أسباب كثيرة ضمنت استمرار برامج المسابقات الغنائية على مدى خمس سنوات، ولعل أهمها أن أغلب مشاهدي هذه البرنامج كما هو حال المشتركين فيها هم فئة الشباب، ربما لأن هناك فجوة كبيرة بين هؤلاء وبين الثقافة الهادفة، بحسب كثير من المتتبعين، وربما لزيادة نسبة البطالة والفراغ في حياة الشباب، وربما لأن حلم الشهرة والنجومية هو محور حياة هؤلاء للارتقاء بمستوى العيش، وربما بسبب أسلوب الإغراء الذي أعد بعناية لجذب الشباب ... غير أن مظاهر انزياح هذه البرامج عن المقصد الفني العام، بإخضاع المتسابقين لعملية الرولوكينغ وعروض الرقص، التي يقدمونها تقليدا واستنساخا لهذا النوع من البرامج الغربية، وكيف أنها تسلم الشباب الذين يستغلون في هذه البرامج لواقع مؤلم، حين تتركهم فريسة للملاهي الليلية التي تكون بديلا ـ في غالب الأحيان-عن الأحلام التي حلموا بها. وهو واقع تكشف عن بعض فصوله أيضا قصص بعض خريجات برامج المسابقات الغنائية المتعددة اللواتي انتهين في أحضان الفساد، والأقرب إلى ذلك حكاية جهاد (ف) إحدى خريجات أستوديو دوزيم لسنة ,2007 التي تنفذ حكما بالسجن لمدة سنة بتهمة الدعارة. وكيف أن الاتصالات الكثيرة التي تتلقاها القناة الثانية أثناء بث برنامج أستوديو دوزيم مثلا، وهي تحتج على إدراج فقرات مخلة بالحياء، لا تراعي قيم الأسرة المغربية، - بحسب ما تؤكده مصادر من داخل القناة، كل ذلك يأتي ليجيب عن سؤال لماذا يقول كثير من المشاهدين العاديين، بل حتى بعض المشاركين والفعاليات الفنية الغيورة، لا لمثل هذه البرامج.. بما يطرح مطالب إعادة تنظيم مثل هذه المسابقات الغنائية والمهرجانات الفنية، بشكل يكرس الاحترام والترابط بين أفراد الأسرة والمجتمع، لتؤدي الأغنية دورها الإيجابي في الترفيه والتثقيف والتوعية على الجهات المعنية. لقد وصف الملحن ونقيب النقابة المغربية للمهن الموسيقية أحمد العلوي تنظيم أستوديو دوزيم بالاستهتار والضحك على الجمهور المغربي. واعتبر في سياق انتقاده، أن وجود الدعم والإسهام في سلوكات غير أخلاقية أمران متناقضان للغاية، ولا يمكن السكوت عن هذا التناقض. كما انتقدته الفنانة حياة الإدريسي في حوار لها مع إحدى المجلات المغربية، حين اعتبرت أن التلفزيون المغربي يدفع بالشباب في متاهات الوعود الكاذبة، وأنه لا معنى أن يقوم التلفزيون بإلباس بعض الشباب ملابس جميلة وتسعى لإيهامهم بأنهم نجوم الفن، مع أن الواقع يحفل بالكثير من المغاربة الذين يعيشون وضعا من أبسط أوصافه أنه مؤلم. وكان مما كتب عن برنامج ستار أكاديمي في نسخته اللبنانية، الذي تشارك فيه فتيات مغربيات، ويحظى بمشاهدة كثير من الأسر المغربية، أنه برنامج للاتجار بهؤلاء الشباب وأحلامهم بالوصول للشهرة والنجومية، وأنه خرج عن طور تلفزيون الواقع ليدخل في نظام الفبركة والتمثيل واختلاق قصص الحب والمشاكل والدموع من أجل تحميس جمهور المراهقين للتصويت للمشترك المفضل لديهم، بشكل جعل هذا الإعلام إفرازا لفائض القيمة المادي في الغالب، أكثر منه استجابة لأي رؤية فكرية أو إعلامية أو حتى فنية. بدورها الأسر المغربية التي تتابع برامج هذه المسابقات الغنائية، تتوزع بين أسر لها أبناء مشاركون، فهم يتابعون البرنامج بحماس كبير تشترك فيه كل العائلة والأقارب والأصحاب، فيما لا تحضر في متابعتهم سوى حلم فوز ابنهم أو ابنتهم في المسابقة بما يعنيه ذلك من شهرة ونجومية، بعيدا عن رؤية كل التفاصيل الأخرى المرتبطة بالبرنامج. وهناك على الطرف المقابل عموم المشاهد المغربي، الذي تختلف رؤيته للبرنامج، فخديجة وهي ربة بيت تنتقد مظاهر العري المبالغ فيه للمتسابقين، ولكنها بالرغم من ذلك تتابعه، ما دام ذلك لا يعنيها بشكل مباشر، فالمسألة لا تعدو أن تكون سوى ترفيه وتزجية وقت تنتهي بمجرد انتهاء البرنامج، بينما أحمد وهو أستاذ للغة العربية، يرى أنها برامج تجسد الواقع، فما نراه بهذه البرامج من مظاهر لباس غريب، ورقص وما إلى ذلك، لكن في الحقيقة لا أفضل فكرة مشاركة ابنتي أو ابني مثلا في هذه البرامج، لأنه لا ضمانات تقدمها هذه البرامج، عما سيكون عليه أمر هؤلاء المشاركين بعد تلك البهرجة التي يعيشونها طيلة شهر. أما حليمة وهي أم لأربع أبناء، فتؤكد أنها لا تتابعها ولا تسمح بمتابعة أبنائها لها، بداعي أنه سيصعب عليها توجيههم فيما بعد الوجهة الصحيحة. جارتها فاطمة لم تخفي أمنيتها في أن ترتقي موهبة ابنتها، وإن كان لديها تحفظ على الطريقة التي يقدم بها البرنامج هؤلاء الشباب. وأكثر ما ينتقده إبراهيم تليوا (متخصص في شؤون الأسرة)، أن هذه البرامج تعيش من خلالها الأسر صورة خيالية لا واقعية تصنع لها ويراد لها أن تعيشها، وهي لا تمت بأي صلة للمجتمع الحقيقي والحياة الحقيقية، إن كنا ننظر -يضيف تليوا- بعين ناقدة لهذه البرامج، التي كان عرابها هو كثير من الفضائيات العالمية والعربية، ونقل قناتنا الثانية هذا التوجه بشكل مباشر، بمظاهر لم نر فيها أي خصوصية مغربية، وخاصة من حيث مخرجات هذه البرامج، فبعد انتهاء البهرجة الفنية، نكاد لا نجد للخريجين إشعاعا إلا في النوادي الليلية أو بعض المهرجانات..، ومن جهة أخرى ترتفع احتجاجات وانتقادات للخريجين بعد عدم الوفاء بالوعود البراقة. من جانب آخر يسجل تليوا أن تأثير برامج المسابقات الغنائية على الأسرة المغربية، يظهر في جانب القيم على الخصوص، مستندا في ذلك على دراسة رسمية عن القيم، التي تؤكد على أن هناك قيما جديدة بدأت الآن تعرف تطورا خطيرا داخل الأسرة المغربية، ففي الماضي كان الإنسان يجد حرجا في مشاهدة مثل هذه المظاهر المرتبطة بهذه البرامج في تجمع عائلي، عكس التطبيع الذي أصبحت الأسر تعيشه اتجاه ذلك الآن، بما له من آثار سلبية تؤثر بالأساس على علاقة الآباء بأبنائهم، لأن الاحترام يأتي من خلال الصورة، والكلمة، والقدوة، ثم المواقف..، ثم إن كثيرا من الانحرافات الجنسية والخلقية والأخلاقية تأتي من خلال اندثار قيم الاحترام والقيم التي ينقلها الآباء إلى الأبناء. همسة في أذن المشرفين على هذه البرامج، نريد أصواتا فنية شجية، ولكن نريدها في قالبهم وتراثهم المغربي الأصيل، نريد الكلمة والمعنى واللحن ونريد رسالة المضمون التربوي للأغاني هكذا يعبر الدكتور احمد بن عمو رئيس شعبة علم النفس التربوي (كلية علوم التربية بالرباط) عن رأيه، ويضيف أن البعض قد يقول بأن مشاركة هؤلاء الشباب في المسابقات الغنائية، هي للنجاح أو لتأكيد الذات عن طريق استغلال موهبة طبيعية وهي طموحات مشروعة، لكن ينبغي أن تكون بطرق سليمة وطبيعية ليس فيها تمييع، ليس فيها فساد وإفساد ونسف وإخلال بالآداب العامة والقيم المجتمعية، بطرق تراعي تماسك الأسرة قبل كل شيء. وإذا كانت هذه المسابقات طبيعية وتريد خدمة الفن الرفيع، فلتشجع متفوقوا المعاهد العلمية بحسب بن عمو، التي يمكن أن تكون الطريق الطبيعية للتنافس، كما أن التنافس ربما كان يمكن أن يشمل فنونا أخرى..