قرطاج - ألفة عليس عرفت القاعة الكبرى لبيت الحكمة في قرطاجالتونسية، على امتداد أربعة أيام مناقشات علمية وثقافية رفيعة المستوى، من خلال 30 بحثا ضمن عشر جلسات شارك فيها أدباء ونقاد من تونس والمغرب والجزائر وسوريا وفرنسا وإنجلترا والسعودية والأردن ومصر والعراق، ناقشوا خلالها قضايا الثقافة العربية انطلاقا من أسئلة المسعدي وما أثارته مؤلفاته من استدعاءات مُلحّة. وفي غياب إيجابي لأي ممثل حكومي، حيث الانشغال بالترتيبات السياسية بعد ثورة شعبية لم تكتمل، أشرف الأديب والناقد محمود طرشونة، رفقة مجموعة من النقاد التونسيين في الإشراف على هذه الندوة الدولية والتي عرفت ستة محاور هي: أسئلة الوجود، جماليات الكتابة، الذات والآخر، أسئلة الثقافة، اللغة والأسلوب وأسئلة المجتمع والأدب. وقد شارك من تونس كل من مصطفى الكيلاني، خالد الغريبي، عادل خضر، محمد خبو، محمود طرشونة، منصف الوهايبي، عبد المجيد يوسف، منصف وناس، أحمد السماوي، صلاح الدين بوجاه، فاطمة الأخضر، صلاح الدين الشريف، محمد صالح العمري، سلوى السعداوية وحافظ قويعة. ومن الجزائر: أمين الزاوي، عمر بوساحة، السعيد بوطاجين والرشيد بوشعير. ومن فرنسا لوك ويلي دوهوفيل، ومن الأردن فخري صالح ومن السعودية معجب العدواني، ومن العراق عبد الله إبراهيم وعلي جعفر العلاق وماجد السمرائي، ومن مصر صبري حافظ، ومن سوريا بطرس حلاق وجمال شحيد. أما الوفد المغربي فكان ممثلا بثلاثة أدباء، هُم محمد عز الدين التازي وسعيد يقطين وشعيب حليفي. وقد تدخل محمد عز الدين التازي بورقة عنوانها «التجنيس وتشكيل الخطاب»، مثيرا مجموعة من القضايا تتعلق بمسألة التجنيس في أعمال محمود المسعدي؛ فبعد المقدمة المنهجية، تعرض التازي لثلاث رؤى وجد أنها هي التي تُهيْمن على أعمال المسعدي، أسمى أولاها الرؤيا الأسطورية في السد، وأطلق الثانية على الرؤيا التراثية في «حدث أبو هريرة قال»؛ أما الثالثة فعنونها بالرؤيا القيامية في «مولد النسيان»، متلمسا من هذه الرؤى طرائق تشكيل الخطاب وعلاقتها بالتجنيس، إذ وجد أن المسعدي لم يكتب على نموذج سابق وأن أعماله لا تخضع للتصنيفات التجنسية المعروفة. ثم ختم محمد عز الدين التازي مداخلته بتقديم جملة من الخصائص والسمات التي تتمظهر بها تجربة محمود المسعدي الإبداعية. أما سعيد يقطين فقد عمل على ربط مداخلته «الإصلاح الثقافي في مشروع محمود المسعدي الثقافي» حول المسعدي بما يشهده العالم العربي من تحولات نجمت عن «الربيع العربي». فطرح أسئلة عن دور العمل الثقافي في هذا التحول، وانتهى إلى ضرورة إعادة قراءة التراث الثقافي الذي تراكم خلال القرن العشرين، بهدف ربط الحراك العربي الاجتماعي بحراك ثقافي يسهم في تعميق الأسئلة وفتح النقاش حول الواقع الثقافي العربي. ثم انتقل، بعد ذلك، إلى الحديث عن المسعدي ودوره في بلورة رؤية ثقافية متكاملة، تتميز بتجاوزها الثنائيات المتداوَلة حول الأصالة والمعاصرة، بتأكيده ما أسماه يقطين «الذاتية الإنسانية» التي يتأصل كيانها الخاص في صلته العميقة بما هو إنساني. وتوقف عند ربط المسعدي المسألة الثقافية بالأدب الذي يرى أنه ذو بعد إنساني، وإلا فليس جديرا بأن يكون أدبا. وتناول شعيب حليفي، في ورقته «الثقافة والمجتمع في أدب المسعدي» تمهيدا تحدث فيه عن الإبداع المغاربي والإشكالات التي يطرحها ضمن النسق الثقافي وتواتر الحلم بالتحرر وبناء المجتمع وامتلاك الثقافة وأيضا الإحساس بتجذر العطب التاريخي وتجلياته في الخيبة والانكسار. وحول أدب المسعدي، عالج شعيب حليفي الموضوع ضمن خمسة محاور ناقش خلالها تمثل المسعدي لصورتيْ المثقف والمجتمع ويخلص إلى أن نصوصه تحفل بالأسئلة أكثر من بحثها عن الأجوبة، وهو الذي يستلهم ويفرك ما يجده من بديهيات حول الوجود الإنساني والإرادة والحياة والموت والحرية والزمان والمسؤولية والحية والشك واليقين والمطلق والنسبي، من جهة، ومن جهة ثانية، فالكاتب يشتغل على قطبين ظاهرين ينتميان إلى التخييل المحض والفكر الممتد في التأمل والتفلسف. القطبان هما ما هو تراثي وما هو حداثي.. وعبرهما يتدبر تأملات ضمن برامج تتماس مع التاريخي والأسطوري مُحيلة في شبكات مرموزة ومجازية على الديني، وهو في كل هذا يزاوج بين النجوى الذاتية والتأملات الفكرية والفلسفية بلغة تفيض قوة وسلطة ومراوغة لتعبر عن محور المأساة والمعاناة والخيبة. إن الرواية عند محمود المسعدي -يختتم شعيب حليفي- هي بحث وخلق يُنتج مواد تخييلية ذات حيوية في الدلالة والمعنى بخلفيات ممتلئة بالثقافي والمجتمعي. لقد عاش المسعدي غير مقتنع بالموجود، بل كان يطمح دائما إلى المنشود، حتّى وإن كان مؤمنا أنه لا يمكنه أن يدرك مطلقا المنشود، لأنّه صنو الكمال. والمسعدي، وإن كان شديد الإيمان بأنّ الوجود سابق للماهية، فإنّه لم يكن متعاليا عن واقعه أو مستنسخا لنماذج محنّطة بل كان ينطلق دائما من الواقع الإسلامي، بما فيه من مشاغلَ مترامية الأبعاد، فهو يكتب للمجتمع التونسي والعربي والإسلامي، قبل أن يكتب للإنسان في المطلق.