غابت الألوان السياسية أثناء مناقشة مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب خاصة في ما يتعلق بتمثيلية النساء، والتي خصص لها ضمن اللائحة الوطنية 60 مقعدا إلى جانب 30 مقعدا للشباب، إذ ارتفعت أصوات مختلف البرلمانيات سواء من الأغلبية أو المعارضة داخل لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية من أجل الدفاع عن الرفع من تمثيلية المرأة في أفق تفعيل مبدأ المناصفة. وبالرغم من هذا الإجماع فإن الوصول إلى هذا الهدف يختلف من فريق إلى آخر، بين من يرى ضرورة أن تبقى اللائحة الوطنية حكرا على المرأة مع ترشيح الشباب في الدوائر المحلية، وبين من يقول بإشراكهما معا. رأي الاتحاد الاشتراكي أدلى به خلال مناقشة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، والذي يذهب في اتجاه احترام المغرب لالتزاماته الخارجية والمبادئ التي يؤمن بها الحزب الاشتراكي الذي يعطي مكانة للمرأة، حسب قول عائشة كلاع، عضو الفريق الاشتراكي، والتي قالت إنه أول حزب قرر تخصيص كوطا عبر تمثيلية 20 في المائة للمرأة داخل الأجهزة الحزبية سواء المحلية أو الإقليمية والوطنية، والتي ارتفعت إلى 25 في المائة. ومع مجيء الدستور الجديد الذي يهدف إلى المناصفة، فإن المذكرة التي وجهها حزب الوردة إلى وزارة الداخلية أثناء إعداد مشاريع القوانين الانتخابية، ترمي إلى حصر اللائحة الوطنية على النساء باعتبارها تمييزا إيجابيا وليس امتيازا، والذي دعت إليه ضرورة الواقع بفعل تراكمات المجتمع التقليدي والإشكاليات الثقافية، حسب قول كلاع. ومن بين مقترحات الحزب أن تكون لائحة وطنية تضم 130 امرأة فقط، أما الشباب، تضيف النائبة البرلمانية، فإنه حقيقة يواجه عراقيل كي يتبوأ مكانة في العملية الانتخابية، غير أنه يمكن أن تكون له مساهمة فعلية من خلال البحث عن آليات أخرى غير اللائحة الوطنية عبر تخصيص دوائر له كي يتبارى في الحياة السياسية. ومن بين المطالب التي اقترحها الفريق الاشتراكي، خلال لجنة الداخلية بمجلس النواب، أن تكون المقاعد الخاصة باللائحة الوطنية هي 90 مقعدا التي تضمنها مشروع القانون خاصة بالنساء على أن يخصص مقعدين في كل دائرة جهوية للشباب ليحصلوا بدورهم على 32 مقعدا، وفق ما أكدته كلاع ل«المساء»، التي قالت إن التعديلات التي ستقدمها أحزاب الأغلبية غدا الثلاثاء ستأتي من أجل دعم مكانة المرأة والشباب داخل المؤسسة التشريعية. أما فريق العدالة والتنمية الذي تبنى طرح تخصيص اللائحة الوطنية للنساء وللشباب مع تمثيلية للجالية، حسب ما أكدته بسيمة الحقاوي، عضو الفريق، والتي قالت إن ذلك يأتي من منطلق أنه »لا يجب إقصاء أي فئة تعاني من التهميش وسبل انخراطها في العملية السياسية مثل الجالية والتي أثير حول ملفها الكثير من اللغط مما جاء في هذا المشروع كالتصويت بالوكالة مع ارتفاع أصواتها مطالبة بحقها في الترشح ، فيجب أن نمنحها هذا الحق من خلال قناة تيسر هذا الأمر وهذا يمكن أن يتأتى من خلال اللائحة الوطنية». وكان من الممكن، حسب الحقاوي، أن يتم الاتفاق بين الأحزاب السياسية على أن ترشح الشباب في دوائر محلية، وهو ما لم يتم، لذلك فإن ترشيحهم بنسبة أقل من النساء ومنحهم نسبة 30 مقعدا قد تكون مواتية ومناسبة. أما حزب الاستقلال فقد انتهى في مجلسه الوطني الأخير، الذي هو أعلى هيئة تقريرية، إلى ضرورة إشراك النساء والشباب مع تفعيل إشراك النساء باللائحة الوطنية بشكل أكبر بعدما أصبحت نسبة 10 في المائة متجاوزة، خاصة أن دولا صديقة وشقيقة وصلت إلى نسبة أكثر من 20 في المائة، وفق ما أكدته فتيحة البقالي، عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، والتي أشارت، في تصريح لها ل«المساء» إلى أنه أضحى ضروريا على المغرب رفع نسبة المرأة بما يناسب وضعيته الديمقراطية في ظل العهد الجديد، والذي من بين آلياته تخصيص لائحة وطنية للنساء والشباب، هذا الاقتراح الذي ترفضه الحركة النسائية التي تصر على أن تظل خاصة بالنساء فقط، حسب قول البقالي. وترى النائبة الاستقلالية أن الرهان الذي يجب وضعه هو الإصرار على رفع نسبة تواجد المرأة في الدوائر المحلية والإقليمية، لاسيما أن النساء في الجماعات المحلية استطعن تحقيق العديد من المنجزات، وهذا لن يحصل إلا بتخصيص 20 في المائة من الدوائر المحلية إلى جانب اللائحة الوطنية . وإذا كان الاختلاف حول آلية تمثيلية النساء والشباب بالنسبة للائحة الوطنية، فإن الإجماع حصل حول رفض المادة 5 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، خاصة الفقرة الثانية منها والتي ورد فيها أنه «لا يؤهل للترشح للعضوية في مجلس النواب برسم الدائرة الوطنية كل شخص سبق انتخابه عضوا في المجلس المذكور برسم نفس الدائرة الانتخابية». هذه المادة التي اعتبرت من قبل نواب الأغلبية والمعارضة تحكما لوزارة الداخلية في الشأن الداخلي للأحزاب السياسية وبمثابة تحقير وإهانة للمرأة، لأنها تحرم نساء اللائحة الوطنية من الترشح مرة أخرى ضمن نفس اللائحة، وهو ما نفاه الطيب الشرقاوي، وزير الداخلية في رده أثناء مناقشة المشروع بلجنة الداخلية بمجلس النواب، على هذه الاتهامات الذي قال إنه يؤكد على مبدأ المناصفة كما جاء في الدستور الجديد. وفي هذا الصدد طالبت بسيمة الحقاوي، في تصريح ل«المساء» بمحاربة المادة 5 وإسقاطها من هذا القانون، ليست لأنها غير مبنية على منع غير مشروع أو أنها تعني النساء بل إنه من «الناحية السياسية لا يجوز أن تجعل وزارة الداخلية نفسها محل الأحزاب وتتخذ قرارا تفرضه عليها من خلال مشروع قانون وتلزم به الحزب وتنزله على أعضاء الدائرة الوطنية». إسقاط هذه المادة، نظرا للاعتبارات التي ذكرت سابقا، تراه الحقاوي ضروريا، وتقترح أن يؤخذ بمضمونها من خلال ميثاق شرف للأحزاب السياسية لكون اللائحة الوطنية إجراء انتقالي ولا ينبغي أن يعتمد عليه فيما يخص تمثيلية النساء، بل يجب تقديم وجوه نسائية للدوائر المحلية تأهلت من خلال اللائحة الوطنية. وإذا كانت المرحلة تقتضي الأخذ بمبدأ المناصفة وفقا للدستور، غير أن ذلك لم يتحقق، فإن الكرة في ملف الأحزاب السياسية والتي يجب أن تعمل وزارة الداخلية على تحفيزها من خلال ميثاق شرف قصد ترشيح النساء في الدوائر المحلية من أجل «بداية تنزيل مقتضيات الدستور وطيا للمسافات التي تفصلنا على التطبيع مع المرحلة العادية التي ترشح فيها النساء وتصل إلى المجالس المنتخبة بشكل طبيعي»، حسب ما قالته بسيمة الحقاوي، عضو فريق العدالة والتنمية. وهو الرأي ذاته الذي تذهب إليه النائبة الاستقلالية فتيحة البقالي، التي تؤكد أن المادة 5 من مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب «غير دستورية وغير قانونية وغير أخلاقية»، لأنها تشكك في مصداقية العمل النسائي، واعتبرت البقالي أن إعادة ترشيح نساء اللائحة الوطنية مرة أخرى ضمن هذه الآلية حق تملكه الأحزاب وحدها وهي وحدها المؤهلة لاختيار من يصلح ومن لا يصلح، والتي عليها أن تقطع مع زمن »الترضيات» وأن تفكر فقط بمنطق الكفاءة والجدية. وإذا كانت مختلف الآراء تذهب في اتجاه رفض المادة 5 من مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، ومطالب أخرى بتخصيص اللائحة الوطنية للنساء فقط، فإن الأسبوع المقبل كفيل بالكشف عن المواقف الحقيقية للفرق البرلمانية من خلال تعديلاتها التي ستقدمها غدا الثلاثاء ومدى تشبثها بها أثناء التصويت على المشروع.