مقدمة:منقطع النظير، علىكثيرا ما يحز في نفسي، وأنا أشاهد هذا التهافت اللا استغلال الملك العمومي، من قبل ذوي الضمائر الميتة، التي لا ترعى حقوق الآخرين، بقدر ما تلتهمها التهام الأكلة الشعبية، خاصة، وأننا في بلد يعتبر هضم حقوق الكادحين من عوامل تخلفه.فاستغلال الملك العمومي، وبهذه الطرق الهمجية، التي صارت تعتمد على القوة، وأمام أنظار السلطات المسؤولة، وبمباركة المجالس المزورة، والمتعاقبة على مدينة ابن جرير، على جميع المدن، والجماعات القروية، التي تستجدي أصوات مستغلي الملك العمومي، الذين صاروا يلعبون دورا كبيرا في تكريس التزوير، ومن بابه الواسع، وباسم "الديمقراطية"، التي لا تتجاوز أن تكون مجرد ديمقراطية الواجهة.وهذا النوع من الاستغلال الذي صار يجد معارضة حادة، من قبل الجمعيات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، التي صارت معنية، بدورها، باستغلال الملك العام، التي قد تدرجه في برامجها النضالية، من أجل ممارسة الضغط السياسي، في أفق العمل على وضع حد لهذا الاستغلال، لأنه لا يمكن أن ينتج إلا الحيتان، ومن يتعيش على فضلاتها من الانتهازيين، والأتباع، ممن لا تظهر لهم بادرة إلا بالعمل على إعادة إنتاج نفس الرغبة في هدر المال العام، عن طريق استغلال الملك العام، حتى أصبح الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه مدعو "النضال"، ليس هو العمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، لإخراج المجتمع من واقع التخلف المزمن، إلى واقع التقدم الشامل، باعتباره حلما إنسانيا، بل هو كيف تمارس الانتهازية -التي صارت قاعدة اجتماعية- لتعميق استغلال الملك العمومي، والسطو عليه، وفي واضحة النهار، وأمام أنظار مسئولي السلطات المحلية، وبمباركة مسئولي الجماعات المحلية، الذين يعتبرون أنفسهم أرباب نعمة مستغلي الملك العام.ولتناول موضوع "استغلال الملك العام، وسيلة ناجعة لتحقيق التسلق الطبقي"، وبالعمق المتوخى، من أجل أن تصير الرؤيا واضحة، حسب ما نراه، فإننا سنعمل على الإجابة على الأسئلة التي تطرح نفسها، وبإلحاح، حسب ما توفر لدينا من إمكانيات التفكير، ومن أجل مقاربة إشكاليات، وحيثيات هذا الموضوع. ومن هذه الأسئلة التي تنتظر منا مقاربة الأجوبة عليها نجد:ماذا نعني بمفهوم الملك العام؟ومن له الحق في استغلال الملك العام؟هل يمكن أن يبقى الملك العام حقا للناس جميعا؟لماذا يحرص بعض المسؤولين على جعل الملك العام في خدمة الملك الخصوصي؟ما هي الفوائد التي تجنيها الخزينة العامة من وراء استغلال الملك العام، لصالح الملك الخصوصي؟من هم الأشخاص الذين يستفيدون من استغلال الملك العام لصالح الملك الخصوصي؟هل يمكن أن نعتبر أن من حق الشعب المغربي مقاضاة الأشخاص، والهيئات، والشركات الممارسة للسطو على الملك العام؟ما دور السلطات العمومية، المحلية، والوطنية، في تفويت الملك العام للخواص؟وهل قامت باعتماد خرائط الملك العام لتحديد ما تم السطو عليه، والعمل على استرجاعه، وبالقوة العمومية اللازمة، إلى الملك العام، باعتباره ملك للمجتمع ككل؟وما دور المجالس المحلية، في عملية استفحال استغلال الملك العام؟وما هو برنامج هذه المجالس في حماية الملك العام؟وما هي الغاية التي يهدف إلى تحقيقها الواقفون وراء استغلال الملك العام؟ما هي الغاية التي يهدف إلى تحقيقها المستفيدون من استغلال الملك العام؟ما هو واقع استغلال الملك العام في مدينة ابن جرير؟من المسئول عن انتشار الفوضى في استغلال الملك العام بمدينة ابن جرير؟لماذا لا تتحرك السلطات المحلية، والإقليمية، لفرض احترام، وحماية الملك العام، من الاستغلال الهمجي؟ما هي الأهداف المتحققة من وراء استغلال الملك العام بالنسبة ل:أ-ممارسي الاستغلال الهمجي للملك العام؟ب-المسؤولين الجماعيين؟ج-مسؤولي السلطات المحلية؟و بمقاربتنا للإجابة على هذه الأسئلة الملحة، سنفتح مجموعة من النوافذ، التي تمكن المتتبعين، والمراقبين، وسائر الجماهير الشعبية الكادحة، المحرومة من رؤية ما يجري في الواقع، وكما هو، و من يستغل الملك العام ؟ ومن يساعده على ذلك؟ ولماذا؟ من أجل الخروج بخلاصات، تعتمد لخوض معركة إعادة الاعتبار لاحترام الملك العام، الذي هو ملك للناس جميعا، و من أجل وضع حد لمدعي "النضال"، و"الجهاد"، الذين يرفعون الشعار "النضالي"، أو "الجهادي"، بيد، و يستغلون الملك العام باليد الأخرى، وسعيا إلى تطهير المجتمع من كل أشكال الممارسة الانتهازية، التي يمكن اعتبارها هي المدخل الحقيقي لاستغلال الملك العام، احتراما لعامة الناس، وسعيا إلى إيجاد مناخ مناسب لقيام ديمقراطية حقيقية، من الشعب، وإلى الشعب.وإن هدفنا من هذه المعالجة، هو إعادة الاعتبار للمواطن البسيط، من خلال إعادة الاعتبار لاحترام الملك العام، الذي هو حق للجميع، والحرص على محاصرة الممارسات الانتهازية، مهما كان مصدرها، وفضح ممارسات مسئولي السلطات المحلية، وتواطؤ المسئولين الجماعيين، من أجل قيام جماعات الحق، والقانون، وفي أفق قيام دولة الحق، والقانون، وحرصا على أن تصير جماعاتنا، ومدننا، بما فيها مدينة ابن جرير، التي نريدها مدينة نموذجية، تختفي من أحيائها، ومن شوارعها، ومن مسلكيات سكانها، كل الأمراض الاجتماعية، التي تسيء إلى كرامة الإنسان. مفهوم الملك العام :فماذا نعني بالملك العام؟ هل هو الملك الجماعي؟ هل هو ملك الدولة؟ هل هو ملك النقابات، والأحزاب، والجمعيات؟إن الملك الجماعي قد يكون عاما، وقد يكون تحت تصرف الجماعة، تفعل به ما تشاء، فتقيم عليه المنشئات العمومية، أو تبيعه للأشخاص الماديين، والمعنويين. وملك الدولة قد يكون عاما، وقد يكون غير ذلك، فتقيم عليه الدولة منشآت عمومية، أو تفوته للأشخاص الماديين، والمعنويين، أما ما هو في ملك النقابات، والجمعيات، والأحزاب، فهو في ملك الأشخاص المعنويين، ولا يمكن أن يتحول أبدا إلى ملك عام إلا بقرار إداري، أو بحكم محكمة.وعلى أساس هذا التمييز الضروري بين مستويات الملك العام، فإننا يمكن أن نقول إن الملك العام: هو كل ما تدعو الضرورة اليومية لجعله في تناول عامة الناس، الذين يترددون عليه لحاجتهم إلى استعماله، ودون حاجة إلى إذن من أحد، وفي إطار قيام حركة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية فالملك العام إذن هو ملك للمواطنين،الذين يستعملونه وقت الحاجة إليه، حسب ما يتناسب مع طبيعة إعداده، لتقديم خدمة معينة إلى المواطن صاحب تلك الحاجة. وبناء عليه، يكون الملك العام ملكا اجتماعيا، كالزقاق، والمدرسة، والشارع، والمستوصف، والمستشفى، والكلية، وغير ذلك مما له علاقة بتقديم الخدمات العامة للمواطنين.وعلى هذا الأساس فإن الملك العام، هو الذي لا يمكن التصرف فيه، أو تفويته إلا بموجب قانون، وإلا، فإنه سيتحول إلى ملك للأشخاص الماديين، أوالمعنويين، الذين يتصرفون فيه، وفق ما تقتضيه مصلحتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.ونظرا لغياب الوعي بضرورة احترام الملك العام، فإن هذا الملك يتعرض للسطو من قبل الخواص، الذين يضيفونه إلى أملاكهم الخاصة، أو يقيمون عليه منشآت خاصة، بدون وجه حق، وأمام أنظار السلطات المعنية، وبمباركة المجالس المحلية، ليتزايد المتضررون من ذلك الاستغلال، وليحرموا من الراحة في استعماله، أو من استغلاله بصفة نهائية، بسبب السطو عليه، وحيازته بطرق غير مشروعة، عن طريق احتلاله، أو ضمه إلى الملك الخاص بالأفراد، أو بالشركات، أو بالجماعات، ودون اعتبار لأصحاب المصلحة في الحفاظ على الملك العام.وبالسطو على الملك العام، فإنه يتحول إلى وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية، التي تهم ممارسي ذلك السطو، الذين ينتمون، في معظم الأحيان، إما إلى شرائح البورجوازية الكبرى، أو المتوسطة، أو الصغرى، التي تحرص، وبكل الوسائل المشروعة، وغير المشروعة، على تنمية ثرواتها، على حساب الحرمان الواسع الذي تعاني منه الجماهير الشعبية الكادحة.ومدننا، وقرانا المغربية، تغرق في متاهات السطو على الملك العام، ومن قبل أناس في غنى عنه، ولا يحتاجون أبدا إلى استغلاله.ولذلك فتحديد مفهوم الملك العام يقتضي من التسليم بوجود ملك للمجتمع، وأن هذا الملك يمكن أن يتحول إلى ملك جماعي، في حالة انتفاء الحاجة إليه، أو ملك فردي، عن طريق البيع، أو التفويت، من أجل جعله أكثر إفادة لأفراد المجتمع، الذين يعانون من الفاقة، ومن العجز على إمكانية الحصول على جزء من تلك الملكية، ومنه ما لا يمكن بيعه، أو تفويته، لحضور الحاجة المستمرة إليه، من قبل عامة الناس، كما هو الشأن بالنسبة للأزقة، والطرقات، والشوارع. لأنه لو تم تفويت هذا النوع من الملك، فإنه سوف يؤثر سلبا على حياة الناس، وسيحدث اضطرابا في العلاقات، وفي السير العادي للمجتمع. كما هو حاصل في العديد من شوارع مدننا الكبرى، وخاصة في الأماكن التي تزدهر فيها التجارة، حيث يضطر الناس إلى زيارتها بين حين، وآخر.وهذا الفهم للملك العام، وبهذه المستويات التي ذكرنا، نجد أن مدينة ابن جرير نالت قصب السبق في جعل الملك العام معرضا للنهب، من قبل أشخاص هم في غنى عنه. لإتاحة الفرصة لتحقيق المزيد من الأرباح الطائلة، على حساب الذين لا قدرة لهم، ولا إمكانية، من أجل احتلال، ولو شبر منه. كما هو حاصل في شارع محمد الخامس، وفي شارع الحسن الثاني، وأمام أنظار السلطات المحلية، وبمباركة المجلس البلدي، الذي لا تهمه راحة الناس، بقدر ما يحرص على ضمان عودة أعضائه، إلى عضوية المجلس في الانتخابات الموالية، التي يلعب محتلو الملك العام دورا كبيرا في جعلها تضمن للأعضاء إعادة تحمل المسؤولية عن طريق الحصول على عضوية المجلس، لتتكرر نفس الممارسة، وليبقى السطو على الملك العام، ممارسة يومية، لمنعدمي الضمائر، ولابتزاز أصوات الناخبين، ولتكريس السيطرة على عضوية المجلس الجماعي المعني بحماية الملك العام الذي يحرم المواطن من استعماله عند الضرورة.من له الحق في استعمال الملك العام؟وانطلاقا من فهمنا للملك العام – كما حاولنا تحديده – يتبادر إلى ذهننا السؤال:من هم الأشخاص المعنيون باستغلال الملك العام؟إن طبيعة الملك العام، هي التي تحدد من له الحق في استغلال ذلك الملك. فالتلاميذ هم أصحاب الحق في استغلال المدرسة كملك عام. والطلبة هم أصحاب الحق في استغلال الجامعة، والمرضى هم أصحاب الحق في استغلال المستشفى ... ونظرا لأن هذه الأماكن العامة لا تكون إلا محروسة، وتحت مسؤولية جهات معينة، فإن السطو عليها، واحتلالها، أو إلحاقها بالملك الخاص، يكون من باب المستحيلات، إلا إذا تعلق الأمر بقيام الدولة، باعتبارها الوصية، والحارسة، والمسئولة المباشرة عنها، بخوصصتها، لتتحول إلى ملك خاص، اعتمادا على قوانين الخوصصة التي تقوم الدولة بوضعها لهذه الغاية.غير أن هناك أنواعا أخرى من الملك العام، التي لا تخضع لحراسة خاصة، وتقع مباشرة تحت مسؤولية السلطات المحلية، والمجالس الجماعية، وهي ما يصطلح على تسميتها بالأملاك المخزنية، أو الأملاك الجماعية. وهذه الأنواع هي التي تكون مستهدفة بالسطو:1) إما لأنها مجاورة للملك الخاص، فيعمل أصحاب ذلك الملك على إلحاقها به، لترتفع قيمة ذلك الملك الخاص، وينتقل مالكه من طبقة إلى أخرى، بسبب زيادة إيراداته، عن طريق استغلاله للملك العام، وليصير إلحاق الملك العام بالملك الخاص، وسيلة للتسلق الطبقي.2) أو لأن المستغل للملك العام، يمارس السطو عليه، ويحوله إلى ملك خاص، يستغله ليدر عليه المزيد من الدخل، الذي ينقله من طبقة إلى طبقة أخرى، تقوم على أساس استغلال الملك العام، الذي هو بدون وجه حق، فيحرم منه عامة الناس، الذين تدعوهم ضرورة الحاجة إلى استغلال ذلك الملك.3) وإما لأن ذلك الملك يزيد على الحاجة الاجتماعية. فتسمح السلطات المسؤولة، أو المجالس المحلية باستغلاله، لأسباب اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، فيعمل مستغلوه بحكم وضع اليد إلى تحويله إلى ملك خاص، ينقلهم من وضعية إلى وضعية أخرى، فيصيرون مصنفين إلى جانب الطبقات الوسطى، أو الطبقات العليا، لتجتمع في مثل هذه الحالة وسيلتان للتسلق الطبقي : العمالة، واستغلال الملك العام.4)أو لأن الملك العام مخصص، أصلا، ليكون رهن إشارة الأفراد، لإقامة منشآتهم الخاصة، بطريقة قانونية، ووفق مسطرة محددة، تضعها الجهة الوصية على الملك العام. وانطلاقا من هذا الواقع، فإن من له الحق في استغلال الملك العام، يتحدد حسب ذوي الحاجة، الآنية، إلى ذلك العام. فالطرقات يحتاج إليها مستعملو وسائل النقل المختلفة، ابتداء من باب السكن، وإلى ما لا نهاية. فلا يحق لأي كان، ومهما كان، أن يستغل الطرقات، حتى وإن كانوا من الفراشة الذين صاروا يحتلون الطرقات ببضائعهم التي تقدر بمآت الملايين، وأمام أنظار السلطات المحلية، وبموافقة المجالس الجماعية البلدية. كما هو الشأن بالنسبة إلي الفراشة، في جميع المدن المغربية، ليحرم السكان من إمكانية وصول السيارات إلى أبواب منازلهم، عندما يكونون في حاجة إليها. وقد يقضي بعضهم مرضا. لا لشيء، إلا لأن سيارة الإسعاف لا تستطيع أن تمر إلى بيته، بسبب احتلال الشارع الذي يؤدي إليه من قبل من يسمون أنفسهم بالفراشة، الذي يمكن أن يقيموا متاجر ضخمة، أو متوسطة، أو صغرى، وهم يقيمونها، فعلا، في أماكن أخرى من نفس الشارع، أو في شوارع أخرى، نظرا لكثرة البضائع المعروضة. بل إن احتلال الشارع، يجعل التواصل بين الأحياء ذات الكثافة السكانية، وبواسطة وسائل النقل المشروعة غير ممكنة.وجوانب الطرقات (الأرصفة) هي أماكن عامة مخصصة للراجلين، ولا يجوز لأي كان، حرمانهم من المرور منها، الأمر الذي صار مستحيلا في العديد من المدن المغربية، بما فيها مدينة ابن جرير، حيث تم إلحاق جميع الأرصفة بالأملاك الخاصة، وخاصة في شارع محمد الخامس، و شوارع أخرى. الأمر الذي يرغم الراجلين على استعمال الطرقات المخصصة لوسائل النقل، مما يعرض حياتهم لكافة الأخطار، بما فيها خطر الموت، كما حصل عدة مرات. والسلطات المسئولة لا تحرك ساكنا، والمواطنون البسطاء لا يملكون من أمرهم شيئا. ولا يستطيعون فعل أي شيء، والمجلس البلدي يشجع على ذلك الاحتلال، عن طريق التشجيع على خوصصة الأرصفة، التي تحولت إلى دكاكين، تدر على أصحابها دخلا مرتفعا.ومحطات السيارات تكون مخصصة لوقوف السيارات عند الحاجة إلى ذلك، ولا يحق لأي كان استغلالها في أمور أخرى. وهو ما لا يحصل على سبيل المثال بالعديد من الشوارع، حيث تم احتلال محطات وقوف السيارات من قبل المدعوين بالفراشة، مما يحرم السكان من أماكن وقوف سياراتهم، مما يضطرهم إلى إيقافها في أماكن أخرى، قد تصير مستهدفة فيها بالسرقة، أو بإتلاف محتوياتها.والحدائق العمومية مخصصة للترفيه، والترويح عن النفس، والتخلص من الحالة النفسية المزرية، التي يعاني منها الكثير من الناس، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، فيضطرون إلى زيارة الحدائق العمومية، التي تخفف من التوتر النفسي الذي يعانون منه. ولذلك فهي ملكهم في الظروف التي يرتادونها، للتمكن من تخفيف التوتر النفسي، فإذا غادروها لم تعد كذلك، لتصير لغيرهم ممن يعانون من نفس الوضعية، ولا يحق لأحد مهما كان، ومهما كانت الشروط التي ذكرنا، أن يستغلها لأغراض أخرى، فيسطو عليها، أو يلحقها بملكه الخاص.والمدارس، والجامعات، هي ملك لعموم التلاميذ، والطلبة أثناء دراستهم، فإذا زالوا عنها لم تعد كذلك، لتصير ملكا، لمن يأتي من بعدهم، إلى ما لا نهاية، ما لم تعمل الطبقة الحاكمة على خوصصتها، عن طريق تفويتها إلى الخواص، وتتحول الدراسة فيها إلى دراسة بمقابل يحصل عليه من يملك التصرف في تلك المؤسسة.والمستشفيات، وملحقاتها تكون ملكا للمرضى، أثناء الاستشفاء، ولا يحق لأي كان استغلالها لشيء آخر، غير استشفاء المريض، ما لم تقم الطبقة الحاكمة بخوصصة المستشفيات لتؤول ملكيتها إلى الخواص.غير أن من يشرف على هذه الأملاك العامة، يعمل على تسخيرها لخدمة أغراضه الخاصة، التي تساعده على تحقيق تطلعاته الطبقية، فكأنها ملك له، يفعل بها ما يشاء.ولذلك، لا مانع من القبول باحتلال الملك العام، وتحويله إلى ملك خاص، أو إلحاقه بالملك الخاص، ليصير جزءا منه، لجعل الجميع يقبل بخوصصة الملك العام، مادام يتعرض للنهب. وهذه الممارسة لا يمكن اعتبارها إلا شكلا من أشكال التربية على ممارسة خوصصة الملك العام، حتى لا نقوم بمحاسبة الطبقة الحاكمة، عندما تعمل على خوصصة المؤسسات العامة. وهذا النوع من التربية، لا يمكن اعتباره إلا تربية الجماهير على الممارسة الانتهازية، التي تؤدي في نهاية المطاف إلى انعدام الحس الجمعي، الذي يقف وراء تفضيل المصلحة العامة على الخاصة، فيتحول الأمر إلى تفضيل المصلحة الخاصة على العامة، لتضيع الملكية العامة في خضم كل ذلك.هل يمكن أن يبقى الملك العام حقا للناس جميعا؟ الملك العام، إنما نتكلم عن ما هو حق لجميع أفرادإننا عندما نتكلم عن المجتمع، ينالون منه حاجتهم الضرورية، التي تتحول إلى ملكية فردية، يتصرف فيها المالك كيفما يشاء. ومن أجل استكمال الاستقلال الذاتي عن جميع أفراد المجتمع، بناء على مسطرة قانونية معينة، صادرة عن مجلس تشريعي منتخب انتخابا حرا، ونزيها، في إطار دستور ديمقراطي من الشعب، وإلى الشعب، وبإشراف حكومة منبثقة عن أغلبية ذلك المجلس، تكون مهمتها حماية مصالح الشعب المغربي، وتطبيق التشريعات المصادق عليها في المجالس التشريعية، وحماية الملك العام، الذي هو ملك للشعب، من النهب، ومن التفويت غير المشروع.ولذلك، فإن المفروض أن يبقى الملك العام ملكا للناس جميعا، ما داموا ينتمون إلى نفس الدولة، ومهما كان جنسهم، أو لونهم، أو عقيدتهم، أو لغتهم، من أجل ضمان حماية الانتماء الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي إلى الوطن، وإلى الإنسان، ومهما كان هذا الإنسان، مادام يعيش على نفس الأرض، وسعيا إلى إنضاج شروط النظام الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، الذي يضمن لعامة الناس تمتعهم بكافة الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وفي إطار دولة الحق، والقانون.فالشعور بالحق العام، في الملك العام، يعتبر ضرورة أساسية، لجعل ذلك الملك موحدا، وموطدا للعلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعاملا على تذليل صعاب قيام حركة اقتصادية، واجتماعية، تساهم في إحداث تحول اجتماعي إلى الأحسن. ودون وجود عراقيل تذكر، مادام هناك من يعمل على حماية الملك العام من الاحتلال المدبر، أو من الإلحاق بالملك الخاص.غير أن هذا الملك العام، وبحكم إلحاحه، وبعيدا عن الأماكن العامة، التي يحتاج إليها الناس في الاستعمال اليومي، كل حسب حاجته، قد يتحول إلى ملك:1) لجماعة معينة، تقوم بتدبيره فيما يخدم مصلحة الجماعة، ومن أجل تمكين الجماعات المحلية من المساهمة الفعالة في التنمية المحلية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما له علاقة بالحياة اليومية للمواطنين المقيمين في الملك العام، المرتبط بجماعة معينة، حتى تتغير أحوالهم، ويتطورون انطلاقا من التطور الحاصل في التشكيلة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية العامة، ومن تطور نفس التشكيلة الجماعية، ليصير الملك العام الجماعي الخاص ملكا لجميع المقيمين على الجماعة، وفي خدمة مصالحهم المختلفة، وتحت مراقبة المجلس الجماعي.2) لجمعية معينة، إذا كانت، تلك الجمعية، تخدم الصالح العام، من أجل تمكينها من الوسائل الضرورية لقيامها بدور تنموي لصالح المعنيين بتنوع التنمية، التي تقوم بها الجمعية. بشرط أن يكون مسئولو الجمعية، ممن ينالون الثقة العامة، و الثقة الخاصة، وممن لم يثبت في حقهم قيامهم بالدور اللازم، لإبطال تلك الثقة، أو التشكيك فيها، حتى تكون تلك الثقة محط اهتمام بالجمعية، وبما تقوم به، حتى يتوفر لها المناخ المناسب للقيام بدورها كاملا، في تطوير الواقع، في مجال اهتمام الجمعية التنموي.واشتراط الثقة في الأشخاص، يعتبر ضروريا، لأنه يوجد من ينشئ جمعيات تنموية من أجل استغلالها للتلاعب بالأموال، التي ترصد للمشاريع التنموية التي تقترحها. الأمر الذي يسيء للعمل الجمعوي / التنموي. فتتحول الجمعيات التنموية إلى مجرد ممارسة انتهازية، تهدف إلى خدمة مصالح أعضاء مكتب الجمعية، الذين يتخصصون في عملية السطو على أموال المشروعات، باعتبارها ملكا عاما، كما هو حاصل على المستوىالوطني.3) لشركة معينة، نظرا لدور الشركة، أي شركة، عامة، أو خاصة، في تشغيل الناس، وفي إغناء الاقتصاد الوطني، وفي المساهمة في تحريك، وتطوير التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية، بتحويلها من تشكيلة زراعية، إلى تشكيلة صناعية أكثر تطورا. غير أن ما يحال على الشركات من الملك العام، يجب أن يبقى محسوبا على الملك العام، حتى لا يحول لخدمة أهداف أخرى، غير أهداف إقامة المؤسسات الإنتاجية، والخدماتية العامة، والخاصة، التي تكون في خدمة المجتمع، وتساهم في تطوره، وتطويره، وحتى لا يتصرف فيه مالك الشركة، في حالة انتهاء قيامها بإنهاء وجودها.4) للخواص، قصد استغلاله لمدة معينة، ولغرض محدد، وفق عقد محدد، وموثق، يتخلى بموجبه الخواص عن الملك العام، وعودة ذلك الملك إلى أصله، حتى لا يصير ملكا للخواص، فيحرم منه من هو في حاجة إليه، ولغاية محددة.ويمكن أن يتحول الملك العام إلى ملك خاص، وبصفة مستمرة، في حالة الحاجة إلى بقع أرضية يقيم عليها ذووا الحاجة مساكنهم، أو دكاكينهم، أو أي شيء آخر، كالمحال التجارية، مما يدخل في إطار التنمية الاجتماعية، والاقتصادية. وهذا النوع من الملكية، يكون مشروعا، ومقبولا، وعنوانا للمواطنة الحقة، التي يصير فيها الملك العام، في خدمة الملك الخاص، والملك الخاص في خدمة الملك العام، حسب الحاجة المتبادلة بين الملك العام، والملك الخاص. فإذا لم تكن تلك الحاجة قائمة، فإن تحويل الملك العام إلى ملك للخواص، يجب إن يدخل في إطار العمل الذي تجب محاربته بكل الوسائل، بما في ذلك القانونية، حتى لا يصير الملك العام مستهدفا من قبل الخواص، الذين تقوم ثرواتهم الهائلة، على حساب نهب الملك العام، كما هو حاصل في جميع أنحاء المغرب، وبدون وجه حق، وبدون تحريك المسطرة التي يفترض فيها حماية ذلك الملك من الاحتلال، أو الضم إلى الملك الخاص.لماذا يحرص المسؤولون على جعل الملك العام في خدمة الملك الخاص؟وبوقوفنا على أحقية جميع الناس في الملك العام، لحظة الحاجة إليه، بصفة مؤقتة، أو دائمة. نجد أن العكس هو الذي يحصل، فمعظم من يستغل الملك العام، هم من الذين لا يستحقون التصرف في الملك العام، من أجل مضاعفة الدخل المؤدي إلى الزيادة في سرعة التسلق الطبقي. وهؤلاء المستغلون للملك العام. هم إما:1) مسئولون محليون، أو إقليميون، أو جهويون، يستغلون نفوذهم في احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، ليزداد ثراء هؤلاء الذين يتحولون، وبالسرعة الفائقة، إلى بورجوازيين كبارا، تتكدس لديهم الثروات الهائلة، التي توجد في حوزتهم، والتي لا توظف لإنشاء مشاريع اقتصادية منتجة، تساهم في الحد من العطالة المتفاقمة، بل إن هؤلاء يجمدون تلك الثروات في الحسابات البنكية، خارج المغرب، أو داخله، وفي أسماء القريبات، والأقارب، أو في العقارات بأسماء القريبات، والأقارب، والزوجات، والأولاد، والأحفاد الذين ولدوا، والذين لم يولدوا بعد، وإذا ولدوا توضع في أفواههم ملاعق من ذهب. وبورجوازية من هذا النوع هي بورجوازية لقيطة، ومتعفنة، وبورجوازية الاستهلاك، والنهب، والسطو على الأملاك العامة، والتحايل على نهب المداخيل، والمدخرات العامة، على حساب المزيد من تعميق إفقار أبناء الشعب، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.2) أو عملاء مسئولي السلطات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، الذين تقدم لهم امتيازات، بدون حساب، لعمالتهم، ولاستعدادهم لتقديم الخدمات الضرورية، المساعدة لمسئولي السلطات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، على التسريع بالتسلق الطبقي، ومن الامتيازات التي تقدم لهؤلاء، تمكينهم من السيطرة على الملك العام، عن طريق احتلاله، من أجل استغلاله، أو عن طريق إلحاقه، وبصفة نهائية، بأملاكهم الخاصة، لتتسع دائرة عقاراتهم، إلى ما لا نهاية. وهؤلاء العملاء، من المساهمين في تشكيل البورجوازية المتعفنة، التي لا تعرف إلا الاستهلاك، ولا توظف ما تراكم لديها من الأموال الخاصة في المشاريع الإنتاجية، بقدر ما تجمدها في العقارات، أو في الحسابات البنكية، الداخلية، أو الخارجية، الأمر الذي يترتب عنه تعميق تخلف المجتمع، وزيادة إفقار كادحيه، الذين لا يقوون على استيعاب حقهم في الملك العام.3) أو مسئولو الجماعات المحلية، الذين يعملون على استغلال الموارد الجماعية، باعتبارها ملكا جماعيا عاما، عن طريق التلاعب في المداخيل، والمصاريف الجماعية، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، التي تصنف مسئولي الجماعات المحلية، إلى جانب الطبقات الحاكمة، والمستفيدة من الاستغلال الهمجي للجماعات المحلية، وجماهيرها الشعبية الكادحة، لأن مسئولي الجماعات المحلية، الذين يصلون إلى المسئوليات، لا يصلون إليها في إطار الممارسة الديمقراطية الحقيقية، ولا يتحملون المسؤولية من أجل خدمة مصالح المواطنين الآنية، ولا يعملون على التأسيس لخدمة المصالح المستقبلية ... بل إن وصولهم إلى المسؤوليات، قائم، في الأصل، على عقلية نهب الموارد الجماعية، واحتلال الملك العام، أو العمل على إلحاقه بالملك الخاص. وفي الحالتين معا، فإن خدمة مصالح سكان الجماعة يبقى غير وارد. والتصنيف إلى جانب البورجوازية الكبرى يبقى هو الهدف، ليس إلا.4) عملاء المسؤولين الجماعيين، الذين يتزلفون أبوابهم، من أجل النيل من فتات الموائد، على مدى عمر المسؤولية الجماعية. وفي أفق أن ينالوا من عطاءاتهم، ومن بعض امتيازاتهم، التي يأتي في إطارها لجوء هؤلاء العملاء إلى احتلال الملك العام، أو إلحاقه بأملاكهم الخاصة، ليتحولوا، مع مرور الأيام، إلى ديناصورات جماعية، قادرة على الانخراط، مستقبلا، بما نهبته من ثروات، عن طريق احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، في المنافسة، من أجل تحمل المسؤولية الجماعية، لمضاعفة احتلالهم للملك العام، أو مضاعفة إلحاقهم للملك العام بأملاكهم الخاصة، ليتصنفوا، هم بدورهم، إلى جانب الطبقة الحاكمة، من أجل امتلاك التصرف المطلق، في رقاب الناس، وممتلكاتهم، باعتبارهم ملكا عاما.5) البورجوازية، باعتبارها من مكونات الطبقة الحاكمة، التي يوضع الملك العام، في مستوياته المختلفة، رهن إشارتها. فهذه البورجوازية تحتل الملك العام، أو تلحقه بأملاكها الخاصة، بمساعدة أجهزة السلطات المحلية، ومسئولي الجماعات البلدية، أو القروية، وتحت حمايتهم، وبمباركتهم، حتى يزداد ثراء هذه البورجوازية، التي تغدق عطاءاتها، بدون حدود، على مسئولي السلطات، في مستوياتهم المختلفة، وعلى مسئولي الجماعات المحلية، والإقليمية، والجهوية، نظرا للفساد الإداري، الذي يتخلل نسيج الإدارات العمومية، والإدارات الجماعية.وكنتيجة للاحتلال، والإلحاق، اللذين تمارسهما البورجوازية المغربية المتخلفة، فيما يخص الملك العام، فإن هذه البورجوازية تركب جميع الطرق المؤدية إلى تحويل الملك العام إلى ملك خاص، وعلى مرأى، ومسمع، من أصحاب الحق، في ذلك الملك.6) الإقطاع، والإقطاع المتبرجز، القائم أصلا على نهب الملك العام، منذ عهد الاستقلال، مما يجعل هذه الطبقة الهجينة، والمتخلفة، تتعود على نهب الملك العام، الذي يحرم منه من لهم الحق في استعماله، الأمر الذي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى المزيد من إغناء الأغنياء، وتعميق إفقار المحرومين، والكادحين، الذين تنهب قوة عملهم، وبأجور زهيدة، لا تسمن، ولا تغني من جوع، كما يقولون.وهذه الفئات المستفيدة من احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، هي فئات طفيلية متخلفة، تقف وراء هذا التخلف الهائل، والعميق الذي يعاني منه الشعب المغربي، على مدى عقود الاحتلال الأجنبي للمغرب، وعلى مدى عقود الاستقلال، على حد سواء، نظرا لاستمرار هؤلاء في عملية نهب الملك العام باحتلاله، أو إلحاقه بالملك الخاص، مما جعلهم يستمرون في مضاعفة ثرائهم، بسبب الفهم المغلوط للاستقلال، الذي لا يعني إلا التكامل الناتج عن التمتع بالحرية، حرية الأرض، والإنسان، والديمقراطية الضامنة لقيام دولة الحق، والقانون، والعدالة الاجتماعية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.وبالنسبة لمدينة ابن جرير، التي كتب عليها أن تعيش بؤس التخلف الاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، والاقتصادي، في ظل تنامي ديناصورات استغلال الملك العام. نجد أن نفس فئات استغلال الملك العام على المستوى الوطني، هي نفسها المتجسدة على المستوى المحلي.فالمسئولون المحليون، والإقليميون، والجهويون، على مدى سنوات الاحتلال الأجنبي، وفي عهد الاستقلال، ساهموا بشكل كبير، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، في احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة، مما جعل العديد منهم يغادر منطقة الرحامنة، وعاصمتها ابن جرير، وهو مصنف، إلى جانب كبار البورجوازيين، والإقطاعيين.والمسئولون الجماعيون يتحولون، وبقدرة قادر، كما يقولون، إلى إقطاعيين، أو بورجوازيين كبار، إلى درجة أن معظم من يعرف بثرائه الفاحش في منطقة الرحامنة، كان مسئولا جماعيا، أو من سلالة المسئولين الجماعيين، أو مساهما بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، في تلك المسئولية.و عملاء مسئولي السلطات المحلية، أو عملاء المسؤولين الجماعيين، حصلوا على امتيازات خاصة من خلال احتلال الملك العام، أو إلحاقهم بممتلكاتهم الخاصة، مما جعلهم يتصدرون الإقطاعيين، والبورجوازيين على مستوى منطقة الرحامنة، الأمر حول العمالة إلى وسيلة أساسية، للتمكن من التسلق الطبقي، من أجل التصنيف إلى جانب البورجوازيين الكبار على المستوى الوطني. وهو ما دفع الكثير من الشباب، إلى اقتفاء أثر أولئك العملاء، والتمرس على ممارسة العمالة، تجاه مسئولي السلطات، مهما كان مستواهم بسيطا، من أجل النيل من الامتيازات المقدمة –عادة- إلى العملاء.والبورجوازية المحلية على مستوى منطقة الرحامنة، تكاد تكون صاحبة الأمر، والنهي، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة، فتمارس السطو على الملك العام، أو تلحقه بممتلكاتها، ولا أحد يستطيع أن يتكلم، بفعل السياسة التي تمارسها البورجوازية على الجميع، وبفعل تحكمها في دواليب اقتصاد المنطقة.ونفس النهج يسلكه الإقطاع، والإقطاع المتبرجز، الذي يصول، ويجول في منطقة الرحامنة، متحديا القوانين، والأعراف، ومسيطرا على الملك العام، الذي يتحول، بإرادة الإقطاعيين، إلى ملك خاص. وهذا التهافت على الملك العام من قبل هذه الفئات، هو الذي شجع شرائح، بأكملها، على استغلال الملك العام، واحتلاله، والتعامل معه كملك خاص، يمتد إلى احتلال الطرقات العامة، وحرمان السكان من التواصل مع المحيط، والراجلين من استعمال الأرصفة، التي تصير مغطاة بالبضائع، أو متحولة إلى دكاكين، وعلى مرأى من مسئولي السلطات المحلية، ومسئولي الجماعات المحلية، ودون تحريك أي ساكن، بدعوى الحفاظ على الأمن العام، الذي لم يعد قائما، بالنسبة للمواطن العادي، الذي صار محروما من مجموعة من الحقوق، بسبب الاحتلال المدبر للملك العام، في ظل الاختيارات الرأسمالية التبعية، التي يعمل، بموجبها، التحالف الإقطاعي، البورجوازي المتخلف. مما ينعكس سلبا على مستقبل الكادحين، الذين يخضعون بقوة الواقع، وبحكم الاختيارات القائمة، إلى الاستغلال الهمجي.وانطلاقا مما رأينا، فإن حرص بعض المسؤولين السلطويين، أو الجماعيين، على جعل الملك العام في خدمة الملك الخاص، يدخل في إطار تكريس الاختيارات الرأسمالية التبعية، الهادفة إلى خوصصة كل ما هو عام، وجعل الملك الخاص هو السائد في جميع المجالات، التي عرفت بتقديم الخدمات العامة للمواطنين، والسعي إلى رفع مستوى الملك الخاص، لبيان نجاعته، ودوره في إحداث تراكم اقتصادي معين لدى الخواص، الذين قد يوكل إليهم القيام بدور معين، مستقبلا، بالنسبة للمغرب، وعلى المستوى الوطني، وبالنسبة للجماعات على المستوى المحلي. وكأن المغرب غير مرتبط بالمؤسسات المالية الدولية، وغير خاضع لتوجيهات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، وكأن الشركات العابرة للقارات، لم تعد متحكمة في القطاعات الاقتصادية الوطنية. ولذلك، فهذا الحرص في غير محله، وهو مجانب لما يجب أن يكون.ما هي الفوائد التي تجنيها الخزينة العامة من استغلال الملك العام لصالح الملك الخاص؟وإذا سلمنا بما قام به مسئولو السلطات خلال عهد الاحتلال الأجنبي للمغرب، وخلال عقود استقلال المغرب، وسلمنا بما قام به العملاء المتزلفون للامتيازات المختلفة، التي تمكنهم من التسلق الطبقي، فإن المفروض أن ينعكس ذلك، إيجابا، على إيرادات خزينة الدولة، مما يجعلنا نلجأ إلى طرح السؤال:ما هي الفوائد التي جنتها، وتجنيها الخزينة العامة من استغلال الملك العام المحتل، أوالملحق بالملك الخاص؟إننا عندما نطرح السؤال أعلاه، لا نطرحه هكذا جزافا، بل لأن السياق يفرض طرحه، خاصة، وأننا في طول المغرب، وعرضه، من السعيدية إلى الكويرة، ومن طنجة إلى اسمارة، نجد أن الملك العام يخضع للاستغلال المكثف، تارة بطرق مشروعة، وتارة أخرى بطرق غير مشروعة. فالاستغلال المشروع للملك العام هو الضامن لتنظيم إيرادات الخزينة، إذا كان المشرفون على تلك الإيرادات يتحلون بنظافة اليد، وبالإخلاص لهذا الوطن، وبالحرص على تقدمه، وتطوره، ويخضعون للرقابة النظيفة، التي تفرض التدقيق في حسابات إيرادات الخزينة، باعتبار تلك الإيرادات ملكا عاما، وباعتبار الخزينة العامة إطارا لحماية ذلك الملك العام من النهب.أما الاستغلال غير المشروع للملك العام، فهو، في الأصل، تهرب من أداء واجب الخزينة العامة، من منطلق أن مستغلي العام، بطرق غير مشروعة، متمرسون على النهب، ولا يعقل أن يقروا بما يجب عليهم، تجاه الخزينة العامة، كنتيجة لذلك الاستغلال. لأن الإقرار، في حد ذاته، هو إقرار باحتلالهم للملك العام، أو إقرار بإلحاقه بممتلكاتهم الخاصة، وهو إقرار يقتضي افتقاد الغاية من استغلال الملك العام، التي تدخل في إطار تحقيق التسلق الطبقي، الذي هو المبرر لاحتلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص.ولذلك، فإيرادات الخزينة العامة، من الاستغلال غير المشروع للملك العام، يكاد يكون منعدما، لتناقض الإقرار بوجوب أداء مستحقات الخزينة العامة، مع الغاية من استغلال الملك العام.وإذا أضفنا إلى ذلك، أن المشرفين على تنظيم إيرادات الخزينة العامة، هم أيضا يعملون على نهب الملك العام، المتمثل في تلك الإيرادات، التي تذهب سدى، بسبب تلقيهم للرشاوى الباهظة من مستغلي الملك العام، من أجل تجنب فرض أدائهم لواجب الخزينة العامة. و هو ما يعني أن جهاز الإشراف على جباية واجب الخزانة العامة مريض بالفساد الإداري، ولا يتميز عن غيره من الأجهزة الإدارية الفاسدة إلا بكونه يملك حق جباية الأموال التي تدخل في إطار الملك العام الذي يعمل هو على نهبه، كما يحصل في مختلف الأسواق المغربية، وكما يحصل باستمرار في السوق الأسبوعي بابن جرير، وفي مختلف الأسواق اليومية المقامة على أراضي الملك العام بمدينة ابن جرير.فغياب استفادة الخزينة العامة من الاستغلال غير المشروع للملك العام يرجع إلى:1) غياب ديمقراطية حقيقية، وبمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وبسبب انعدام وجود دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب.2) انتشار البطالة بسبب غياب تنمية حقيقية، اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، تستهدف تصنيع البلاد تصنيعا شاملا، وتطوير الخدمات الاجتماعية، وتكثيف المؤسسات الثقافية العاملة على نشر القيم النبيلة في صفوف أبناء الشعب المغربي.وغياب التنمية الحقيقية، يرجع إلى سيادة الاختيارات الرأسمالية التبعية، الخاضعة لتوجيهات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الأخرى، الساعية إلى جعل المجال المغربي حكرا على الشركات العابرة للقارات، الناهبة للخيرات المادية، والمعنوية للشعب المغربي.3) تزوير إرادة الشعب المغربي في مختلف المحطات الانتخابية، مما يجعل المؤسسات الجماعية حكرا على التحالف البورجوازي/ الإقطاعي، الذي يستطيع شراء الذمم، ودفع الأتاوات، من أجل تمكينه من الوصول إلى المسؤوليات الجماعية، التي تستغل لتكريس احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالأملاك الخاصة، والتحايل على تفويت إيراداته المختلفة، باسم المسؤولية الجماعية، وبسبب اختلاف المشاريع الوهمية، ومناصب القريبات، والأقارب، التي تسند بعيدا عن إجراء مباريات تمكن المتبارين من إمكانية الوصول إلى تلك المناصب الشاغرة، أو المستحدثة، على أساس تكافؤ الفرص.4) خلق جيش من العملاء، والجواسيس، الذين يعطاهم امتياز استغلال الملك العام، بدون موجب حق، ولا يطالبون بأداء مستحقات الخزينة العامة، مقابل قيامهم بتتبع حركات، وسكنات المواطنين، والتضييق عليهم، والعمل على حرمانهم من ممارستهم لحرياتهم العامة: السياسية، والنقابية، وإيهامهم بأن العمالة للسلطة، وللمسئولين الجماعيين، تمكن من التسريع بتحقيق التسلق الطبقي.5) انتشار الفساد الإداري، و سيادة المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، في مختلف المؤسسات الإدارية الأخرى، مما يؤدي إلى تمكين مستغلي الملك العام، من التخلص من التفكير في أداء واجب الخزينة العامة، في الوقت الذي يسلم معظمه، أو بعضه، أو ضعفه، رشوة إلى المسؤولين في مستوياتهم المختلفة، وفي مختلف الإدارات.6) انعدام التربية الحقوقية، في النسيج الاجتماعي، مما يجعل المسلكية العامة، محكومة بالاستغلال الهمجي لكل شيء، بما في ذلك استغلال الملك العام. وهذا الانعدام تتحمل مسؤوليته الطبقة الحاكمة، والأحزاب التاريخية التي انعدم دورها التاريخي، والتي تخلت عن مبادئها، وعن القيم النضالية النبيلة، التي كانت تسعى إلى تحقيقها، مقابل الارتماء بين أحضان الطبقة الحاكمة، والشروع مباشرة في تكريس كل أشكال الفساد الإداري، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما ينعكس سلبا على واقع الملك العام، الذي يستمر نهبه، واستغلاله بدون موجب حق، بالإضافة إلى مسئولية الأحزاب الإدارية، التي عملت الطبقة الحاكمة على فبركتها، من أجل الوصول إلى تحقيق تكريس الاستبداد، في مستوياته المختلفة، بمصير الشعب المغربي، وبالملك العام، الذي يصير حكرا على من يستغل نفوذا، أو من يصير عميلا لمن يستغل نفوذا.7) غياب قيام دولة الحق، والقانون، التي تحرص على قيام دستور ديمقراطي متلائم مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتعمل على ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والعمل على أجرأتها على أرض الواقع.و غياب دولة الحق، والقانون، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة. وهذه النتيجة هي هذا التهافت اللامتناهي على احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، أو استغلاله بدون موجب حق، وأمام أعين مسئولي السلطات المحلية، ومسئولي الجماعات المحلية.فما العمل من أجل جعل الملك العام في خدمة تنمية إيرادات الخزينة العامة؟إن عمق المشكل القائم، هو عمق قائم في الاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، وهو عمق لا يمكن أن ينتج إلا المتطفلين على الملك العام، المحتلين له، والملحقين له بأملاكهم الخاصة. وهذا العمق، لا يمكن أن ننتظر منه أن يساهم في إيرادات الخزينة العامة، ولا أن يغذيها، أو يرفع من قيمتها، بقدر ما يؤدي إلى استنزاف ما هو متوفر فيها. وهو ما يقتضي ضرورة إعادة النظر في تلك الاختيارات، من أجل أن تتحول إلى اختيارات ديمقراطية شعبية، وفي أفق صيرورتها كذلك، لابد من:1) العمل على قيام ديمقراطية حقيقية، من الشعب، وإلى الشعب، الذي يجب أن يتمتع بكامل السيادة على نفسه، انطلاقا من دستور ديمقراطي يضمن تلك السيادة. 2) ضمان قيام تنمية حقيقية: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، تساهم في التخفيف من حدة البطالة، والبطالة المقنعة، في أفق القضاء عليها بصفة نهائية.3) إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تعكس احترام إرادة المواطنين، وتكون في خدمتهم.4) ترشيد مسلكيات الإدارة العامة، وفي جميع قطاعات الدولة، والقيام بحملات إعلامية لتوعية المواطنين بخطورة الفساد الإداري على مستقبل البلاد، وعلى مستقبل الأجيال، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل الحد من الآثار السيئة لذلك الفساد.5) تفعيل القوانين الزجرية المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، من أجل ردع الراشين، والمرتشين، والممارسين للفساد الإداري بأشكاله المختلفة، ومن أجل وضع حد للمحسوبية، والزبونية، وغير ذلك، مما هو متعارف عليه في الإدارة العامة، وفي إدارات القطاع الخاص.6) إنشاء هيأة وطنية تتفرع عنها هيئات جهوية، وإقليمية، ومحلية، على مستوى كل جماعة على حدة، تكون مهمتها مراقبة، وتتبع استغلال الملك العام، على أن تتشكل تلك الهيأة من ممثلي الإدارات المختلفة للدولة، وممثلي الأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات الحقوقية، والتنموية، والثقافية، من أجل أن تساهم تلك الهيأة في ضبط الملك العام، وحمايته، وترشيد استغلاله، حتى تضمن السيولة اللازمة لخزينة الدولة، وحتى تمكن ذوي الحق من الاستفادة من الملك العام، لضمان إمكانية استفادتهم المناسبة لهم.وبتتبع هذه الخطوات، وغيرها، مما يمكن اعتماده في ضبط، وحماية، واستغلال الملك العام الإيجابي، يمكن القول: بأن الإرادة السياسية، تلعب دورا كبيرا في هذا الاتجاه، إذا توفرت. وإلا فإن الملك العام سيبقى مستهدفا من قبل من لا ضمير لهم، ممن وقفوا، وخلال عقود بأكملها، وراء النهب الممنهج للملك العام، عن طريق احتلاله، أو إلحاقه بالملك الخاص، أو استغلاله اقتصاديا، أو اجتماعيا، أو ثقافيا ... واعتماده وسيلة أساسية تمكن، وبسرعة، من التسلق الطبقي. وهو ما يجب العمل على تجنبه، ومحاربته، والقضاء عليه، في حالة وجوده، من أجل ضمان استفادة الخزينة العامة من استغلال الملك العام.هل يمكن أن نعتبر أن من حق الشعب المغربي مقاضاة الأشخاص، والهيئات، والشركات الممارسة للسطو على الملك العام؟وإننا عندما ننطلق من أننا نعيش في واقع، من أهم سماته، سيادة الاستبداد، والتخلف، والاختيارات اللا شعبية واللا ديمقراطية على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وغياب دستور ديمقراطي من الشعب، وإلى الشعب، وغياب العمل على إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، وانعدام وجود مؤسسات تمثيلية، تعكس إرادة الشعب المغربي، وعدم العمل على ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية، و غياب قضاء مستقل، ونزيه، لا يخشى في الله لومة لائم؛ فإننا نجد أن إمكانية رفع دعوى قضائية ضد من يحتلون الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، من قبل الشعب المغربي، تكون غير واردة لما ذكرنا، وللاعتبارات الآتية:الاعتبار الأول: أن الشعب المغربي، الذي يعد بعشرات الملايين، لا يمكن أن يتوجه كله لتسجيل دعوى فردية، ضد محتلي الملك العام، أو ملحقيه بأملاكهم الخاصة، من أجل استغلاله استغلالا همجيا، بدون موجب حق، لأن تسجيل تلك الدعاوى، سيستغرق سنوات طويلة، وسيكلف المغاربة مئات الملايير، وسيستغرق البث في تلك الدعاوى عشرات السنوات. مما يجعل رفع الدعاوى من هذا النوع من باب المستحيلات.والاعتبار الثاني: أن المفترض في القضاء أن يكون مستقلا، وأن الاستقلالية تقتضي الوقوف إلى جانب الشعب، والحكم بتجريم احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالأملاك الخاصة، والقضاء بضرورة إخلائه من قبل محتليه، ومنع إلحاقه بالممتلكات العامة. وما دام القضاء غير مستقل، فإن الوقوف إلى جانب الشعب المغربي، سيكون غير وارد.والاعتبار الثالث: إن استغلال الملك العام، والسماح به، من قبل السلطات: وطنيا، ومحليا، يدخل في إطار شغل العاطلين، والمعطلين، بالعمل على احتلال الأملاك العامة في التجارة المهمشة، التي لا قيمة لها، إلا من باب كونها تجعل العاطلين، والمعطلين على السواء، يحلمون بتغيير أوضاعهم المادية، والمعنوية، وانطلاقا من ممارسة غير مشروعة، وغير منطقية، لوقوفها في إحداث خلل اقتصادي هائل، لكون عمل من هذا النوع غير محسوب، وغير معروف، لكونه يدخل في إطار الاقتصاد غير المنظم، كما هو الشأن بالنسبة لممارسي السرقة، وتجار المخدرات، وتجار قطع الغيار المستعملة، وتجار "الشانطا"، وغيرهم من الفئات التي لا تستطيع الدولة إحصاءهم، أو معرفة قيمة ما يروجونه، وإخضاعه للضريبة العامة، والضريبة على القيمة المضافة.والسماح بذلك لا يعني، بالنسبة إلينا، إلا شيئا واحدا. وهذا الشيء هو اعتبار احتلال الملك العام بمثابة إحداث مناصب للتشغيل، حتى يتزايد عدد المشتغلين بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة. ليحسب للمسئولين محاربتهم للبطالة، والإكثار من العملاء؛ لأن من يستغل الملك العام لا يمكن أن يكون كذلك، إذا لم يكن من عملاء السلطات المحلية، أو مكتب المجلس البلدي، أو القروي.وبناء على هذا الاعتبار، فإن إمكانية القبول برفع الدعاوى أمام القضاء، من قبل أفراد الشعب المغربي، تكون غير واردة؛ لأن دعاوى من هذا النوع قد تجر الضرر على أصحابها، وقد تجعلهم معرضين لكافة الأخطار، نظرا للأسباب، والاعتبارات التي ذكرنا، ونظرا للتجربة التي عاشها المغاربة قبل الاستقلال، وبعده في هذا الإطار.وحتى تتم تعبئة الشعب المغربي لخوض المعارك اللازمة في هذا الاتجاه، فقد عملت العديد من الجمعيات الحقوقية، إلى جانب جمعيات تم إنشاؤها لهذا الغرض، على توعية الناس بضرورة محاربة نهب المال العام، والملك العام جزء من ذلك المال العام.وحركة الجمعيات المهتمة بنهب المال العام، لازالت في بدايتها، ولازال الناس لم ينخرطوا بعد في مناهضة عملية نهب المال العام، ولازال الوعي بخطورة هذا النهب على مستقبل الشعب المغربي متخلفا، ولازالت الشرائح المستفيدة من احتلال الملك العام تتسع، ومازالت المصالح تتعمق، ومازالت السلطات المسئولة تلعب دورا أساسيا في عملية احتلال الملك العام، لإبعاد شرائح عريضة من المنتفعين، من الانخراط في النضال ضد النهب الذي يتعرض له المال العام، لتحولهم، وبإرادة من السلطة، إلى جزء لا يتجزأ من ناهبي المال العام، حتى وإن كانوا من الباعة المتجولين، أو من الفراشة الدائمين، أو المؤقتين.ولجعل المجتمع يعي خطورة احتلال الملك العام على مستقبله، فإن على الأحزاب التقدمية، والديمقراطية، وعلى النقابات المبدئية، وعلى الجمعيات الجادة، والملتزمة بقضايا الجماهير، أن تعمل، وبشكل جماعي، على الانخراط في عملية مقاومة احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة، حتى يسود الوعي بين أفراد المجتمع، من أجل أن يصير الانخراط في تلك المقاومة عاما، وشاملا، ومن أجل ترسيخ ضرورة قيام القضاء بدوره اللازم، في حماية ذلك الملك. ومساهمة من هذا النوع لا يمكن أن تتم إلا في إطار قيام جبهة وطنية، بعمق محلي، من أجل العمل على استعادة الملك العام إلى الشعب، ومهما كان ذلك الملك بسيطا.وبما أن قيام عمل جبهوي لازالت بعيدا عن الترسيخ بين التنظيمات الحزبية، والنقابية، والجمعوية، والحقوقية، مما جعل أمر مقاضاة المحتلين للملك العام، والمنتفعين منه، بدون موجب حق، غير وارد في الشروط القائمة، ليبقى الملك العام محتلا ، أو ملحقا بالأملاك الخاصة.فهل تتحرك الأحزاب في هذا الاتجاه؟هل تعمل النقابات على ضم المطالبة باحترام الملك العام إلى الملف المطلبي؟هل تعتبر احترامه الجمعيات الحقوقية من المطالب الحقوقية، التي يجب احترامها من الجميع، باعتبار الملك العام ملكا للمجتمع ككل؟وهل تعتمده الجمعيات الثقافية منطلقا لإشاعة قيم احترام الملك العام؟إننا أمام معضلة قائمة في الواقع، تستدعي منا العمل بشكل مكثف، من أجل فرض احترام الملك العام، وسعيا إلى قطع الطريق أمام استباحة احتلاله، أو ضمه إلى الممتلكات الخاصة، وخلق المزيد من العملاء، الذين يلعبون دورا كبيرا في إعاقة التطور على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وهذه المهمة لا يمكن أن تكون إلا جماعية، ومجتمعية، وحزبية، ونقابية، وحقوقية، وإنسانية، ومهمة الدولة، وما يتبعها من مؤسسات وطنية، وجهوية، وإقليمية، ومحلية.و ما قلناه على المستوى الوطني، ينسحب على مدينة ابن جرير، حيث نجد أن الاعتبارات التي أشرنا إليها، تحضر بكثافة في هذه المدينة، حيث تتهافت جميع الشرائح الاجتماعية، على احتلال الملك العام، واستغلاله بطريقة غير مشروعة، وحيث يتحول كل من يحتل الملك العام، أو يستغل ولو جزءا يسيرا منه، إلى عميل للجهات المسؤولة في السلطة، أو في مكتب المجلس البلدي، حتى يتم غض الطرف عن احتلاله للملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، إلى درجة الاعتقاد بضرورة ترسيم ذلك الاحتلال، أو الإلحاق، الذي يعتبر مجرد لبنة في أفق المزيد من احتلال الملك العام، أو المزيد من الإلحاق، الذي يقف وراء الحصول على المزيد من الثروات.فهل يستمر هذا الوضع الذي يقف وراء حالة الاختناق المستمرة، التي تعرفها بعض أحياء هذه المدينة؟هل تتحرك الجهات المعنية من أجل الحفاظ على الملك العام، وحمايته، وترشيد استغلاله، بما فيه مصلحة المجتمع؟أم أن المعنيين لا يهمهم ما يحصلون عليه من أتاوات ذلك الاستغلال الهمجي للملك العام؟فمدينة ابن جرير مدينة بئيسة، وملكها العام أكثر بؤسا، مماأاثر على جماليتها، وعلى التواصل بين أحيائها، وحرمان العديد من الناس، وفي أحياء بكاملها، من التواصل مع أقاربهم، وأصدقائهم، في شروط أفضل، مما يحتم ضرورة إعادة النظر في المشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، الناجمة عن الاحتلال غير المشروع للملك العام، بما في ذلك الأرصفة الخاصة بالراجلين، والطرقات المعبدة، وبدون حياء، من المحتلين الذين أصبحوا يشكلون قوة منظمة، تواجه السلطات المختلفة المستويات، بما فيها سلطة العمالة، على خلاف المجالس البلدية المتوالية، التي تتباطأ في العمل على إيجاد حل جذري لمشاكل احتلال الملك العام، والطرقات، والأرصفة، وتتملق في نفس الوقت أصوات هؤلاء المحتلين في مختلف الانتخابات، التي لا تكون إلا مزورة. وهؤلاء المحتلون ينحشرون وراء مختلف الأحزاب الرجعية المتخلفة، ويتجيش العديد منهم في التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي، من أجل الاستقواء بها، و من أجل ادعاء التدين، الذي لا ينجو من ارتكاب هؤلاء المؤدلجين للدين الإسلامي، لجريرة احتلال الملك العام، الذي تترتب عنه جرائم غير مباشرة ضد الإنسانية.ونظرا لأن سكان مدينة ابن جرير، وبشرائحهم المختلفة، تمرسوا على القبول بالقمع الممارس عليهم من عهد الاستعمار، وإلى يومنا هذا، بسبب استبداد الاحتلال الأجنبي من جهة، واستبداد السلطة المخزنية من جهة ثانية، واستبداد الحكام المحليين، وأعضاء، ومسئولي جماعة ابن جرير في تاريخيتها، فإن هؤلاء السكان، لا يملكون حتى القدرة على التفكير في مقاضاة محتلي الملك العام، وملحقيه بممتلكاتهم، وكل مبادرة في هذا الاتجاه تواجه بالقمع الشرس، وبنسج المحاضر الكاذبة، و إجراء تحقيقات مع المبادرين، وبأمر من النيابة العامة، مما يجعل الإعراض عن المقاضاة أمرا واقعا، لا يتجادل فيه اثنان، ليستمر احتلال الملك العام، وإلحاقه بالممتلكات الخاصة، وليستمر كذلك حرمان المواطنين من استعمال الطرقات المعبدة، ومختلف الأرصفة المخصصة للراجلين، وخاصة في شارع محمد الخامس، والحي الجديد ، حيث تصير حياة الناس، وممتلكاتهم الخاصة الخاصة، مهددة بكافة الأخطار، وعلى مرأى من السلطات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، وبمباركة المجلس البلدي، الذي لا يهتم إلا بالعمل على نهب الموارد الجماعية، وخاصة تلك التي لها علاقة بالسوق الأسبوعي، الذي يتم تفويته للخواص بطرق مشبوهة، حتى لا تستفيد منه الجماعة. وحسب ما يظهر، فإن دار لقمان، ستبقى على حالها، ليبقى الملك العام محتلا، أو ملحقا بالملك الخاص، وإلى أجل غير معلوم.دور السلطات العمومية في تفويت الملك العاموإذا استحضرنا أن حماية الملك العام، تقتضي منا العمل على استحضار من توكل إليه تلك الحماية بالدرجة الأولى، مع الإقرار بكونها تعتبر مسؤولية جماعية، فإننا نجد أن الجهات المعنية بتلك الحماية، التي تتخذ طابعا قانونيا، وإداريا، وأخلاقيا، وسياسيا هي السلطات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية؛ لأن هذه السلطات هي المعنية، بالدرجة الأولى، بتفعيل القوانين، والقرارات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية التي لها علاقة بالملك العام.فلماذا لم تقم هذه السلطات بدورها في هذا الاتجاه؟ما الذي يمنعها من اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الملك العام؟وما هي العوامل التي تقف دون قيام السلطات بدورها كاملا، خدمة للمواطنين، ومساهمة في تنظيم المجتمع؟وهل يمكن أن تقوم السلطات بدورها في ظل غياب الشروط المناسبة؟وما العمل من أجل إنضاج الشروط التي تجعل السلطات تقوم بحماية الملك العام؟وما هي الإجراءات اللازمة لإنجاز هذه المهمة بامتياز؟وما هي النتائج التي يجب تحقيقها للتخلص، وبصفة نهائية، من احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة؟إننا عندما نرتبط بالسلطات القائمة، في وطننا العزيز، وعلى المستوى المحلي، نجد أن هذه السلطات تأتي تعبيرا عن واقع مترد، وإفراز لهذا الواقع المتردي في نفس الوقت، كما جاء في قوله تعالى: " كيفما تكونوا يول عليكم "، حسب ما جاء في القرءان الكريم. وحسب المنطق العلمي فإن السلطات كبنية فوقية، هي تعبير عن البنية التحتية، وإفراز لها، وتحكم فيها، وإعدادها لإعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.وما دامت السلطة تعبيرا عن الواقع الرأسمالي التبعي، وعن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية المتخلفة، فإن من يتحمل مسؤولية السلطة، لا يمكن أن يكون في مستوى الحرص على تفعيل القوانين، والقرارات المتعلقة بحماية الملك العام.والسلطات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، عندما لا تعمل على حماية الملك العام، فلأن هذه السلطات، هي أول من يعمل على احتلال الملك العام، وإلحاقه بالممتلكات الخاصة، لتصير مثالا يقتدى به من ممثلي السكان في الجماعات المحلية، في مختلف المجالس المحلية، الذين يعملون على تسهيل مهمة استيلاء مسئولي السلطات، في مختلف المستويات، على الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، من أجل أن يؤدي ذلك إلى إحداث تراكم رأسمالي لدى كل رجل سلطة، من أجل أن يتصنفوا إلى جانب الطبقات الممارسة لاستغلال العمال، والفلاحين، وسائر الكادحين؛ لأن مسئولي السلطات لا يمكن أن يتجردوا من الطبيعة البورجوازية الصغرى، التي تقف وراء الإقدام على ممارسة احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص.والذي يمنع السلطات المختلفة من اتخاذ الإجراءات اللازمة، لحماية الملك العام، يرجع إلى:1) الطبيعة البورجوازية الصغرى التي أشرنا إليها، والتي لا يمكن التجرد منها، بالنسبة لمجموعة من القطاعات، التي تعودت على استغلال النفوذ، الذي نعتبر منها: السلطات المحلية.2) غياب احترام حقوق الإنسان، في مختلف مجالات الحياة. 3) خضوع السلطات، في مستوياتها المختلفة، إلى نظام التعليمات، الذي يفرض القيام بعمل إجرائي، لا علاقة له، لا بالقوانين، ولا بالقرارات، التي تتخذ طابعا قانونيا. لأن من يعطي التعليمات يحتل سلطة أعلى من المسؤول المعني مباشرة بحماية الملك العام.4) سيادة الفساد الإداري المتسم بالمحسوبية، والزبونية، والارشاء، والارتشاء، وعلى جميع المستويات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية؛ مما يجعل إمكانية حماية الملك العام، وترشيد استغلاله، غير واردة، نظرا لما يمكن أن يقدم من إغراءات للمسئولين على جميع المستويات.5) التعود على غض الطرف عن استباحة الملك العام، الذي لم يعد محط اهتمام من قبل المسؤولين أنفسهم، حتى غدا الملك العام مجالا لممارسة كافة أشكال الفوضى، التي تستهدف المواطنين البسطاء، الذين لا حول لهم، ولا قوة، ونظرا لكون الملك العام، هو الوسيلة المثلى، لذلك الاستهداف.والسلطات المسئولة، عندما تغض الطرف عن عمل غير مشروع، فلأنها تريد بذلك جعل عامة الناس يتهافتون على احتلال الملك العام، من أجل أن ينشغلوا، بذلك، عن المشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعن الاستغلال الممارس على الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، وعلى المجتمع ككل، وحماية لمصالح الطبقة العاملة، التي من مصلحتها، انشغال عامة الناس عن استغلالها، بالتهافت على احتلال، و لو جزء بسيط، من الملك العام، والتوهم بأن ذلك الاحتلال، سيؤدي إلى تحقيق التسلق الطبقي.6) العلاقة المشبوهة القائمة بين مسئولي السلطة في مستوياتهم المختلفة، وبين المؤسسات التي تسمى: "منتخبة"، والتي تتخذ طابع الوصاية على تلك المؤسسات، و التي يكفلها القانون الخاص بالجماعات المحلية. فتلك العلاقة، تلعب دورا رائدا في العمل على جعل الملك العام مجالا للنهب من قبل مسئولي السلطات في مستوياتهم المختلفة، ومن قبل مسئولي الجماعات المحلية، المحكومين جميعا بالعمل على إنضاج الشروط اللازمة للتسريع بعملية التسلق الطبقي، والتصنيف إلى جانب الإقطاع، والإقطاع المتبرجز، والبورجوازية التابعة، والبورجوازية الوطنية، إن كانت هناك بورجوازي وطنية فعلا.و هذه الأسباب التي ذكرنا، هي التي تمنع من قيام السلطات المسؤولة من اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الملك العام، لأنها إن فعلت ذلك، ستكون ضد مصالحها، ومصالح المسئولين الجماعيين، و ضد مصالح المتهافتين على احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالأملاك الخاصة.ومن العوامل التي تقف دون إلزام السلطات بالقيام بدورها اللازم في حماية الملك العام، خدمة للموطنين، ومساهمة منها في تنظيم المجتمع، نجد:1) سيادة الاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية واللا شعبية، التي تفسح المجال أمام ممارسة كافة أشكال العمالة المترتبة عن العمالة إلى الرأسمالية العالمية، من خلال صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى. فالعمالة الممارسة، يوميا، في الساحة الجماهيرية، وفي الساحة السياسية، لا يمكن أن تنتج لنا إلا بشرا لا يستطيع إلا أن يكون عميلا للسلطات القائمة، إلا من تمنعه كرامته من القيام بذلك. وهذه العمالة هي التي تقود إلى السماح باستغلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، و في نفس الوقت، يمنع السلطة من القيام بدورها اللازم، في إيجاد حل لمعضلة احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص.2) غياب احترام حقوق الإنسان في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بسبب عدم ملاءمة القوانين المحلية، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. الأمر الذي يؤدي إلى سيادة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من قبل أجهزة السلطة المحلية، وحرمان المواطنين من المزيد من حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؛ الأمر الذي أدى، ويؤدى باستمرار، إلى حرمان المزيد من المواطنين من حقهم في التعليم، وفي جودته، وفي استكماله، ومن حقهم في الشغل، وفي السكن، ومن حقهم في العلاج، ومن الحقوق الثقافية المختلفة، ومن حقهم في اختيار من يمثلهم تمثيلا حقيقيا، في المؤسسات الجماعية، وفي البرلمان. الأمر الذي لا يمكن أن ينتج إلا الفقر، والمرض، والجهل، و يؤدي بالضرورة إلى اتساع رقعة من يبحث عن شبر من الملك العام، يستغله من أجل الحصول على قوته اليومي، حتى صارت هناك قطاعات عريضة من المجتمع المغربي، يقوم وجودها على أساس ذلك الاستغلال، وعلى مدى عقود بأكملها. والسلطات القائمة محليا، وإقليميا، وجهويا، لا يمكن إلا أن تبارك ذلك. ومباركتها تلك تساهم بشكل كبير في جعل تطور المجتمع المغربي معاقا، وفي تفاحش أمر البطالة المقنعة، وفي إتاحة الفرصة أمام مؤدلجي الدين الإسلامي، من أجل تجييش هذه الشرائح، ودعمها، وتشجيعها على الاستقواء ضد الحركة الديمقراطية، والتقدمية، وضد السلطات القائمة في نفس الوقت. واعتبار احتلالها للملك العام عطاء من الله، وسعيا إلى توظيف ذلك العطاء في الجهاد ضد الكفرة، والملحدين، والعلمانيين، وضد الدولة الكافرة، من أجل العمل على قيام "الدولة المسلمة"، التي ترسم ذلك العطاء، ليصير الملك العام بذلك ملكا للخواص، عن طريق وضع اليد. والسلطات حينذاك، تصير منفذة لأوامر "الدولة الإسلامية".3) غياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية، بدل ديمقراطية الواجهة، التي تحاول الطبقة الحاكمة فرضها، بواسطة القوانين التي يشرعنها، مجلسها التشريعي، على أنها هي الديمقراطية الحقيقية، التي يمكن أن تعتمد لقيام دولة رأسمالية تبعية، بلباس "ديمقراطي"، حتى يعترف لنا العالم، من خلال مؤسساته، بأننا نمارس الديمقراطية. بينما نجد أن الواقع لا يعرف إلا الاستبداد الذي يفرض، وبقوة الحديد، والنار، وجهة نظر الطبقة الحاكمة في فبركة هذا الواقع، الذي يزداد ترديا، بفعل غياب الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، بسبب استغلال الملك العام في خلق المزيد من العملاء، وبطرق لا علاقة لها بالممارسة الديمقراطية الحقيقية، التي هي الحل لهذه المصائب، والكوارث التي يعاني منها المجتمع، بما فيها حرمانه من حماية الملك العام، وتوظيفه لصالحه.4) غياب دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، ويضمن استقلال السلط، وخاصة استقلال القضاء، ويكون منطلقا لإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، تفرز مؤسسات تمثيلية حقيقية: جماعية، وبرلمانية، وتمكن من احترام إرادة الشعب، من بداية الانتخابات، إلى إعلان النتائج، تكريسا لسيادة الشعب على نفسه، كضمانة قائمة على قيام دستور ديمقراطي، يفرض قيام سلطة قضائية، وسلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية مستقلة عن بعضها البعض.وغياب دستور من هذا النوع، هو الذي جعل السيادة للسلطات القائمة، التي لا تهتم بحماية الملك العام، بقدر ما تهتم بحماية مصالحها، ومصالح الطبقة الحاكمة، من خلال إباحة الملك العام لكل من هب، ودب.5) غياب حكومة وطنية مفرزة بواسطة صناديق الاقتراع، عن طريق الأغلبية البرلمانية، وتكون مهمتها هي حماية الشعب، وخدمة مصالحه. وغياب حكومة من هذا النوع، يستحضر قيام حكومة لا ديمقراطية، ولا شعبية، ولا وطنية، مهمتها: حماية مصالح الرأسمال العالمي، ومصالح الطبقة الحاكمة، وخدمة تلك المصالح المرتبطة فيما بينها. وحكومة، من هذا النوع، لا يمكن أن تشجع إلا على نهب المال العام، واحتلال الملك العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة، الأمر الذي يجعل حكومات، من هذا النوع، مناسبة لنهب المال العام، وتفويت الملك العام إلى الخواص، أو غض الطرف عن احتلاله، أو إلحاقه بالملك الخاص، حتى يتأتى ازدياد ثراء هؤلاء، ودفع أفواج العاطلين، والمعطلين إلى احتلال الملك العام، ونهبه، من أجل أن يقبلوا بالأمر الواقع، ويصيروا جزءا لا يتجزأ من الاختيارات الرأسمالية التبعية.وهذه العوامل، وغيرها، مما لم نذكر، مجتمعة، هي التي تقف وراء نهب الملك العام، عن طريق الاحتلال، أو الإلحاق، وأمام أنظار السلطات المسؤولة عن حمايته.و لذلك نجد أن السلطات المعنية بحماية الملك العام، لا يمكن أن تقوم بدورها كاملا في ظل الشروط المحكومة بالعوامل التي أشرنا إلى بعضها، ولا يمكن أن تهتم بالملك العام، بقدر ما تهتم بشيء آخر، مما يجعل فوضى احتلال الملك العام، وإلحاقه بالملك الخاص، عارمة، ومستأسدة، ويصعب مواجهتها بالحزم اللازم، ووفق برنامج محدد، تعمل تلك السلطات على تفعيله، وعلى جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وبعيدا عن الهاجس الأمني، الذي يحكم ممارسة السلطات المعنية بحماية الملك العام.فما العمل من أجل إنضاج الشروط التي تجعل السلطات المعنية تقوم بحماية الملك العام؟إننا عندما نحاول الوقوف على ما يجري في الواقع، من أجل التماس ما يجب عمله في أفق إنضاج الشروط اللازمة، لجعل السلطات المعنية تقوم بحماية الملك العام، سوف نجد أن الواقع نفسه عنيد، وجشع ، نظرا لاستغراق الناس في التخبط في المشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وهذا الاستغراق، في حد ذاته، لا يمكن أن يفرز ما يجعلنا نستنتج من الواقع ما يفيد في هذا الإطار.ونظرا لأننا سوف نعجز عن إيجاد الشروط اللازمة، والضرورية، فإننا سوف نجد أنفسنا مضطرين إلى القول بأن حماية الملك العام هي قضية سياسية، أولا، وأخيرا، وقضية إعادة النظر في الاختيارات السياسية القائمة، باعتبارها اختيارات لا ديمقراطية، ولا شعبية. وما دام الأمر كذلك، فإن إنضاج شروط قيام السلطات المعنية بحماية الملك العام بدورها كاملا، وعلى جميع المستويات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، يقتضي من الأحزاب التقدمية، والديمقراطية، ومن النقابات، والجمعيات الحقوقية، والثقافية، العمل معا، ووفق برنامج حد أدنى مدقق، من أجل العمل على فرض إنضاج الشروط المتمثلة في:1) العمل على قيام حكومة ائتلافية وطنية، من أجل إنقاذ البلاد من هذا التردي المتسارع، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تتم إعادة الاعتبار للإنسان في هذا الواقع، وحتى يعمل الإنسان المغربي على التمتع بحقوقه المختلفة، التي يضمنها القانون، الذي يجب أن يتم الحرص على ملاءمته مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.2) وضع دستور ديمقراطي من قبل مجلس تأسيسي، يتم انتخابه انتخابا حرا، ونزيها لهذه الغاية، ولوضع التشريعات اللازمة لإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، حتى يكون ذلك الدستور الديمقراطي، منطلقا لكل ما يؤدي إلى تغيير الواقع تغييرا جذريا، عن طريق استئصال الأسباب التي تؤدي إلى إنتاج التخلف في مستوياته المختلفة، ومنها مستوى عدم حماية الملك العام، وتعريضه للاحتلال، أو الإلحاق بالملك الخاص. 3) إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، انطلاقا من قوانين تضمن تلك الحرية، وتلك النزاهة، وتردع كل أشكال التزوير، ومن يقف وراءها، ومن أجل إيجاد مؤسسات تمثيلية، تجسد احترام إرادة الشعب المغربي، وتحت إشراف لجنة وطنية يتم التدقيق في تشكيلها، حتى نقطع، وبصفة نهائية، مع تجارب إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات في عقود استقلال المغرب، ومن أجل إعطاء وجه آخر للمغرب.4) إيجاد حكومة من الأغلبية البرلمانية، التي تتحمل مسؤوليتها على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل خدمة مصالح الشعب المغربي، وخدمة تلك المصالح.5) إيجاد خطة وطنية تستهدف إيجاد حلول جذرية للمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، انطلاقا من الدستور الديمقراطي المصادق عليه، حتى تكون منطلقا لمحاربة الفقر، والجوع، والمرض، وللقضاء على الأمية، والبطالة، وعطالة الخريجين، وللاهتمام بالملك العام، وحمايته.وهذه الشروط، وغيرها، مما لم نذكر –كذلك- إذا تم توفرها، فإنها تعمل على إعادة صياغة التربية العامة، لجميع أفراد المجتمع، في أفق احترام حقوق الإنسان الفردية، والجماعية، التي يعتبر من بينها حق احترام الملك العام، باعتباره حقا لجميع أفراد المجتمع. ولذلك، فعلى الجميع أن يعمل في هذا الأفق، وطنيا، وعلى مستوى مدينة ابن جرير، التي نرى أن خروجها من مأزق نهب المال العام، الذي تمرس عليه متحملو المسؤولية الجماعية منذ بداية الستينيات من القرن العشرين، ومن مأزق احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة، هو إخضاع الشأن العام للمراقبة الجماعية ، سلطة، وجماعات، وأحزابا، ونقابات، وجمعيات، من أجل المساهمة الجماعية في حماية الأموال العامة من النهب، وفي حماية الممتلكات العامة من الاحتلال، ومن الإلحاق بالممتلكات الخاصة، والعمل على إيجاد برنامج عام، ومدقق، يهدف إلى الحد من البطالة، ويسرع بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للمدينة، من أجل إزالة الأسباب المؤدية إلى احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة، وفي إطار العمل على الانخراط في التنمية الوطنية الشاملة، وفي تطبيق القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، تفعيلا لمفهوم دولة الحق، والقانون، التي تتحول في مدينة ابن جرير إلى جماعة الحق، والقانون، عندما تحرص السلطات، المسئولة عنها، على ذلك، وخاصة، عندما يتعلق الأمر بإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، حيث يجب أن تعمل هذه السلطات على الحد من تأثير لوبيات أموال المخدرات، ونهب المال العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة، وفي إطار العمل على الانخراط في التنمية الوطنية الشاملة، وفي تطبيق القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومراقبة الخروقات الكثيرة، التي ترتكب عادة في كل انتخابات تعرفها المدينة، حتى يتم إفراز مجلس يجسد إرادة سكان مدينة ابن جرير، تجسيدا فعليا، ويخدم مصالحهم، ويحمي تلك المصالح، لقطع الطريق أمام إمكانية مساهمة الجماعة في التحول إلى الإثراء السريع، كما كانت من قبل، لتنتج لنا في كل فترة ثلة من البورجوازية المتخلفة، ذات الأصول الإقطاعية المتعفنة، أو بسبب استغلال النفوذ، أو استغلال المسئوليات الجماعية، أو بسبب ممارسة العمالة لمسئولي السلطة، أو لمسئولي الجماعة، الذين يمكنون عملاءهم من التمتع بامتيازات لا حدود لها، مقابل عمالتهم.فهل نصل، فعلا، في مدينة ابن جرير، إلى مستوى تحمل المسؤولية الجماعية، في حماية المال العام من النهب، وفي حماية الملك العام من الاحتلال، أومن الإلحاق بالأملاك الخاصة؟وهل يمكن أن يلعب مسئولو السلطات المحلية مسئوليتهم التاريخية في هذا الاتجاه؟وهل تقوم السلطات الإقليمية، والجهوية، والوطنية بدور معين في اتجاه دعم مسئولي السلطات المحلية، في عملية حماية المال العام من النهب، وفي الحرص على الملك العام من الاحتلال، أو من الإلحاق بالممتلكات الخاصة؟أم أن مدينة ابن جرير ستبقى – كما كانت في العهود السابقة مجرد بقرة حلوب، يستبد بحليبها المتداولون على مسؤوليتها منذ تم الشروع في العمل الجماعي، وإلى يومنا هذا؟وبعد وقوفنا على ما يجب عمله لحماية الملك العام من الاحتلال، ومن الإلحاق بالأملاك الخاصة، نجد أنفسنا مضطرين إلى طرح السؤال:وما هي الإجراءات اللازمة لإنجاز مهمة حماية الملك العام من الاستيلاء، ومن الإلحاق بالأملاك الخاصة، وبامتياز؟إن مهمة حماية الملك العام من الاستيلاء، ومن الإلحاق بالأملاك الخاصة، تقتضي مجموعة من الإجراءات اللازمة لتحقيق تلك الحماية. وأهم هذه الإجراءات: 1) تكوين شرطة خاصة، تكون مسؤولة أمام السلطات، وأمام الجماعة، وأمام القضاء في نفس الوقت، ترفع تقاريرها اليومية إلى هذه الجهات المذكورة، وتعلن عن مضمون تلك التقارير إلى الرأي العام، عبر ملصقات يومية، أو أسبوعية، حتى يكون الرأي العام مساهما في مراقبة تلك الشرطة، التي يجب أن تتجرد عن الشبهات، وعن كل الممارسات التي يمكن أن تؤدي إلى استغلال الملك العام عن طريق الاحتلال، أو الإلحاق بالأملاك الخاصة، بدون وجه حق، ووضع اليد على كل شخص احتل الملك العام، أو لحقه بملكه الخاص، و تقديمه إلى العدالة، التي تقول كلمتها فيه.2) تكوين هيأة وطنية، تتفرع عنها هيئات جهوية، وإقليمية، ووطنية، تكون مهمتها: تنظيم استغلال الملك العام، من قبل الأشخاص الماديين، أو المعنويين، بطرق مشروعة، تكون معلومة عند الناس، ووفق ضوابط محددة، وأمام الملأ، حتى يكون الملك العام وسيلة أساسية لتغذية الخزينة العامة، وحتى تكون تلك التغذية عاملا من عوامل تطور الملك العام، وحمايته، من أجل تحقيق جودة الخدمات المقدمة لمستعمليه.3) اعتماد موارد الخزينة العامة، من الأملاك العامة، لإنشاء مشاريع اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، تساهم في التخفيف من العطالة، وتعمل على حل المشاكل المزمنة، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، حتى يتأتى للناس، جميعا، إدراك أهمية الحفاظ على الملك العام، وترشيد استغلاله، من قبل الناس، حتى يتربوا على احترامه، والحفاظ عليه.4) القيام بحملات إعلامية لجعل الناس يستوعبون: أن الملك العام يلعب دورا كبيرا في خلق صلات مشتركة بين جميع أفراد المجتمع. وتلك الصلات هي التي تقف وراء التفكير الجمعي، الذي يمكن اعتباره شرطا لتحقيق وحدة المجتمع: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي لا تلغي التعدد الذي يدخل في إطار المعادلة الاجتماعية: وحدة تعدد وحدة ، أو تعدد صراع أو وحدة تعدد، التي يمكن فهمها من خلال المعادلة : صراع وحدة وحدة. صراع وحدة فالحملات الإعلامية في موضوع: " حماية الملك العام من الاحتلال، ومن الإلحاق بالملك الخاص"، تعتبر شرطا لامتلاك الوعي بالملكية الجماعية التلقائية لذلك الملك، وحتى يدرك الجميع أنه معني بحماية ذلك الملك، وحتى ينخرط الجميع في العمل على حمايته، حتى يتأتى استغلاله بطرق مشروعة، ومن قبل أصحاب ذلك الحق في الاستغلال، انطلاقا من الضوابط الموضوعة من أجل ذلك.فهل يعمل المسؤولون، في مدينة ابن جرير، على وضع إجراءات معنية لحماية الملك العام؟إننا و نحن نعاين ما يجري في هذه المدينة، لا نلاحظ وجود إجراءات معينة، بقدر ما نجد سيادة الفوضى، والتهافت على احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالأملاك الخاصة، وكأن السلطات المسئولة لا يهمها حماية الملك العام، ولا الحفاظ على المجتمع، ووحدته، مما يؤدي، باستمرار، إلى احتلاله بدون موجب حق، بما في ذلك الأرصفة، والطرقات، وبطريقة همجية، إلى درجة اعتبار ذلك الاحتلال حقا من الحقوق المكتسبة، التي لا يمكن التطاول عليها من قبل أي كان، مع العلم أن ذلك الاحتلال، يلحق أضرارا جسيمة بالمجتمع، وبذوي الحاجة إلى ذلك الملك، وبمستعملي الطرقات العامة، وبمستعملي الأرصفة المختلفة، التي تحولت، بفعل الإلحاق، إلى جزء من الممتلكات الخاصة.والغريب في الأمر: أن السلطات الإقليمية، والجهوية، والوطنية، لا تحرك ساكنا، فكان ما يجري من احتلال للملك العام، أو الإلحاق بالأملاك الخاصة، لا يعنيهم في شيء، وكان مسؤوليتهم، لا تعنيها إلا حماية مصالحهم، ومصالح الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال، وكأن السلطة المحلية، مفصولة عن امتدادها الإقليمي، والجهوي، والوطني. وحضور إجراءات حماية الملك العام، أو غيابها، يجعلنا نستحضر طرح السؤال:ما هي النتائج التي يجب تحقيقها للتخلص، وبصفة نهائية، من احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة؟إن الحديث عن النتائج المعبرة عن القطع النهائي، مع احتلال الملك العام، أو مع إلحاقه بالممتلكات الخاصة، سيكون غير وارد في مثل حالننا، لما أتينا على ذكره سابقا، ولكن من باب افتراض قيام دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، وافتراض قيام ديمقراطية حقيقية، وافتراض احترام حقوق الإنسان، وافتراض ملاءمة القوانين، والمراسيم، والقرارات الوطنية والجهوية، والإقليمية، والمحلية، والحزبية، والنقابية، والجمعوية، مع المواثيق الدولبة، وافتراض الارتقاء بالاقتصاد الوطني إلى مستوى التحرر من التبعية إلى الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وافتراض إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، وقيام مؤسسات تمثيلية حقيقية، معبرة عن إرادة الشعب المغربي، وافترا ض قيام حكومة من الأغلبية، التي تفرزها صناديق الاقتراع، مهما كانت الجهة التي تتوفر على تلك الأغلبية، مادامت تلتزم بممارسة الديمقراطية الحقيقية، وقيام تلك الحكومة بخدمة مصالح الشعب المغربي، وبالعمل على حماية تلك المصالح، فإن النتائج التي يفترض التوصل إليها تتمثل في:1) قيام تنمية حقيقية: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، تقف وراء إمكانية اختلاق الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ لأن التنمية الحقيقية، لا يمكن أن تكون إلا وطنية متحررة من الخضوع لتوجيهات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، ومن التبعية للرأسمال العالمي، ومن سيطرة الشركات العابرة للقارات؛ ولأن التنمية الحقيقية، هي تنمية بشرية بالدرجة الأولى، تسعى إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة، وإلى جعل الخدمات الاجتماعية في متناول جميع أفراد المجتمع على أساس المساواة فيما بينهم، وتمكين جميع مكونات المجتمع من التمتع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.2) الإشراك الواسع لجميع أفراد المجتمع في كل القضايا التي تهم المجتمع، حتى تكون جميع القوانين، والقرارات، والبرامج الوطنية، والجهوية، والإقليمية، والمحلية، معبرة فعلا عن إرادة الجميع، حتى ينخرط الجميع في الالتزام بتنفيذها، من أجل المساهمة في تغيير الواقع تغييرا جذريا، حتى يصير في خدمة المجتمع ككل.3) اختفاء المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، حتى يصير تحمل المسؤوليات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، قائما على أساس تكافؤ الفرص، ولا شيء آخر؛ مما يجعل الحركة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، قائمة على الأمل في التغيير، وفي التطور، الذي ينقل المجتمع المغربي، إلى مستوى ما عليه المجتمعات التي تعيش في ظل الدول الديمقراطية، التي ليست إلا دول الحق، والقانون.4) اختفاء الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، التي تقف وراء سيادة الإرشاء، والارتشاء، ووراء انتشار الفساد الإداري، في جميع الإدارات المغربية، وخاصة منها ذات الطابع المحلي، وفي مختلف الأجهزة التي يوكل إليها حماية القانون، وتطبيقه؛ لأن ذلك الاختفاء، لا يمكن أن يعبر إلا عن سيادة الديمقراطية الحقيقية، وسيادة احترام حقوق الإنسان، كهدف أسمى نسعى إلى تحقيقه.5) التربية على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، من خلال البرامج الدراسية المعتمدة في المدارس، والجامعات المغربية. ومن خلال الممارسة التربوية اليومية، في الأسرة، والمجتمع، و المدرسة، في نفس الوقت، لأنه في حال سيادة هذا النوع من التربية، يحرص الناس، وبطريقة تلقائية، على ممارسة الديمقراطية في الحياة الفردية، وفي الحياة العامة، ليصير النضال الديمقراطي، والنضال الحقوقي، جزءا من الممارسة اليومية للمواطنين.وهذه النتائج المفترض التوصل إليها، في حال تحققها، فإن احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالملك الخاص، سيصير في ذمة التاريخ، وستصير دولة الحق، والقانون، قائمة في المسلكية الفردية، والجماعية على السواء، مما يجعل الهاجس الأمني غير وارد.ولكن أين نحن من هذه النتائج؟إننا في الواقع، إنما نحلم، والحلم بالتغيير سيبقى مشروعا، حتى يتحقق ذلك التغيير على جميع المستويات، و حتى تتحقق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.وإذا كانت هذه النتائج غير ممكنة التحقيق إلى حين، فإن ما يجري في مدينة ابن جرير، يجعل تحقيقها من باب المستحيلات، نظرا للشروط الموضوعية، التي تحكم هذه المدينة البئيسة، والتي أصبح احتلال الملك العام فيها، أو إلحاقه بالأملاك الخاصة، يتخذ طابعا بنيويا، يجعل التخلص منه قائما على أساس التخلص من المجتمع ككل، بسبب انعدام الشروط المؤدية إلى تحقيق النتائج المشار إليها على المستوى المحلي بمدينة ابن جرير.وهكذا يتبين أن احتلال الملك العام، أو إلحاقه بالممتلكات الخاصة، تلعب فيه السلطات المسؤولة، وطنيا، وجهويا، وإقليميا ومحليا، دورا كبيرا، نظرا لعدم قيام هذه السلطات بدورها اللازم في حماية الملك العام، بمنع الخواص مهما صغر شأنهم، أو كبر من احتلاله، أو إلحاقه بممتلكاتهم الخاصة، واعتماد خرائط مدققة لهذه الغاية.