تشكل المعالم الأثرية إحدى الكنوز التي لم يتم استغلالها بالشكل الجيد، إما لجهل بقيمتها من طرف بعض المسؤولين أو لغياب إستراتيجية في هذا المجال، مما يفرض طرح أسئلة عن ما هي القيمة الحضارية التي تضيفها مثل هذه المآثر إلى المغرب؟ ومدى ما بقي فيها من قدرة على مقاومة الزمن؟ وكيف يمكن أن نعمل على إطالة عمرها واستغلالها بطرق عقلانية وذكية؟... ما زلنا نذكر، منذ طفولتنا، تلك الحكاية التي تقول «إن السلطان الأكحل لمّا أطلّ من فوق داره العالية، التي كانت تسمى «دار السلطان الأكحل»، ورأى من بعيد، وهو يجول بنظره، قبة الولي الصالح مسعود بن احْسين، المدفون في قرية «أولاد فرج»، سأل من يقف بجانبه: من يكون ذلك؟ فقيل له «مسعيد»، تصغيرا وتحقيرا، فانهدّت دار السلطان... وما زلنا نذكر، ولا نعرف مدى صدق هذه الحكاية التي تقول إن السلطان العلوي كان مارا من حدود «سلطان العْزَارة»، فثارت عليه جحافل من النحل وعلى بهيمته وما يركبون ولمّا سأل قيل له «إنه لا يمكن أن يجتمع سلطانان في مكان واحد»... الحكايات روايات أخرى بألسن أخرى للتاريخ، وتلك الحكاية ما تزال تُروى بطرق وصيغ مختلفة، وقصبة «بولعوان» ما تزال حيّة هناك، تراقب الذاهبين والآتين. فهي من الكنوز الثمينة التي تواجه ضربات الزمن في صمت.. إنها تواجه أخطار الاندثار والموت، القادم من جهات مختلفة... تُعَدّ هذه القصبة التاريخية فريدة في بنائها، حسب المختصين، وهي توجد في تراب جماعة بولعوان على الضفة اليسرى لنهر أم الربيع سنة 4171 م، الموافق ل2211 هجرية. تقع في جنوب شرق الجديدة، على بعد 78 كيلمترا في اتجاه مدينة سطات. تتربع على هضبة صخرية إستراتيجية مكّنتْها من أن تكون «العين» الحارسة التي لا تنام. تتواجد في مفترق الطرق الرابطة بين ثلاث قبائل مهمّة: دكالة والشاوية والرحامنة، مما أتاح لها إمكانية «مراقبة» محور طرقي هامّ يربط بين الشمال والجنوب، بين فاس ومراكش، عبر الرباط. وقد كانت القصبة تُشكّل في الماضي محطة لاستراحة المولى إسماعيل، حيث كان يترك فيها زوجته الدكالية (حليمة غشاوة). وقد حدد إسماعيل خياطي، الأستاذ الجامعي والمهتم، القلعة هكذا: «هي عبارة عن بناء مستطيل، له سبعة أبراج على شكل معقل، يتجه من الشمال الشرقي الشمالي نحو الجنوب الغربي الجنوبي، وتنتهي من الجهة اليمنى بدرج آمن يقود إلى النهر في الأسفل، حيث ما تزال هناك بقايا مسبح. في المدخل، في الواجهة الرئيسية، هناك مدخل فخم مبنيّ بالحجر المنحوت، وهناك زخرف مقروء ما يزال يقاوم صدمات الزمن كُتِب عليه بالخط العربي المغربي: «النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا إسماعيل، المجاهد في سبيل رب العالمين، أيّده الله ونصره على يده واصفه سعيد بالله الموفق السيد أبو عثمان إلياس سعيد بن الخياط وفقه الله، عام 2211هجرية». لقد كان بالإمكان استغلال القيمة التاريخية للقصبة كمحرّك اقتصادي سياحي للمنطقة، لكن ما يتهدد معالمها من أخطار الاندثار، بفعل عوامل التعرية وضربات الزمن، يجعل ذلك مجردَ حلم لم يتحقق. ورغم أنه كانت هناك محاولات لترميمها، فإنه -وكما عاينّا في زيارة سابقة- فإن ذلك لم يراعِ الشروط العلمية الضرورية التي يعرفها أهل الاختصاص، وهذا ما أفقد هذه العملة النادرة كثيرا من ملامح وجهها الحقيقية، الذي يلزم، ولا شك، المحافظة عليه، للمحافظة على قيمتها التاريخية. وعما إذا كانت هناك خطة لترميمها من أجل إنقاذها، سبق أن صرح لنا عز الدين كارا، عن المديرية الجهوية للثقافة -جهة دكالة عبدة: «نعم، هناك خطة لترميم هذه القصبة في إطار اتفاقية موقعة من قِبَل مجموعة من الأطراف، من بينها وزارة الثقافة، في إطار مشروع ترابي ابتدأ من 1102 /2102/3102». وعن الميزانية المخصصة للترميم، قال عزيز كارا: «القدر المالي المخصص للترميم هو 6 ملايين درهم». وعن الملاحظات المتعلقة بعدم الحفاظ على معالم القصبة في ترميم سابق قال كارا: «لقد نتجت هذه الهفوات عن جهل بمعايير الترميم، ولكنْ كانت لها إيجابيات المحافظة على بقاء المعلمة قائمة، ويمكن تدارك ذلك، خصوصا أن المغرب أصبح يتوفر على كفاءات في هذا الباب». الطاهر حمزاوي