الرباط ليلة جمعة الانتخابات.. حركة عادية في شارع محمد الخامس، سكون مألوف تقطعه أصوات صحافيين ومصورين احتلوا مكانا أمام البرلمان لتسجيل مراسلات لقنواتهم. التاسعة والنصف مساء.. السكون أشد حول مقر حزب الاستقلال ب«باب الحد». سيارات فارهة ركنت في ساحة المقر، بينما تجمّع بعض ناشطاته وناشطيه. كان أعضاء الشبيبة الاستقلالية من أول الحاضرين، إضافة إلى قياديين، تبوؤوا أماكنهم بقاعة فسيحة خصصت كمكان لتلقي النتائج.. يتصافحون ويتبدلون قبلا وتحيات. الكل يبحث عن عباس الفاسي، الأمين العام للحزب، وآخر وزير أول في تاريخ المغرب، هذا الأخير صعد، مباشرة بعد دخوله مقر حزبه، إلى مكتب محمد السوسي، المفتش العام لحزب الاستقلال. توفيق احجيرة كان أبرز الحاضرين، دائم التحرك، يوجه فتيات تحلقن حول مائدة ووضعن أمامهن حواسيب. هذه هي الخلية المكلفة بتتبع نتائج الانتخابات. عبد اللطيف معزوز، عادل الدويري نزار البركة.. كانوا من أول الحاضرين إلى مقر حزب الاستقلال. بينما لم تحضر ياسمينة وكريم غلاب؛ بينما ظل ابنا عباس الفاسي، عبد المجيد وفهر، يجوبان أرجاء المكان، يتبادلان حديثا مع الحضور. ورغم الصراع الذي كان دائرا بين عبد المجيد الفاسي وعبد القادر لكيحل، الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية، حول اللائحة الوطنية للشباب، فإنهما وقفا معا يتحدثان ويتبادلان جملا جافة بالعربية. نزل عباس الفاسي، تحلق حوله أعضاء بالحزب.. كان يمشي ببطء وقد ظهر عليه إعياء، وكان ابنه فهر بجانبه يحاول إسناده. عندما كان يهم بدخول القاعة المخصصة لاستقبال النتائج، تحلق حوله مصورون صحافيون.. انزعج من «الفلاشات» الوامضة فأشار لهم بتعبير من وجهه إلى أن يتوقفوا بعدما أضناه الوقوف.. وقف قليلا مع بعض قياديي الحزب قبل أن يجلس في مكان معزول. بدورنا، صعدنا إلى مكتب محمد السوسي، المنسق العام للحزب. كان بمفرده رفقة قياديين اثنين متقدمين في السن. لم يتوقف هاتف مكتبه عن الرنين، إذ هو الذي ينسق مع المنسقين الجهويين لمتابعة آخر النتائج والتطورات. بدا عليه تحفظ وهو يجيب عن سؤال ل«المساء» حول ما إذا كان حزب الاستقلال قد سجل خروقات خلال يوم الاقتراع، إذ أجاب بالقول: «ما زلنا في مرحلة تجميع المعطيات من جميع المناطق، ونحن على اتصال بجميع مفتشي ومرشحي الحزب في جميع مكاتب التصويت. سيتم جرد المعطيات وفرزها وإعداد تقرير خلال يومي السبت أو الأحد.. الحالات لم نُطلع عليها حتى جريدتنا «العلم»». «أهلا خالتي»، يلقي عبد المجيد الفاسي التحية على سيدة من آل الفاسي جاءت رفقة ابنتيها. انتقل الحديث من مناقشة تقييم نسبة المشاركة إلى تلقي أولى النتائج.. الهواتف لم تتوقف عن الرنين. حصد الحزب، حتى حدود العاشرة ليلا، سبعة مقاعد في دوائر انتخابية تقليدية، وكان المرشحون في الأقاليم الجنوبية في المقدمة، وهو التقدم الذي أضفى على الحضور حماسا. بالحماس ذاته، وقف توفيق احجيرة أمام كاميرا القناة الثانية. وبعد أن أنهى حديثه المباشر إلى القناة بدأ الاستقلاليون بالتصفيق. «كريم غلاب نجح، وحتى ياسمينة..»، هتاف زاد الحضور حماسا. بعدها بدأت النتائج والتباشير تقل، خاصة بعد إعلان النتائج الأولية على شاشات التلفزة التي كانت معلقة في أرجاء القاعة.. اكتساح العدالة والتنمية بدأ يثير الحاضرين، وأنباء عن فوز صلاح الدين مزوار أثارت سخطهم. قياديو الحزب بدؤوا يغادرون المقر. عادل الدويري اختفى عن الأنظار فجأة، وعباس الفاسي قام بصعوبة من كرسيه، يسنده ابنه فهر. حاولنا الحديث معه غير أن ابنه فهر أكد أن والده لا يمكنه أن يعطي تصريحات صحافية. بدأ الوجوم يعلو وجوه الاستقلاليين. كل نبأ كان يصل إلى بعض أعضاء الحزب عن فوز استقلالي أو يسمع عبر التلفزة كان يعقبه تصفيق وتهليل. الجو زاد برودا، وكذلك قاعة استقبال النتائج التي لم يبق فيها سوى بعض أعضاء اللجنة التنفيذية والشبيبة وتوفيق احجيرة وسعد العلمي ونزار البركة. الأخير رفض الحديث إلينا، وبدا عليه ارتباك، واكتفى بالإشارة إلى أن الحديث عن تحالفات سابق لأوانه. وعلى خلاف البركة، كان سعد العلمي منشرحا، «هناك أنباء أولية عن حصولنا على 20 مقعدا (كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف)، وقد حققنا نتائج جيدة في الأقاليم الجنوبية، لكن النتائج تبقى أولية»، يقول العلمي قبل أن يردف، في حديثه إلى «المساء»: «20 مقعدا غير كافية، هناك حديث عن 60 مقعدا.. هناك دوائر تقليدية كنا نعرف أن مرشحينا سيفوزون فيها حتى قبل الحملة الانتخابية». في حديثه حول ما يمكن رصده من خروقات، قال العلمي: «إذا كان هناك ما يميز هذه الانتخابات فهو أنه لم يُسجل تدخل للسلطة». وفي سؤال لزميل صحافي أشار فيه إلى أن هناك حديثا عن استعمال صلاح الدين مزوار للمال، بدأ العلمي يضحك ولم ينبس بكلمة، وعندما قيل له إن مرشح الاستقلال في مكناس، الأنصاري، اشتكى مما قام به زوار، قال العلمي ضاحكا: «إذن، أثق في الأنصاري». وبخصوص سؤال ل»المساء» حول سبب تقدم حزب العدالة والتنمية في نتائج الانتخابات، حتى حدود منتصف ليلة الجمعة، قال العلمي: «عادٍ أن يحصل العدالة والتنمية على عدة مقاعد في الحواضر والمدن لأنه حاضر في هذه المناطق تاريخيا، ولكن الوضع سيتغير بعد ظهور نتائج التصويت في العالم القروي». أما بخصوص تحالفات حزب الاستقلال والكتلة مع العدالة والتنمية، ومدى تكرار هذا الأمر لتجربة «جي 8» التي ضمت أحزابا من مرجعيات مختلفة فقد أوضح العلمي: «الفرق هو أن ذلك التحالف كان أياما فقط قبل الانتخابات. يمكن أن يكون هناك تحالف بين العدالة والتنمية والكتلة، المهم أن هذه التحالفات ستكون بعد الانتخابات، وهذه التحالفات تكون مفتوحة، المهم هو قبول الديمقراطية. لا يمكن لحزب أن يحصل على أغلبية، والاتحاد الاشتراكي وضعه حرج. أما تشكيل حكومة ائتلاف وطني فهذا خيار صعب نظرا إلى وجود أكثر من 30 حزبا في الساحة». في هذه اللحظة توزّع «سرباية» لتفريق قنينات ماء وشاي وحلويات وساندويتشات على الحاضرين. النتائج المفاجئة بدأت تصل.. لم ينجح استقلالي في مراكش أو سلا. كانوا كلما بدأت مذيعة في القناة الثانية في تلاوة آخر النتائج يتسمرون بحثا عن كلمة استقلال. «هذيك البزقولة نجحت»، تقول إحدى أعضاء الحزب معلقة على إعلان فوز مرشحة من حزب الأصالة والمعاصرة. وحين أعلنت المذيعة فوز عمر الفاسي الفهري في دائرة فاس الشمالية، بدا لحظتها على الحضور فرح، لكن عندما استطردت المذيعة قائلة إن المرشح هو من حزب العدالة والتنمية قالت عضو أخرى بالحزب في استغراب: «كيفاش الفاسي الفهري وفي العدالة والتنمية، ما يمكنش؟!». لم تكن نتائج حزب الاستقلال، المعلن عنها في التلفزيون، مبشرة بالخير. في هذه اللحظة توجه توفيق احجيرة نحو المكلفين بتتبع نتائج الاستقلاليين طالبا منهم وضع علامات تشير إلى أن مرشحين نجحوا، وذلك بناء على ما يتوصل به أعضاء الحزب من معطيات.. حميد شباط وعبد الله البورقادي كانا من أبرز الناجحين. وعندما أعلم ناشط في الحزب الحضور بأن عمر احجيرة، أخ توفيق احجيرة، فاز بالجهة الشرقية، انخرط أعضاء الحزب في موجة من التصفيق مباركين لتوفيق احجيرة. التصفيق أعقبه سكون دام حتى الثالثة والنصف من صباح سبت الانتخابات. 46 مقعدا هي الحصيلة حتى تلك اللحظة. الوزراء المرشحون والأسماء الكبرى في الحزب نجحت. غادر الجميع المقر وقد بدا عليهم وجوم وترقب. في صباح أمس السبت، وصلت مقاعد حزب الاستقلال المعلن عنها بشكل غير رسمي إلى 54 مقعدا.