بعد سنين كثيرة كان ممنوعا فيها أشد المنع ذكر كلمة الذرة، فُتحت خزائن السماء وصارت ثرثرتنا تغرق العالم. والذي يقود هذا الطوفان في الأساس هو وزير الدفاع إيهود باراك، آخر رجل كان يجب أن يثير هذا الموضوع في كل خطبة وكل مقابلة صحافية وكل مكان يرى فيه سماعة. قال في مقابلة صحافية مع شبكة ال«سي.إن.إن» إنه بقي لإيران أقل من تسعة أشهر لإنتاج سلاح ذري، «سنبلغ قريبا وضعا لا يستطيع فيه أحد أن يفعل شيئا ما عمليا في هذا الشأن». وفي جواب عن سؤال مجري المقابلة: هل يمكن أن تهاجم إسرائيل إيران؟ أجاب باراك بأنه يعتقد أن هذا ليس شأنا يُتباحث فيه علنا، وكأن سماعة ال«سي.إن.إن» هي أداة سرية. وفي مقابلة صحافية مع شبكة ال«بي.بي.إس» في نيويورك، قال باراك إنه «لو كان مكان قادة إيران لطور، كما يبدو، سلاحا ذريا». وهذا قول غريب يصدر عن وزير دفاع في إسرائيل، لكنه ليس جديدا؛ فقد قال في مقابلة للتلفاز حينما كان رئيس حزب العمل في مارس 1998: «لو كنت شابا فلسطينيا، لانضممت إلى إحدى منظمات الإرهاب». إن ما أراد أن يقوله هو أنه يتفهم الفلسطينيين الذين يطمحون إلى دولة خاصة بهم؛ في حين ليس واضحا ما الذي يتم فهمه هنا في شأن إيران؟ رغم التهديدات، فإن السلاح الذري لا يرمي بالتحديد إلى القضاء على إسرائيل، بل إلى أن يعزز في الأكثر قوة إيران في المنطقة الإسلامية وفي دول الخليج وهي حي تقع على حدوده دول ذرية. إسرائيل لا تهدد إيران؛ فمن الحقائق أنه رغم أنها تملك قدرة ذرية، حسب مصادر أجنبية، لم تمتنع الدول العربية والحركات الإرهابية عن مهاجمتها. قال مئير دغان إنه يجب على إسرائيل أن تخرج للحرب حينما يوضع السكين فقط على عنقها ويبدأ في قطع اللحم الحي، لكننا لسنا هناك حتى الآن. وكان يمكن أن نفهم من كلامه أن الأخطار التي تهدد إسرائيل هي الصواريخ وقذائف الرجم وصواريخ غراد التي أخذ مداها يطول، ومسألة وصولها حتى تل أبيب مسألة وقت فقط. وليس لسكان الجنوب هدوء، وهجومنا على إيران قبل أن يُتموا القنبلة سيجعل الدولة كلها هدفا لصواريخ شهاب الإيرانية. إن التهديد الذري الإيراني عالمي، وعلينا أن نترك علاجه للقوى العظمى. تنبع مكانة إسرائيل المضعضعة في العالم في هذا الوقت من الإخفاق السياسي في شأن التسوية السلمية، بيد أنه لا يوجد الآن بديل في الحكم. وهذا أمر يعلمه بيبي وباراك، لكن باراك هو القلق بينهما. وقد عقد الاثنان بينهما صلة وثيقة؛ فهناك من يقولون إنهما يتحادثان أربع مرات أو خمسا كل يوم بالهاتف. ورحلات باراك الكثيرة ولقاءاته ومقابلاته الصحافية منسقة مع بيبي، في حين أن هدفها تقوية موافقة البيت الأبيض على عملية منا على إيران. ليست لباراك أية جبهة خلفية برلمانية وحزبية. ومن الواضح أنْ ليست له أي قاعدة سياسية بغير بيبي؛ وحزبه، الذي نضعه بين هلالين، سيختفي. وبهذا فإن دعامته الوحيدة هي نتنياهو، فبغيره لن توجد عملية في إيران ولن يوجد مستقبل سياسي لباراك. إننا نمنح طهران بثرثرتنا التسويغ والحافز إلى أن تصبح دولة ذرية. وإيران تتذكر جيدا قصف المفاعل الذري «أوزيريك». وقد انتقم العراق من إسرائيل في حرب الخليج ب39 صاروخ سكود غير دقيقة سببت ذعرا في الأساس، لكنها لم تسبب ضررا. وتعلمت إيران الدرس ووزعت مفاعلاتها الذرية، لكن الأخطر أنها أعدت سلفا ردا فتاكا على لب لباب إسرائيل. والرئيس أوباما يُحذر بيبي وباراك، وبحق، حتى من مجرد الحلم بشن هجوم على إيران ويحثهما على أن يدعا ذلك للقوى العظمى. إن باراك المعلق بنتنياهو هو الذي يجره إلى عملية وأخطار لم نعرف لها مثيلا. هل يمكن أن يكون العقل التحليلي الذي لا شبيه له قد أخذ يتلاشى؟ أم إن السبب هو خوف باراك من أن يبقى خارج الحكومة مع حزبه ضئيل الشأن في حال تقديم موعد الانتخابات، وأخطر الأشياء بالنسبة إليه أن يفقد حقيبة الأمن. يدافع باراك عن حياته السياسية بخلق شعور «أنا الأمن» أو «أنا والطوفان بعدي». لكننا حينما نرى ما يحدث حولنا وإلى أين يمكن أن تفضي الاضطرابات في مصر وسورية واتحاد حماس والسلطة، يوجب هذا علينا أن نتخذ بلا تأخير مبادرة للتسوية مع الفلسطينيين بدل أن نهاجم إيران.