بداية، وأنا أقرأ الرواية القراءة الأولى، اصطدمت بتقريريتها وانحياز الساردة إلى بنات جنسها، مثل قولها: «كل المجتمعات بما فيها الغربية ترفض أكثر من علاقة مع اختلاف الخلفيات»، وفي مقطع آخر: «زاد يقيني بأن الرجل المخلوق المنعوت ب«الرجل» لا يملك القوة التي بجّلوه من أجلها»، أو قولها: «يالكم من جبناء تنعتونها بالضعيفة وما من ضعيف سواكم». الروائية تكتب عن شخصية منحرفة قد لا يتعاطف معها القارئ منذ البداية، امرأة معلقة، ترتبط برجل يدعى «رئيف»، تقابله في لندن بعد أن تعرفت عليه عبر المسنجر، كما أن البطلة تحمّل مجتمعها مسؤولية فرد، تدين هذا المجتمع، وتتوق إلى التمرد على تقاليده عبر هذه العلاقة المحرّمة/غير الشرعية. وكان بالإمكان حذف الصفحة الأخيرة بأكملها من الفصل الأول، دون أن يختل توازن السرد.. لأنها مجرد خواطر وأفكار لا تصلح إلا لعمود صحافي في صفحة اجتماعية، وحديث الساردة/البطلة أقرب إلى نوع من التباهي بترك كتب الدين، وقراءة أحلام مستغانمي، هجاء مدينة الرياض، ومديح لندن، مثلما فعلت رجاء الصانع في روايتها «بنات الرياض»، مع التحفظ الشديد على كلمة رواية، ولا يخفى على القارئ التوجه الليبرالي لسمر المقرن، لكن يبدو أن مغازلة الغرب والتوق إلى التحرر، أقرب الطرق إلى العالمية، بعد نيل رضى الآخر...!! وتحامل الكاتبة على مجتمعها يوقعها في الحشو اللغويّ، وهي تتحدث عن المرأة ونظرة المجتمع إليها، كما أن الساردة تدخل متاهات حكايات جانبية وتفقد السيطرة على خيوط النسيج السردي. وتنتقل إلى الحديث عن صديقتها الغائبة -الحاضرة أسيل، والتي كانت مرتبطة برئيف قبلها، وسيتبين، لاحقًا، أن لا دور لهذه الأسيل في البناء الدرامي، ويمكن الاستغناء عن هذه الشخصية، إلا إذا كانت الكاتبة تجاري نصوصًا أخرى، يحضر فيها ثالوث العشق، أي امرأتان صديقتان ورجل واحد، كما عوّدتنا كلاسيكيات الأدب. وبغض النظر عن حداثة سن الكاتبة وإطلاق الأحكام الجاهزة، كقولها عن الأزواج إنهم «لا يتقنون في حياتهم إلا ممارسة التعاسة»، وربما يعزى هذا إلى تأثرها بكتابات أخرى، نصوص غائبة، تمجّد الحب وترى في الزواج نظاماً اجتماعيًا فاشلا، في حين أن تلك النصوص تروج لأفكار هدامة... وتتحدث عن حق المرأة في الحب، وكأنها تكتب مقالا، تترك السرد، وتغوص في الحديث عن القضية التي تشغل المرأة السعودية وهي قيادة السيارة، ومقارنتها بالجارة الكويتية. وحين استشهدت بمقطع لامرأة لا علاقة لها بالشعر نثرًا ولا تفعيلة، تدعى: حنان بديع، تذكرت رجاء الصانع التي كانت تستحضر كلمات أغان تافهة داخل المتن الروائي. الجدير بالذكر أني قرأت ل«نساء المنكر» ليس لأنها رواية امرأة سعودية، ثائرة، تعرّي مجتمعها حد الفضح الجارح، وإنما قرأتها كرواية عربية. بعد اللقاء اللندني، تصمم سارة على ملاقاة حبيبها رغم خوفه من اللقاء في مطعم عائلي بالرياض، ويشك النادل فيهما ويبلغ عنهما. بالمناسبة، تفتح الساردة قوسًا لاتهام العاملين في المطعم ببيع ضمائرهم لرجال الهيئة، في حين، ككاتبة، كان يجب أن تبقى محايدة، وتترك مسافة بينها وبين الشخصية، وهذا من مساوئ استخدام ضمير المتكلم، حيث يتورط الكاتب(ة) ويُنطق الشخصيات بأفكاره ومشاعره. وعندما ادعى رئيف أنها زوجته، واجهه أحد رجال الهيئة بأن الزوج لا يحضر معه زوجته متبرجة. وتصف معاملة رجال الهيئة السيئة لها وإرغامهم إياها على التوقيع على محضر الضبط، وتتورط مرة أخرى، فتعلق سمر المقرن (الصحافية) على الحدث بأنه إساءة إلى الوطن، وإلى الدين الذي باسمه يهان البشر، وهنا أتساءل: هل قرأت الكاتبة «الآن... هنا! (أو شرق المتوسط مرة أخرى)» لعبدالرحمن منيف؟ وهل كان منيف يعلق على أحداث اعتقال وتعذيب بطل روايته بنفس السذاجة؟! بعد ذلك، تسرد حكاية نورة التي اعترفت بأنها تخون زوجها، لأنه لا يستحق إلا الخيانة، لأنها تزوجته دون رضى الأهل، وتعترف بذلك متباهية، وتحس سارة بالتعاطف معها، وأنها متصالحة مع ذاتها، بينما الأخريات، في نظرها، يتحدثن بعفة ومثالية، ولسن في الواقع سوى...!! وسميرة التي قتلت زوجها، لأنه صخّر قلبها، فحرقته بعد أن قتلته بالبندقية، وتعقب الساردة بأنه «اغتال فيها روح الأنثى»، والرجال يتملكون الآخرين، ولو كانت في ذلك تعاستهم. وخولة المطلقة التي قبض عليها بعد انصراف عشيقها... هناك تغييب للرجال... بصيغة الجمع، وإظهارهم في صورة بشعة، فلا يحضر الرجل في المتن الروائي إلا كحبيبٍ، علما بأن تيمة الحب والأبواب المغلقة (موضة) عفا عنها الزمن مع روايات إحسان عبد القدوس، ومن تلاه من الروائيين. أما النهاية فهي مفبركة، حيث تعمل صبّابة قهوة في الأفراح بعد خروجها من السجن، وهنا وقعت في ثغرة أخرى، إذ كيف يعقل أنها كانت تقضي مع أسرتها المخملية العطل في لندن،ثم صار راتب تقاعد الأب لا يكفي حتى لسداد فاتورة الكهرباء. ويكون أول حفل زفاف تعمل فيه هو حفل رئيف، رئيف الذي تخلى عنها. النهاية توقعتها، وقبل أن أكمل النص. لهذا تبخرت متعتي بالنص، فاكتشفت أن لا إشكاليات وجودية، والشخصيات باهتة، سطحية، وبلا خلفيات إنسانية ولا أبعاد درامية. وانتابني إحساس بالخيبة، لكن من يلام هو: الإعلام، الذي يتغاضى عن الأعمال الجيدة، ويطبل لنتاج دون المستوى. كنت أفكر في الكتابة عن «بنات الرياض» من قبل، لكن ركاكة أسلوبها، جعلتني أترفع عنها، وكأني لم أقرأها.