إلى حدود الساعة الثالثة من بعد ظهر نفس اليوم، كان جالسا تحت قبة البرلمان يتابع مناقشات قانون المالية بمجلس المستشارين، قبل أن يتلقى مكالمة هاتفية تخبره بأن الملك قرر إعفاءه من مهامه. في البداية، اعتقد أن الأمر يتعلق بمزحة، لكن تبين له فيما بعد أن الأمر صحيح، وأن خبرا سينشر في القريب في وكالة المغرب العربي للأنباء. النجوم والعلامات الأرضية والسماوية كانت دائما أبرز ما يعتمد عليه الرحل في صحراء التيه، لتحديد مواقعهم، أو للعثور على الكلأ والماء في اللامنتهى الصحراوي ذي اللون البني الفاتح، ويبقى أشهر هذه العلامات والنجوم التي يتفادى بها الصحراوي الضياع في الصحراء القاحلة نجم الجدي في سواد الليل: وهو نجم ثابت باتجاه الشمال، يقتدي به الساري لشهرته، وأيضا نجم الثريا: نجم يخرج قبل الجوزاء ويكون وقت خروجه في نهاية فصل الصيف.. لذلك ساد الاعتقاد، منذ زمن طويل، بأن الصحراويين يتملكون الأماكن أو، بعبارة أخرى، يهزمون شساعة الفضاء ويعرفون طرق سيرهم جيدا مهما كانت التضاريس، لكن النهايات الصحراوية لا تصدق دائما وعملية «ضرب الرمل» أو «خط الرمل» لا تصدق دائما لأن النجوم تتساقط أحيانا من السماء في شكل شهب والقمر يختفي وقت الخسوف.. في هذه الأجواء، أضاع لخريف طريقه الصحراوية. في 22 دجنبر الماضي، سينزل الخبر على وكالة المغرب العربي للأنباء: «علمت حكومة صاحب الجلالة أن السلطات الإسبانية شرعت، منذ عدة شهور، في منح الجنسية الإسبانية للعديد من سامي المسؤولين المغاربة، وأن هذا الإجراء قد يجد تبريره في مسؤولية إسبانيا عن مناطق من المملكة المغربية كانت تخضع للحماية الاسبانية. وفي هذا السياق، قرر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أيده الله، إنهاء مهمة السيد أحمد لخريف، ككاتب للدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون». انتهى. هكذا كانت نهاية لخريف الصحراوية، الذي يصفه العارفون بتحركات الرياح في الصحاري ب»رجل التوافقات في الصحراء»، حسب مصادر «المساء». كل أبناء الصحراء يعرفون لخريف، فهو ابن واحدة من كبريات قبائل الصحراء «آيت وسى»، تعرف على الحروف الأولى للسياسة بين أبناء قبيلة «آيت يدر»، التي يتوارث أبناؤها منذ القدم الممارسة السياسية، حسب العارفين بالكتبان الرملية، ثم إنه ترعرع ونشأ بين أخواله من قبائل الركيبات «فرع السواعد»، لذلك فإن «خبر إقالته انتشر كالنار في الهشيم بين كل قبائل الصحراء»، حسب أحد المقربين من الشخص. «كل القبائل التي كانت تكره خليهن ولد الرشيد في الصحراء استطاع لخريف أن يعيدها إلى الطاولة»، التعبير لأحد أقرباء لخريف، الذي يؤكد أنه إذا كان هناك من شخص «أكثر وطنية من الآخرين في الصحراء فهو أحمد لخريف»، ويوضح ذلك بكون «عائلة لخريف هي من بين الأسر التي ليس لها أفراد في مخيمات تندوف ما عدا ابنة أخ لخريف». ازداد أحمد لخريف، الذي عينه الملك محمد السادس في أكتوبر 2007، كاتبا للدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، سنة 1953 بالسمارة. وقد تابع دراسته الابتدائية بمدينة السمارة والاعدادية والثانوية بمدينة العيون, وحصل على الإجازة في شعبة الفلسفة بجامعة كومبلوتنسي بمدريد سنة 1976. وعمل من سنة 1976 إلى 1978 أستاذا بالسلك الثاني في مادة اللغة الاسبانية بمدرسة «لاباس» التابعة للبعثة الثقافية الإسبانية بالعيون. ومن سنة 1978 إلى 1986، تولى مهمة مدير مؤسسة تعليمية بالعيون قبل أن يشغل منصب مندوب جهوي لوزارة السياحة بالعيون إلى غاية 1997 . وانتخب أحمد لخريف سنة1983 نائبا لرئيس المجلس البلدي بالعيون، وهي المهمة التي لازال يشغلها. كما انتخب مستشارا برلمانيا منذ سنة1997، وهو عضو بلجنة العلاقات الخارجية والدفاع بمجلس المستشارين ونائب رئيس مجموعة الصداقة المغربية الإسبانية بالمجلس. كما أنه عضو بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية وعضو لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس. وهو أيضا عضو في المجلس الوطني واللجنة المركزية لحزب الاستقلال. ويتقلد عدة مهام على الصعيد المحلي منها رئيس الجمعية الإقليمية للأعمال الاجتماعية والثقافية والرياضية بإقليم العيون منذ 1996 ورئيس المجلس الإداري لدار المواطن بالعيون. إنه «نهج سيرة» أو «سيفي» لخريف الذي نشر غداة تعيينه والذي اختفى بعد إقالته. هكذا هي النهايات الصحراوية حين تغيب العلامات والنجوم وتختلط الأوراق، ليختار لخريف العودة إلى منزله في العيون إلى حضن زوجته وأبنائه الخمسة، وليمتنع عن الكلام لأن الجميع بين الكتبان يعرف أن «الرجل كتوم»، كما يصفه أحد أبناء عمومته، «فهو يعرف متى يصمت ومتى يتكلم، لكنه يختار في الغالب أن يصمت». ويعلق نفس المصدر: «أهم خصاله أنه كتوم وصادق، لكنه، عكس ما يتصوره الناس، ليست له أية علاقة فكرية بحزب الاستقلال لأنه يحمل فكرا تقدميا، لكن المؤسسة الملكية كانت دائما مقدسة بالنسبة إليه». لكن لخريف سيخرج عن صمته بعد الإقالة وسيرد على بعض الكتابات الصحفية لينفي أن تكون أسباب إعفائه من مهامه تعود إلى وجود اتصالات هاتفية أجراها مع جهات إسبانية أو أنه حضر حفل زفاف مسؤول في البوليساريو، حيث بدا لخريف، الذي تحدث إلى «المساء» عبر الهاتف، غاضبا إثر هذه الاتهامات التي نشرتها بعض الصحف، وقال «يمكنني أن أتسامح مع من يطعنون في شخصي، ولكنني لن أتسامح مع من يطعنون في وطنيتي ويتهمونني بالخيانة». وأكد كاتب الدولة المقال أنه سيلجأ إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة ضمن من نشر أخبارا تفيد بأنه متورط في خيانة بلده، إلا أنه لم يوضح ما إذا كان سيلجأ إلى القضاء أم لا. لكن لخريف لم ينف اتصاله بأفراد من البوليساريو، وقال: «نعم تكلمت معهم، وهذه هي مهمتي، لأن رسالتي تقتضي ذلك»، وأضاف: «أسباب اتصالي بهؤلاء الإخوان هي إقناعهم بالعودة إلى المغرب لا أقل ولا أكثر». «سأستمر في خدمة وطني، ولن تغير الإقالة فيّ شيئا، وسأحضر اجتماع المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء، وإذا كانت إقالتي تخدم مصلحة البلاد، فأنا موافق عليها، ولو كنت أنا الضحية». كانت تلك آخر كلمات لخريف بعد الإقالة، حيث كشفت بعض المصادر المقربة من الرجل أنه «عكس ما أظهره لخريف من قوة في قبوله بالقرار الملكي، فقد كاد ينهار في البرلمان بعد تلقيه الخبر، حيث صدم ولم يكن ينتظر خروجه بهذه الطريقة»، خصوصا بعد أن كشفت يومية «إلباييس» الإسبانية أن «لخريف لم يكن إلا فزاعة»، فقد ذكرت اليومية الإسبانية على لسان مسؤول دبلوماسي مغربي أن «ما أثار غضب الملك هو لماذا تمنح السلطات الإسبانية الجنسية للصحراويين فقط وليس للريفيين أو أبناء سيدي إفني رغم أن هؤلاء أيضا كانوا مستعمرين من طرف إسبانيا»، وأضاف قوله: «هذه التفرقة بين مغاربة ومغاربة هي تَدَخّل في الشؤون الداخلية للمغرب»، ويستطرد المسؤول الديبلوماسي المغربي أن «إسبانيا عندما تقوم بذلك فهي لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء». تلقى أحمد لخريف بذهول خبر إعفائه من مهامه، يوم إقالته، بعدما بثت وكالة المغرب العربي النبأ. وكان لخريف، إلى حدود الساعة الثالثة من بعد ظهر نفس اليوم، جالسا تحت قبة البرلمان يتابع مناقشات قانون المالية بمجلس المستشارين، قبل أن يتلقى مكالمة هاتفية تخبره بأن الملك قرر إعفاءه من مهامه. في البداية، اعتقد أن الأمر يتعلق بمزحة، لكن تبين له فيما بعد أن الأمر صحيح، وأن خبرا سينشر في القريب في وكالة المغرب العربي للأنباء. الذين كانوا قرب كاتب الدولة المقال لاحظوا آثار الارتباك على وجهه من شدة الصدمة، حيث جمع أغراضه بسرعة وخرج من البرلمان، ولم يعرف أحد إلى أين كانت وجهته، حيث رجحت مصادر أن يكون توجه لاستفسار الديوان الملكي حول القرار، قبل أن يعود إلى مكتبه ليجمع ملفاته. العلامات والنجوم لا تنير الطرق الصحراوية دائما وقد يضيع الساري في نهاية صحراوية غير متوقعة، حتى وإن كان الصحراوي الوحيد في حكومة عباس.