سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنكيران: إذا تأكد لي أن الأداء الحكومي لا يسير نحو الأهداف المرجوة فلن أستبدل مبادئي بالكرسي رئيس الحكومة المقبلة قال: إننا في حزب العدالة والتنمية نرجو أن يطمئن إلينا الملك لأننا محتاجون إلى مساندته
كشف عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة القادمة، بأنه مستعد لأن ينسحب من الحكومة إذا تبين له أن الأداء الحكومي لا يسير نحو الأهداف التي رسمها حزبه، مشيرا إلى أن حكومته قد تضم وزراء «تقنوقراط». وأضاف بنكيران أنه قال لمن هنأه بدخول الحكومة: «هنئوني بعد أن أخرج منها»، وأوضح أن ما يميز حزبه عن العدالة والتنمية التركي هو ما يميز المغرب عن تركيا العلمانية، التي سقطت فيها الخلافة عام 1923، أما المغرب فنصيبه من الخلافة مازال مستمرا إلى اليوم. - أنت أول رئيس حكومة، وليس وزيرا أول، بعد الراحل عبد الله إبراهيم. كيف تنظر إلى ذلك؟ يجب أن لا نتجاهل أنه مع صدور الدستور الجديد، أصبح عباس الفاسي يحمل، بمقتضى القانون، لقب رئيس الحكومة، لذلك لا يمكنني، إذا عينت رئيسا للحكومة، أن أقول إنني أول رئيس حكومة بعد عبد الله إبراهيم. - سألك الكثيرون مرارا إن كنت ستعيّن رئيسا للحكومة. بماذا ترد؟ الناس ألوان وأشكال وطبائع، وهناك من يفضل عبد الإله بنكيران، كما أن هناك من يفضل غيره. القرار في نهاية المطاف يعود إلى جلالة الملك، وهذا هو المهم، ولست في حاجة إلى أن أحلل ما يقوله أو يظنه البعض، فمن يقول شيئا إنما يعبر عن رأيه، وما عليك إلا أن تسأل هؤلاء حتى تعرف لماذا يقولون ذلك. - أكبر تحدٍّ قد تواجهه حكومتكم هو تحدي البرنامج الانتخابي، الذي وضعتموه بأنفسكم، والذي كان حسب المراقبين مرتفع السقف فيما يتعلق أساسا بالوعود الاجتماعية. هل ستتمكنون من تطبيق هذا البرنامج، أم أنكم ستعودون في نهاية الولاية للحديث عن معيقات حالت دونكم وتطبيقه؟ القدرة يمنحها الله، أما نحن فنمتلك العزيمة كي نشتغل حتى نصحح الوضع في المجال السياسي، وفي المجال الاقتصادي، وستصبح بذلك وعودنا قابلة للتحقيق إن شاء الله، ويجب ألا ننسى بأن كل هذا مرتبط بأشياء كونية كالأمطار والمحيط الدولي وأشياء أخرى، لكن من جهتنا لن نقصر في بذل الجهود اللازمة لتحقيق الوعود التي وعدنا بها المواطنين. - لكن لماذا رفعتم التحدي وجعلتم سقف وعودكم البرنامجية أعلى من باقي البرامج الانتخابية للأحزاب الأخرى؟ إخواننا في الحزب أرادوا أن يعطوا إشارات إيجابية ومشجعة في أفق نهاية الولاية، وهذا مبني عندنا على قناعات، منها اقتناعنا بأن المغرب إذا تحسنت فيه الحكامة فإن هذه الأهداف ستكون قابلة للتحقيق، سواء كلها أو بعضها. - هل تظن أنك سوف تجد ضمن مناضلي حزبك، عديمي التجربة في الحكم، الكفاءات المطلوبة واللازمة لقيادة الحكومة، أم أن النوايا الحسنة كافية لإنجاز المهام؟ أولا، أريد أن أوضح أنه ليس في نيتي كما ليس بإمكاننا، أنا وإخواني في الحزب، أن نقود الحكومة لوحدنا. سوف نتحالف بالطبع مع أحزاب أخرى، ولن نتوانى عن الاستعانة بكفاءات معروفة ومشهود لها في بعض القطاعات، والمسماة بالتقنوقراط، بطريقة واضحة، وليس بالتسريب عن طريق حزبنا أو حزب آخر، لأن المشكلة في السياسة ليست حول التقنوقراط أو المسيسين، المشكلة في السياسة هي عدم الوضوح. لكن هذا لا يعني بأنه ليست لدينا أطر في الحزب، فالحمد لله نتوفر على أطر متمرسة في الإدارة، وذات كفاءة ونزاهة عاليتين، وتقديرنا هو أننا سوف نأخذ من الحقائب الوزارية ما يناسبنا، ولكن ليس بطريقة «ماتيماتيكية»، بل سنميل إلى تغليب الصالح العام عن طريق اختيار الكفاءة والنزاهة والمصداقية، ولا بد أن يبقى لحزبنا نصيب كذلك. - لقد سبق أن قلت إن وزارات السيادة انتهت ولم يبق لها عهد، ثم عدت وقلت مؤخرا إن هناك وزارات لها حساسية معينة لارتباطها بمجالات الملك. ألا تظن أنك تغير الاسم فيما تحافظ على الجوهر اللاديمقراطي لهذا النوع من الوزارات؟ وزارات السيادة بمفهومها السابق انتهت، لأن كل الوزارات اليوم يقترحها رئيس الحكومة على جلالة الملك، الذي يعين كافة الوزارات، فإما أن نقول إن كافة الوزارات سيادية أو نقول إنه ليست هناك أي وزارة سيادة. لا شك أن الوزارات التي بها حساسيات معينة سوف تدبر بأكثر ما يمكن من اللباقة، إذ يجب ألا ننسى بأن جلالة الملك، حسب الدستور، هو رئيس الدولة ورئيس المجلس الوزاري كذلك، كما أن حزب العدالة والتنمية لم يأت ليمارس شد الحبل مع جلالة الملك، بل جاء ليشتغل مع جلالته في إطار الصلاحيات المحددة في الدستور، في إطار المنهجية الديمقراطية، في إطار الصلاحيات التنفيذية التي يتمتع بها رئيس الحكومة ويتمتع بها الوزراء والموظفون السامون، وفي إطار التعيينات التي يسمح بها الدستور، لكن أيضا في إطار مبني بالدرجة الأولى على التفاهم والتعاون والاحترام والتقدير الذي ينص عليه الدستور. - ما الذي تقصده تحديدا ب «وزارات ذات حساسية»؟ أظن أن الكلام الذي قلته كاف في هذا الصدد. - قلت إن العدالة والتنمية سيعمل على تقليص الوزارات إلى 15 وزارة و10 كتابات دولة. أليس هذا محض شعبوية، فالحكومات التي أكثرت من الوزارات فعلت ذلك بقناعة أن كثرة الوزارات هي من باب تجزيء العمل لتسهيله؟ نحن لدينا قناعة أخرى لحد الآن، وهو أن عدد الوزارات ينبغي أن يكون محدودا، ويجب أن يضم أقطابا ضمن نشاط معين، وأنا لم أقل 10 وزارات، بل قلت بين 15 و20 وزارة، أي الاستعاضة عن كثرة الوزارات بعدد أكبر من كتاب الدولة، وهذه الخطوة هي أولا وقبل كل شيء إشارة سياسية، والإشارات السياسية شيء ضروري. دع عنك الشعبوية لأنها كلمة شعبوية. الإشارات السياسية التي يتلقاها المواطن بإيجابية تجعله يستوعب بأن هناك فعلا تغييرا في اتجاه إيجابي، وكذلك لأنه إذا كانت كثرة الوزارات تسهل العمل فهي كذلك تخلق النزاعات، إذ تأتي إلى مجال معين فتجد مجموعة من القطاعات داخلة ضمن اختصاصه، وحين تكثر الوزارات يقع تنازع حول الصلاحيات بسبب هذا التداخل؛ التعليم الابتدائي مثلا متداخل مع الثانوي والجامعي ومع التكوين المهني والبحث العلمي ومجالات مترابطة في نفس السياق، لذلك نفضل أن يكون لدينا قطب يشرف عليه وزير قوي، ويسيره كتاب دولة، على أن يكون هناك مجموعة من الوزراء المتنازعين حول الصلاحيات والمقرات، وهذه النزاعات تأخذ أحيانا من عمر الحكومة سنوات. - ماهي الوزارات التي لا ترى ضرورة لوجودها مثلا؟ لم نحسم بعد في هذا الصدد. - سئل المفكر عبد الله العروي عن دخول عبد الرحمان اليوسفي إلى حكومة التناوب، فقال إن المهم ليس كيف سيدخل إلى الحكومة، بل كيف سيخرج منها، وبالفعل خرج اليوسفي من تجربة التناوب مستاء ومنتقدا جيوب المقاومة، التي قال إنها حالت دون تطبيقه برنامجه. ما الضامن لديكم بأن هذا لن يتكرر معكم؟ أولا وقبل كل شيء، يجب أن أعبر مرة أخرى عن قناعتي بأن مرور عبد الرحمان اليوسفي في الحكومة كان مرورا مشرفا، وأنه خرج مرفوع الرأس، لكن في جو من المرارة، وهما شيئان متناقضان. عبد الرحمان اليوسفي لازال إلى اليوم يحظى داخل حزبه بالتقدير الأكبر، ويكفيك أن تنظر إلى أي لقاء يحضره اتحاديون أو يساريون أو حتى عموم المواطنين لتعاين كثرة التصفيقات حينما يذكر اسم الرجل أو يكون حضوره جزءا من اللقاء، لأن الرجل قدم خدمات كبيرة للدولة، وساهم خلال مرحلة حرجة بالشيء الكثير، لهذا حينما نذكر بعض الأمور السلبية لا يجب أن ننسى ذكر الإيجابيات التي يتمتع بها رجال من أمثال عبد الرحمان اليوسفي. أنا أوافق العروي، وقد قلت للإخوة والمحبين الذين جاؤوا يهنئونني، والذين يتوقعون أن أعين رئيسا للحكومة: لا تهنئوني الآن، بل هنئوني بعد أن أخرج من الحكومة وحين أخرج منها بحصيلة إيجابية، ترسخ المسار الديمقراطي، الذي يجب أن أعترف بأن الدولة خطت فيه خطوة كبيرة جدا. لا أنفي أننا كنا نتمنى أن يكون أداء رجال السلطة في بعض المناطق أكثر حيادا، لأنه وقعت بعض الأشياء، لكن بفضل الله كانت محدودة جدا. وأنا أبشر المغاربة بأنه خلال الانتخابات المقبلة ستكون نسبة التصويت أكبر بكثير، ولا أستبعد أن تزيد نسبة التصويت بنصف النسبة الحالية على الأقل خلال الانتخابات المقبلة، لتصل إلى 70 في المائة على الأقل، لأن المواطنين اكتشفوا بأن الحزب الذي كانوا يريدون التصويت عليه هو الذي فاز في نهاية المطاف، وهذا ما لم يكن يحدث في السابق لأنه كانت تقع تدخلات بشكل أو بآخر بطريقة متعسفة. ما حدث الآن ربح للمغرب وللمغاربة، وهذه ليست ضمانة، بل واقعا، وسأعمل ما في وسعي حتى تأتي الانتخابات المقبلة، جماعية كانت أو تشريعية، وقد قطعنا نهائيا مع مرحلة التردد في المجال الديمقراطي، حتى لو كانت النتائج ستؤدي إلى خسران حزب العدالة والتنمية، وأقولها بصريح العبارة «والله ما نعقل عليه» إذا لم يعد يرغب فيه المغاربة، فالأجدر به أن ينسحب ويراجع نفسه ليدرك لماذا لم يعد المغاربة مقتنعين به. النقطة الثانية هي أن حزب العدالة والتنمية يركز كثيرا على مسألة الحكامة الجيدة. المشكل لم يكن في نقص الكفاءات، بل في الجو السلبي الذي كان سائدا، والذي لم يكن يسمح بالقيام بالعمل على أكمل وجه. - هل «ستقلب الطاولة» إذا لم يتم احترام حكومتك واحترام الدستور؟ عبد الإله بنكيران «لا يقلب الطاولة» على أحد، حتى أكون واضحا. بوسعي أن أقول إن مصلحة الوطن وضمان استقراره والحفاظ على المَلكية سيكونان دائما أولوياتي، وفي حالة ما تأكد لي أن الأداء الحكومي لا يسير نحو هذه الأهداف التي ذكرتها، لا تتصور أني سأتصرف بطريقة تجعلني أحافظ على الكرسي، مضيعا بذلك المبادئ التي جئت من أجلها. - تقول إن حزب الأصالة والمعاصرة يشكل خطا أحمر في تحالفات العدالة والتنمية، مع أنه في السياسة، كما يقال، كل شيء ممكن، فعبد الرحمان اليوسفي تحالف مع أحزاب كان يعتبرها «إدارية» وتصفه هي بالانقلابي. فلماذا إذن وضع خط أحمر منذ البداية؟ من خرج لمواجهتنا، خلال هذه الانتخابات هو التجمع الوطني للأحرار وليس «البام»، ومع ذلك لم أعتبر التحالف مع «الأحرار» خطا أحمر، وحتى «البام» لم يكن موقفي منه سلبيا عند ظهوره، لكن الآن هناك مستجد جد مهم، وهو أن الشارع انتبه إلى أن هذا الحزب لم يكن خطوة موفقة، وكان أداؤه سلبيا وضارا بالوطن. في هذه المرحلة السياسية التي نحن فيها لن نتحالف مع هذا الحزب الذي تأسس على الترحال والترحيل وجاءت الأحداث والدستور ضد توجهاته، ولو كان أصحابه منطقيين لبادروا إلى حله من تلقاء أنفسهم . - يمكن أن يحدث ذلك لاحقا؟ هذا شيء آخر، فالظروف السياسية تتغير. - سبق أن صرحت بأنك ملكي أكثر من الملك. ألم يكن ذلك مجرد تطمين لجهات عليا بأنك لاتأبه بما أذاعه موقع «ويكيليكس» بأن الملك كان أسرَّ للأمريكيين بأن الإسلاميين لا ثقة فيهم؟ أولا، أريد أن أوضح شيئا. لقد قلت: إذا سمح لي جلالة الملك ولم يعتبر في الأمر سوءا أن أقول إني ملكي أكثر من الملك فأنا أقولها وهذا يشرفني. ثانيا عندما قلت هذا لم يكن هناك بعد أي حديث عما روّج له «ويكيليكس»، ثم إن جلالة الملك ليس في حاجة إلى أن أطمئنه، بل نحن في حزب العدالة والتنمية نرجو أن يطمئن إلينا، لأننا محتاجون إلى مساندته، وهذا هو المظنون به إن شاء الله. الآن تسربت أشياء من «ويكيليكس» حول حديث بين جلالة الملك وبين أمريكيين، لكن بالنسبة إلينا هذا مجرد كلام، وسواء كان صحيحا أو غير صحيح، فقد كان في 2006 وليس الآن. نحن نقول إن موقفنا من الملكية غير مبني على موقفها منا، لأن موقف الملكية منا مرتبط بالظروف وعوامل أخرى، لكن موقفنا من الملكية مرتبط باستقرار الوطن ووحدة المغاربة وعدم طغيان بعضهم على بعض، فدور التحكيم الذي هو منوط بالملكية، وإمارة المؤمنين ورئاسة الجيش ومهام السيادة، قضايا أساسية في نظام الحكم في المغرب، وهذه ليست أدوار يمكنك أن تفاضل بينها، لأنها تمثل أسس بقاء الدولة المغربية الحالية واستمرارها وتقدمها. إذن كما قلت لك موقفنا من جلالة الملك مبني على هذه القناعات، ولجلالة الملك واسع النظر، وأنا شخصيا دَرجت في تربيتي على احترام هذا المقام، فبالنسبة إلي وإلى المغاربة قاطبة، الملك ليس فاعلا سياسيا عاديا، بل يمثل مؤسسة لها مكانة خاصة، وأنا لست من نفس مقامه، هو أعلى مني طبعا، فأنا مجرد سياسي، وغدا بعد انتهاء ولايتي أعود مواطنا عاديا، في حين أنه ملك البلاد والمستأمن الأول على استقرارها وازدهارها والحفاظ عليها. - تتطلعون حكوميا إلى عقد تحالف مع أحزاب الكتلة. ألا تتطلعون، حزبيا، إلى عقد تحالف بينكم وبين العدل والإحسان وباقي مكونات الطيف الإسلامي في المغرب؟ العدل والإحسان ترفض بالبت والمطلق أن تدخل المعترك السياسي، فأي تحالف يمكن أن يكون بيننا وبينها؟ - ألا تفكرون بتاتا في مد جسور العمل الإسلامي بينكم وبينها؟ لقد رأينا منذ القديم بأن العدل والإحسان حركة إسلامية كبيرة ومحترمة، لكن ما زالت لم تحسم بعد بشأن الدخول إلى المعترك السياسي بسبب قناعاتها بأن الأمور محسومة. أرجو أن تدفعها نتائج هذه الانتخابات إلى إعادة النظر في هذه القطيعة، وأن تفكر في الدخول إلى المعترك السياسي لتساهم بما تملك في تصحيح الوضع لأن الوطن بحاجة إلى كافة أبنائه، ولكن إذا كانوا يريدون انتظار سقوط النظام أو شيء من هذا القبيل لبداية جديدة، فهذا شيء لا يمكنني أن أكون طرفا فيه، فأنا أؤمن بالعمل في إطار المؤسسة الملكية. - وماذا عن باقي أطراف الطيف الإسلامي في المغرب؟ أنا منفتح على الجميع، وليس فقط الطيف الإسلامي، فلو جاءني أي طرف، حتى من أقصى اليسار، واقترح علي شيئا معقولا سأستجيب له في حدود الإمكان، فأنا ليست لي عداوات دائمة مع طرف أو آخر. - هل ستعملون على تمكين العدل والإحسان من تأسيس حزب سياسي قانوني؟ العدل والإحسان ليست بحاجة إلي، إذ لو أعلنت رغبتها في تأسيس حزب سياسي في إطار الدستور الحالي سيقع التحاور معها، وعلى أعلى المستويات، كما أعتقد. لقد تقدمت الحركة بطلب تأسيس حزب سنة 1981، أما الآن فهي لا تقول إنه لم تتم الاستجابة لطلبها ذاك. - هناك من يعتبر صعودكم إلى الحكم في المغرب مجرد موضة إسلامية عمت تركيا وتونس، وهي في طريقها إلى مصر وليبيا. كيف ترد على هذا؟ الموضة تكون في الاستهلاك، أما ما نتحدث عنه فهي شعوب تتحرك في اتجاهات تعتقد أن فيها مصلحتها بعد أن عانت خمسين سنة من تيارات تحكمت في أوضاعها، فلم تنجح في توسيع أرزاقها ولم توفق في أي من الإشكاليات التي عانت منها هذه الشعوب، ولم تحافظ لها على حرياتها ولا على حقوقها، حتى بدأ البعض يقول إن مرحلة الاستعمار كانت أرحم بالشعوب، وهذا خطاب سمعته بأذني في تونس. إذن الأمر أكبر من أن يكون لعبة أو موضة، فالتونسيون صوتوا على النهضة عن قناعة. - ما الذي يميز حزب العدالة والتنمية المغربي عن نظيره التركي وعن حزب النهضة التونسي؟ هو ما يميز المغرب عن تونس وتركيا. - وما الذي يميز المغرب عن هذين البلدين؟ ما يميزه هو أن الدولة التركية دولة علمانية والدولة المغربية دولة إسلامية، وتركيا سقطت فيها الخلافة في 1923، أما المغرب فنصيبه من الخلافة مازال مستمرا إلى اليوم، والظروف التي تسلم فيها العدالة والتنمية السلطة في تركيا كانت ظروف أزمة مطلقة، في حين أن الأزمة في المغرب لم تصل، والحمد لله، إلى ذلك الحد. من أجل ذلك نحن متفائلون بأن حزب العدالة والتنمية المغربي ستكون له تجربته الخاصة، التي لا نعتبر أنه ينقص منها أن يستفيد من التجربة التركية أو التونسية أو حتى الأمريكية. إذ لا مانع لدينا من الاستفادة من تجارب أخرى. - الخصوصية المغربية من أبرز مكوناتها أيضا العنصر الثقافي اليهودي. الإسلاميون المغاربة في مرحلة سابقة لم يكونوا يفرقون بين اليهودية كدين والصهيونية كحركة سياسية. كيف ستتعاطون كحكومة مع هذا المكون الثقافي والديني المغربي؟ نحن في العدالة والتنمية نعتبر اليهود المغاربة، خصوصا الذين لا يزالون مقيمين بالمغرب، مواطنين عاديين يتمتعون بحقوقهم كباقي المغاربة دون تفرقة، وأنا شخصيا تربطني علاقات ودية جدا معهم. اليهودي المغربي هو مغربي كغيره، والجميع يتعامل معهم على هذا الأساس. أما بخصوص أني اعتبرتهم على غير هذا الأساس فهذه محض خزعبلات يحركها مخزعبلون. - لكن سبق أن أدليت بتصريحات سلبية في هذا الاتجاه ضد أبرهام السرفاتي. أبرهام السرفاتي كان خصما سياسيا، والنزاع بيننا كان قائما على هذا الأساس، وليس لأنه يهودي. ما كان بيننا هو معركة سياسية منذ أن كان في السجن وخلال وجوده في فرنسا. لقد كان خصما سياسيا أعترف بأنه خاصم بشرف، ولولا أنه كان من الممكن أن يحسب علي من المبالغة حضور جنازته لكنت حضرتها. لقد توفي قبله إدمون عمران المالح وحضرت جنازته، وهناك التقيت أندري أزولاي وشكر لي حضوري حينها. - ما الذي ستقوم به لطمأنة الغرب من صعود الإسلاميين إلى الحكم في المغرب؟ أنا في الحقيقة أستغرب من هذا، فهل نحن الذين يجب أن نطمئن الغرب أم هو من يجب أن يطمئننا. الغرب هو الطرف الأقوى سياسيا وعسكريا واقتصاديا وعلى كل المستويات، فمِمَّ سيخاف يا ترى؟ - على مصالحه. المصالح المشروعة والمعقولة سنكون نحن أكبر المدافعين عنها، فالحفاظ على مصالح الناس، كيفما كانت معتقداتهم، من صميم الدين. الآن الغربيون يسألون عن أشياء خاصة بالمغاربة، والغرب يجب أن يفهم شيئا، وهو أن المغرب دولة منظمة في إطار قانون، أما مسائل المغرب الخاصة فلا يجب أن تهم غيره، فهو الذي يتخذ فيها القرار، وهنا أريد أن أقول للغرب إن ما يتخيله عن كوننا سنتدخل في لباس المرأة أو فيمن يريد أن يفطر رمضان أو فيمن له علاقات شاذة... هذه كلها فزاعة حركها خصومنا في وجه الغرب لإخافته. نحن مصرون على حفظ النظام العام، فأنا لا يمكن أن أسمح بأن تتعرى امرأة في الشارع أو أن ينظم الشواذ جنسيا مظاهرة في الشارع أو يؤسسوا جمعية. - هل تتوقع انتقال «عدوى» الحكم الإسلامي إلى الجزائر؟ الإخوان في الجزائر يعرفون، والكل يتذكر أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ حازت نصرا كبيرا جدا في بداية التسعينيات، لكن حيل بينها وبين ما كانت تطمح إليه في ذلك الوقت. الآن بعد مرور 20 سنة لم يتغير الشعب الجزائري، وأمله في أن تكون التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية هي مخرج البلد من الأزمة لا زال قائما. الآن حتى الحركة الإسلامية في الجزائر راجعت ، بدون شك، بعض مواقفها وقناعاتها، وأصبحت الأمور أوضح بالنسبة إليها، وشخصيا أعتقد بأنه إذا كانت هناك انتخابات في الجزائر فلا شك بأن التيار ذا المرجعية الإسلامية ستكون له مكانة كبيرة. - ما الذي ستفعلونه في موضوع استمرار اعتقال الصحافي رشيد نيني؟ أنا ما فتئت أرجو من جلالة الملك أن يصدر عفوه على هذا الرجل، وحتى لو افترضنا أنه وقع في خطأ، فأعتقد أنه قضى في السجن ما يكفي، وقد تغيرت الظروف، وأظن أن بيته الآن أولى به.