إذا كانت المنهجية غير الديمقراطية التي اعتمدها القصر في تعيين التكنوقراطي إدريس جطو خلفا للوزير الأول الأسبق عبد الرحمن اليوسفي على رأس الوزارة الأولى لم تستطع إخراج الحزب إلى المعارضة، وإذا كانت المشاركة الباهتة لرفاق اليازغي في حكومة عباس لم تقنع الاتحاديين بضرورة هجر مقرات الوزارات إلى مقاعد المعارضة، فإن حزب الهمة قد يدفع إلى خروج حزب عبد الرحيم بوعبيد، ليس فقط من الحكومة، ولكن من صفقة التوافق مع القصر. فقد رسم البيان الأخير للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، الذي انتقد بشدة ما وصفه ب«الحزب الوحيد»، معالم توجهات الحزب المستقبلية نحو المعارضة، مما ينذر بتفجر حكومة عباس الفاسي. وشن المكتب السياسي هجوما على حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه فؤاد عالي الهمة الذي يدعم الحكومة. وقال إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي للاتحاد، إن حزبه «لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتواجد في نفس الصف مع من ثبت أنه ساهم في إفساد العملية الانتخابية ووأد الحقل الحزبي»، في إشارة إلى حزب الهمة، وأضاف: «عندما انخرطنا في الأغلبية التي ترأسها الوزير الأول عباس الفاسي، فإن أحزاب الأغلبية كانت محددة ومعروفة، وحينها لم يكن الوافد الجديد (الهمة) يتوفر على فريق برلماني أو حزب، ولم يكن له برنامج، أما اليوم فقد تغيرت الأغلبية، ونحن معنيون بهذا التغيير»، وقال: «أن يختار هذا الحزب دعم الحكومة من تلقاء نفسه فهذا شأنه، لكن أن يفرض على الأغلبية وعلى الأحزاب، فهذا لا نقبله، ولا يمكن أن نتصور أن نكون في نفس الصف مع الأحزاب الإدارية التي تشكل منها الحزب الجديد». وقال لشكر إن الانتخابات الجزئية في مراكش بينت تحيز السلطة للحزب الجديد، وقال: «رجال السلطة في مراكش أصبحوا مكلفين بالبحث عمن يمثل الحزب الجديد في مكاتب التصويت، ويحرصون على تأمين مسيرات كانت تمنع منها الأحزاب الأخرى، بل يحثون الناس على المشاركة في المسيرات، وهناك متاجر طلب منها الإغلاق تحسبا لمسيرة للحزب الجديد»، وأضاف لشكر: «لابد من توضيح الالتباس، لكي نعرف أين يقف الحزب وأين تبدأ الدولة». ولم تتمكن «المساء» من الحصول على توضيحات إضافية من أعضاء في المكتب السياسي للاتحاد حول نوايا الحزب فك الارتباط مع الحكومة بسبب حزب الهمة، إلا أن أحمد الزيدي، رئيس الفريق البرلماني، قال ل«المساء»، تعليقا على بيان المكتب السياسي، إن سؤال العودة إلى المعارضة يجب أن يوجه إلى المكتب السياسي وإنه «يجب انتظار انعقاد المجلس الوطني الذي يعد بمثابة برلمان لحزب الاتحاد الاشتراكي من أجل معرفة طبيعة الموقف الذي سيتخذه الحزب، وأضاف: «لا يمكنني التعليق على البلاغ الصادر عن المكتب السياسي إلا بعد انعقاد المؤتمر، حيث ستكون للحزب آراء واضحة في كل شيء». وعلمت «المساء» أن أعضاء في المكتب السياسي رفضوا إصدار بلاغ شديد ضد حزب الهمة، داعين إلى عدم التسرع في إصدار مواقف من هذا النوع، وقال مصدر اتحادي رفض ذكر اسمه إن كلا من محمد بوبكري وعبد الهادي خيرات، عضوا المكتب السياسي، هما من ضغطا لإصدار هذا البيان الشديد. وأكد المصدر أن القياديين هددا بتأجيل اجتماع المجلس الوطني المقرر اليوم، ونسف التوافقات من أجل إنجاح المؤتمر، إذا لم يصدر البيان، مما دفع بقية الأعضاء إلى الانصياع وإصدار البيان رغم معارضتهم له. وكان بيان المكتب السياسي قد «سجل ما يجري في هذه الانتخابات من تجاوزات وضغط واستغلال للنفوذ وللوسائل العمومية على يد الحزب الجديد الذي أعلن نفسه عمليا «حزبا وحيدا» في هذا الاستحقاق الانتخابي»، وعبر عن «استنكاره وشجبه لكل ممارسة حزبية تعود بالمغرب إلى الوراء، وتعيد إنتاج نفس الظاهرة المُخربة التي تسببت في تعطيل البناء الديمقراطي وفي استشراء الفساد الانتخابي». ويرى المراقبون أن هذا الخطاب لا يستهدف حزب الهمة فقط بل يستهدف الدولة وصفقة التوافق التي جمعت بين اليوسفي والراحل الحسن الثاني. عباس الفاسي يواجه اليازغي بالفصل 19 من الدستور واجه عباس الفاسي، الوزير الأول، اعتراض محمد اليازغي وزير الدولة على عدم دستورية التعديلات في الظهير الخاص برجال السلطة، خلال اجتماع مجلس الحكومة أول أمس، قائلا إن الملك تصرف وفق الفصل 19 من الدستور، إلا أن اليازغي رد عليه بأن الفصل 19 يستعمل عندما لا يكون هناك وضوح في المساطر القانونية. وكان اليازغي قد اعترض أول أمس، خلال الاجتماع الحكومي، على طلب وزير الداخلية شكيب بن موسى، المصادقة على مراسيم تطبيقية للظهير الذي سبق أن صادق عليه الملك محمد السادس في يوليوز الماضي. وقال اليازغي إن التعديلات حول الظهير لم تطرح أمام مجلس الحكومة، ولم تحترم المسطرة الدستورية، مبديا تحفظه على المصادقة عليها. وهنا تدخل عباس الفاسي. وينص الفصل 19 من الدستور على أن «الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة».