«كنت دوما أشعر أن أحدا ما يضاجعني. يفعل ذلك باستمرار كلما نمت. في البدء اعتقدت أن ذلك مجرد حلم. لكنه بدأ يتكرر كل مرة. في الصباح حينما كنت أستيقظ من نومي كنت أجدني جد مرهقة. فيما بعد سأكتشف، بعد أن بدأت أداوم على العلاج بالرقية لدى الزلماضي، بأن من كان يضاجعني في النوم جني وليس أحدا غيره». هكذا حكت لي (ف.ز) حينما كنت في زيارة إلى المعالج القرآني الزلماضي أثناء إعداد هذا الملف. جني يقتحم حياتي تقصد (ف.ز) أحمد الزلماضي باستمرار لرقيتها. عشرات الأشخاص يفعلون نفس الشيء يوميا بحثا عن علاج يخلصهم من السحر أو المس والجن. «نسبة كبيرة ممن يقصدونني للعلاج يشبهون (ف.ز)، وأغلبهم من النساء» يقول الزلماضي. نادرا ما تتحدث هذه السيدة المتزوجة منذ سنوات عما تعانيه.تخشى دوما أن يساء فهمها أو تُنعت بالمجنونة. لكن بمجرد ما سألها معالجها أن تحكي لي قصتها-بعدما أطلعها على هويتي وقصدي- حتى امتثلت دون تردد. وجهها الأمومي الهادئ يوحي لمن ينظر إليها بأن لا شيء يكدر حياتها.لكن خلف ذاك الهدوء كانت تمور حياة ضاجة بالمشاكل، كادت تعصف بزواجها. بقيت (ف.ز) في البدء مترددة قليلا دون أن تدري كيف تبدأ حكايتها أو كيف ترويها. «حياتي انقلبت كليا. تبدلت.أنا نفسي تبدلت منذ اقتحم ذلك الجني حياتي» تقول بشيء من الحزن. حدث ذلك بعد زواجها بأعوام قليلة دون أن تعرف السبب. كانت قد وضعت للتو مولودها الثاني. في ذلك الوقت، تروي هذه السيدة الثلاثينية، «بدأت حياتي تتغير. أصبحت لا أطيق زوجي وأكره رائحته. كان وجوده بقربي يشعرني بالتقزز. في ذلك الوقت أيضا بدأت ألاحظ أن أحدا ما يزورني في النوم ويضاجعني بشكل حقيقي كما كان يفعل زوجي. وفي الصباح كنت أنهض من نومي قلقة، مرهقة، والصداع ينهش رأسي». تكرر هذا الحادث أكثر من مرة. وفي كل مرة كانت تحس أن شيئا ما غير طبيعي يحدث لها. لكنها لم تكن تدري ما هو. كان من الصعب أن تحكي ذلك لزوجها أو عائلتها أو أي شخص آخر، وكان الحل الوحيد أمامها أن تلوذ بالصمت أو تلجأ إلى دموعها بحثا عن خلاص ما. في تلك الأثناء بدأ زوجها يلاحظ انزواءها ونفورها منه، وازدادت شكوكه أكثر حين بدأت ترفض ممارسة الجنس معه كلما دعاها إلى ذلك بدعوى أنها مريضة. «لم يكن زوجي يفهم ما يحدث لي.أنا نفسي لم أكن أفهم ما يحدث. لكن أشد ما كان يثير غضبه هو رفضي المتكرر النوم معه. كان يظن بأني أتهرب منه، وأنني أدعي المرض كي أتملص من حقه في معاشرتي. حاولت أكثر من مرة أن أشرح له بأنني فعلا مريضة، مرهقة ولا أستطيع فعل أي شيء. لكنه كان يعتبر ذلك كله مجرد أعذار واهية. أؤكد لك، لم تكن أعذارا. كنت بالفعل أشعر بأني متعبة ومريضة باستمرار. الغريب أن الطبيب حين كان يفحصني كان يقول لي إنني لا أعاني أي شيء. والغريب أكثر أن المرض والإرهاق كانا معا يتلاشيان فجأة بمجرد ما يشرع ذلك الشخص في مضاجعتي. في تلك الفترة لم أكن أعرف بأنه جني. إذ كان يأتيني في صورة شخص أعرفه. الغريب أن ذلك الشخص لم تكن تربطني به أي علاقة. كنت فقط أراه بالقرب من الحي الذي أسكن به. لم أكن أعرف لماذا هو بالتحديد. في بعض الأحيان كنت أرى أشخاصا آخرين يمارسون علي الجنس، لكنهم يختفون فيما بعد ويبقى هو وحده من يزورني باستمرار». تهديد بالقتل توالت الزيارات، تحكي(ف.ز)، وصارت أكثر بعدا عن زوجها. لم تعد تشاركه غرفة النوم كما في السابق، وصارت أكثر نفورا. وحتى في المرات القلائل، التي كان يلح عليها أن تنام معه، كان يصاب ببرود جنسي ولا يستطيع لمسها. «كان ذلك غريبا.إذ لم يسبق له أن عانى من مثل هذه الأشياء سابقا» تقول (ف.ز). هذا الوضع كهرب أكثر العلاقة بين الزوجين. وزادها تشنجا تلك العدوانية التي بدأت تنتابها تجاهه. كانت فترة صعبة ومليئة بالمشاكل والصراعات، تروي هذه السيدة، قبل أن تضيف «كنا يوميا نتشاجر. وفي الليل أُصبح أكثر عدوانية. كنت أحيانا أضربه بعنف وأمزق ثيابه، وحينما أستيقظ صباحا لا أتذكر شيئا مما فعلته ليلا.في إحدى المرات استيقظت فوجدت وجهه مدمى وثيابه ممزقة، ومرة أخرى وجدته عاريا بأكمله ووجهه مليء بالخدوش. كان مرميا على الأرض ويتنفس بصعوبة». حينما بلغت الأمور هذا الحد بدأ الزوج يخشى على نفسه من زوجته، خصوصا أنها هددته أكثر من مرة بالقتل إن لم يطلقها، لكنه لم يفعل. عوض ذلك صار يغلق عليه باب غرفته مخافة أن يتعرض لأي أذى، فيما كانت هي تنام مع طفليها في غرفة أخرى. صار الاثنان أشبه بالمنفصلين. تجربة قاسية في هذه الفترة نصحتها إحدى قريباتها بتجريب الرقية الشرعية بعدما عجز الطبيب عن علاجها، فقصدت أحمد الزلماضي، الذي دلتها عليه. وكانت تلك أول مرة تجرب ذلك. «خلال جلسات العلاج الأولى بالقرآن- تحكي (ف.ز)- أصبت بالصرع، وعلمت فيما بعد أني «مسكونة» بجني نتيجة سحر ما، وأنه هو من كان يضاجعني وكان وراء كل تلك المشاكل التي كنت أعانيها. شرعت في العلاج بالرقية وبدأت حالتي تتحسن.لم يعد ذاك الجني يظهر لي باستمرار.كما أن علاقتي بزوجي تحسنت قليلا». وكانت النتيجة أن حملت بعد سنوات من الانتظار. كان حدثا استثنائيا بالنسبة إليها، فرحت به كثيرا، لكن الأمور لم تمض كما كانت تشتهي.إذ بعد فترة قصيرة أصيبت بمرض كاد يذهب بحياتها، وفقدت بسببه مولودها. عن هذا الحادث تحكي (ف.ز): «أتذكر قبل أن أجهض أني حلمت بمجموعة من الأشخاص يعتدون علي ويضربونني على بطني. كانوا يفعلون ذلك بقوة وكنت أصرخ من شدة الألم إلى أن بدأت أنزف دما. بعد ذلك الحلم بمدة وجيزة سقطت مريضة وأجهضت فيما بعد. كانت تجربة قاسية بالنسبة إلي». بعد ذلك الحادث لم تحبل (ف.ز) مرة أخرى.سألتها: لماذا؟ فأجابتني «ربما يئس زوجي مني ولم يعد يكترث بذلك.لقد أصبحنا زوجين بالاسم فقط».رغم ذلك ظلت(ف.ز) تداوم على الرقية كي تتخلص نهائيا مما تعانيه وتعود مرة أخرى إلى سابق عهدها. لكنها أحيانا حين تتوقف عن الرقية كأن تتكاسل أو تمرض أو تنشغل بشيء ما، كما تقول، «يعود ذلك الجني إلى الظهور وتبدأ المشاكل من جديد.لذا لم أعد أتهاون في محاربته بالرقية. مؤخرا غاب تماما.لكن بين الحين والآخر أشعر بشيء أشبه بالبرق يخترقني فأقفز مذعورة. لايدوم ذلك سوى برهة قصيرة أشبه بلمح البصر ثم يختفي. أعتقد أنه لم يعد يستطيع الاقتراب مني كما في السابق». تنهي (ف.ز) حكايتها، تبتسم بحزن وتستأذن في الذهاب.فيما ظل وجهها محافظا على هدوئه، موحيا للناظر إليه بأن لاشيء ينغص حياتها.