هذه الأيام، ولأكثر من سبب، كلما سمعت أحدا يتحدث عن الانتخابات البرلمانية المقبلة أفكر في تلك «الانتخابات» الطريفة التي تجري في برامج تلفزيون الواقع، حيث يختار «الجمهور» من بين «المرشحين» المتنافسين من يستحق أن يواصل المسابقة ومن عليه أن يغادر، في أجواء يخيم عليها كثير من التشويق المصطنع واللعب بمشاعر المشاهدين، ولعنات فئة عريضة من الناس، لا يرون في هذا الصنف من البرامج سوى ضحك على الذقون، لأن كل شيء يهيأ سلفا في الكواليس، بما في ذلك الفائز النهائي، بمعزل عن تصويت الجمهور، أهم شيء هو ضمان الإثارة كي يحقق البرنامج أعلى نسبة مشاهدة ويتحول النجاح الجماهيري إلى ملايين سهلة في جيوب المشرفين على «اللعبة». اللعبة الانتخابية في المغرب أيضا تدر الملايين، وتشبه أحد برامج تلفزيون الواقع أكثر من أي وقت مضى، خصوصا بعد التحالف الذي شكلته ثمانية أحزاب لا يجمع بينها أي رابط إيديولوجي، ما عدا الرغبة في «الفوز» والظفر بمقعد في البرلمان أو الحكومة. بعد هذا التحالف «السوريالي» الذي أعلن عنه صلاح الدين مزوار، بين الليبراليين والاشتراكيين والعلمانيين والإسلاميين وبين «الخضر» و«الزرق» و«البرتقاليين»، لم تعد للبرامج السياسية أي أهمية على الإطلاق، ولم يعد هناك أدنى فرق بين التصويت على مرشح للبرلمان المغربي وبين التصويت على أبطال برنامج «La Ferme Célébrités» أو «مزرعة المشاهير»، الذي كانت تقدمه قناة الTF1 الفرنسية، خصوصا أن وجوه المرشحين صارت معروفة من كثرة ما رأيناها في وسائل الإعلام. كنا ننتظر من الأحزاب أن تقدم إجاباتها عن المشاكل التي تتخبط فيها البلاد، بمناسبة الانتخابات المقبلة، وإذا بها تقترح علينا بدل البرامج السياسية برنامج: «La Ferme Célébrités»! لقد تحولت السياسية في المغرب إلى «مزرعة» حقيقية، يدبر شؤونها محاسب شاطر اسمه صلاح الدين مزوار، استطاع في وقت قياسي أن يجعلها «خضراء» ويملأها بكل ما يلزم: «تراكتور» و«خيول» و«حمام» و«سنابل» و«عمال»... والأبقار هم نحن طبعا، الذين يفترض أن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع لاختيار الفائزين في «مزرعة المشاهير المغربية». سبعة أشهر والتظاهرات تجوب الشوارع للمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، وأنظمة مجاورة تتساقط مثل «الضومينو»، والنخبة السياسية منشغلة كيف تقطع الكعكة الانتخابية وتظفر بالنصيب الأكبر، هذه هي السياسة في المغرب، لا تخضع لأي منطق، ماعدا المصلحة الضيقة لنخبة منقطعة عن الشعب. ولا أعرف لماذا لا تفتح «مزرعة المشاهير المغربية»، التي سميت «التحالف من أجل الديمقراطية»، في وجه «العدالة والتنمية» و«الاستقلال» و«الاتحاد الاشتراكي»، خصوصا أن كل الأحزاب المغربية يوحدها اليوم قاسم «إيديولوجي» مشترك: الشعب يرفضها، يكرهها، يقاطعها، يعتبرها متشابهة... لذلك أقترح على صلاح الدين مزوار أن يفتح «المزرعة» في وجه ما تبقى من الأحزاب، ويعلن «كتلة تاريخية» لمواجهة عدو مشترك وعنيد اسمه: «الشعب المغربي».