مازال المهتمون والمهنيون يتطلعون إلى إعلان وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية عن استراتيجية خاصة بقطاع العقار في المغرب، أسوة بالقطاعات الأخرى التي اعتبرت مهنا عالمية للمغرب التي تضمنها مخطط «انبثاق الصناعي» أو «المخطط الأخضر» الخاص بالفلاحة أو «هاليوتس» الذي ينصب على الصيد البحري. وكانت وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالي، أسندت إلى مكتب «ذإرنست أند يونغ» مهمة وضع استراتيجية لقطاع العقار في المغرب، حيث يفترض أن يسترشد برؤية واضحة خلال الفترة الفاصلة بين 2010و2020. وجاء إطلاق الدراسة قبل أكثر من عام في سياق مطبوع بالأزمة الاقتصادية العالمية والهواجس التي خلفتها حول مستقبل قطاع العقار الذي سيفضي إلى وضع مخطط عمل خاص بالقطاع. غير أنه يبدو أن وزارة الإسكان تأخرت في الإعلان عن الاستراتيجية الجديدة، التي يكلف إعدادها 8.4 ملايين درهم، خاصة أنها كانت وعدت في وقت سابق أن يفصح عن محتواها في الربع الأول من السنة الجارية، غير أنه في الوقت الذي كانت الوزارة ردت التأخير إلى السعي إلى إتمام المشاورات التي كان سينجم عنها توقيع عقود بين الدولة والمهنيين، أشارت مصادر إلى عدم خبرة «إرنست أند يونغ» في وضع الاستراتيجيات على اعتبار أنه مختص فقط في الافتحاص والتدقيق. وكانت وزارة الإسكان والتعمير والتنمية البشرية أعلنت في 2009 عن الانكباب على إعداد «الدراسة الاستشرافية حول قطاع العقار 2010-2020»، حيث حدد لها اقتراح إصلاحات هيكلية وذات الأولوية من أجل النهوض بالقطاع مع إقرار برنامج عمل على المستويين الوطني والجهوي، وإنشاء مرصد وطني ومراصد جهوية قادرة على تقديم المعلومة اللازمة من أجل المساهمة في إنعاش الاستثمار العمومي والخاص. ويأتي ترقب الرؤية الجديدة من كون وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية نفسها أكدت أن سنة 2011 ستكون سنة الانطلاقة الكبرى لمجال العقار بالمغرب، حيث كان الوزير توفيق احجيرة قد أكد على أن الجميع مطالب بمضاعفة الجهود لجعل سنة 2011 سنة تحول العقار الوطني وتحقيق الأهداف التي رسمتها الحكومة في هذا المجال، معتبرا أنه من المهم تحصين قطاع العقار وضمان ملاءمة الوضع الصحي للسكن الاجتماعي في غضون العشر سنوات المقبلة، ملحا على ضرورة تقوية وتعزيز قطاع السكن الذي يتيح بشكل كبير فرصا جديدة للشغل، لكن بدون استراتيجية واضحة يبقى تحقيق هاته الأهداف مجرد أمان. ومن العناصر التي يفترض التوفر على رؤية واضحة بشأنها يتحدث المراقبون عن النموذج العقاري الذي يتوجب أن يسترشد به المغرب في تدبير العقار. فتناول المنظومة العقارية في المغرب، ومحاولة الوقوف على هوية مختلف المتدخلين في تدبير العقار العمومي في المغرب، يشير إلى أنه لا يوجد في المغرب نموذج واحد يسترشد به في عملية وضع استراتيجية لتدبير الرصيد العقاري، مما يفضي في تصور البعض إلى استنزاف ذلك الرصيد من قبل القطاعين العام والخاص على حد سواء، وفي نفس الوقت لا يتم تجديد ذلك الرصيد كي يضمن سهولة أكبر في التدخلات الرامية إلى استعماله على المديين المتوسط والطويل. ويبرز تعدد الأنظمة العقارية وتعدد الجهات المتدخلة في التدبير توزع الرصيد العقاري بين وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الداخلية والمندوبية السامية للمياه والغابات... مما يطرح مشكل الولوج إلى العقار وتحديد أولويات الاستعمال.. في ظل هذا الوضع تتعذر معرفة من له الاختصاص في تدبير العقار في المغرب ووضع التوجهات الاستراتيجية وضبط عمليات الاستعمال ومراقبة الانزلاقات التي تعرفها السوق على مستوى الأسعار، وإن كان البعض يؤكد على أن الأنظمة العقارية، رغم تعددها وتعقدها، حافظت على الرصيد العقاري الذي يتوفر عليه المغرب، وإن كانوا يقرون بأن ثمة صعوبات يواجهها استعمال العقار العمومي والخاص على حد سواء. ويتساءل البعض عن كيفية تأمين نوع من الشفافية في تدبير الرصيد العقاري الذي يتوفر عليه المغرب، من منطلق ملاحظة غياب استراتيجية على المستويين المتوسط والبعيد بالنسبة لتدبير الأراضي وحل مشكلة العرض والطلب على الصعيد الوطني، وهو ما يفضي بالكثيرين إلى التفكير في وضع بنية مؤتمنة على الرصيد العقاري الذي يتوفر عليه المغرب.. تلك أداة يعهد إليها بترجمة سياسة الدولة على مستوى إعداد التراب. ويتساءل بعض الخبراء عن مدى توفر الدولة على الآليات التي تخول لها تدبير الآلاف من الهكتارات التي تحررها من أجل توفير السكن، خاصة أن اختلالات التدبير تعيق الاستثمار، وهذا ما يدفعهم إلى الانخراط في الدعوة التي ترمي إلى خلق وكالة عقارية تؤتمن على الرصيد العقاري الوطني، لأن تلك الوكالة، في نظرهم، سوف تضمن توحيد أنماط التدبير وإعادة تجديد الأرصدة العقارية، بل إن تلك الوكالة في إطار التوجه الجديد الذي يقبل عليه المغرب سوف تكون لها امتدادات جهوية على اعتبار أنها سوف تلبي انتظارات كل جهة من الأراضي التي تواكب الأنشطة الاقتصادية التي تميزها.. لكن كي تشتغل تلك الوكالة بشكل يؤمن مطلب التوازن في توفير العقار، يتوجب أن تتمتع بالاستقلالية، حيث تضع المعايير والمقاييس والمساطر الخاصة باستغلال العقار وتعلن عن طلبات العروض الوطنية والدولية.. وتلك الوكالة سوف يفترض فيها أن تسهر على تتبع ومراقبة مدى احترام المستفيدين من العقار العموميين لالتزاماتهم.. إنها سلطة للضبط تساهم في تفادي الاختلالات الناجمة عن عدم وجود سلطة لها اختصاص المساءلة اليومية لمن يؤول إليهم العقار العمومي، خاصة في ظل وجود بعض العقود الفضفاضة التي تتيح الفرصة أمام بعض الفاعلين لعدم تنفيذ الالتزامات.