إلى سعيد التغماوي للنجاح طعم مميز، خصوصا حينما لا يهدى على طبق من ذهب، وللنجومية بريق مختلف حينما تسعى إليك بعد جهد وعمل وبحث وسعي حثيث وتعب وسهر وأنت تصعد الدرجات الواحدة تلو الأخرى بثقة وصبر، رغبة في التعبير عن دواخل مليئة ببصمات الطفولة وثورات المراهقة وأحلام الصبا.. هكذا هو سعيد التغماوي، ذاك الشاب المشاغب الذي يحمل مزيجا من ملامح الأطلس ولكنة المهاجر ونظرات التحدي.. هو عنوان لجيل بكامله من الشباب الذين هاجروا صغارا وعادوا أسماء لامعة تشي بحياة صاخبة وطريق شاق طويل واجتهاد متواصل لبلوغ أعلى المراتب وإثبات الذات بثقة في النفس والانتماء دون تنكر للأصول ولا ضغينة ولا عقد. لقاء عابر مع سعيد التغماوي جعلني أستمع إليه حينما يصمت، فتظل عيناه فقط تحكي الكثير عن الوطن والغربة والهجرة والبحث المتواصل عن الذات عبر الذات، ذاك السفر اللامتناهي الذي لا محطة له ولا ميعاد ولا عنوان.. فخلف ابتسامته وخفة دمه وتعليقاته الساخرة حزن دفين وأسئلة ملتهبة وحكايات وأحلام، خلف النجوم المتلألئة حوله هدوء رجل بسيط يعتز بانتمائه إلى هذا الوطن ويجول به وهو بقلبه وشرايينه، ولا يتردد في الصراخ عاليا وهو يندد بظواهر أصبحت مثيرة للخجل، كاحتراف فتياتنا للدعارة بحثا عن المال الوفير. قلت في نفسي وأنا أراقب عصبيته: «إنه مغربي حقيقي، بعزة نفس وغيرة على العرض والقيم».. فأن ينتفض سعيد ممتعضا مما آل إليه وضع صبايانا، هو من يجوب العالم محاطا بالنساء والفتيات في المطارات والصالات واستوديوهات التصوير في شتى العواصم.. دليل على أن وضعنا أصبح صعبا جدا.. وفتياتنا أصبحن «ماركة مسجلة» مكتوبا على جبينها «صنع في المغرب».. حينما يتحدث سعيد التغماوي عن تجربته، يختصر في كلمات مفهوم الممثل ويكرر مرات ومرات أن التمثيل مهنة وتقنية واجتهاد مستمر وجهد كبير وفلسفة، وهي رسالة مباشرة إلى كل من يروجون أن الفن «موهبة» فقط وأن لا حاجة إلى الدراسة، أولئك الذين يستفيدون من الأمية الفنية لتمرير خطاباتهم الساذجة ولجلب «بطلاتهم» من الحانات والمقاهي.. لهؤلاء يقول التغماوي بعفوية الممثلين الكبار.. الموهبة والدراسة والتقنية والقابلية والانضباط.. إلى هؤلاء يبعث برسالة مشفرة وهو يقدم ماستر بالدار البيضاء حول أداء الممثل والإلقاء وتقنيات أخرى ليقول للشباب المغربي إن التمثيل مهنة لها قواعد وأسس، وإن الفن علم وتعلم وإدراك وبوح وأسئلة.. ثقافة وخطاب ورسالة. أعجبت كثيرا بهذه الخطوة، خصوصا وأن البادرة لفنان عالمي بقيمة كبيرة وأداء متميز وتجربة لا يشكك فيها. ولأن سعيد مغربي ابن هذه الأرض، فقد فكر في دمج من سيدفع المال ليستفيد من المحترف ومن ليس له المال لكنه يملك الرغبة والموهبة، باختياره لشباب مميزين ستكون مشاركتهم «مجانية» بعد خضوعهم للانتقاء؛ وهذه التفاتة رائعة من سعيد لمن لا حيلة لهم، ولأن ليس كل شيء يشترى بالمال.. أومن دائما بأن النجاح ليس صدفة ولا لحظة.. ذاك سراب النجاح فقط.. النجاح عمل يومي وبحث دائم ونضج يأتي بعد محطات كثيرة وكد كبير.. وأعتقد أن خطاب سعيد التغماوي أقوى وأعمق وأصدق من خطاب معظم سياسيينا الذين قال عنهم ساخرا إنهم ممثلون فاشلون.. وللبلد أبناء كثر هنا وهناك، لو اعتمد عليهم لسحب روحه من الارتجالية والركود والعبثية التي تعيشها عدة مرافق وميادين.. ولكل الشباب الذين يعتقدون أن الفن أسهل السبل للحصول على المال والشهرة والنجومية، أقول إن ما بلغه التغماوي تطلب عكس ما يعتقدونه.. تطلب دراسة وعلما وبحثا ومطالعة وإتقانا للغات عدة.. وتطلب -وهو الأهم- تشبثا بالانتماء والهوية وقيم الوطن ونفحاته الأطلسية.