قال عباس الفاسي، الوزير الأول، إن الملك يحترم بالحرف دستور البلاد، وإنه لم يرفض يوما نصا صادق عليه المجلس الحكومي، وأكد الفاسي في حوار نشرته صحيفة «جون أفريك» أنه لم ينزعج لتحول «حركة لكل الديمقراطيين» إلى حزب سياسي جديد وأن ما يقال حول العلاقة بالملك والتي يمكن أن تكون بطاقة في يد هذا الحزب هو أمر مغلوط، لأن جلالة الملك هو شخص ديمقراطي. - إشاعة الرباط وكلام بعض الصحف يتناول دوما وضعك الصحي المتدهور، وكسؤال أول أساسي كيف هو وضعك الصحي؟ < أنا في صحة جيدة. أشتغل كثيرا، وأحس بنفسي جيدا في وضعي الحالي كوزير أول. أمارس رياضة المشي ثلاثة أيام في الأسبوع، ويحدث أن أتغلب أحيانا على من يمارسون معي تمارين المشي، وبالأمس فقط قال أحد المناضلين، والذي يبلغ من العمر 40 سنة، لأقربائه إنه لم يعد يقدر على مجاراتي! وصدقوني ففي حالة ما إذا كنت أعاني من أي عائق فإنني سأطلب التنحي من المهام الموكولة إلي دون تردد، لأن تدبير الشأن العام مقدس. - سنة بعد تعيينكم، ألم تقتنع بعد أنه من الصعب أن تكون وزيرا أول لملك يسود ويحكم؟ < لا، لسبب بسيط جدا وهو أن جلالة الملك يحترم بالحرف دستور البلاد، وخصوصا ما يتعلق باختصاصات الوزير الأول، وهو الأمر الذي حاربنا من أجله نحن عندما كنا في المعارضة، وبالتالي فأنا اليوم أمارس كل مهامي التي يخولها لي الدستور. بالتأكيد المغرب ليس هو بريطانيا، فالملك يترأس المجلس الوزاري، الذي يمكنه أن يتحفظ على قرارات المجلس الحكومي الذي أترأسه كل أسبوع، لكن ما أؤكده وبكل ارتياح هو أن جلالة الملك لم يرفض يوما نصا صادق عليه المجلس الحكومي، رغم أن ذلك يدخل في إطار اختصاصاته. وهذا يحدث حتى في فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية في علاقة بما يسمى ب«سيادة مجال التحفظ»، وخصوصا في الدبلوماسية والدفاع، والأمن والشؤون الدينية، أنا لست بعيدا عما يحدث في البلد، وأنا مشارك ودائما على علم بالقرارات الكبرى التي تتخذ. - لكن منذ البداية كان يقال: «الملك هو من شكل الحكومة»... < هذا غير صحيح. والدستور ينص على أن الملك يعين الوزراء باقتراح من الوزير الأول، وهذا هو ما حدث بالفعل. لنأخد مثلا نموذج حزب الاستقلال الذي أنتمي إليه، فعندما اقترحت على الملك لائحة مرشح حزبنا دقق فيها وتفحصها وقبلهم جميعا ما عدا واحد، حيث كنت أريد، لأسباب الفاعلية السياسية، خلق سكرتارية دولة في الشباب تابعة لوزارة الشباب والرياضة، التي منحت لنوال المتوكل، ومقترحي هذا لم يقبل. ومن جهته، فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تقدم إلي بلائحة من الأسماء والمناصب، تضم من بينها وزيرا للتجمعات المحليات، وهي الوزارة التي لم تكن موجودة بين لائحة هيكلة الحكومة، ولقد تحدثنا، وكانوا راضين عما تقرر، حتى عند اختيار وزراء السيادة، فقد استشارني الملك وطلب رأيي. - وإذا كنت اعترضت على واحد من «وزراء القصر» هل كان الملك سيوافقك؟ < أظن ذلك، ولكن هذا الأمر لم يحدث. - ولماذا كنتم في حاجة إلى شهر من المشاورات والحسابات من أجل تشكيل الحكومة؟ < ليس هناك شيء من هذا.. جلالة الملك قال لي: «لانريد أكثر من 30 وزيرا» وفي ظرف 24 ساعة كانت الهيكلة الوزارية جاهزة. بالتأكيد كان يجب علينا انتظار، من أجل الإعلان عن الحكومة، نهاية مفاوضات الأحزاب التي ستشكل التحالف في المستقبل وافتتاح البرلمان، وبالنسبة إلى الباقي أؤكد أنني قمت به أنا، وتعليمات الملك في هذا الصدد كانت واضحة ومن حاولوا اعتراضي ضربوا رؤوسهم عرض الحائط. - ما هو الفرق بينك وبين سلفك إدريس جطو؟ < هو هو، وأنا أنا. إذن فلا مجال للمقارنة هنا. لدي علاقات جيدة مع السيد إدريس جطو، الذي قام بعمل مهم، ربما يمكن استنتاج نقط اختلافنا من خلال خطابنا، فخطابي أنا له دائما صبغة سياسية حتى في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي. - هل حكومتك متجانسة بالفعل؟ < بالتأكيد. إلى حد الآن لم أسمع عن أي خلل، وإلى حد الآن أيضا لم يأخذ أي وزير الكلمة من أجل تحطيم هذا المسار، سواء أمام العموم أو خلال المجالس الحكومية الأسبوعية. نحن جميعا متضامنون، وهدفنا واحد وهو: مصلحة المغرب. - نحس أحيانا بأن بعض وزراء الاتحاد الاشتراكي يشتغلون معكم بنفس المنطق الذي كنتم تمارسونه عندما كنتم وزيرا في حكومة عبد الرحمان اليوسفي: المساندة النقدية؟ < الوزراء شيء، والأحزاب شيء آخر، لا يزعجني أي شيء من هذا في وزراء الاتحاد الاشتراكي، وعكس ذلك فأنا أحيي أمانتهم وكفاءتهم. - هل تلعب دورا في الشؤون الخارجية للمغرب؟ < بكل تأكيد. لقد مثلت جلالة الملك في العديد من القمم، ومؤخرا فقط كلفني جلالة الملك باستقبال كوندوليزا رايس، سكرتيرة الدولة في الخارجية الأمريكية، أثناء زيارتها للمغرب. وتأكدوا من أنني لا أحس أبدا بأنني مهمش، والملك يعمل من أجل أن يستقبل كل زعماء الدول الذين يزورون المغرب وزيره الأول سواء كان الرئيس ساركوزي أو الملك عبد الله... - ولكن قيل إن ساركوزي في أكتوبر 2007 لم يأخذ وقتا ليقابلك؟ < إشاعة خاطئة. لقائي مع الرئيس ساركوزي تم فقط تأجيله بيوم واحد بطلب منه، إذن فلقائي معه قد تم، وتحدثنا حول حزب الاتحاد من أجل الحركات الشعبية الذي ينتمي إليه وحول حزب الاستقلال والصحراء. وأنا أعرف الرئيس الفرنسي الحالي منذ 1990، عندما كنت سفيرا في باريس. - ولكن الإحساس المسيطر هو أن هناك بعض الملفات التي تتجاوزك، خصوصا ما يتعلق منها بالأمن الداخلي، وهذا ما حدث مثلا عند اندلاع أحداث سيدي إفني التي صرحتم خلالها أنه «لم يحدث شيء»، رغم أن تلك المنطقة كانت تعرف ارتجاجات اجتماعية قوية؟ < الأمر يتعلق بمعلومة تم «قطعها» من طرف القناة الثانية وكان من الممكن أن أتابعهم قضائيا من أجل هذا الفعل، وكان ذلك خلال اجتماع بمدينة العيون، وقلت بالضبط إنه لم يحدث هناك أي شيء بسيدي إفني يختلف عن الإضرابات والاحتجاجات التي تكون من وقت لآخر في ضواحي مغربية أخرى، وقلت إنه لم يحدث هناك أي شيء مرتبط بدعوات انفصالية، وكل هذا اختفى في المونطاج، وبقيت جملة وحيدة هي التي بثت: «لم يحدث هناك أي شيء». وهذا ليس عملا شريفا، وفي الحقيقة فأحداث سيدي إفني يمكن تفسيرها بكون السكان يطالبون باستغلال ثرواتهم المحلية، في الصيد، وهنا كان الغضب. قوات الأمن تدخلت بعنف وهذا أقل ما يمكن أن يقال... مجلس النواب شكل لجنة تحقيق التي ستقدم خلاصاتها في أكتوبر المقبل. لننتظر أن نقرأ قبل أن نقرر. - لم ينعقد المجلس الوزاري هذه السنة إلا في شهر يوليوز المنصرم، أي 6 أشهر بدون قرارات تنفيذية، أليس هذا أمرا مزعجا؟ < لا البرلمان ولا الحكومة كانا عاطلين. وبالنسبة للباقي، فصاحب الجلالة هو من يتحكم في «أجندته»، وأظن الآن أن البرلمان سيكون له ما يكفي من مشاريع ومقترحات القوانين ليقترحها على المجلسين الوزاريين المقبلين. - ما هو تحليلك للأزمة الداخلية التي تشل مشاركك في الحكومة حزب الاتحاد الاشتراكي، هذا الحزب الذي لم يستطع حتى اختتام أشغال مؤتمره الأخير؟ < الاتحاد الاشتراكي ضروري بالنسبة إلى المغرب، وأتمنى أن يخرج هذا الحزب من الصعوبات التي تواجهه. - بالتأكيد أنت تعلم أن هناك تيارا في الاتحاد الاشتراكي يدعو إلى انسحاب وزراء الاتحاد الاشتراكي من الحكومة التي تقودها؟ < نعم، وهذا يستفزني، ويجعلني أتساءل كيف يمكن أن يكون الجميع داخل هذا الحزب متفقا على المشاركة في حكومة جطو، هذا الأخير الذي لم يكن له أي انتماء سياسي، وفي الوقت الذي نطبق فيه المنهجية الديمقراطية يخرج تيار ليعارض المشاركة؟ وهذا متناقض. - لست وحدك المعني لأن العديد من المناضلين الاتحاديين يعتقدون اليوم أن مشاركتهم في الحكومة السابقة هي ما جعلهم يخسرون انتخابات شتنبر 2007، وهم يعتقدون أن العودة إلى المعارضة اليوم يمكن أن تنعش الحزب. < هذا ممكن، ولكن من هو المسؤول؟ نحن في حزب الاستقلال كنا محظوظين ضمن حكومة إدريس جطو في تسيير قطاعات كانت ناجحة مثل الإسكان والنقل والتجهيز وأيضا الشؤون الاجتماعية. الاشتراكيون من جانبهم ورثوا حقائب وزارية صعبة ومتطلبة ماليا وهذا يفسر ذاك. - هناك مؤتمر آخر، وعكس مؤتمر الاتحاديين كان ناجحا، وهو مؤتمر حزب العدالة والتنمية، هل تقاسمني نفس الرأي؟ < نعم. حزب العدالة والتنمية حزب ديمقراطي مرجعيته الأساسية هي الإسلام، لكن هذه المرجعية ليست حكرا عليه. ولقد أصبح كبقية الأحزاب التي تحترم الدستور والشرعية. - هل يمكن أن يصير حزب العدالة والتمنية حزبا حكوميا؟ < نعم، أظن ذلك. - ألا تجدون هناك أية صعوبة في أن تكونوا في الحكومة إلى جانب العدالة والتنمية؟ < مبدئيا، لا أجد أي مانع من ذلك، وأضيف أن جلالة الملك في نهاية الأمر هو من يملك الكلمة الأخيرة سواء في اختيار أعضاء الحكومة أو في تشكيل التحالف الحكومي، بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن تكون هناك أيضا مفاوضات داخل الكتلة وباقي المشكلين للأغلبية. - الاتحاد الاشتراكي يسير في هذا الاتجاه، وبعض قيادييه تداولوا مع العدالة والتنمية. < هذا ما ألاحظه، ولوقت قريب كان حزب العدالة والتنمية بالنسبة إليهم هو حزب الظلاميين.. لتروا كيف يمكن للمرء أن يتغير. - خبر جديد: ظهور فؤاد عالي الهمة على الساحة السياسية وحزبه الأصالة والمعاصرة. ما هو تعليقك؟ < لقد تفضل فؤاد عالي الهمة وزارني يومين فقط قبل الإعلان عن تأسيس حركة من أجل كل الديمقراطيين، ليتقاسم معي نواياه، واستمعت إليه باهتمام، ولم يزعجني أن هذه الجمعية تحولت فيما بعد إلى حزب سياسي جديد يجمع 5 أحزاب، وهو تحرك يسير في اتجاه تقليص بلقنة المشهد السياسي المغربي، والسيد فؤاد عالي الهمة عبر دائما عن مساندته للحكومة الحالية، وهذا يعني أن هذا الحزب لن يكون مساندا من قبل السلطة، كما أن ما يقال حول العلاقة بالملك والتي يمكن أن تكون بطاقة في يد هذا الحزب هو أمر مغلوط، لأن جلالة الملك هو شخص ديمقراطي، ونحن وصلنا بالديمقراطية في المغرب إلى مستوى لا يمكننا الرجوع منه، لم يعد مسموحا لنا اليوم بالعودة إلى «أحزاب الإدارة» التي عرفها المغرب في مرحلة سابقة، سيكون ذلك زلزالا. بالنسبة إلينا في حزب الاستقلال نحن نلاحظ قبل أن «نتزوج» بأطروحة أو بأخرى. - بأكثر من 50 نائبا في البرلمان يبدو أن فريق فؤاد عالي الهمة يمسك بخيوط حكومتك هل أنت واع بهذا الأمر؟ < إذا كان السيد فؤاد عالي الهمة يريد أن يدخل المعارضة –وهذا ما لا أعتقده- فإن حلولا أخرى ستكون ممكنة. توجه الحركة الشعبية اليوم يسير نحو الأغلبية الحالية. الحركة الشعبية وهي دائما كانت مشاركة في الحكومات المتعاقبة. - سيعقد حزب الاستقلال مؤتمره من 30 أكتوبر إلى 1 نونبر، وأنت الأمين العام للحزب منذ 10 سنوات هل لديك نية للترشح مرة أخرى؟ < القانون الأساسي يمنعني من ذلك، فمهمة الأمين العام تجدد لمرة واحدة، حسب القانون المعتمد منذ 1998. - لكن المؤتمر من حقه أن يبث في القوانين إن أراد؟ < بالطبع، كل مؤتمر يمكن أن يضيف تغييرات في القانون، فهو سيد نفسه. - وإذا حدث ذلك؟ < سأفكر، وفي كل الأحوال سأخضع لقرارات الحزب، ليس لدي أي رأي شخصي، يمكن أن أقول إن أغلبية أعضاء ومناضلي الحزب تريد أن أستمر في قيادة الحزب، ولكن شيئا وحيدا هو المؤكد: لن أقوم بأية حملة. - ماذا يقول لك المناضلون؟ < يجدون صعوبة في تقبل كون الأمين العام الذي أوصل إلى الفوز بانتخابات 7 شتنبر لن يكون من حقهم أن يعيدوا ترشيحه لولاية أخرى، تحت ذريعة أن القانون الأساسي يمنع ذلك. - لكن هناك من يقولون إنك أنهيت مهامك وحان الوقت لترحل؟ < بلا شك، رغم أنه لم يتم التعبير عن هذا الأمر بهذا المعنى، لكننا سنرى.. وسأخضع لقررات المؤتمر. - كم يبلغ أتباع حزب الاستقلال؟ < الاستقلال هو أول حزب في المغرب. لدينا 270 ألف منخرط، والحزب الثاني يتوفر على 60 ألف عضو (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية). - كيف تصفون علاقتكم بالملك؟ < ممتازة، انسيابية، موسومة بالاحترام المتبادل. أفعل كل شيء لأكون في مستوى الثقة الملكية، مثلما أفعل كل شيء لأنصت للبرلمان. المكالمات الهاتفية بين الملك وبيني منتظمة، ويحدث أن يستقبلني. ترجمة - فؤاد مدني ومحمد بوهريد