أكد باحثون وإعلاميون مغاربة أن الأحزاب السياسية في المغرب عاجزة عن تبني خطاب الحداثة وتمثله على أرض الواقع، مقابل سعي الدولة المتواصل إلى ترسيخ الممارسات التقليدية، وتوفير المناخ الملائم لاستمرار النظام القائم على أسس مخزنية. وقال حسن طارق، عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي، إن الحداثة بالنسبة إلى المشهد السياسي المغربي تعد «فكرة طارئة»، و«غير مركزية»، وتنتمي إلى معجم سياسي جديد استبدل مصطلح الجماهير بالمجتمع المدني، والصراع بالشراكة. وأضاف أن هذا المفهوم يصطدم بعقم فكري يعاني منه اليسار المغربي، أمام طغيان مرجعيات الحركة الوطنية وبقائه سجينا لمنطق التوافق الذي يعني الاشتغال في ظل التقليد، إضافة إلى سيادة خطاب الخصوصية الذي يلغي المفاهيم الكونية حتى عن حقوق الإنسان. واعتبر حسن طارق، خلال ندوة «الحداثة في الخطاب الحزبي المغربي» التي نظمتها جمعية الريف، الجمعة الماضي، أن اليسار المغربي أصبح اليوم «يفتقر إلى أي مشروع حداثي، ويعيش أزمة خطاب وهوية فكرية، في ظل موت الإيديولوجيا السياسية، وغياب المرجعيات الفكرية الكبرى التي بمقدورها تأطير مكوناته». كما أوضح أن خطاب اليسار يتضمن مساحات فارغة، من بينها تصوره لعلاقة الدين بالسياسة، ليخلص إلى أن اليسار يميل أمام عجزه عن تبني الحداثة، إلى التعامل معها بمنطق الاستعارة، مما يؤشر على «عمق أزمة الخط السياسي التي يعاني منها في ظل عدم القدرة على بلورة خطاب مناسب للمرحلة الحالية، التي تميزت بتراجعات عميقة واستماتة في الدفاع عن التقليد في مواجهة الحداثة، خاصة بعد أحداث 16 ماي». أما منار السليمي، الباحث الجامعي، فاعتبر أن إيمان الأحزاب المغربية «بتقليديتها» من ناحية التنظيم، والتسيير، والعقليات، جعلها تربط علاقة «متوترة» بالحداثة، وأن عجز الأحزاب السياسية عن مسايرة الإيقاع الذي فرضه التحول الاقتصادي والاجتماعي، وعدم قدرتها على إنتاج الزعامات، جعلها تلجأ إلى «التسلط والتوظيف السياسي لمجموعة من التقاليد». وأكد السليمي أن المجتمع تجاوز خطاب الأحزاب الذي لم يعد ينتج سوى «الفراغ»، وأصبح يميل إلى «القداسة والأسرار ولعب أدوار البطولة، وأعطى مثالا بما وصفه ب«الخرجة» التي قام بها محمد اليازغي احتجاجا على تمرير النظام الأساسي المتعلق برجال السلطة، قبل المصادقة عليه من قبل مجلس الحكومة والبرلمان. وحذر السليمي من الصراع الذي يدور حاليا بين أجسام اجتماعية متصادمة، في ظل التوافق المعلن سياسيا بين الحداثة والتقليد، والذي خلق الإحساس لدى المغاربة بأن «التقليد مات لكن الحداثة لم تولد بعد». من جهته وصف الأستاذ الجامعي عبد العالي حامي الدين، مصطلح التقليد ب«التخلف»، وأكد أنه لا يمكن الحديث عن الحداثة كمفهوم جاهز أو «وصفة» قابلة للتطبيق الفوري، وتساءل عن المقصود بالتقليد، هل نعني به الدين؟ وهل الحداثة تمر بالضرورة عبر العلمانية؟ واعتبر حامي الدين أن الخطابات التي وردت في أرضية الندوة، حول التعايش بين الحداثة والتقليد في المغرب، لم تستوعب حقيقة المشهد السياسي في المغرب الذي خرجت فيه الأحزاب من رحم المقاومة، ولم تولد بشكل ديمقراطي، الأمر الذي جعلها عاجزة عن التخلص من ترسبات التسيير الفردي، ورفض التعددية، والإيمان بالحزب الواحد. وفي مقاربته لعلاقة الدين بالدولة، أكد حامي الدين أنه «لا توجد جهة يمكن أن تدعي ممارسة السلطة انطلاقا من مرجعية دينية»، وأضاف أن هناك «مزجا بين القداسة والسلطة في المغرب»، وأن النظام الملكي يجب أن يقوم بالوظائف الكبرى، مثل صيانة الحقوق والحريات، والإشراف على الشأن الديني كحماية المساجد من الاستغلال، وهذا ما تعنيه إمارة المؤمنين»، قبل أن يختم قائلا: «لا يمكن استيراد الحداثة، بل لابد من إنباتها داخل تربة المجتمع». أما توفيق بوعشرين، رئيس تحرير جريدة «المساء»، فأكد في مداخلته أن الحداثة «ليست عقدة دوغمائية بل مفهوم تاريخي قابل للتقادم والتطور، وهو ما ساعده على التعايش مع ثقافات وإيديولوجيات متعددة»، واعتبر أن التحديث في المغرب «يواجه معارضة قوية من قبل بنية سياسية وقانونية ودستورية تسعى إلى المحافظة على التقليد الذي يخدم السلطة خاصة في مجتمع يشكل فيه المخزن النواة المركزية للحكم». واعتبر بوعشرين أن الحسن الثاني أرسى صيغة هجينة هدفت إلى صيانة ملكه وضمان استمراره على حساب أي مشروع حداثي، وتمثلت في الجمع بين الملك الدستوري وأمير المؤمنين، الأمر الذي يجعل الفصل 19 يسمو فوق الدستور ذاته»، وقال: «هناك ازدواجية قاتلة على المستوى السياسي والثقافي فرضت تطويع التحديث». من جهته، أكد المفكر محمد سبيلا أن «التقليد المهيمن على المستوى السياسي يوظف بعض مفاهيم الحداثة بشكل سطحي ليظهر أنه قادر على التجدد»، وأن التقليد يدافع عن نفسه من أجل البقاء»، ويحاول أن يستعير لباس الحداثة، ويقلم أظافرها، للحد من قدرتها على الاختراق والسيطرة «بفعل الإغراءات التي تقدمها الحداثة في كل مجالات الحياة، والتي تشكل مصدر قوتها». وأكد سبيلا أن «التقليد والحداثة في تقاتل وصراع مستمرين، وأن المجتمع المغربي يعرف نوعا من التوازن في هذا الصراع»، وهو أمر «يشجع عليه النظام الذي لا يرغب في أن تطال الحداثة أشياء معينة». وأكد سبيلا على وجود ثلاثة مستويات، منها الحداثة التقنية، ويقصد بها التطور التكنولوجي، ثم الحداثة التنظيمية وتهم تنظيم المجتمع والحكم، ثم الحداثة الفكرية أو طريقة فهم العالم الخارجي.