نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    وزارة الاقتصاد والمالية: المداخيل الضريبية بلغت 243,75 مليار درهم عند متم أكتوبر 2024        في لقاء مع الفاعلين .. زكية الدريوش تؤكد على أهمية قطاع تحويل وتثمين وتسويق منتجات الصيد ضمن النسيج الإقتصادي الوطني    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    كيوسك الخميس | 80 في المائة من الأطفال يعيشون في العالم الافتراضي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    الفتيان يواصلون التألق بالفوز على ليبيا    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    بوريطة يستقبل رئيسة برلمان صربيا    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        ولد الشيخ الغزواني يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال    العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية تقرر تغيير توقيت انطلاق ديربي البيضاء    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل نجاة فنانة مصرية من الموت        نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناتو لليبيا.. والفيتو لفلسطين
نشر في المساء يوم 23 - 09 - 2011

حسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمره، وشدّ الرحال إلى الأمم المتحدة لتقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو عام 1967، ومتحديا كل الضغوط والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية التي تطالبه بالتراجع عن هذه الخطوة، والعودة إلى طاولة المفاوضات مجددا.
خطوة الرئيس عباس هذه مغامرة محفوفة بالمخاطر الشخصية والوطنية، فالذهاب إلى مجلس الأمن قد يعني عدم الحصول على الأصوات التسعة المؤيدة التي تتطلبها الإجراءات المتبعة لتحويل الطلب إلى الجمعية العامة؛ وحتى إذا حصل الطلب على هذه الأصوات فإن «الفيتو» الأمريكي جاهز؛ وهناك مخاوف عبّر عنها السيد رياض منصور، سفير فلسطين في الأمم المتحدة، مفادها أن أمريكا قد تلجأ إلى المماطلة والتسويف وتجميد الطلب في مجلس الأمن لأشهر عدة، بحجة الدراسة والتشاور.
الاعتراف بدولة مراقبة أو كاملة العضوية، في حال الحصول عليه، سيكون انتصارا «معنويا» لن يغير أي شيء على أرض الواقع، رغم كل محاولات «تجميله» من قبل الآلة الإعلامية المرافقة للرئيس، ولكن في زمن الهزائم و»اللافعل» الفلسطيني الرسمي، تتضخم الانتصارات الصغيرة.
الرئيس عباس ذهب إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف بدولة وهمية، بلا أرض ولا حدود ولا سيادة، من منطلق اليأس، وليس من منطلق القوة، وبعد أن توصل إلى قناعة راسخة، بعد عشرين عاما من المفاوضات المهينة والمذلة، بأن الدولة الفلسطينية المستقلة، التي من المفترض أن تتوج اتفاقات أوسلو أو تأتي نتيجة لها، مستحيلة؛ ولذلك قرر، أي الرئيس عباس، أن يذكره التاريخ ولو بسطر واحد، أنه حقق هذه الدولة على الورق على الأقل، ليتقاعد بعدها من السلطة وهو مطمئن إلى تحقيق إنجاز ما.
الشعب الفلسطيني فوجئ بهذه الخطوة، مثلما فوجئ بخطوات أخرى مثل اتفاقات أوسلو، فرئيس السلطة لم يتشاور مع أحد، فلم يعقد مجلسا وطنيا أو تشريعيا، ولا حتى مؤتمرا شكليا لمجموعة من الفعاليات والكفاءات الفلسطينية، تمثل مختلف المشارب والآراء والخبرات، ولا حتى مع طرفي المصالحة الفلسطينية التي وقعها في القاهرة. الرئيس قرر وعلى الشعب الطاعة والمساندة، وهذا أمر على درجة كبيرة من الخطورة لم يتوقف عنده إلا القليلون.
يجادل المقربون من الرئيس بأن الذهاب إلى الأمم المتحدة أربك الإسرائيليين ووضع الرئيس الأمريكي وإدارته في موقف حرج، ولكنه أحرج أيضا الشعب الفلسطيني وبعض مثقفيه، بحيث بات تأييدهم أو معارضتهم لهذه الخطوة تحصيلَ حاصل، لا يقدم أو يؤخر في الأمر شيئا.
تأييد القرار يعني تجاوز العديد من المخاطر المشروعة، مثل احتمالات التضحية بحق العودة، وإنهاء تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني في الوطن والمنفى، وحصر الحقوق الفلسطينية المشروعة في أقل من عشرين في المائة من أرض فلسطين التاريخية؛ فالقرارات الأممية الجديدة تجبّ ما قبلها، أي أن القرار الجديد يلغي القديم، وهذه قاعدة قانونية معروفة، والاعتراف بدولة في حدود عام 1967 قد يلغي قرار التقسيم 181 ويفرغ قرار 194 حول حق العودة من مضمونه. وسيجادل الإسرائيليون، وما أبرعهم في الجدل، بأن هذا الحق بات محصورا في الدولة الفلسطينية في حدودها المقررة بقرار الجمعية العامة، وربما يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك، ويفرضون حق العودة إلى هذه الدولة على المواطنين العرب في فلسطين المحتلة عام 1948.
أما معارضة هذه الخطوة، فقد تفسر بأن صاحبها يعارض ما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني، الذي يردده رجال السلطة وحواريوهم بكثرة هذه الأيام، ويقف في الخندق الإسرائيلي، ولا يريد وقوع الإدارة الأمريكية بأي حرج يتمثل في استخدامها حق النقض «الفيتو»، وهي اتهامات معيبة، علاوة على كونها مرفوضة وتعكس عقلية طابعها ابتزازي إقصائي صرف.
نضحك على أنفسنا إذا قبلنا بالمنطق الذي يتسلح به المتبنون لهذه الخطوة، مثل القول إن الاعتراف بفلسطين كدولة عضو أو مراقب في الأمم المتحدة سيجعل الاحتلال أو العدوان الإسرائيلي احتلالا من قبل دولة لأخرى عضو في الأمم المتحدة، وسيمكّن الفلسطينيين من الانضمام إلى محكمة جرائم الحرب الدولية (إسرائيل لم توقع على ميثاقها) وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين بالتالي، فربما يكون هذا الطرح صحيحا على الصعيد النظري، ولكن لا قيمة له على أرض الواقع، فأمريكا احتلت العراق وأفغانستان، وإسرائيل اعتدت على لبنان، الدولة العضو، واحتلت أراضيها، مثلما احتلت أراض سورية ومصرية، وقتلت بالأمس ستة جنود مصريين.
لدينا تقرير غولدستون الأممي الذي أكد ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب ضد الإنسانية في قطاع غزة، ولدينا قرار محكمة العدل الدولية الذي اعتبر الجدار العنصري في الضفة الغربية غير قانوني، فماذا فعلت لنا الأمم المتحدة، وبماذا أفادتنا إدانة إسرائيل الدولية هذه؟
الرئيس محمود عباس يجتهد ويحاول أن يخوض حروبا سياسية ودبلوماسية، ويتحدى الأمريكيين والإسرائيليين ويحشد المجتمع الدولي ضدهم، وهذا جميل واجتهاد لا غبار عليه، ولكنه يشكل هروبا من المواجهة الحقيقية، أي في الداخل الفلسطيني، فمعركة الرئيس عباس يجب أن تكون مع الاحتلال الإسرائيلي ومستوطناته ونهبه للأرض والثروات الفلسطينية.
الشعوب العربية الثائرة قدمت له ولنا دروسا بليغة، ليس في تغيير الأمر الواقع، وإنما في تغيير أنظمة ديكتاتورية ضاربة الجذور في عمق الفساد والقمع، مما أدى إلى قلب كل معادلات القوة وموازين القوى.
استجداء الحلول والاعترافات لا يغير أي شيء، وإن غيّر فإلى الأسوأ. ونتائج اتفاقات أوسلو الكارثية ما زالت ماثلة في الأذهان، استيطانا وإذلالا وتهويدا للقدس.
الربيع الفلسطيني لا يجب أن يزهر في الأمم المتحدة فقط، وإنما على الأرض الفلسطينية أيضا، فمن المعيب أن يكون هذا الشعب، مفجر الثورات ومقدم النموذج في تحدي الظلم، هو آخر من يلتحق بقطار الثورات العربية وأرضه محتلة وعدوه متغطرس وقيادته ضعيفة، مشلولة، بل ومعزولة عن شعبها وعن واقعها العربي.
سنقف حتما في خندق أي مواجهة مع الإسرائيليين والأمريكيين في الأمم المتحدة، ولكننا في الوقت نفسه لن نتخلى عن تحفظاتنا ومخاوفنا وإصرارنا على الثوابت الفلسطينية، مثلما سنظل نعتبر أي انتصار في الأمم المتحدة ناقصا طالما لم تتبعه انتفاضة شعبية ترهق الاحتلال الإسرائيلي وتجعله مكلفا، على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
نريد أن نرى مائة ألف متظاهر كل يوم جمعة في ميدان المنارة في رام الله أو أمام حاجز قلنديا، الذي يحرم أجيالا من رؤية القدس والصلاة في الأقصى. نريد أن نرى السلطة في خدمة قضايا الشعب المصيرية، وليس لتخدير هذا الشعب بمبادرات صغيرة للحصول على دولة وهمية.
إسرائيل تعلي سقف مطالبها وتقدم كل يوم مطلبا تعجيزيا جديدا مثل الاعتراف بها كدولة يهودية، لطرد العرب منها، بينما نحن أو قيادتنا، نخفض سقف مطالبنا، فقد كان الرد الأمثل على إسرائيل وقيادتها اليمينية ليس المطالبة بالاعتراف بدولة في حدود عام 1967، وإنما بدولة ديمقراطية مدنية على كامل التراب الفلسطيني، تتعايش فيها الأديان والأعراق على قدم المساواة، وإعلان فشل حل الدولتين، وإعادة إحياء منظمة التحرير ومؤسساتها على أسس إصلاحية علمية، تستوعب الأجيال والمتغيرات النضالية الفلسطينية وتستأصل اللحم الميت المتراكم على مفاصلها، وضخ دماء جديدة شابة.
إسرائيل تعيش عزلة دولية ليس بفضل نضال الفلسطينيين فحسب، وإنما بسبب أخطائها القاتلة أولا، وغرور قوتها المتغطرس ثانيا، والثورات العربية التي أطاحت وستطيح بجميع حلفائها أو الأنظمة التي رضخت لإرهابها. ومن المفترض أن يعمق الفلسطينيون والعرب هذه العزلة بضغط داخلي مكثف على الاحتلال ومستوطنيه، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن.
فمن كان يصدق أن تركيا، الحليف الأكبر لإسرائيل في المنطقة والعالم الإسلامي، تنقلب عليها وتطرد سفيرها وتجمّد كل العلاقات التجارية والعسكرية معها، ومن كان يحلم بأن يقتحم الثوار المصريون السفارة الإسرائيلية في القاهرة ويبعثرون محتوياتها ويحرقون علمها، ويهرب دبلوماسيوها من الجحور الخلفية مثل الفئران طلبا للنجاة، متخفين بكوفيات فلسطينية طالما كرهوها وحاربوها باعتبارها رمز العزة والمقاومة.
ختاما، نقول للرئيس عباس ألا يعول كثيرا على الانتصارات الدبلوماسية، رغم أهميتها، وعليه العودة إلى أدبيات المقاومة الأولى، وتتويج تاريخه بانتصار حقيقي على الأرض وليس بقرار جديد من الأمم المتحدة.. عليه تحرير الشعب الفلسطيني من عبودية الراتب، وتقديم المصلحة الوطنية على الأمور الحياتية المعيشية التي تؤدي إلى البلادة التي نراها حاليا.
نتمنى أن يضيف الرئيس عباس إلى خطابه في الأمم المتحدة عبارة تقول للرئيس أوباما إنك تتدخل بالطائرات والصواريخ وحلف الناتو في ليبيا والعراق وأفغانستان لنصرة الشعوب ومعركتها من أجل التحرر، بينما تتدخل باستخدام الفيتو ضد الشعب الفلسطيني لحرمانه من حقوق أساسية كنت أول من اعترف بها، وتطالب هذا الشعب بالوصول إلى دولته عبر التفاوض مع أعدائه، وهو ما لم نقله لليبيين والعراقيين وغيرهم. كفى نفاقا.. ولكن العيب ليس في أوباما وساركوزي وبلير وكاميرون وميركل، وبقية منظومة النفاق، وإنما فينا كعرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.