يفرك الكثيرون اليوم أيديهم فرحا بالانتخابات التي جرت يوم الجمعة الماضي.. إنهم يعتقدون أن الانتخابات هدف وليست وسيلة، لذلك فإنهم يضعون العربة أمام الحصان؛ وبهذه الطريقة لن تتحرك الأشياء مطلقا. الشيء الطبيعي في كل الديمقراطيات أن الحصان هو الذي يجر العربة وليس العكس، يعني أن الانتخابات الماضية ستكون مجرد وهم إذا مضت بضعة أشهر وأحس المغاربة بأن لا شيء يتغير في هذه البلاد، وأن الناهبين والفاسدين لا يزالون في أماكنهم، وأن اقتصاد الريع هو المهيمن، وأن المواطنين ينقسمون إلى درجات: مواطنون من الدرجة الأولى، ثم مواطنون من الدرجات الثالثة والرابعة والعاشرة. في كل الانتخابات، يعاني الحزب الفائز من أعراض تسمى «دوْخة الفوز». ويبدو أن العدالة والتنمية لن يكون استثناء في ذلك، وفي عيون قيادييه وأنصاره لا يزال ذلك الوميض الذي يشي بحلاوة فوز لم يتوقعوه بهذه الطريقة. لكن في غمار هذه «الدّوخة»، يدرك هؤلاء أن هذا الفوز شبه جمرة تتلظى، وأن تراكمات 50 سنة من الفساد سيكون من الحمق المزمن أن يتوقع الناس أن حزبا سيقضي عليها في بضع سنوات. الذين ذهبوا للتصويت يوم 25 نونبر، دخلوا المعازل وأمسكوا قلما وورقة ثم نظروا إلى كثير من الصور واختاروا واحدة ووضعوا عليها علامة «إكس». لكنْ، قليلون من انتبهوا إلى الإهانة لتي يتضمنها هذا التصويت، وهي أنه صنع على مقاس الأميين، أي أنه من المستحيل أن شعبا، أزيد من نصفه لا يعرفون القراءة والكتابة، سيذهبون للتصويت وكتابة اسم الحزب الذي يريدونه، لذلك لجأ المغرب إلى الرموز الهيروغليفية حتى يرى الناس الجَمل والنخلة والمصباح والوردة والتفاحة و«الكيدار» والسيارة وغيرها، ويضعوا عليها علامة، كما لو أنهم في زمن ما قبل الكتابة. إن أعتى الدكتاتوريات في العالم تحارب الأمية، فلماذا صنع المغرب هذه الأمية المخيفة؟ ولماذا كان الملك الراحل الحسن الثاني لا يخفي «إعجابه» بالأمية من خلال قوله إن كل الذين تعلموا ودرسوا تحولوا إلى معارضين. المعارض المتعلم والذكي أفضل بكثير من الإمعة الجاهل والغبي. اليوم، يحس المغاربة، فعلا، بأن شعبا بهذه الأمية الطافحة لا يمكنه أبدا أن يسير نحو المستقبل حتى لو حكمه الحزب الجمهوري الأمريكي. الأغلبية النسبية التي حصل عليها رفاق بنكيران ليست إنجازا، إنها جمرة، وما يزيد في لهيبها هو أن زعيم المصباح أخطأ التقدير يوما واستعدى عليه حركة 20 فبراير، وهو يعرف جيدا أنه لولا أولئك الشباب لما كان حزبه اليوم في الواجهة؛ وهو وعد بالتفاوض معها، لكنه يجب أيضا أن يتفاوض مع 55 في المائة من المغاربة الذين لم يصوتوا؛ والتفاوض معهم يتم عبر إعادة الثقة إليهم، وإقناعهم بأن حكومته هي التي تحكم، كما يتم عبر فضح كل الذين يمارسون عليه ضغوطا أو يعطونه الأوامر. العدالة والتنمية لا يملك سوى ربع مقاعد البرلمان، أي أنه مطالب بأن يقود حكومة ليست في ملكه، وستطارده كل الأشباح التي تعودت على إفزاع المغاربة وتخويفهم ونهبهم، وسيحس هذا الحزب قريبا كما لو أنه دخل معتقلا سريا، وسيشعر أيضا بأنه يشبه جرعة مخدر في وقت عصيب. من غرائب الصدف حقا أن حزب العدالة والتنمية، الذي يهنئه الجميع بالفوز هذه الأيام، هو نفسه الحزب الذي كان كثيرون، قبل بضع سنوات، ينصبون له المشانق ويستعدّون لقتله ودفنه عندما اعتبروه مسؤولا معنويا عن التفجيرات والتطرف. المغرب بلد عجيب فعلا، لأن حزبا كان على وشك الحلّ قبل سنوات، هو نفس الحزب الذي يضعون في يده الحل اليوم. القضية وما فيها اليوم هي التي يتداولها المغاربة في ما بينهم، وهي أنهم لا يعرفون هل يهنئون حزب العدالة والتنمية أم يعزّونه. إنها رسالة واضحة، وأكيد أن قياديي هذا الحزب يعرفون معناها جيدا.