سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الضباط التلاميذ الأربعة الذين أنقذوا الملك الحسن الثاني يتحدثون إلى الإذاعة قدموا روايتهم عن الأحداث وعن ملابسات تعرفهم على ملك البلاد وسط المحتجزين في انقلاب الصخيرات
ينبش الإعلامي محمد بن ددوش في ذاكرته الإذاعية قبل 60 سنة، ويسجل في كتابه «رحلة حياتي مع الميكروفون» مجموعة من الذكريات والمشاهدات التي استخلصها من عمله في مجال الإعلام السمعي البصري، وهي ذكريات موزعة على عدد من الفصول تبدأ بأجواء عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، وانطلاقة بناء الدولة المستقلة بعد التحرر من الاحتلال الفرنسي والإسباني، مبرزا موقع الإذاعة المغربية في خضم التيارات السياسية التي عرفتها الساحة المغربية في بداية عهد الاستقلال ومع توالي الحكومات الأولى وتعاقب المديرين الأوائل على المؤسسات الإعلامية. ويرصد الكتاب مكانة وعلاقة الملك الراحل الحسن الثاني بعالم الصحافة ومكانة الإذاعة والتلفزة في حياته، مع الانطباعات التي سجلها المؤلف خلال مواظبته على تغطية الأحداث الهامة التي عاشتها المملكة، وفي مقدمتها حدث المسيرة الخضراء وهيمنة الداخلية على الإذاعة والتلفزة، وضمن الكتاب وقائع تاريخية تنشر لأول مرة حول احتلال الإذاعة خلال محاولة الانقلاب التي كان قصر الصخيرات مسرحا لها في سنة 1971. بعد أيام قليلة من محاولة الانقلاب، تعرفت على أربعة من ضباط وتلاميذ أهرمومو كان لموقفهم في قصر الصخيرات الأثر الحاسم في قلب الوضع الذي كان يتجه نحو مزيد من القتل والدمار واشتداد حدة الخطر المحدق بحياة الملك الحسن الثاني. فهؤلاء الضباط التلاميذ هم الذين تعرفوا على الملك في خضم الأحداث وساعدوا على عملية الإنقاذ، التي كانت نقطة الانطلاق نحو السيطرة على الموقف، مما سيؤدي في النهاية إلى الفشل التام للمحاولة الانقلابية. كان اللقاء مع هؤلاء الأربعة في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية لإجراء مقابلة إذاعية هي الأولى من نوعها منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، والأولى أيضا بالنسبة إلى ظهور هذه الوجوه بأسمائها الحقيقية ورتبها العسكرية وانتماءاتها القبائلية أمام الإعلام الوطني والأجنبي، وبالتالي أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، وعلمت فيما بعد أن هذا اللقاء مع الصحافة المغربية والدولية تم بتعليمات من الملك الحسن الثاني. كان هذا اللقاء الصحافي في مرحلته الأولى خاصا بالإذاعة المغربية، تحدثت فيه إلى هؤلاء العسكريين الأربعة، طارحا عدة أسئلة حول المغامرة التي سيقوا إليها دون معرفة نتيجتها النهائية، حسب قولهم، وحول ملابسات تعرفهم على الملك الحسن الثاني في قصر الصخيرات، كانوا يردون على الأسئلة ويتحدثون بانفعال شديد وبلهجة قوية دلت على أن الأحداث التي عايشوها كانت مازالت ضاغطة على مشاعرهم وأذهانهم. هؤلاء العسكريون الأربعة هم كما عرفوا أنفسهم أمام مكرفون الإذاعة الوطنية: 1 السرجان كنوش ماحوش ( 23 سنة) من الخميسات. 2 مديح حميد ( 20 سنة) من مكناس. 3 بن الطيب محمد ( 21 سنة ) من مكناس. 4 العظم بوسلهام ( 20 سنة) من القصر الكبير. وبالرجوع إلى تصريحات هؤلاء أمام ميكرفون الإذاعة الوطنية والتمعن فيها، لاحظت أن جملة عابرة نطق بها السرجان ماحوش مرت في ذلك الوقت دون أي رد فعل، وهي اعترافه بأن قافلة طلبة مدرسة أهرمومو (توقفت في القاعدة الأمريكية للاستراحة) عندما كانت في طريقها من أهرمومو إلى الصخيرات عبر سيدي قاسموسيدي سليمان وسيدي يحيى، وأوضح ماحوش أن الحرارة كانت مفرطة على متن الشاحنات العسكرية، مما دفع بهم إلى رفع الستائر (ليباش) التي تغطيها حتى ينتعشوا بنسمة هواء، لكن أحد الضباط المؤطرين لهم جاء وأمرهم بإسدال الستائر وكأنه يريد القول إن الانقلابيين لم يكونوا يرغبون في أن يتعرف من بداخل القاعدة على من بداخل هذه الشاحنات. ولا ينبغي أن ننسى أنه في يوم 16 غشت 1972، أي بعد سنة واحدة من محاولة الصخيرات، انطلقت عدة طائرات حربية تابعة لسلاح الطيران المغربي من قاعدة القنيطرة في محاولة جديدة تستهدف حياة ملك البلاد بضرب الطائرة التي تقله وهو طريق العودة من فرنسا إلى المغرب، وكان ذلك في وقت كانت القاعدة المغربية مازالت تضم عددا من الخبراء العسكريين، بالإضافة إلى الأقوال التي راجت في فترة سابقة حول علاقة الجنرال مدبوح بالأمريكيين. لكن الملك أبعد كل شبهة عن الأمريكيين غداة حادثة الطائرة، حين صرح خلال ندوة صحافية عقدها يوم 21 غشت 1972 بقوله: «إن التقنيين الأمريكيين يوجدون هنا قصد تعليمنا شؤون الطيران والمواصلات، فلا يمكن اتهامهم في قضية من هذا القبيل». المرحلة الثانية من اللقاء الصحافي مع الضباط التلاميذ الأربعة كانت خاصة بالصحافيين الأجانب، وأعترف أن أسئلة هؤلاء كانت جريئة ومثيرة في محاولة للحصول على أجوبة واضحة ودقيقة ومعلومات وافرة. كانت الأسئلة تَتْرى من كل جانب باللغة الفرنسية: «هل قتلتم أحدا؟ هل كنتم تعرفون مسبقا أنكم ستقتلون؟ ألم تكن بينكم في الصخيرات جماعتان: جماعة على علم وجماعة لا علم لها؟ هل تشعرون بالعار لما قامت به مدرستكم؟ هل تكلمتم أحرارا وما هي جائزتكم؟ التعليمات أعطيت لكم بالفرنسية، إذن تكلموا معنا بالفرنسية» جاء هذا الطلب الأخير حين كان بعض التلاميذ يميلون أحيانا إلى الحديث بالعربية. رواية التلاميذ الضباط الأربعة استهل السرجان كنوش ماحوش (وهو أعلاهم رتبة) تصريحه بعد السؤال الأول الذي طرحته عليه بقوله: «أنا هو البطل الذي تقدمت، وأفتخر لأقول بأنني أنا البطل، حيث تقدمت عند جلالة الملك وكان رافعا يديه في السماء، وتقدمت نحوه وأعطيته السلام». سؤال: هل عرفته؟ جواب: نعم عرفته، كيف لا أعرف صاحب الجلالة، الإنسان في بطن أمه يعرف صاحب الجلالة. تقدمت نحو صاحب الجلالة، وهبطت (أنزلت) يديه وقلت له عار أن ترفع يدك إلى السماء، وأعطيته سلام سلاح وقبلت يديه ورجليه، و«شدني» (أمسكني) من كتفي و«اداني» (أخذني) صاحب الجلالة وشرحت له الموقف كيف جاء بنا أولئك الناس وكيف ساقونا كالحمير واحنا (ونحن) لا نعرف شيئا، وعندما تعرفنا على الواقع والحقيقة رفضنا الذهاب معهم إلى ليطاماجور (القيادة)، وبقينا هنا مع صاحب الجلالة وقلنا لصاحب الجلالة: نعم أسيدي احنا القرطاس اللي يجي فيك نتعرضو لو ونموتو احنا وتبقى أنت دائما عايش للمغرب ديالنا. سؤال : ماحوش، هل يمكن أن تحدثني كيف خرجتم من أهرمومو وكيف مرت الطريق؟ جواب: نعم ! الساعة اللي خرجنا فيها من أهرمومو كانت الثانية والنصف ليلا ووصلنا حوالي الواحدة والنصف (زوالا) للصخيرات. سؤال: بين أهرمومو والصخيرات، هل كنتم تتوقفون بين حين وآخر؟ الجواب: وقفنا في زاكوطا، أخذنا فترة استراحة وهبطنا (أنزلنا) الباشات في الشاحنات وزدنا على سيدي قاسم، سيدي سليمان وسيدي يحيى (هاديك لاباز أمريكان) «القاعدة الأمريكية» وقفنا هناك في لا باز أمريكان للاستراحة. الجنود في الكاميونات (الشاحنات) كانوا صهدانين (كانت الحرارة شديدة) عاود طلعوا ليباش، جاء قبطان وقال لنا هبطوا (انزلوا) ليباش وهبطنا ليباش، ومن ثم زدنا ودخلنا القنيطرة، وبين القنيطرة والرباط شفنا (رأينا) الناس يمشيو ويجيو (يمشون ذهابا وإيابا)، الطموبيلات تتوقف ويتكلموا مع الكولونيل اعبابو. سؤال: هل عرفتهم؟ جواب: لا لم نتعرف عليهم، ولكننا أعطينا معلومات عن ملامحهم للمسؤولين المكلفين. 2 اسمي مديح حميد من مكناس (20 سنة) سنتان في مدرسة أهرمومو سؤال : كيف كانت الرحلة وماذا قالوا لكم في الطريق؟ جواب: عندما وقع الهجوم على القصر العامر بالصخيرات، كانوا يقولون لنا وبالأخص رئيس فرقتنا، امحمد اعبابو، (قالوا لنا هذا الكلام في ملاعب الكولف)، قالوا لنا إن ملككم في خطر، وهو في حالة خطيرة وعليكم أن تعتقوه وتنقذوه وإذا أردتم إنقاذه عليكم أن تضربوا وأن يكون الضرب واعر (شديد) ضربوا مليح، في تلك الساعة حين نزلنا من الكاميونات بدأنا نضربهم حتى كانت الأكثرية من عباد الله مقتولة ومجروحة من بعد، الكاميونات مشاو في حالهم. سؤال: متوجهين إلى أين؟ جواب: الله أعلم مشينا حنا طلعنا للقصر الملكي وجدنا الناس محبوسين، في تلك الساعة أنا وواحد الأخ ديالي كنا متجهين للأمير مولاي عبد الله وإلى قاع البلاط لنداويه لأنه كان مجروحا في يده ورجله، وفي ذلك الوقت وحنا غادين بالأمير مولاي عبد الله كانت هناك جماعة من التلاميذ تقول: «الملك الملك»، في ذلك الوقت قال لي الأمير مولاي عبد الله: أجري (أسرع) أتيني بأخي، ذهبت بسرعة حتى وقفت بجانب صاحب الجلالة قبلت يده ورجليه وقلت له، أخوك مجروح. جاء معنا وأنا قابض في يده اليمنى إلى أن وصلنا عند الأمير مولاي عبد الله، وتعانقا وبدأنا كلنا نبكي يقول لأخيه: اللهم إن هذا لمنكر، الله يا أخي مولاي عبد الله، الله يا أخي مولاي عبد الله. سؤال: عندما كنتم في الطريق وعندما اقتربتم من الصخيرات هل أعطاكم رؤساؤكم شيئا ما أكلتموه؟ جواب: إذا كان هناك شيء غير عادي أكلناه، فيكون ذلك مع القهوة التي نتناولها كل صباح، فقد شربنا القهوة في الساعة الثانية والنصف أو الواحدة والنصف ليلا، وإذا كان شي حاجة فمن الماء، فالماء الذي كنا نشربه عادة كان مقطوعا وكنا نعمر (نملأ) الماء من السيتيرن (الشاحنة الصهريج). 3 اسمي بن الطيب محمد من مكناس (21 سنة وعامان في أهرمومو) سؤال: عندما كان الرصاص يلعلع في الصخيرات، هل شعرتم بما كان يجري بالضبط؟ جواب: الشيء الذي شعرنا به هو أن الناس الذين كانوا واقفين هناك بعضهم كان يضحك والبعض يتفرج، لما رأينا ذلك كنا نرى أن هناك حفلة أو مناورة، ما ابغاش يتصور لي لحد الآن في بالي، قلت في بالي (في نفسي) ادراري (أي الجنود) يضربون بالرصاص والناس شي يكمي (يدخن) وشي يتفرج وليس هناك ما يدعو إلى الخوف. 4 اسمي العضم بوسلهام من القصر الكبير (20 سنة وعامان في أهرمومو) سؤال: احك لنا أنت أيضا ماذا وقع لكم؟ عندما كنتم تعتزمون مغادرة أهرمومو هل شعرتم بشيء غير عادي؟ جواب: فقنا (استيقظنا) واعطونا السلاح، فقنا مع الثانية صباحا من بعد ذهبنا إلى الريفيرطوار ( قاعة الأكل) وشربنا القهوة وملأنا الماء من السيترن لأن الماء كان مقطوعا في الروبيني، وبعدما وجدنا (أعددنا) أنفسنا قالوا لنا : انباركي (اركبوا الشاحنات). سؤال : متوجهين إلى أين؟ جواب: كنا على أساس الذهاب إلى بن سليمان لإجراء مناورات كما قالوا لنا خرجنا من اهرمومو، من بعد دخلنا وسط مدينة فاس، مررنا بسينما لامبير، مشينا على طريق زاكوطا، توقفنا هناك، إلى أن وصلنا إلى بوقنادل، أدخلونا الغابة، هبطنا (نزلنا) للاستراحة لمدة عشر دقائق ثم نادوا علينا للتجمع لنستأنف المسير. وعندما أوشكنا على الوصول إلى الصخيرات قال لنا الضباط: استعدوا، ادخلوا الشارجور (خزان الرصاص ) واسكتوا، صافي هاذ ما قالوه لنا. من بعد دخلنا للقصر شفنا (رأينا) الناس يضحكون ناشطين، اقترب المدنيون منا ضاحكين ناشطين، القبطان بالكبير يقول لنا: أطلقوا الرصاص في الفضاء، وبعد ذلك يقولون لنا أنقذوا ملككم، فالعدو داير به (محيط به)، لم نعرف من هو هذا العدو وأين هو، زدنا واستمرينا في إطلاق النار في الفضاء، بقينا على هذه الحالة حتى شفنا الكولونيل اعبابو امبارك (راكب السيارة) مع التلاميذ وذهب إلى حال سبيله. احنا واحد الساعة عثرنا على ملكنا شبرناه، قبلت يده وحملته وسط الناس وأخرجته، ودارو بي الدراري (أحاط بي الجنود) وقلنا لهم: هذا هو سيدنا ودار معنا الدعاء، من بعد قرأ معنا الفاتحة وكنا نقول: عاش الملك، من بعد قال لنا، ابحثوا لي عن آخي مولاي عبد الله، والتقينا معا، صار يتبادلان القبل، قال يا أخي اللهم إن هذا لمنكر، اللهم إن هذا لمنكر، من بعد ذهبت مع الجنرال أوفقير.