى الشؤون الخارجية والتعاون أحمد الخريف من مهامه أول أمس بسبب حصوله على الجنسية الإسبانية، يعد رسالة «قوية» إلى الصحراويين، سواء منهم الحاصلون على الجنسية الإسبانية أو الذين ينتظرون دورهم للحصول عليها، بأن الدولة لن تتسامح مع هذه المسألة التي تدخل ضمن رغبة البعض في التميز عن باقي المواطنين المغاربة. وقال صيمبريرو في تصريحات ل«المساء» إن هذه الخطوة هي رسالة مزدوجة إلى الصحراويين وإسبانيا كذلك، تعبيرا عن غضب المغرب على التعامل الإسباني الخاص مع الصحراويين، «إذ يطرح سؤال مثلا عن السبب وراء منح الصحراويين الجنسية بسهولة ومنعها عن المواطنين المنحدرين من مدينة الناظور مثلا»، مضيفا أن هذا الموقف الإسباني يرفضه المغرب «لأنه يكرس الصورة بأن الصحراويين مختلفون عن سكان المناطق الأخرى، ويعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للمغرب». وكشف صيمبريرو أن العديد من المسؤولين المغاربة حصلوا على الجنسية الإسبانية، من بينهم رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) خليهن ولد الرشيد، حيث حصل عليها من سالامانكا، وفاضل بنيعيش، المكلف بمهمة بالديوان الملكي، وأفراد عائلته.