جاء في تصدير الدستور أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، تتشبث بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، وأن هذا التصدير يشكل جزءا لا يتجزأ من صلب هذا الدستور. ولتفعيل الدستور، لا بد من القيام بالعديد من الإصلاحات التشريعية، أذكر منها في ما يلي ستة اقتراحات: - الاقتراح الأول: توجد ضرورة ملحة وعاجلة لإدخال إصلاح جذري على «نظام السجل العدلي» وفق ورقة عمل توصي بتغيير وتعديل ستٍّ وخمسين (56) مادة من مواد قانون المسطرة الجنائية، وهي المواد المرقمة من 654 إلى 703، من إعدادي وثمرة اجتهادي، وعصارة آلام ظلم ومعاناة بدأت منذ عشرات السنين ولم تنته بعد! وفي اعتقادي أن الحل الأمثل والأكثر عدلا وإنصافا ومراعاة لحقوق الإنسان هو الأخذ بمبدأ «وحدة السجل العدلي» وبمبدأ الشفافية، والتنصيص على حق كل إنسان في الحصول على نسخة شاملة وكاملة لكل ما هو مدون «في الجذاذات les fichiers» التي يتكون منها سجله العدلي. ومما يجب التنبيه إليه أن رد الاعتبار لا يمكن الحصول عليه قط بالنسبة إلى الأحكام بالإدانة الواردة بشأنها إعلامات من سلطات أجنبية! فأين هي استقلالية القرار في الدولة المستقلة؟ وبعد 55 سنة من الاستقلال! كما يجب لفت النظر إلى أن حالات انعدام الأهلية لا يمكن أن يشملها العفو ولا التقادم. وهكذا يظل المظلوم، الذي كان ضحية قرار إداري غيابي بتجريده من الأهلية وبالتحجير عليه...، في دار غفلون طيلة حياته! فعن أية حقوق للإنسان يتحدثون؟ - الاقتراح الثاني: التخلي عن مبدأ «ملاءمة المتابعة» المنصوص عليه في المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية، والأخذ بمبدأ «شرعية المتابعة» الذي يحقق العدل والمساواة ويضع حدا لسياسة الإفلات من العقاب... وهذا المقترح ما هو إلا تجديد للنداء الذي أطلقته منذ عشرات السنين في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وما فتئت أردده في كل مناسبة؛ - الاقتراح الثالث: إلغاء عقوبة التهميش المؤبد المنصوص عليه في المادة 648 (الفقرة 2) من قانون المسطرة الجنائية، وتقليص حالات الحكم بانعدام الأهلية والتجريد من الحقوق الوطنية متعددة الأوصاف! - الاقتراح الرابع: إلغاء الامتياز القضائي، المنصوص عليه في المواد من 264 إلى 268 من قانون المسطرة الجنائية المحددة لقواعد الاختصاص الاستثنائية للحكم في الجنايات والجنح المنسوبة إلى بعض القضاة أو الموظفين، وذلك بغرض تحقيق المساواة أمام القضاء المنصوص عليها في الدستور وصيانة لحقوق الإنسان؛ - الاقتراح الخامس: جعل سلطة التأديب من اختصاص القضاء فقط، وعلى الأخص بالنسبة إلى العقوبات أو الإجراءات التي تنص أو يترتب عنها فقد أي نوع من أنواع الأهلية أو التجريد من الحقوق الوطنية أو الأسرية أو الاقتصادية أو المهنية؛ - الاقتراح السادس: تشجيع الدراسات والأبحاث القانونية وإدخال مادة «النقد القانوني» ضمن مناهج كليات الحقوق، على غرار مادة «النقد الأدبي» التي تدرس في كليات الآداب، وفتح المجال لباب الاجتهاد. هذه الاقتراحات لا بد أن تحظى بتأييد كل من له ضمير حي، وبمساندة كل من عنده غيرة على حقوق الإنسان؛ وبصفة عامة، ستجد لها سندا عند أولي الألباب، ذوي العقول الراجحة، ذوي النفوس الأبية الرافضة للظلم، المشبعة بالأحاسيس الإنسانية السامية. ولن يعارضها إلا مكابر، تلذذ بإذلال بني آدم، يجد نشوته في الدوس على حقوق وحريات الأفراد، بأحذية أجهزة القمع والتنكيل، يخيفه وضح النهار ويجد ضالته تحت جناح الظلام... لذا، يجب استبعاد الهاجس الأمني، كما يجب التخلي عن استعمال فزاعة الإسلاموفوبيا... وعدم العمل بالنصائح المسمومة الملغومة لأعداء الإسلام الذين يروجون في حملتهم لإقصاء المواطنين الشرفاء ولتصفيتهم، بل إبادتهم إبادة تدريجية مادية ومعنوية وفكرية وإعلامية تحت ستار: محاربة التطرف، وحمل يافطة منع تسييس الدين أو تديين السياسة! وعلى أمل اتخاذ القرار الشجاع والجريء بمحاربة بؤر الفساد، وتنقية دواليب أجهزة أصحاب الحل والعقد من ديناصورات المفسدين، لإمكان تحقيق وتنفيذ الاقتراحات الإصلاحية الستة المذكورة أعلاه، يمكن الشروع فورا وبدون إبطاء في إجراء التعديلات المستعجلة الخمسة عشر الآتي بيانها على قانون المسطرة الجنائية: - التعديل الأول: المادة 648 المتعلقة بتقادم العقوبات: ضرورة حذف الفقرة (2) التي تنص على عدم قابلية تخلص المهمش المظلوم من آثار انعدام الأهلية مدى الحياة، ونصُّها: «غير أنه، مع ذلك، فإن حالات انعدام الأهلية المحكوم بها في مقرر الإدانة أو التي تكون نتيجة قانونية لهذا المقرر تبقى سارية المفعول»؛ - التعديل الثاني: المادة 658: تعديل الفقرة (2)، وذلك بحذف عبارة «والمقررات الصادرة بالعقوبة في غيبة المحكوم عليه والتي لم يطعن فيها بالتعرض»، لأنها تعني إمكانية إصدار أحكام دون توجيه أي استدعاء إلى المتهم... وهذا أمر يتنافى مع قواعد العدالة وفيه مساس بحقوق الإنسان؛ - التعديل الثالث: المادة 658: تعديل الفقرة (5)، وذلك بحذف عبارة «أو عن سلطة إدارية» الواردة فيها، وإضافة ما يلي: (مع وجوب مراعاة الأحكام الشرعية المتعلقة بالأهلية وبأسباب الحجر وإجراءات إثباته ورفعه وإشهاره اعتمادا على خبرة طبية وسائر وسائل الإثبات الشرعية، وفق ما هو منصوص عليه في المواد من 206 إلى 228 من المدونة الجديدة للأسرة)؛ - التعديل الرابع: المادة 658: إضافة فقرة جديدة نصها :«ويجب إعلام الشخص المعني، فورا وبدون إبطاء، بالأمر الذي ترتبت عنه إقامة البطاقة رقم 1، تحت طائلة إحالة المسؤول المقصر على المجلس التأديبي، مع حفظ حق المتضرر في رفع دعوى المسؤولية التقصيرية»؛ - التعديل الخامس: المادة 665: تعدل الفقرة الأولى لتصبح كما يلي: «تتضمن البطاقة رقم 2 نسخة النص الكامل لمختلف البطائق رقم 1، وكذلك النص الكامل لمختلف الإعلامات بالإدانة الصادرة عن سلطات أجنبية، المتعلقة بشخص واحد»؛ - التعديل السادس: المادة 665: إضافة فقرة ثانية جديدة، وهذا نصها: «تسلَّم البطاقة رقم 2 إلى الشخص الذي تهمه يدا بيد، بعد إدلائه بما يثبت هويته، ولا يمكن بحال من الأحوال إرسالها إليه بواسطة البريد»؛ - التعديل السابع: المادة 665: تعدل الفقرة السابعة من المادة 665 باستبدال عبارة «الإدارات العمومية للدولة المعروضة عليها...» بعبارة «الإدارات العمومية المغربية المعروضة عليها...»؛ - التعديل الثامن: تضاف إلى المادة 665 فقرة أخيرة جديدة نصها: «ولا تسلم البطاقة رقم 2 الخاصة بمواطن مغربي إلى أية سلطة أجنبية مطلقا». - التعديل التاسع: المادة 667، تعوض الفقرة الثانية بما يلي: «وفي حالة وجود البطاقة رقم 1 أو إعلان بأحكام بالإدانة عن سلطات أجنبية، تضمن جميع البيانات في البطاقة رقم 3»؛ - التعديل العاشر: المادة 669 :تحذف عبارة: «غير أنه يكتفى بوضع سطر منحرف على البطاقة إذا كانت البيانات التي تتضمنها البطاقة رقم 1 لا يجوز إدراجها بالبطاقة رقم 3»؛ - التعديل الحادي عشر: المادة 675: تضاف إلى الفقرة الأولى عبارة: «ما لم يكن متمتعا بالجنسية المغربية في نفس الوقت»؛ - التعديل الثاني عشر: المادة 675: تعديل الفقرة الأولى: تعوض عبارة «المعلومات عن أحكام بالإدانة...» بعبارة: «أحكام قضائية نهائية حائزة لقوة الشيء المقضي به»؛ - التعديل الثالث عشر: المادة 676: تعديل الفقرة الثانية: إلغاء وحذف عبارة: «وإما بتضمين محتوياتها في إحدى المطبوعات القانونية الشكل...»؛ - التعديل الرابع عشر: المادة 676: إضافة فقرة جديدة نصها: ويجب إعلام المعني بالأمر الذي ترد بشأنه إعلامات بالإدانة صادرة عن سلطات أجنبية، فور توصل وزير العدل بها، وتسليمه نسخة منها، مقابل إشهاده بالإعلام والتوصل»؛ - التعديل الخامس عشر: المادة 677: «إلغاء وحذف الفقرة الأخيرة، التي تمنع الإشارة إلى الإعلامات بالإدانة الصادرة عن سلطات أجنبية في البطاقة رقم 3». كلمة ختامية: إن هذا الموجز للدراسة القانونية المعمقة هو ثمرة تجربة فعلية عايشتها شخصيا طيلة 49 سنة، لذا فمن شأن تطبيق المقترحات الواردة فيها أن يزرع الأمن والطمأنينة في نفوس المواطنين والأجانب المقيمين في المغرب على حد سواء، وأن يعمل على تغيير عقلية بعض رجال السلطة والمشرفين على مجالس الهيئات المهنية، في اتجاه احترام حقوق الإنسان، وبث روح الثقة والمصداقية والشفافية، وتحقيق العدل والإنصاف وتفادي كل جور أو تعسف، كما من شأنه وضع حد لهجرة الأدمغة المغربية ولهروب رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج، وجلب رؤوس أموال أجنبية وتشجيع الاستثمارات في المغرب، وبالتالي إعطاء زخم لقطار التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، وفق التوجيهات السامية للملك محمد السادس. وسيكون تبني هذه المقترحات من طرف السيد رئيس الحكومة أو السادة أعضاء البرلمان، عملا بالفصل 80 من الدستور، وتسميتها «مشروعا أو مقترحَ قانون»، من الإنجازات الهامة التي نتوق ونتمنى تحقيقها عاجلا، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، هو أجر المجتهد). ومسك الختام قوله تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون»، صدق الله العظيم. رضوان محمد إدريس بناني