لا يسع المجال الآن للخوض في التفاصيل الفقهية للمشاركة في احتفالات أعياد رأس السنة الميلادية من عدمها، أمام فتاوى تمنع حضور «الريفيّون» ولو على سبيل المشاركة بالتصفيق، لكن فئة واسعة من المغاربة تستعير سنويا لحظة انتماء إلى عالم احتفالي مُستورَد وتصر على حجز موائد «الشيطان» في كبريات الفنادق والمطاعم التي تنتشلها أعياد المسيح من الكساد.. لكنْ، بالقدر الذي أزعج «الديربي» بين الوداد والرجاء، والذي تزامن مع «الريفيّون» اللئيم، المنعشين السياحيين وجعلهم يمسكون بقلوبهم وجيوبهم خوفا من انعكاسات حدث كروي على حدث فلكي، بالقدر الذي انفرجت أساريرهم، بعد أن انتهت المباراة بلا غالب ولا مغلوب. وكان مهنيو القطاع السياحي، خاصة أرباب الفنادق والكباريهات ومتعهدي حفلات «الريفيون»، يخشون من مضاعفات نتيجة المباراة على رقم معاملاتهم، لأنهم يعلمون علم اليقين أن انتصار الوداديين سيمنع الرجاويين من الاحتفال بليلة رأس السنة، وأن هزيمة الوداديين ستلزمهم بيوتهم مبكرا، فالمنهزم في جميع الحالات يفضل أن «ينصت إلى عظامه»، بينما يشرب الفائز نخب النصر حتى الثمالة، نكاية بغريمه التقليدي. حينما أفرزت المباراة تعادلا ولو بالأصفار، تحولت موائد «الريفيّون» إلى ملاعب أخرى لاستكمال الأشواط الإضافية من مباراة ليست كباقي المباريات، وتغنى مطربو الدرجة الثانية في التصنيف الفني بالرجاء والوداد، دون أن يعمّ المكانَ صفير المدرجات، وانفلتت عقارب الدماغ من محيطها فلعنت الكرة التي تُفرّق بين الجيران واعتبرت التعادل «هِبة» من السماء لعشاق السمر، الذين رددوا أهازيج مستوحاة من مدرجات متطرفة. أكبر متضرر في العملية هو المسكين «بابا نويل» المغربي، الذي كان يقف أمام المحلات التجارية الكبرى بلباسه الأحمر المميز ولحيته البيضاء وابتسامته المستعارة لاستجداء صور للذكرى المستوردة، لكنه اكتشف أن الأطفال الرجاويين يقاطعونه، لأنه «أحمر» اللون وفضّلوا البحث عن بابا نويل ببردة «خضراء»، خوفا من تعليقات الخصوم، بل إن أحد «المتشبهين» ببابا نويل كان يُغيّر انتماءاته حسب ميولات زبناء يُخلّدون المناسبة بصور هواتفهم دون الحاجة إلى مصوري الساحات العمومية، وحين يعودون إلى بيوتهم، يكتشفون أن الرجل الملتحي لا يزورهم ليلا ليحمل إليهم هدايا رأس السنة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. أسدى تعادل الفريقين خدمة كبيرة لمهنيّي الحفلات، وتحولت نتيجة المباراة إلى مادة غنائية في سهرات رأس السنة، على الأقل في الدارالبيضاء والمحمدية وما جاورهما، وبدا كأن المطربين والمطربات يستظهرون أشهر أهازيج فصائل المشجعين. لكن أكبر المتضررين من تعادل «الديربي» وعلاقته بأعياد السنة الميلادية هما مدربا الوداد والرجاء، فميشال دوكاستيل وبيرتراند مارشان حرما، لقوة المباراة، من السفر كالعادة إلى سويسرا وفرنسا لاحتساء النبيذ في صحة العرب.. وأجبرا على الاحتفال الداخلي، وهما يلعنان لجنة البرمجة التي فرضت عليهما الإقامة الجبرية ليلة رأس السنة الميلادية.. إلا أن كثيرا من الأسر عاشت ليلة «الريفيّون» في دوامة الحزن، منها من رابط أمام مستعجلات المستشفى الجامعي أو أمام مخفر شرطة المداومة، ومنها من قضى الليلة في انتظار فلذة كبده، الذي خرج ولم يعد. ومن المفارقات العجيبة في المباراة حضور مُعدّ ومقدم برنامج «مختفون»، الذي يتيح له «الديربي» فرصة رصد ظاهرة الاختفاء الكروي. متى يمتد الحراك إلى المباراة ونقول ل«الديربي» بصوت واحد: «ارحل»؟!..