ذات يوم، لا بعد زمن طويل، سنستيقظ لنرى دولة أخرى هي الدولة التي في الطريق. لن تشبه الدولة التي عرفناها والتي فيها عيوب أيضا وأمراض واعوجاجات غير قليلة، وعندما نستيقظ سيكون الوقت متأخرا جدا. سيتم تصوير إسرائيل القديمة آنئذ بنور ساطع، هو مثال الديمقراطية والعدل إذا قيس بهذه الجديدة التي أخذت تنشأ قبالة أعيننا المغمضة يوما بعد يوم، وقانونا بعد قانون. إن صورة الحياة في إسرائيل الجديدة، التي سنحيا ونموت فيها، لن تُذكر بشيء مما تعودناه، ولن تستطيع مثل هذه السطور أيضا أن ترى النور. ستحظى الآراء المرضي عنها بالنشر، فقط تلك التي يجيزها مجلس الصحافة الجديد من قبل الحكومة التي سيجلس مندوبوها في كل أسرة صحيفة كي لا تشذ عن نشيد الجوقة، وسيمنع قانون أو أمر (لساعة طوارئ) نشر كل ما قد يضر بالدولة في نظر سلطتها، وسيحظر قانون جديد التشهير بالدولة، وستكون الصحيفة التي تمسكون بها بين أيديكم صحيفة مختلفة، ستكون فيها أخبار حسنة فقط. ولن تكون برامج التلفاز والراديو هي ما عرفتموه أيضا، لن تستطيع أي وسيلة إعلام أن تشذ عن القانون بسبب العقوبة الشديدة التي ستجري على الإخلال به. وستُخرج كلمة «احتلال» خارج القانون مثل كلمتي «دولة فلسطينية». وسيقام الصحفيون الخونة مقرونين بعمود العار ويعتقلون أو يُقالون. ليس هذا اليوم بعيدا، وليس بعيدا اليوم الذي تُرى فيه شوارع المدن مختلفة. اليوم في القدس وغدا في جميع البلاد، من غير صور النساء؛ واليوم في القدس، وغدا في جميع البلاد، حيث الحافلات والشوارع المفصولة للنساء والرجال. وسيكون غناء رجال فقط في التلفاز والراديو. وفي وقت ما، ستُلزم جميع نساء إسرائيل بأن يتنقبن أو يضعن شعرا مستعارا على رؤوسهن. بعد ذلك، سيُمنع الرجال أيضا من السير مكشوفي الرؤوس أو حليقي اللحى.. لن يبعد هذا اليوم؛ وستغلق المدن في أيام السبت، فلا حانوت ولا دار سينما؛ بعد ذلك ستُمنع فيها حركة السيارات، وستُخرج المطاعم التي لا تقدم الطعام الحلال خارج القانون، ويجري واجب تركيب المازوزة على عضادة كل باب غرفة في كل شقة؛ والأزواج الذين لا يسجلون في الحاخامية لن يستطيعوا السكن معا، والأزواج المختلطون سيطردون فورا، والأزواج غير المتزوجين لن يُسمح لهم بالسير وهم يحضن بعضهم بعضا في الشارع. ومرة كل شهر، سيزور جميع طلاب إسرائيل المستوطنات من أجل يوم مناصرة. وسيبدأ كل درس بنشيد «هتكفا» والقيام إجلالا للعلم القومي. وسيخسر من لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي جنسيتهم ويُطردون. دولة يهودية مع كنيست يهودية: في البداية لن يُسمح للعرب بالمنافسة في قوائم انتخابية مستقلة، وبعد ذلك لن يستطيعوا المشاركة في الانتخابات. وحتى ذلك الحين، سيُطرد كل نائب لا ينشد بصوت عال وواضح نشيد «هتكفا» في مستهل كل جلسة للكنيست، طردا دائما؛ وستغلق أبواب الجامعات أمام الطلبة العرب سوى حصة رمزية يجيزها «الشباك»؛ ولن يحل أن يؤجر العرب شققا سوى في مدنهم وقراهم. وستصبح العربية لغة محظورة؛ وسيصبح محمود درويش وأهارون شبتاي وإسحاق ليئور شعراء محظورين؛ وسيهتز عاموس عوز وأ.ب يهوشع ودافيد غروسمان، سيجب عليهم أن يعلنوا، مثل كل مواطني إسرائيل، أنهم صهاينة كي تنشر كتبهم.. ستُضم الضفة من غير سكانها الفلسطينيين، وتُخرج الجمعيات اليسارية خارج القانون ويُعتقل قادتها؛ وستنشر الحكومة قائمة سوداء لأصحاب الآراء الشاذة الذين لن يُسمح لهم بالخروج من البلاد أو إجراء مقابلات صحفية مع وسائل إعلام أجنبية؛ وسيعتبر قاتل اليهود فقط قاتلا؛ وسيُقسم سفر القوانين باثنين: لليهود ولغير اليهود؛ وسيجري حكم الإعدام على العرب فقط؛ وسيُمكّن تشريعٌ خاصٌّ المستوطنينَ من السيطرة على كل أرض في الضفة؛ وستحظر الرقابة العسكرية نشر كل رأي قد «يمس بمنعة الجيش الإسرائيلي».. ستكون هذه لغة القانون. وستصبح المحكمة العليا جهاز استئناف فقط؛ وستختار الكنيست قضاتها، وتُحدد فيها حصة للمستوطنين والحاخامين وأعضاء الحزب الحاكم؛ وسيستطيع من يضع على رأسه قبعة دينية فقط أن يتولى رئاستها؛ وسيتمتع الحاخامون بالحصانة مثل أعضاء الكنيست؛ وسيُجاز كل خروج للحرب واتفاق سلام في البدء على يد مجلس حكماء التوراة. الحقيقة أنه لا يُحتاج إلى قدر كبير من الخيال لنصف كل هذا لأن المستقبل صار هنا، والثورة في ذروتها، لكن انتظروا، انتظروا ما يتبع.