تساءل المركز المغربي للظرفية حول حاجة قطاع العقار إلى ضابط في المغرب بعدما لاحظ أن كلفة الأرض في إنتاج السكن تمثل، حسب ما تؤكده بعض الدراسات، ما بين 30و50 في المائة، خاصة في مدينتي الدارالبيضاء والرباط، في الوقت الذي لا تتعدى تلك النسبة ما بين 10و20 في المائة على الصعيد الدولي. تلك النسبة في المغرب التي تعتبر نتيجة السلوكات المضاربية، التي تكون الأرض موضوعا لها في المغرب، تجد تفسيرها في كون الأرض أصبحت في المغرب أحسن توظيف ينطوي على مزية مزدوجة: ضعف المخاطر و المردودية المرتفعة. المضاربة وقانون السوق ويعتبر بعض الخبراء أن 50 في المائة من الاستثمار الإجمالي في قطاع العقار تذهب لاقتناء الأراضي التي ستقام عليها المشاريع العقارية، غير أن ثمة من يعتقد بأن تلك النسبة ما كانت لتكون ممكنة لولا تدخل المضاربين المستفيدين من الريع العقاري. وثمة من يعتقد بأن تلك النسبة لا تعكس بشكل أمين حقيقة الاستثمار، على اعتبار أن جزءا كبيرا من الاستثمار في العقار يذهب إلى المضاربين في إطار ما يسمى بالريع العقاري، وذلك في تصور بعض المراقبين من نتائج التوجه الذي سار عليه المغرب والمتمثل في إخضاع العقار لقانون السوق، الذي يتحكم في مصير مادة استراتيجية في تطور الاستثمار و المدن، علما بأن تلك السوق تتسم بغياب الوضوح بسبب عدم توفر المعلومات اللازمة بشكل كامل وصحيح عن عمليات البيع والشراء والأسعار، ناهيك عن المعلومات التي تشير إلى أوجه استعمال العقار ومدة تخزينه، خاصة أن العديد من مقتني العقار ينتظرون بروز فرصة عقارية Opportunité foncière تلهب الأسعار وتحقق لمالكه هامش ربح جد كبير. وقد لاحظ مسؤول بنكي سابق أن بعض المنعشين العقاريين يحققون هوامش ربح كبيرة من بيع العقار في حالته الخامة. هذه الوضعية تفضي إلى المس بالقدرة الشرائية وتضعف بشكل كبير المجهودات التي تبذلها السلطات العمومية من أجل إنعاش الاستثمار. ويرجع بعض المراقبين هاته الوضعية إلى الاستراتيجية التي انخرط فيها المغرب، حيث جعل من العقار LE FONCIER مادة خاضعة لقانون العرض والطلب، والحال أن ثمة العديد من المعلومات لا تتوفر في المغرب حول العقار، لا سيما أن من مقتني العقار من يعمدون إلى تخزينه إلى حين ظهور فرصة عقارية تحقق لهم هوامش أرباح كبيرة، مما ينهك القدرة الشرائية للأسر. صعوبات ومبالغات وتشير الدراسة التي نشرها المركز المغربي للظرفية مؤخرا في عدد خاص حول العقار إلى أن سياسة السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق، التي تعبئ سنويا حوالي 1500 هكتار، تواجه اليوم صعوبات في التفعيل بالنظر إلى غياب المخزون الملائم من الأراضي بأسعار تؤمن تجسيد تلك المشاريع. قطاع السكن الذي يعبئ سنويا حوالي 3500 هكتار يهدده الركود بفعل ارتفاع الأسعار، فيما تعبئ الصناعة 500 هكتار سنويا، وهو مستوى ضعيف قياسا بحاجيات مخطط انبثاق الذي يستدعي 4000 هكتار بأسعار تنافسية، علما بأن كلفة الأرض لا يجب أن تتجاوز 10 في المائة من كلفة الاستثمار الصناعي، حتى يكون العرض العقاري الصناعي تنافسيا مقاربة ببلدان البحر الأبيض المتوسط. ناهيك عن بقية التحهيزات والبنيات التحتية التي تقتضي تعبئة 1200 هكتار سنويا، مما يقتضي توفيره بأسعار تخول التحكم في تكاليف الاستثمار العمومي على المدى الطويل. وتؤكد الدراسة على أن المبالغات في أسعار الأراضي كفيلة بأن تنال من تطبيق مختلف السياسات المرتبطة بتلك المادة. وتجد تلك المبالغات تفسيرها، بشكل كبير، في عدم فعالية الضبط الجاري به العمل في المغرب حاليا. غياب نموذج لتدبير الرصيد العقاري يفضي تحليل المنظومة العقارية في المغرب، إلى نتيجة مفادها غياب نموذج واحد يسترشد به في عملية وضع استراتيجية لتدبير الرصيد العقاري، مما يترتب عنه استنزاف ذلك الرصيد من قبل القطاعين العام والخاص على حد سواء، و في نفس الوقت لا يتم تجديد ذلك الرصيد كي يضمن سهولة أكبر في التدخلات الرامية إلى استعماله على المديين المتوسط والطويل. فتعدد الأنظمة العقارية وتعدد الجهات المتدخلة في التدبير يشير إليهما توزع الرصيد العقاري بين وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الداخلية والمندوبية السامية للمياه والغابات... مما يطرح مشكل الولوج إلى العقار وتحديد أولويات الاستعمال. في ظل هذا الوضع تتعذر معرفة من له الاختصاص في تدبير العقار في المغرب ووضع التوجهات الاستراتيجية وضبط عمليات الاستعمال ومراقبة الانزلاقات التي تعرفها السوق على مستوى الأسعار، غير أن البعض يعتبر أن الأنظمة العقارية، رغم تعددها وتعقدها، حافظت على الرصيد العقاري الذي يتوفر عليه المغرب، وإن كان يعترف بأن ثمة صعوبات يواجهها استعمال العقار العمومي والخاص على حد سواء . ويعتقد البعض أن الأهم هو الحرص على توزيع العقار بما يضمن التوفر على مدن يشيع فيها نوع من التوازن بين الوظائف الثلاث المتمثلة في الإسكان والتشغيل والخدمات، حيث يلاحظ أن وظيفة الإسكان هي الغالبة اليوم من خلال ما تستنزفه من آلاف الهكتارات سنويا على حساب الوظائف الأساسية الأخرى التي لا تقل أهمية. ويلح البعض على غياب التخطيط وسيادة الاستثناء الذي تشير إليه أدوات التخطيط الحضري في المغرب المتمثلة في مخططات التهيئة الحضرية، التي تعتبر بمثابة قوانين يسترشد بها على مستوى التعمير وتعطي رؤية واضحة بالنسبة إلى الفاعلين العموميين والخواص. غير أن الملاحظ أن العديد من المدن في المغرب لا تتوفر على مخططات يمكن أن تشكل مرجعا للمستثمرين، لكن حتى في الحالة التي يعلن فيها عن مخططات للتهيئة في بعض الأحيان لا يواكب ذلك بجعلها تحت تصرف المجموعة بمعناها الواسع La collectivité، بل تصبح موضوعا لنشاط محموم للمضاربين، الذين تصبح الدولة نفسها أحد ضحاياهم عندما تريد اقتناء عقارات في أراض مفتوحة للتعمير، بسبب عدم توفر السلطات المعنية على سياسة لتكوين رصيد خاص بها في تلك المناطق المفتوحة، خاصة في ظل عدم مطالبتها باقتنائها وتحديد سعر لها لا يمكن تجاوزه، فالقيمة المضافة التي تخلقها قوانين التعمير ومخططات التهيئة يفترض أن تستفيد منها الدولة أولا، كما يفترض الحرص على تحقيقها من الاستثمارات التي يكون الرصيد العقاري موضوعا لها. تلك وضعية ناجمة في تصور، لحزام، عن غياب نوع من التعمير العملياتي، الذي يخول تنفيذ مختلف القوانين التي تهم التعمير، بل إن ذلك التعمير العملياتي يمكن أن يحول، في تصور لحزام، دون سيادة التراخيص الاستثنائية الناجمة عن غياب مخططات التهيئة، وهي مسطرة تعتبر عائقا أمام الاستثمار، حيث يمكن أن تدفع الكثير من المستثمرين، خاصة الأجانب منهم، إلى صرف النظر عن توظيف أموالهم في المغرب، على اعتبار أن تلك المسطرة يشوبها الكثير من الغموض والصعوبات التي لا يستسيغها الكثير من المستثمرين، علما بأن المغرب مطالب بأن يبذل جهودا كبيرة في مجال تطهير مناخ الاستثمار من أجل توفير مناصب الشغل، ويساهم في تطبيق القانون، الذي يتفادى البعض الخضوع له، بسبب الإكراهات الناجمة عن غلاء العقار، حيث أفضى عدم توفر مناطق صناعية مثلا إلى تشكل بعض المصانع العشوائية في ضواحي مدينة مثل الدارالبيضاء، بما لذلك من تداعيات على مستوى التهرب الضريبي والتصريح بالعمال لدى الضمان الاجتماعي وتكون تجمعات صفيحية للعمال مجاورة لهذه المصانع العشوائية، كما هو الحال في جماعات الساحل والخيايطة. في الحاجة إلى وكالة عقارية ويطرح التساؤل لدى الخبراء مدى توفر الدولة على الآليات التي تخول لها تدبير الآلاف من الهكتارات التي تحررها من أجل توفير السكن، خاصة أن اختلالات التدبير تعيق الاستثمار، وهذا ما يدفعهم إلى الانخراط في الدعوة إلى خلق وكالة عقارية تؤتمن على الرصيد العقاري الوطني. ودعا أولئك الخبراء إلى ضرورة توفير امتدادات جهوية للوكالة كي تلبي انتظارات كل جهة من الأراضي التي تواكب الأنشطة الاقتصادية التي تميزها. ويفترض في الوكالة العقارية إذا ما كتب لها أن ترى النور أن تسهر على توحيد أنماط التدبير والسعي إلى تجديد الأرصدة العقارية التي يتوفر عليها المغرب. ويرى البعض أنه كي تؤدي تلك الوكالة مهامها بشكل سليم، يتوجب أن تتمتع بالاستقلالية، إذ يعود إليها فقط تحديد المعايير والإجراءات ذات الصلة باستغلال العقار وتسهر على طلبات العروض الوطنية وتتولى تتبع ومراقبة المستفيدين من العقار العمومي ومدى توظيفه في الأغراض التي خصص لها. ويلاحظ المركز المغربي للظرفية أن تدبير مخزون الأراضي العمومية يوجد بين أيدي العديد من المتدخلين بدون خارطة طريق واضحة تتوافق مع التحولات التي يعرفها الاقتصاد المغربي. فتدبير ذلك الرصيد موزع بين وزارة المالية ووزارة الداخلية والمندوبية السامية للمياه والغابات والأحباس. وفيما يخص الرصيد العقاري الخاص، لا توجد هيئة تتولى تدبيره والوقوف على اختلالات قطاع العقار في المغرب، فدور الوكالة الوطنية للتحفيظ العقاري والخرائطية ينحصر في حماية الملكية العقارية ومراقبة جميع المعطيات ذات الأهمية بالنسبة إلى القطاع. في نفس الوقت تعتبر أدوات المراقبة والتخطيط، المتمثلة أساسا، في مخططات التهيئة والرافعة الجبائية، قاصرة عن مواكبة الدينامية التي يعرفها السوق. ويعتبر العديد من المراقبين أن المغرب يحتاج إلى أداة تخول له خلق نوع من التناغم بين مختلف الاستراتيجيات المركزية في مجال العقار بما يجعل الولوج إلى هاته المادة الاستراتيجية أكثر سهولة وبأسعار مناسبة، فالعقار يجب أن يوضع رهن إشارة جميع السياسات القطاعية والمستثمرين المحليين والأجانب الباحثين عن أن يكونوا أكثر تنافسية. فالصين التي تستقطب سنويا 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، توفر للمستثمرين حوالي 35 ألف هكتار سنويا على شكل مناطق صناعية بأسعار ملائمة.وقد عمدت العديد من البلدان المتقدمة والصاعدة إلى خلق هيئات من أجل ضبط سوق العقار، الذي يعتبر أحد أكثر القطاعات استراتيجية، حيث لا يمكن لميكانيزمات السوق وحدها تأمين ضبط أمثل. فالدولة حسب هذا التصور لا يمكنها أن تتخلى عن هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي لفائدة دور أكبر للسوق والأفراد.