سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحمد لبريهي : الأصوات ذات الرؤية المستقبلية للجامعة تنكفئ على نفسها بسبب اليأس قال إن المسؤول عندما يزرع الثقة في الأطر العاملة معه فإنه يستطيع تغيير سلوكهم إيجابيا
-في العقود السابقة كان المغرب يبني الجامعات لاعتبارات اجتماعية منها «مغربة الأطر مثلا» وأخرى ديموغرافية، «عدد الساكنة مثلا»، أما اليوم فهناك خلفية تنموية واضحة في خلق الجامعات ومكوناتها، ما هي العوائق التي تعرقل هذا التحول؟ عموما، يمكن إجمال العوائق التي تحول دون التغيير المنشود للجامعة المغربية، وتقف حائلا أمام ما نصبو إليه من تطوير وتحديث في ما يلي: أولا: قلة الكفاءات الضرورية في العديد من التخصصات المهنية الحديثة المتعلقة بتطوير وتحديث المؤسسات الجامعية (تدبير الشبكات المعلوماتية، الإدارة الرقمية، تدبير الجودة...)، هذه المهن التي ينافسنا عليها القطاع الخاص على استقطابها، حيث الأجور أعلى والحوافز أكبر. ولتجاوز هذا الإشكال، نرى أنه من الضروري الاهتمام بالطاقات المتوفرة لدينا وتحفيزها وإعادة تكوينها عبر برامج وطرائق بيداغوجية وتدريبية كفيلة بجعلها مؤهلة لمواكبة المرحلة الانتقالية والدقيقة التي تمر منها الجامعة. ثانيا: العديد من الأطر الموجودة حاليا في مراكز المسؤولية، وبمختلف مستوياتها في حاجة مطردة ومتجددة إلى تنمية كفاءاتها التدبيرية والتسييرية، من خلال توفير الشروط المادية والمعنوية لتحفيز التطوير الذاتي.
- هناك أصوات من داخل الجامعة تقول إن الجامعة المغربية ليست كلها سيئة، إذ تعيش توترا طبيعيا مرتبطا بالمرحلة الانتقالية، وبالتالي فالانخراط الفعال والالتزام بروح فلسفة الإصلاح يمكن أن يسرع بالخروج من هذه المرحلة الانتقالية، لكن هذه الأصوات أحيانا لا يسمعها أحد، ألا تتحمل الجامعة مسؤولية ضعف تواصلها؟ نعم، لكن قبل كل شيء، يجب أن نطرح سؤالا بديهيا حول ماهية الجامعةّ؟ الجامعة بكل بساطة فضاء تؤثثه مجموعة من المكونات المتفاعلة في ما بينها، أخذا وعطاء، وفق فلسفة تختزل رسالة هذا المرفق العمومي كمؤسسة للتكوين والبحث وكقاطرة للتنمية الجهوية والوطنية، وبهذا الاعتبار تكون المسؤولية مشتركة بين الجميع، وتشمل كل المناحي. ومن أجل أن تقلع الجامعة ينبغي على الأطر المسؤولة أن ترسم خارطة طريق واضحة المعالم، ومتلائمة مع المرامي الكبرى والواضحة لجامعة المستقبل التي ننشدها. هذه الإستراتيجية ستكون بمثابة الضوء الكاشف الذي سينير الطريق للخروج من بوتقة الواقع الحالي وتلمّس آفاق التحديث والتطوير المستمر. هذه الإستراتيجية ستشكل قوة دافعة لكل الهياكل والأطر نحو الغايات السامية والنبيلة للجامعة، بدل الانحباس في حيز المصالح الضيّقة، مما سيفتح آفاقا رحبة للعمل المشترك والابتكار المتكامل، بحيث يصبح كل متدخل في التعليم العالي والبحث العلمي ملتزما، من موقعه الخاص، بالمهمة المنوطة به بالجدية والمسؤولية المطلوبة في تناغم تام مع الفلسفة العامة لعمل الجامعة. صحيح أن هناك أصواتا لديها رؤية مستقبلية وجادة لجعل الجامعة مكانا للتكوين الجيد والبحث العلمي الخلاق، وقاطرة للتنمية المستدامة، لكن هذه الأصوات تنكفئ على نفسها بسبب الموانع التي يشكلها من يحرجه العمل الجاد والمسؤول، أو تنسحب من الواقع من تلقاء نفسها من جراء الإحباط واليأس الذي قد يسبّبه أمر واقع ما. هذه الفئة من الكفاءات الغيورة على جامعتها ووطنها، يجب ألا تخبو جذوتها، وأن تستغل هذه اللحظة التاريخية التي يعيشها بلدنا، لتفرض نفسها وتفرض واقع التغيير، بالخروج من نفق التحسّر السّلبي على ممكنات لم تتحقّق، وأن تتسلّح بالثقة في المستقبل متحدّية كل العقبات النفسية والموضوعية، بهدف صناعة بيئة مهنية تنتصر فيها المصلحة العامة وتسود فيها الجدية والمسؤولية في معركة الإصلاح والتطوير العلمي والنهوض بالبحث العلمي. ولا ننسى في هذا الصدد ما يشكله التواصل من أهمية إستراتيجية، رغم أن جامعتنا مازالت دون ما نصبو إليه في هذا الصدد. فالتواصل في ظل وضع دقيق ومتسارع لم يعد مجرد عمل ثانوي، بل أصبح جزءا من المخطط العام، ينبغي أن يجنّد له متخصصون في الميدان، بالمهنية اللازمة لما يشكله من تحديات وحوافز لتطوير الذات وتصحيح صورة الجامعة. إلا أنّ قلة الأطر المتخصصة في هذا المجال، لن يثنينا عن تحقيق برامجنا، وذلك بتركيز جهودنا على تأهيل المؤهلات البشرية المتوفرة لدينا تكوينا وتدريبا وتحفيزا؛ الشيء الذي بدأ يعطي أكله، حيث استطعنا سد الخصاص في العديد من مناحي هذا المجال الحيوي. - هناك معطيات نفسية واجتماعية عند المواطن المغربي تعوق تحقيق فلسفة الإصلاح في الجامعة، مثلا تفضيل «راحة» الإدارة العمومية على دينامية القطاع الخاص، وهذا نراه يوميا في العاصمة، حتى إن هناك مقاولين صغارا ناجحين لم يكتفوا بنجاحهم المقاولاتي بل سارعوا إلى الانضمام إلى مجموعات المعطلين لعلهم ينالون وظيفة عمومية، بل أمهات على أبواب الخمسين سنة تذكرن بعد عقود من الزواج وتربية الأبناء أنهن عاطلات.. أليست هذه معضلة؟ بالنسبة إلي هذه ليست معضلة، بل حقيقة يجب أن نواجهها بما يلزم من جدّية ومسؤولية. السؤال الواجب طرحه يتعلق بالعوامل التي أوصلت هؤلاء إلى ما وصلوا إليه. من وجهة نظري الخاصّة، الإنسان لا يولد متهاونا أو كسولا، بل يمكن أن يصبح كذلك بسبب ما يكتسبه من البيئة التي ينمو فيها. نفس الأمر يمكن أن ينطبق على الجامعة وما توفره للعاملين فيها من ظروف وحوافز خارج ما يجنيه الناس من أجرة مادية يشترك فيها الجميع ولا تميزهم فيها إلا رتبهم الإدارية. من خلال تجربتي في تسيير العديد من المؤسسات العمومية، ومن ضمنها جامعة مولاي إسماعيل، توصلت إلى استنتاج قاعدة ذهبية مفادها أن المسؤول عندما ينجح في زرع الثقة في نفوس من يشتغلون معه ويشعرهم بقيمتهم ويساعدهم على تطوير حياتهم الإدارية ماديا ومعنويا، ويثمِّن أفكارهم ومجهوداتهم، فإنّه ينجح حتما في تغيير سلوكهم نحو الإيجابي. هؤلاء الناس ومن خلال الاعتراف بأهميتهم وإشراكهم في التدبير والتسيير، يجدون أنفسهم ضمن أبعاد جديدة قوامها الطمأنينة والمعنويات الدافعة إلى الإحساس بالانتماء للجامعة والرغبة في العطاء . أنا على يقين من أنّه من خلال هذه المقومات، وبشيء من الصبر والوقت، ستسود هذه الروح المهنية، وسينخرط الناس فيها شيئا فشيئا، وستتغلب المصلحة العامة والغيرة على هذا المرفق العمومي الحيوي. - قطاعات كثيرة في المغرب تحتاج إلى البحث العلمي، بل يتوقف نجاحها على البحث العلمي، والجامعة، اليوم، أضحت واعية بالأمر، بدليل اعتمادها آليات للتقويم والمحاسبة على النتائج وهذا أمر لم يكن في السابق، غير أن البحث في بعض التخصصات لا يزال يُجرى بطرق تقليدية، ألا يحتاج هذا إلى تقويم نقدي يعيد النظر في مجموعة من المسالك التكوينية ومسالك البحث؟ كل ما قلتموه عن البحث العلمي يكاد يكون مسلما به، لكن يجب ألا ننسى أننا في بداية حقبة جديدة من حياة الجامعة، ومن الطبيعي أن تصادفنا العديد من الصعاب التي تعيق بعض البرامج أو على الأقل تقلل من سرعة تنفيذها. هناك شيء أكيد ومطمئن على مستوى جامعتنا، هو أنها تتوفر على العديد من الأساتذة الباحثين من ذوي المكانة المتميزة على كافة المستويات والأصعدة، هؤلاء جميعا تحذوهم الرغبة في اقتحام الحواجز والرغبة الأكيدة والافتحاص الدقيق لواقع البحث العلمي، والإسهام في وضع البرامج وطرائق الاشتغال الكفيلة بتحقيق منتوج علمي في مستوى جامعة المستقبل التي ننشدها. بطبيعة الحال هناك بعض الحواجز الموضوعية والنفسية التي تحول دون تحقيق الأهداف، لكن بتكاثف الجهود وبالثقة المتبادلة، وبتوفير كل الشروط يمكننا تجاوز كل الصعاب. - إدماج المدارس العليا للأساتذة في الجامعات هو خطوة ستعيد الاعتبار لهذه المدارس باعتبارها هي أيضا مؤسسات بحث، ألا تحتاج هذه الخطوة إلى استراتيجية ذكية تجعل الجامعة تستفيد هي أيضا من هذه المدارس؟ لقد شكل انضمام المدرسة العليا للأساتذة، التي هي مؤسسة للتكوين والبحث في المجال البيداغوجي، إلى حظيرة جامعة مولاي إسماعيل قيمة مضافة، لكن لتحقيق المرامي الكبرى لهذه الخطوة، لا بد من مساءلة هذا النوع من المؤسسات حول التحّول الذي يجب أن تحققه لمواكبة هذه المرامي. من وجهة نظري أرى مجموعة من الانتظارات أمام هذا النّوع من المؤسسات من بينها : الاستمرار في تكوين متخصصين في المجال البيداغوجي. تحفيز البحث العلمي في هذا المجال. الإسهام في التكوين المستمر لفائدة أطر الجامعة وكذا الانفتاح على القطاع الخاص والقطاعات الحكومية المهتمة بقضايا التربية والتعليم.