عائليا، اعتلوا المناصب الوزارية منذ زمن بعيد، سياسيا، نظموا حزبا على أسس عرقية فاسية، أما عن الوفاء لتنظيم فقد اكتسبوه من الدين، لكنهم مع ذلك يحملون معهم إرثا تاريخيا مثيرا للجدل له ماله وعليه. "أوال" تنفذ إلى ثنايا تنظيم حزب "الاستقال"، لتكشف كيف يتحكم قادة الحزب/ الزاوية في المنتسبين باستعمال العامل الديني، والعلاقات العائلية المعقدة. قبل أسبوعين، خرج عباس الفاسي، الوزير الأول وأمين عام حزب "الاستقلال"، بتصريحات نارية، فقد مخاطبا اللجنة التنفيذية للحزب ما مفاده أن "الحياة السياسية في المغرب تتسم بالميوعة وافظع مظاهر تلك الميوعة يعيشها مجلس المستشارين". ثم استطرد أن "هذه الميوعة لا تخدم سوى جناح المقاطعين الذين لا يقبلون على صناديق الاقتراع في الانتخابات، وتزيد من قناعتهم بأنهم على حق". فكيف لوزير أول وأمين عام حزب أن يخرج بمثل هذه التصريحات؟ خصوصا أن عباس الفاسي منذ توليه قيادة الحكومة كان يناى بنفسه عن الصراعات، واتسمت غالبية تصريحاته باللين، حتى في أشد الأوقات. لكن، بعيدا عن تحليل هذا الخطاب وحيثياته، هناك معطى ثان، هو أن عباس الفاسي لا يمكن أن يتكلم بهذه النبرة الحادة دون أمر من القيادة العليا لحزب الميزان، وخصوصا من مجلس الرئاسة، الذي يتكون من شيوخ الحزب وهم: محمد بوستة، ومحمد الدويري، وعبد الكريم غلاب، وأبو بكر القادري. فهم الفرسان الأربعة الذين لا يمكن لأي عضو في الحزب أن يقوم بتحرك سياسي دون الرجوع إليهم حتى أن مصدرا ل"أوال" أكد على أن "عباس الفاسي لا يستطيع أن يرفع من نبرة صوته إذا كان بوستة في القاعة إلا بإذن هذا الأخير". وحتى في التصريحات الصحافية لأعضاء الحزب لا تجد أي فرد منهم يهاجم زميله في الحزب، أو حتى يعطي معلومات عن اجتماع سري. فالعلاقة التي تجمع بين أعضائه تكون إما عائلية، أو دينية بالرجوع إلى قسم الحزب الذي يؤديه المناضلون قبل الانضمام إليه. لكن ليست عائلة "ال فاسي" الوحيدة المستفيدة من التنصيب في المؤسسات العمومية، فحتى الأعضاء الآخرين تفتح لهم أبواب المؤسسات هذا التقليد الذي يرتقي إلى مرتبة القانون غير المكتوب والذي ينص على ان يقوم كل وزير استقلالي بتعيين عضوين في الحزب داخل ديوان وزارته، حسب ما يؤكد مصدر مطلع ل"أوال". لكن محمد الأنصاري، عضو اللجنة التنفيذية لحزب "الاستقلال"، يبرر هذا الأمر بكونه يرجع أساسا لكل وزير واختياراته، مشددا على أنه "من حق الوزير أن يختار الطقم الذي يمكن أن يرتاح معه مهنيا". وإذا كان أمر الدواوين يرجع بالأساس إلى اختيار الوزراء، فإن مندوبيات الوزارات والمؤسسات العمومية تعرف إنزالا لأعضاء حزب الميزان في انتظار الالتحاق بالمؤسسة المركزية بالنسبة لأقارب كبار أعضاء الحزب، اخر هذه التعيينات استفاد منها كريم العراقي، بتعيينه مديرا للمكتب الوطني للنقل واللوجيستيك بمكناس، والذي سبق وأشرنا إلى أن مديره العام هو ابن أخت عباس الفاسي أسامة الودغيري. لواء الدين أما القوة الثانية لحزب الاستقلال، فهي" وفاء" أغلب الأعضاء في التنظيم. هذا "الوفاء" يتضح جليا حين يتكتم أعضاء الحزب عن إعطاء تصريحات، وإخراج معلومات عما يجري في دهاليز الحزب، وخصوصا إذ تعلق الأمر بمعلومات عن اجتماع داخلي. وحين يعقد الحزب اجتماعا مغلقا على مستو القيادة لا تتمكن وسائل الإعلام في أغلب الأحيان من الوصول إلى موضوع الجلسة وكواليسها، خلافا لباقي الأحزاب ويرجع المتتبعون هذا "الوفاء" السياسي" إلى العامل الديني بالدرجة الأولى. فكل فرد التحق بحزب الميزان يؤدي اليمين، كما أوضح ذلك عضو في الحزب. فالعضو الجديد في الحزب يؤدي اليمين أمام أحد قيادييه على أن يبقى وفيا للملكية وللحزب ويدافع عن الإسلام، وطوال انضمامه للحزب يجب على العضو أن يخصص كل وقته للنضال الحزبي والامتثال لأوامر القيادة العليا، كما يوضح عضو في الحزب ل"أوال". الذي يضيف أن "لحظة تأدية القسم جد مؤثرة لا يمكن أن ينساها المناضل طوال حياته". أحد الأعضاء، المنتمي للشبيبة الاستقلالية، لم يخف في حديثه مع "أوال" أن الانتماء لحزب الاستقلال لا يعني فقط الدخول تحت مظلة حزب سياسي "بل هو عائلة وفكر ومشروع"، وزاد في شرحه إلى أن قال:"حزب الاستقلال هو الحياة" حياة وطريقة عيش ليست كباقي الأحزاب السياسية، إنها "النجاة" من البطالة بالنسبة للعديد من أعضاء الشبيبة الاستقلالية، وخير مثال هو أحد الشباب الذين التقتهم "أوال" في زيارتها لإحدى المدن البعيدة عن المركز، والذي أكد أن "انتماءه لشبيبة الحزب سهل عليه ولوج مؤسسة عمومية، بل وصار مفتشا للتعمير، بعد معاناة طويلة مع البطالة". لا يوجد الدين فقط عند عتبة الحزب من خلال أداء القسم، بل حتى في العديد من أنشطة الحزب، وأهمها تخليد الذكرى السنوية لوفاة علال الفاسي، الأب الروحي للتنظيم ففي هذه الليلة يقيم الاستقلاليون أمسية قرانية يحضرها قادة الاستقلاليين الذين يشكلون القوة المستقبلية للحزب. تنظيم هرمي صارم لكن ما يجعل من هذا الحزب تنظيما يتجاوز التنظيم السياسي ويقترب من التنظيم "العسكري" من حيث صرامته، إضافة إلى العاملين العائلي والديني، وهو طريقة تسيير مختلف المراكز داخل حزب الميزان. فالحزب كما تشرحه الباحثة حفيظة بلمقدم، في أطروحة لها تحت عنوان "حزب الاستقلال والتدبير الانتقالي: بين الانسجام والتصدع"، "استغل في بداية تأسيسه نظام الحياة الاجتماعية في المغرب وأقام عليها نظاما هيكليا.... ويأخذ التنظيم شكلا عموديا يبدأ من القاعدة إلى القمة". والقاعدة في تفسير بلمقدم لم تكن إلا ما يسميه الحزب بالخلية، التي للحزب في مناطقهم، وهم حاليا تحت إشراف محمد السوسي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وهو بمثابة المفتش العام، رغم أن هذا المنصب غير مقرر في وثائق الحزب، والمفتشية عبارة عن جهاز إداري ترابي يعمل على تنفيذ قوانين الحزب، وإبلاغ توجيهات لجنته التنفيذية وتطبيقها، كما يرفع لمحمد السوسي تقريره المفصل عن عمل أعضاء الحزب في الجهات والأقاليم، الذي يبلغ، بدوره إذا اقتضى الأمر، عباس الفاسي، أمين عام الحزب، والجنة التنفيذية للحزب. وبهذه "البيروقراطية" الاستقلالية صار المفتش قوة حقيقة في الحزب، لكن ومع ذلك فالأمين العام يعين شخصيا منسقا عاما في كل جهة، وهو تعين لا يعتمد على أي مواصفات محددة، فقد تم تنصيب نزار بركة، زوج ابنة عباس الفاسي، منسقا عاما للحزب بجهة دكالة عبدة، رغم أن هذا الشمالي لا تربطه أي علاقة بالمنطقة، لكن التعيين يفتح لزوج ابنة عباس الفاسي الباب للتعيين في اللجنة التنفيذية للحزب. مصدر "أوال" برر صمت الاستقلاليين على هذا التعيين بكون"نزار وفي لحزب الميزان ومطيع". وهي من أهم الصفات المطلوب توفرها في "الاستقلالي المثالي". بعد المنسق العام، يأتي الدور على المجلس الوطني، وهو في مرتبة البرلمان في الحزب، ثم اللجنة التنفيذية التي تتكون من الأمين العام وأعضاء مجلس الرئاسة و22 عضوا ينتخبهم المجلس الوطني باقتراع سري يليهم مجلس الرئاسة ثم الأمانة العامة للحزب، لكن موقع هذين الجهازين الاخيرين على الورق يختلف عن الواقع، حسب ما يقول مصدر "أوال". ف" على الورق تعتبر الأمانة العامة أعلى جهاز تنفيذي يليها مجلس الرئاسة، لكن واقعيا مجلس الرئاسة هو أكبر جهاز في الحزب يأخذ طابعا تقريريا". وحسب تعريف الحزب، فالمجلس "يسهر على الحفاظ على قيم الحزب وتوجهاته العقدية والوطنية والسياسية، ويساعد على تكوين شباب الحزب وأطره، ويساهم في المحافظة على سلامة برنامج الحزب وخططه، ويستشار في القضايا المصرية"، وقد تقلص عدد هذا المجلس حاليا، إلى أربعة أعضاء بعد وفاة الهاشمي الفيلالي في 2008. وهم للتذكير: أبو بكر القادري، ومحمد بوستة، ومحمد الدويري وعبد الكريم غلاب، ويؤكد مصدر"أوال" العليم بخبايا حزب الميزان أن " أي قرار يتخذه الأمين العام عباس الفاسي أو تصرف هو متحكم فيه ويتم وفق أوامر اللجنة الرئاسية". المغرب لنا لا لغيرنا كل هذه القوة التي يمتلكها حزب الاستقلال لا ترجع للسنوات القليلة الماضية، بل تعود إلى زمن بعيد، انطلقت من تنصيب ال فاسي في عدة وزارات، أمثال عباس الفاسي وعبد الله الفاسي في عهد السلطان مولاي حفيظ، إلى معاهدة "إيكس ليبان" التي قام خلالها الاستقلاليون بالتخلي عن الملك الراحل الخامس حسب ما أفاد به عبد الكريم الفيلالي ،أحد الذين كانوا موضوع ثقة الملك محمد الخامس، في كتابه" التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير". و يقول الاستقلاليون إنهم طالبوا بعودة محمد الخامس ودافعوا عن هذا الطرح لدى الحكومة الفرنسية، وكان للحزب دور حاسم في إشراك الوطنيين في مشاورات "إيكس ليبان"، وهو عكس ما جاء في أطروحة حفيظة بلمقدم. وجاء في رواية الباحثة أن عبد الرحيم بوعبيد،(الذي كان من قادة الحزب قبل أن ينشق مع بن بركة وعبد الله إبراهيم وآخرين لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)، "شرح يوم 25 غشت 1955 خلال الاجتماع مع لجنة التنسيق نص المذكرة التي حملوها، وبين لهم (المفاوضون الفرنسيون) بكل صراحة وموضوعية وجهة نظر الحزب، وأنهم ليسوا أعداء فرنسا، وأنهم يبحثون عن مجال تتقارب فيه أفكار الجميع". إن طرح بوعبيد بأن الاستقلاليين ليسوا أعداء الفرنسيين بدا واضحا من خلال المطالب التي حملها الحزب في "إيكس ليبان". وهو ما أكده عبد الكريم الفيلالي حين ذكر في كتابه أن مطالب الاستقلاليين كانت متمثلة في "خلع بنعرفة ويخلفه على العرش مجلس وصاية مؤلف من ثلاثة، وليس بعودة محمد الخامس الملك الشرعي من منفاه"، إضافة إلى مطالبتهم ب"نقل محمد بن يوسف إلى فرنسا عاجلا مقابل امتناعه عن أي نشاط سياسي، وأن يترك الأمر للمغاربة ليقرروا مستقبلهم كما يشاؤون، وتعين مجلس الوصاية لحكومة اتحادية وطنية جديدة تضم ممثلي الحركات السياسية الرئيسية في المغرب". ولم يكتفوا بكل تلك المطالب بل طالبوا أيضا بأن "تعترف فرنسا بأن المغرب دولة حرة ذات سيادة ويوجه محمد بن يوسف نداء إلى مواطنيه ليوقفوا جميع أعمال العنف وليتعاونوا مع فرنسا". وهو الأمر الذي رفضه محمد الخامس كما يروي الفيلالي، الذي أفصح عن "غضب رجال جيش التحرير حين سمعوا أن اتفاق "ايكس ليبان" تم من وراء عاهل البلاد، وأن أعضاء حزب الشورى والاستقلال في داخل المغرب امتعضوا من ممثليهم في "إكس ليبان" ومما اتفقوا عليه، وهم عبد القادر بن جلون ومحمد الشرقاوي أحمد بنسودة وعبد الهادي بوطالب". كل هذه المقررات لاقت رفضا من طرف جيش التحرير المغربي، وقرروا مقاومتها ومن ضمنهم عباس مسعدي وعبد الرحمن الصنهاجي، وأصدروا منشورا كان بداية الانفصال عن حزب الاستقلال، كما أعلن جيش التحرير عن أهدافه بعد مواجهات مع الجيش الفرنسي مفادها "رجوع محمد الخامس لعاصمة ملكه الرباط والاستقلال التام للمغرب". لكن معارضة جيش التحرير والشوريين ستجلب عليهم الويلات والماسي، وعلى رأسهم محمد بلحسن الوزاني، زعيم حزب الشورى والاستقلال ومؤسسه، وهو ما جاء في مؤلف "التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير" حين أفاد بأن "حزب الاستقلال ظن أن مقررات إيكس ليبان ستكون لصالحه، ووقتها ستكون الطامة على حزب الشورى والاستقلال وغيرهم، وقد حصل ذلك رغم أنهم لم يسيطروا كليا". ويكشف عبد الكريم الفيلالي أن "الاستقلاليين استغلوا فترة الغفلة لاغتيال مجموعة من الشوريين"، ومن بينهم مصرع عبد الواحد العراقي في إحدى ليالي رمضان بعدما صلى العصر وذهب رفقة أحد الأشخاص إلى السوق لشراء بعض الأغراض، وإبراهيم الوزاني، الذي كان متابعا من طرف أحد أجنحة حزب الاستقلال، وعبد السلام الطود، وعبد القادر برادة. كما جرت عمليات كثيرة لتصفية الشوريين نذكر منها ماجرى في سوق أربعاء الغرب حين اغتيل أربعة منهم. من جهته، يذهب المهدي المومني التجكاني في كتابه "دار بريشة أو قصة مختطف" إلى تورط حزب الاستقلال فيما وقع لأعضاء حزب الشورى والاستقلال فيما وقع لأعضاء حزب الشورى الاستقلال فيما وقع لأعضاء حزب الشورى والاستقلال. وقال إن " تلك الممارسات كان متهما فيها حزب سياسي كان ممثلا في حكومة مبارك الباكي(رئيس أول حكومة مغربية)، وحسب بعض الروايات، فما جرى في معتقل دار بريشة، الذي كان يسمى"جنان بريشة" في وقت سابق، كان أفظع مما وقع في باقي المعتقلات في الفترة التي يطلق عليها سنوات الرصاص". ويتهم الشوريون الاستقلاليين مباشرة في أدبياتهم التي من ضمنها الكتاب المذكور وأيضا كتاب "من مظاهر التعذيب الحزبي أو دار بريشة الثانية "لكتابه أحمد معنينو. ويروي المهدي المومني التجكاني أن حزب الاستقلال بدأ هجومه على الشوريين تحت شعار "المغرب لنا لا لغيرنا" في يناير 1956 بمذبحة سوق أربعاء الغرب. ومن بين ما جاء في أدبيات الشوريين أن من الذين كانوا يقفون على تعذيب الشوريين محمد الريفي، الحارس والسائق الخاص لعلال الفاسي، الزعيم الاستقلالي. كما فرض حزب الاستقلال خلال مشاركته في حكومة البكاي الرقابة على صحيفة الشوريين" الرأي العام". طموحات الأجداد عدم الوفاء للسلطة والرغبة في قلب الموازين لم ينطلق مع معاهدة "إيكس ليبان" فقط، بل له جذور في العائلة الفاسية الفهرية، ويشهد شاهد من أهلهم وهو محمد الفاسي في كتابه" جدي سفير في باريسبين 1909و 1910 "، حين سرد قصة رغبة جده عباس الفاسي(الوزير الأول أيام السلطان مولاي عبد الحفيظ) في رمي السلطان للأسود. و يحكي محمد الفاسي الفهري أن "هناك قصة كان يتدوالها محيط عباس الفاسي، الوزير الأول في عهد السلطان يتجول رفقة عباس الفاسي في حديقة القصر، وكانا يتبدلان حديثا غير رسمي في غياب رسمي في غياب أي حارس ملكي، فوصلا إلى حفرة تؤدي إلى قفص الأسود، فوجد عباس نفسه على الحافة برفقة السلطان، وفجأة اجتاحته فكرة مخيفة بدفع السلطان في الحفرة". يقول الكاتب: " لم يستطع عباس الفاسي إخفاء اضطرابه، فما كان على السلطان، بذكائه الذي كان معهودا، إلا أن أمر عباس بالتوجه للجهة الأخرى من الحفرة وهو يضحك". أما القصة الثانية لأحد أجداد ال فاسي فيرويها عبد الكريم الفيلالي، وتحكي أن "عبد المجيد بن عبد الله الفاسي، الذي كان قاضيا في القنيطرة، وهو والد عباس الفاسي، الوزير الأول الحالي، أوقفه الجنرال أوغستان غيوم، المقيم العام الفرنسي بالمغرب، أمام سكان المنطقة وبلغ عددهم انذاك 250 ألف مواطن، وخطب فيهم عبد المجيد خطبة ختمها قائلا:" إن كنتم تعبدون الله فالله حي وإذا كنتم تعبدون ابن يوسف فإنه ذهب ولن يعود". ولم يكتف عبد المجيد بهذه الكلمات، حسب ما جاء في كتاب "التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير"، بل استطرد (عبد المجيد) قائلا وهو رافع كف يده اليمنى "إذا كان الشعر ينبت هنا فإن بن يوسف سيعود". كل هذا التنظيم المحكم يحمله الكف الأيمن للميزان يوازيه الإرث التاريخي المثير للجدل الذي يحمله الكف الأيسر، وهو ما يجعل من هذا الحزب التاريخي يعادل في موازينه بين الماضي والحاضر ليحيك شباكه حول المؤسسات العمومية والمناصب الوزارية، وكل هذا تحت ما أسماه جون واتر بوري "التركيبة العائلية الأخطبوطية". محمد الفاسي.. المقال أمام الملأ من بين النكبات التي أصابت ال فاسي تلك التي تعرض لها محمد الفاسي، الكاتب العام لوزارة العدل سابقا، والد الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية والتعاون، سنة 1982. ففي الوقت الذي كمان فيه المسؤولون ينتظرون خطاب العرش في باحة القصر الملكي بالرباط، خطب في المقابل المذيع محمد جفان على أمواج الإذاعة الوطنية، وقرأ بلاغا للديوان الملكي الذي جاء فيه أن "الملك الحسن الثاني قرر إعفاء الآتية أسماؤهم من مهامهم: السيد إبراهيم قدارة، رئيس المحكمة العليا، محمد الفاسي، الكاتب العام لوزارة العدل، والدكتور الفيلالي الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء". وكان يقف وراء إزاحة محمد الفاسي من منصبه مولاي مصطفى بلعربي العلوي، الذي استقدم من روما حيث كان سفيرا إلى منصب وزير العدل سنة 1981، وكان شرطه الأساسي لقبول المنصب هو التخلص من بعض الأسماء. وهو ما قبله الحسن الثاني ومنحه الثقة وحرية التصرف في الوزارة، مثلما منحها والده محمد الخامس لشيخ الاسلام والد مصطفى بلعربي العلوي. واعتبر مراقبون انذاك أن إعفاء محمد مجيد بنجلون، والدكتور الفيلالي، أخ الهاشمي الفيلالي أحد كبار حزب "الاستقلال"، إجراء عقابيا في حق مجموعة محمد الفاسي الفهري، الذي لم يستطع الوزراء المتعاقبون على الوزارة إعفاءه من منصبه. واكتفى الرجل بعد ذلك بمنصب سفير في اليونان بتدخل من رضا كديرة. الفاسي .. الأمين العام المريض عباس الفاسي، الوزير الأول وامين عام حزب الإستقلال، مريض، هذا ما لا يمكن إخفاؤه، رغم عدم صدور أي بيان حول الموضوع من الديوان الوزاري. ففي سنة 2006 أثناء مراسيم استقبال فلاديمير بوتن، رئيس الوزراء الروسي، سقط عباس، وهو انذاك وزير للدولة، مغمى عليه، فسارع زملاؤه في الوزارة للإحاطة به، وتدخل طبيب الحكومة الشيخ بيد الله، الذي كان وزيرا للصحة، لإسعاف زميله في الحكومة، ثم نقل إلى المستشفى لتلقي العلاج، وفي وقت اعتقد فيه الكل أن عباس الفاسي لن يستمرؤ في منصبه الوزاري بحكومة جطو، عاد بقوة ليحتل منصب الوزير الأول في الحكومة الحالية، ويفوز بالأمانة العامة لحزب" الاستقلال"، لولاية ثالثة. وبعد توليه رئاسة الحكومة في أكتوبر 2007، خرج عباس الفاسي في تصريحات لوسائل الإعلام لكي يؤكد صحته على ما يرام، وسد باب القليل والقال. وقال عباس الفاسي إنه" يتمتع بصحة جيدة، ومعنوياته جد مرتفعة، وهو مرتاح في منصب الوزير الأول، ويزاول رياضة المشي ثلاث مرات في "الأسبوع"، وقال:" صدقوني إن أحسست بأي علة فسأتنحى عن منصبي بدون تردد". مصدر "أوال" من الأغلبية أوضح أن "عباس الفاسي يجد صعوبة في تتبع الأفكار خلال الاجتماعات التي يعقدها، ولا يستطيع مسايرة وتيرة العمل". وجتى الطريقة التي يصلي بها الوزير الأول في المناسبات الدينية، أثارت انتباه العديد ممن حوله، فالوزير الأول في المناسبات الدينية، أثارت انتباه العديد ممن حوله، فالوزير، يقول المتحدث، يجد صعوبة في الجلوس على الأرض لمدة طويلة، لسماع الخطبة، وحين يعلن عن الصلاة يجد صعوبة أكثر في السجود والركوع"، ويضيف أن " الوزير الأول يبلغ من العمر 71 سنة، وهو سن يشكل له عائقا في عمله الوزاري، رغم أننا لا نعرف المرض الرئيسي الذي يعاني منه". ورغم معاناة الوزير مع المرض إلا أنه يستمر في مزاولة الرياضة، خصوصا أنها مفيدة لمرضى داء السكري الذي يعلني منه الوزير الأول. لكن استمراره في تدخين السيكار وأشياء أخرى تزيد من معاناته مع المرض. محمد الأنصاري، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الوزير الأول بكامل قوته العقلية - كيف ترون وضعية حزب الاستقلال في المشهد السياسي المغربي؟ أعتقد جازما أن حزب الاستقلال في أحسن أحواله، وكل مؤسساته تشتغل بشكل منتظم من رئاسة الحزب إلى الفروع، مرورا من الخلايا والمجلس التنفيذي والأمانة العامة، وكذلك من المؤسسات الموازية المتمثلة في الشبيبة الاستقلالية، ومنظمة المرأة الاستقلالية، والاتحاد العام لطلبة المغرب. نحن اليوم في وضع مريح يترك لنا الفرصة للعمل بشكل أفضل. - ألا تعتبرون أن تداخل العائلي بالسياسي في هذا الحزب يمثل عائقا تنظيما؟ لا أعتقد ان العامل العائلي يمثل أي عائق أمام عمل الحزب. كما أن العامل العائلي ليس هو المتحكم في الحزب، لأن القوانين الداخلية هي التي تتحكم في سير الحزب، و 5000 مناضل ومناضلة هم الذين يقررون بطريقة ديمقراطية في مقررات حزبنا. وكل واحد في حزبنا له مكانته الخاصة ودوره. وأظن أن دور الأحزاب في المغرب هو محو الاختلافات العائلية والعرقية، والدليل أن الحزب يمثله الريفيون والجبليون والبيضاويين، أي من كل أقطاب المملكة. ومن يقول إن العائلة الفاسية هي أساس الحزب فهذا حق يراد به باطل. - من بين وزراء حزب "الاستقلال" في الحكومة الحالية نجد أن العديد منهم ينتمون إلى عائلات نافذة في فاس سبق لهم الحصول على مناصب وزارية في حكومات سابقة، أو أبناء منتمين للحزب، كياسمينة بادو ونزار بركة وكريم غلاب.. ألا توجد شخصيات أكفا من هؤلاء، خصوصا أن نتائج عدد منهم متواضعة في الحكومة؟ إن المشكل الرئيسي في حزب الاستقال هو كثرة الكفاءات والأطر، منهم من يرفض التسابق نحو مناصب وزارية والاكتفاء بالعمل في الظل، والبعض الاخر يقرر خوض التجارب الوزارية، هذه الفئة الأخيرة مشكلة بدورها من كفاءات، فهم كفاءات يشتغلون من دون الاعتماد على تاريخهم العائلي، ويعملون لمصلحة البلاد، أما نتائجهم في العمل الحكومي فستناقش عند نهاية ولاية الحكومة الحالية. - يعاني عباس الفاسي، الوزير الأول وأمين عام حزب الاستقلال، من مشاكل صحية منذ مدة، كيف هي صحة الوزير في هذه الأيام؟ ما يمكن أن أؤكده لكم هو أن الوزير الأول بكامل قوته العقلية. فهو لحد الساعة منضبط كعادته، وفي اجتماعات اللجنة التنفيذية للحزب الأسبوعية يجلس لساعات لمناقشة قضايا الحزب، كما أنه يشارك في النشاطات الوزارية الرسمية ولا تبدو عليه أي علامة من علامات المرض. - وبالنسبة لقوته الجسدية؟ (يضحك) الصراحة أنا لست طبيبا لتقديم حالته الصحية.