يرى عبد الإلاه بنكيران، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن اختيار الملك لعباس الفاسي وزيرا أول يعود لغياب شخصية ذات وزن سياسي بالحزب. ودعا إلى مراجعة للدستور بصيغة توافقية. ووصف بنكيران خرجة عالي الهمة بغير الموفقة. واستحضر باعتزاز موقف محمد السادس الذي تصدى لقرار حل حزب العدالة والتمية. "" * كيف تقبلت تعيين عباس الفاسي وزيرا أول، خاصة وأن عددا من التكهنات كانت تستبعده لصالح تعيين وزير أول من الجيل الثاني في حزب الاستقلال؟ ** تعيين عباس الفاسي جاء منسجما مع مطلب النخبة في أن يكون الوزير الأول سياسيا من الحزب الحاصل على الرتبة الأولى، وجلالة الملك اختار السيد الفاسي دون غيره من قيادات حزب الاستقلال ربما لعدم وجود شخصية داخل الحزب لها الوزن السياسي الكافي لتحمل مسؤولية الوزارة الأولى. * هل يمكن القول إن الملك أخطأ في اختيار الوزير الأول بسبب «السجل العدلي السياسي» لعباس الفاسي المتهم في ملفات عديدة أبرزها «النجاة»، فضلا عن سنه وحالته الصحية؟ ** جلالة الملك يعرف، أكثر مني ومنك، السجل السياسي لعباس الفاسي ووضعه الصحي الذي ذكرت، ورغم ذلك عينه وزيرا أول التزاما بالمنهجية الديموقراطية واحتراما لما أسفرت عنه عملية الاقتراع. * اعتبر البعض نتائج انتخابات7 شتنبر2007 بمثابة نكسة لحزب العدالة والتنمية، خاصة أنكم حصلتم على مقاعد وأصوات، لو قارناها بالأصوات والمقاعد المحصل عليها في2002 ,نجدها أقل بكثير، خصوصا أنكم ترشحتم في كل الدوائر، عكس الحال في عام2002 . ** أنا أتحفظ على لفظة نكسة، وأحبذ استعمال لفظة خيبة أمل. صحيح أنه في2002 ترشحنا في ثلثي الدوائر، وفي الانتخابات الأخيرة ترشحنا في كافة الدوائر تقريبا، غير أن الظروف السياسية كانت مختلفة. على كل حال ما أؤكد عليه هو أننا كنا نستعد للانتخابات بطريقة عادية، لكن يبدو أن آلة وزارة الداخلية هزمتنا. * أتقول هزمتكم، كيف؟ ** نعم هذه قناعتي، لقد هزمتنا وزارة الداخلية سواء تعلق الأمر بالتقطيع الانتخابي أو اللوائح الانتخابية أو تعلق الأمر بمجموعة من الأمور التقنية كمراقبة مكاتب التصويت، فضلا عن كون كثير من الناس لم يجدوا بطائقهم.. لكن لا أريد أن أعلق محدودية نتائجنا على مشجب وزارة الداخلية وحده. أنا الآن أمر بمرحلة أفكر فيها بمسؤوليتنا داخل حزب العدالة والتنمية. هل وقع منا تقصير في الاستعداد؟ أم كان هناك تقصير في درجة الحذر في ما يخص مراقبة الانتخابات؟ أم أن التقصير كان في الحملة الانتخابية؟ بكل صراحة، إن العدد الذي أعلنا عنه بخصوص الحصول على70 مقعدا، كان بالنسبة إلينا هدفا متواضعا ولم يكن هدفا كبيرا، حيث كنا نتصور أنه من الممكن أن يكون أكثر. فأن ننزل من سقف70 مقعدا إلى46 مقعدا، لا شك أن هذا التراجع فيه شيء من القسوة. إننا، في مائأعتقد، نتحمل جزءا من المسؤولية. * هل هذه المسؤولية ترتبط باطمئنانكم المبالغ فيه في الاستطلاعات التي كانت تبشر باكتساح الإسلاميين، أم إلى عدم إدراككم للسوسيولوجية الانتخابية؟ ** الاستطلاعات كانت تقول أكثر مما كنا نتوقع، فهي كانت تتحدث على حصولنائعلى الأغلبية المطلقة تقريبا، وهذه أنباء لم نكن نصدقها، لأن70 مقعدا بالنسبة لنا كانت تساوي20 في المائة، وهذه النسبة ليست بالشيء الكثير.. لو حصلنا على70 مقعدا التي كنا نتوقعها، عندها يمكن أن نقول إننا حققنا انتصارا نسبيا. هناك فرق عددي بين الشريحة التي تخضع لاستطلاعات الرأي، وقالت إنها ستصوت على العدالة والتنمية، وبين الشريحة التي ذهبت إلى التصويت. أولا يجب ألا ننسى أن الحزب حصد المرتبة الأولى في مدينة الرباط وسلا والدار البيضاء وطنجة، وعدد آخر من المدن الرئيسية بالمغرب. ما حدث أن الحزب فقد مقاعد في مناطق معينة، خاصة في البوادي، وهذا في نظري منطقي ومفهوم، لأن المهندسين الذين هندسوا لهذه الانتخابات أدوا عملهم باحترافية كبيرة، كي يتجنبوا حصول حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى. * لكن مفروض في الحزب أن يعي ذلك ويتهيأ لمواجهة أي ثغرة. ** لا شك أن هذا من بين نقط ضعفنا التي لم ننتبه إليها، ولم نأخذ فيها الاحتياطات اللازمة. لكن في بعض المناطق أحس الإخوة أنه من المحتمل أن يتم استهدافنا، فأخذوا الاحتياطات اللازمة وبذلك فازوا بمقعد كان مهددا يقينا. * قلت إنكم حصلتم على مقاعد مهمة في مدن معينة، لكن هناك جهات لم تحصل فيها العدالة والتنمية على أي مقعد، وبالضبط في جهات الصحراء الثلاث، وفي منطقة الريف، وجهة مراكش... أي هناك ست مناطق لا وجود فيها لصوت العدالة والتنمية؟ ** بخصوص جهة مراكش لا أريد أن أناقشك فيها، لأن فيها ما فيها، وهذا ربما سوف يحسم فيه القضاء إذا ارتأى الإخوة أن يلجؤوا إليه. على الأقل، على مستوى اللائحة الوطنية، نبه الإخوان المتواجدون في مقر وزارة الدخلية المسؤولين إلى وجود خروقات كبيرة، حيث انتقل عدد الأصوات، في بعض الأحيان، بعد مطالبتنا بتصحيح المعطيات من300 إلى عدة آلاف. لكن كما لا يخفى عليك في هذه القضايا فإن الكلام يجب أن يكون بالدليل. وبما أن الأدلة لا يمكن الحصول عليها من مختلف الدوائر التي عرفت هذه الخروقات، خصوصا في اللائحة الوطنية التي تضاف أصواتها بعضها على بعض، فإننا لا نستطيع الجزم بوجود هذه الخروقات. فنحن نشعر بأن الأمور قد دبرت بطريقة أنيقة. لكن، وكما قلت سابقا، إننا في الحزب نتحمل جزءا من المسؤولية. وتقديرنا أن70 مقعدا التي كان يتحدث عنها الأمين العام كانت مطلبا عاديا معقولا، وإذا شئت انتصارا نسبيا بالنسبة للعدالة والتنمية. هذه النسبة كانت تؤهله إلى أن يختار الوزير الأول منه، أو أن نكون الفريق الرئيسي في الحكومة، إذا عين الوزير الأول من التقنوقراطيين... أما في هذه الظروف فأنا ما زلت أتساءل ماذا وقع بالضبط؟ خاصة وأننا كنا ننتظر 70 مقعدا فحصلنا فقط على46 مقعدا.. لا بد أن يكون هذا التراجع سقطة خاب فيها الأمل. ومن جهة أخرى ما زلنا نتساءل جميعا داخل العدالة والتنمية: ما هو دورنا في المستقبل، خاصة وأنه عندما كنا نخوض الحملة كان الناس يعبرون عن رغبتهم في أن يرونا نشارك في الحكومة حتى يتم إحداث ديناميكية جديدة، باعتبار أنهم لا يريدون أن يروا نفس الوجوه ونفس الأغلبية تعود لتسيير شؤون البلد... * الملاحظ في الأنظمة الانتخابية المقارنة، أن الأحزاب تفقد شعبيتها أو كتلتها الانتخابية بسبب مشاركتها أو تسييرها للشأن العام. لكن المفارقة أن العدالة والتنمية لم يشارك، أي أنه كان في المعارضة، وكان له في عام2002 توهج وأصوات متعددة، بينما في الانتخابات الأخيرة فقد من حجم كتلته الناخبة، كيف تفسر ذلك؟ ** علينا ألا ننسى أنه مع الأسف بعد أحداث16 ماي كانت هناك جهات، خصوصا تلك التي تتحكم في إعلام الدولة، وتحديدا القناة الثانية، كانت تستغل كل مناسبة للتهجم على حزب العدالة والتنمية. ففي أحداث16 ماي اتهمونا بالمسؤولية المعنوية، مرورا بالتسونامي، حيث كانوا يستغلون أي فرصة لاستهداف العدالة والتنمية. طبعا هذا أثر بدون شك على سمعة الحزب. * هل تقصد بالجهات النافذة التي كانت تناوئكم وتستغل إعلام الدولة، فؤاد عالي الهمة، أم جهات أخرى؟ ** فؤاد عالي الهمة لا يمكن أن يكون لوحده جهة، قد يكون عنصرا في جهة، وقد يكون متأثرا بجهة معينة. * جهات عسكرية أم مدنية؟ ** لا أستطيع أن أتهم مؤسسة بعينها. فمما لاشك فيه أنه كان عندنا، ولا يزال، مناوئون داخل الدولة، يريدون تصويرنا على أننا خطر على الدولة وعلى الملكية. وبطبيعة الحال هؤلاء يعرفون أن العدالة والتنمية حزب سياسي تكون في رحم الحركة الإسلامية، وقام بالمراجعات النقدية، واستوعب طبيعة المنظومة الوطنية، واقتنع بأهمية النظام الملكي بالمغرب ودوره الكبير، سواء في ما يتعلق بالحفاظ على الإسلام كدين للدولة أو الحفاظ على وحدة المغاربة أو استقرار المغرب، وقرروا من تلقاء أنفسهم دون ضغطولا مناورات، ودون ارتباط خارجي أو داخلي، أن ينخرطوا في النسيج الوطني ويعملوا في إطار المؤسسات. ونبذوا العنف منذ أكثر من ربع قرن، كما وقفوا بكل قوتهم في وجه الإرهاب بشكل من الأشكال. في رأيي، هذه المجموعة تمثل هبة من السماء للدولة المغربية. وهي شريحة مثقفة منظمة ونزيهة، تريد أن تخدم بلدها في إطار المشروعية والمؤسسات، وفي إطار القوانين. ومع كل هذا نجد من يتعامل معها كما لو كانت عدوا. * اعتبار حزب العدالة والتنمية يشكل خطرا على الملكية، نابع ربما من رفضكم الدعوة للمشاركة في حكومة2002، فتبين لأعدائكم بأن حزبكم يريد الاكتساح، أو كما نقول بالدارجة يريد «ميسة». ** لا شك أن هناك أشخاصا عاديين قاموا بهذا التحليل، لكن خصومنا أو أعداءنا يعرفون الحقيقة جيدا، فهم لا يريدون منافسا، لأن الذي ألف أن يتصرف في الشأن العام والمال العام لا يقبل شريكا نزيها. لأن الشريك النزيه لا يأتي ليقتسم مع الذي يريدئالقسمة. أما الذي جاء ليخدم بلده، ويكتفي بما يسمح به القانون، فهذا في نظرهم مزعج، وأحسن شيء يتعين القيام به هو محاولة إبعاده وتصفيته بأي طريقة، لأنه من خلال وجوده داخل المنظومة والمؤسسات سيخلق ثقافة جديدة غير ثقافة الاقتسام. وهذا يعتبر خطرا على الذين يريدون الاستمرار في الإمساك بالضرع والاستمرار في حلب البقرة. هؤلاء خصوم لكل إنسان نظيف ونزيه. هؤلاء قوم يكرهون أهل الخير. فهذه الشريحة في المغرب كانت تمثل آمال المغاربة، غير أنها وقعت في أخطاء، وأنا قلت لبعض وسائل الإعلام سنة2002 ,إنه كان علينا أن نشارك في الحكومة. فعلا بعض ذوي النوايا الحسنة فهموا أنه ربما يكون غرضنا الاكتساح سنة2007 ,لفرض شروط معينة. لكن الحقيقة أن كل هذا لم يكن واردا في بالنا. ما زلت أظن أن عدم مشاركتنا في حكومة2002 خطأ، بل في اعتقادي كان يمكن أن نشارك في حكومة1998 مع الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي عرض علينا المشاركة ساعتها، وكان همي الأساسي أن يقع تطبيع هذه الشريحة المنتمية للحركة الإسلامية بفعل النشأة، والتي قامت بمجهود اجتهادي بمسارها يعترف به العالم الإسلامي كله الآن، أن يقع إدماجها والتطبيع معها. لا أخفيك أنني مقتنع بهذا، وأعتقد أننا قد وقعنا في هذا الخطأ. ففي1998 كان الخطأ بشكل محدود، لكن في2002 ,كان الخطأ أكبر. * كيف يهضم المرء القول بأن الإسلاميين يمثلون خطرا على الملكية، بسبب ما يروجه بعض المحيطين بالملك. فما هو دور الملك؟ ** الذي يتصور أن الملك يعمل كل مايريد، ويتصرف في ملكه كما يشاء، فهو مخطئ. ملكنا شاب، وأنا شخصيا مقتنع بنيته الحسنة، لكنه في النهاية يوجد في إطار توازنات. وأعتقد أنه في إطار التوازنات التي كانت، وفي إطار الدعوة إلى حل حزب العدالة والتنمية بعد16 ماي، نجد أن الذي وقف في وجهها هو الملك محمد السادس، وهذا في تقديري شجاعة تكفيه. * ما هي المبررات التي تسربت لكم وجعلت الملك يقتنع ويقف بعدم حل الحزب؟ ** أظن أنه لم يقتنع بما كان يروج ضد العدالة والتنمية، حول المسؤولية المعنوية لحزبنا، وحول ما يقال بوجود نوايا انقلابية لدينا، كما كانت تروج بذلك بعض الصحف وبعض الجهات. كل هذا يدفعني لأن أقول لك، إن جلالة الملك يسير هذا البلد، وبدون شك، وهو يخضع لهذه التوازنات. * أنت تقودني إلى مقولة شائعة، وهي إن الملك رائع، لكن محيطه هو الفاسد؟ ** ليس بهذه البساطة، لكن الذي لا شك فيه هو أن الملك لا يستطيع أن يفعل كل ما يريد، رغم أن صلاحياته كبيرة في الدستور. إن الملك يتصرف دائما في إطار الممكن، وأنا انتبهت إلى هذا الأمر باكرا في عهد الحسن الثاني رحمه الله، والذي بلغت سلطته ما بلغت، في وقت من الأوقات. هل تذكر عندما هدد النواب البرلمانيين الذين لا يحضرون؟ هل تذكر موضوع الزكاة، حيث كان الراحل الحسن الثاني يريد أن يخرج المشروع إلى التنفيذ، وقد أخبرني الشيخ محمد المكي الناصري رحم الله الجميع، أن بعض الأغنياء أرسلوا إليه يطلبون منه ألا يرجع للموضوع، لأن بعضهم لن يعطي الزكاة للدولة.. إلى آخره. فالملوك في الغالب يتصرفون في حدود هامش معين. لكن قناعتي الشخصية أن الملك محمد السادس رجل يحب الخير لبلده ولشعبه. وهذه ميزة يتميز بها منذ أن كان وليا للعهد. بالمقابل إن محيط الملك لا يمكن أن يكون كله سيئا، كما لا يمكن أن يكون كله حسنا، لكن تقديراتي أنه الآن دخلنا إلى مرحلة، من الضروري أن يقوم جلالة الملك بالأمور الكبيرة. * مثلا؟ ** القيام بالإصلاحات الدستورية، فقد آن الأوان كي يقتنع المواطن، أن الانتخابات لها معنى، أي أن الحكومة سيكون لها دور فعال، وأنئالبرلمان سيمارس مهمته الديمقراطية. كذلك في تقديري، والمعلومات عنده متوفرة، أن يختار أشخاصا من أبناء هذا الوطن تتوفر فيهم الكفاءة والمستوى الأخلاقي. فكما لا يمكن أن تكون دمقراطية بدون دمقراطيين، لا يمكن أن نتحدث عن الإصلاح بدون صالحين. فالخلاصة أنه يمكن أن نقول بأن لا أحد خرج منتصرا من انتخابات7 شتنبر2007 .هناك شعور بالمرارة عند كافة الأطراف. * إذا كان الملك يريد التنازل عن جزء من صلاحياته، سيتنازل عنها لأي حزب، علما أن أهم حزب لم يحصل سوى على3 في المائة من أصوات المسجلين في اللوائح؟ ** قناعتي الشخصية، أن المشكل ليس في الأحزاب وحدها. فقبل كل شيء يجب تغيير نمط الاقتراع، كما يجب تغيير لوائح الناخبين، وأن يعاد بناؤها وفق المعلومات الموجودة في البطاقة الوطنية. فكل مواطن هو ناخب بالضرورة. يجب تغيير نمط الاقتراع، وتوسيع صلاحيات الحكومة والبرلمان. أنا لا أطلب من جلالة الملك أن يتنازل عن صلاحياته، أنا أطلب أن يفوضها، لأنه لا يمكن أن يصبح عندنا ملك شكلي. لا بد أن يبقى ملكنا ملكا حقيقيا عنده القدرة على التدخل، لكن مع التحرر من واجب التسيير اليومي. بناء على هذا التصور يمكن أن نصوغ بطريقة توافقية، دستورا يحتوي على هذه المهام من الناحية القانونية. * لنعد إلى فؤاد على الهمة،الذي كان يتصرف في وزارة الداخلية، حيث قام بخرجة إعلامية في القناة الثانية، وقمتم بالرد عليه أنتم كحزب، وقلتم إنكم كنتم تحترمونه لأنه ينتمي لمحيط الملك. بمعنى إذا كان الإنسان بالقرب من الملك، فإنكم تحترمونه، وإذا كان بعيدا لا تحترمونه؟ ** هذا غير صحيح، نحن قلنا (نوقره)، أما الاحترام فمضمون، فقد كنا نحترمه وما زلنا. نحن أحرص على استقرار بلدنا من حرصنا على مصلحة حزبنا. فكل ما يتعلق بالملك أو الملكية لا نريد أن نبالغ في التصرف فيه. ففؤاد عالي الهمة عندما كان يشتغل في الداخلية، بشكل أو بآخر، كان ممثلا للملك، أي أننا لم نكن نأخذ كلامه بأنه كلام شخصي، بل كنا نعتبر مواقفه وآراءه قريبة من مواقف الملك. وكنا نوقره لهذا. وكما لا يخفى على الجميع، فالهمة لم تكن له تصريحات رسمية. وعندما أعلنأنه خرج من الوزارة، وذهب إلى الانتخابات ليشارك في البرلمان، عندها أصبح مواطنا عاديا. وبما أنه تهجم على حزبنا بطريقة غير لبقة وغير لائقة، فلا يمكن إلا أن ينتظر الرد الذي سمعه منا. ونعتقد أن هذا الرد هو من باب إعادة الأمور إلى نصابها. * قيل إن أوساطا مقربة من الملك تدخلت ليلتها للاتصال بسعد الدين العثماني ليقوم بالرد على عالي الهمة. ** ما علمته أن السيد مدير القناة الثانية اتصل بالأخ الأمين العام في منتصف الليل، ولم يخبره بأن هناك توجيهات لا من الأعلى ولا من جلالة الملك، ولكن قال له «عندكم حق الرد». أنا شخصيا لو كنت مكان الأخ عزيز رباح، لما تركت البرنامج ينطلق كما لو كان حوارا عاديا. أول ما سأقوم به، لو كنت مكانه، هو القول إن هذه الحلقة تدخل في إطار حق الرد على ما جاء في كلام فؤاد عالى الهمة. لكن الإخوان فضلوا أن لا يتعرضوا لاسم فؤاد عالى الهمة، لأن الأخ رباح لم يذهب من تلقاء ذاته، بل بعد مشاورات مع الأمانة العامة، والإخوان ردوا عليه بطريقة غير مباشرة، مستفيدين من البرنامج لتأكيد أفكارهم وقناعاتهم. * ألم تكن هناك تدخلات لترتيب لقاء بين الأستاذ العثماني وفؤاد عالي الهمة؟ ** نعم كانت هناك اتصالات بين الطرفين لترتيب لقاء من أجل تصفية الأجواء. * أيمكن أن نقول إنه تم إطفاء اللهيب؟ ** بالنسبة لي، فؤاد عالى الهمة لم يكن موفقا في تهجمه علينا، ورددنا عليه، وانتهى الموضوع. فإن عاد إلى مثل هذا السلوك، فسنعود نحن أيضا. * يرى البعضأن تدخل فؤاد عالي الهمة في شؤون حزبكم ليس مفاجئا، بل هو اعتاد التدخل في شؤون الأحزاب، بما فيها حزبكم،حسب المراقبين. فهو تدخل في تحديد هذا البرلماني أو ذاك وتحديد حجم الدوائر المطلوب أن تترشحوا فيها عام2002 إلخ ** فؤاد عالى الهمة كان أكثر لطفا لما كان في الوزارة مما كان عليه خلال تهجمه بالقناة الثانية، لا سيما عندما جمعتنا به مناسبات متنوعة. أما تدخلهوأوامره ونواهيه فهذه صورة كاريكاتورية وكلام جرائد لا أقل ولا أكثر. صحيح أنه جمعتنا معه، كما جمعتنا بغالبية وزراء الداخلية، مجموعة من الاجتماعات، ناقشنا فيها عددا من المواضيع. أما بخصوص تدخله في قضية الأستاذ مصطفى الرميد، ففعلا كان هذا المعطى وتناقشنا وقررنا بالتصويت ألا نتخلى عن الأستاذ مصطفى الرميد وأن يبقى رئيسا للفريق. وأذكر أن الدكتور عبد الكريم الخطيب لم يشارك معنا، بل قال إذا لم يبق الرميد رئيسا للفريق فهذا آخر عهدي معكم، وانسحب إلى غرفته. وبعد ذلك أتممنا النقاش، وصوتنا، وتم ترجيح كفة الذين يطالبون ببقاء الأستاذ الرميد رئيسا للفريق بسبعة ضد ستة. وبقي الأستاذ الرميد رئيسا للفريق. وفي الغد نشرت الخبر في جريدة التجديد. لكن الأستاذ الرميد بعد أن بلغه أن وزارة الداخلية، في اتصال مع الأخ الحسن الداودي، تهدد بقطع كافة العلاقات مع الحزب، قرر أن يتنحى عن رئاسة الفريق النيابي، وجاء ليخبرنا بهذا القرار، قائلا (ليس مطلوبا منكم أن تبدوا رأيكم، هذا قرار اتخذته). الأخ مصطفى الرميد هو الذي عزل نفسه عن رئاسة الفريق، وهو الذي قدم استقالته لرئيس البرلمان ترجيحا منه لمصلحة الحزب. * عودة المطالبة بالإصلاحات الدستورية تزامنت لدى التيار الراديكالي عند حزب الاتحاد الاشتراكي ولدى حزب العدالة والتنمية، وهو ما فسره البعض بمرارة الهزيمة الانتخابية أكثر منه قناعة، أي أنكم تمارسون (الشانطاج). ** المشكلة لا ترتبط برد فعل على النتائج، فهذا موقف قديم. أنا من أنصار التعديلات الدستورية بطريقة توافقية مع جلالة الملك. وربما أنا من أول من دعا إلى هذا الطرح في المغرب، بل إن عندي قناعة أن جلالة الملك جاء إلى المُلك بهذه الفكرة. نحن في الماضي كنا نتحدث عن الإصلاح السياسي قبل الإصلاح الدستوري. في قناعتي أن خمس سنوات التي تفصلنا على2012 تتطلب منا مواقف جدية، لأنه ليس عندنا استعداد أن نذهب إلى2012 والمواطنون لا يبالون بالانتخابات، ونسبة المصوتين حوالي40 في المائة، والحكومة لا تستطيع أن تدعي شيئا، بل الكل يُنسب للملك، والبرلمان لا يشعر أن له جدوى، والأغلبية تساند الحكومة، والمعارضة لا يمكنها أن تقوم بشيء. كمواطنأعتقد أننا دخلنا مرحلة نحن أحوج فيها إلى إصلاحات بطريقة توافقية، في إطار تعاون بين الجميع. هذه أشياء أصبحت ضروريةلمصلحة الدولة ولمصلحة الملكية والديمقراطية ولمصلحة الأحزاب السياسية ولمصلحة الشعب قبل كل ذلك. * هل سيتم الاستجابة لهذا المطلب؟ ** عندي أمل كبير، وأعتقد أن المغرب قد ضيع من الفرص ما فيه الكفاية. * أين سيكون موقعكم في الخريطة الحكومية القادمة؟ ** أي حكومة لن تكون فيها العدالة والتنمية، سوف تكون حكومة بدون مذاق، لأن المواطنين يتساءلون: هل ستدخل العدالة والتنمية إلى الحكومة أم لا؟