تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية        بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    ضربة جديدة لنظام العسكر الجزائري.. بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جنايات طنجة تدين المتهمين في ملف فتاة الكورنيش ب 12 سنة سجنا نافذا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليازغي: إدريس البصري كان ضد وجود حزب الاستقلال في الحكومة وعلاقته مع الأموي كانت قوية
أطراف في القصر الملكي كانت ضد أي تقارب بين الاتحاد والاستقلال حتى لا يتغير ميزان القوى في المشهد السياسي
نشر في المساء يوم 12 - 09 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.

في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.

- بعد تعديل الدستور، شكل توقيع وثيقة بين جميع الأحزاب في مقر وزارة الداخلية أول اعتراف منكم ب«شرعية» الأحزاب التي كنتم تصفونها ب«الأحزاب الإدارية»..

هذه الوثيقة لم تكن في محلها، وللأسف أن الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي تحمس لها آنذاك، وتمت صياغتها. إنه لا معنى لأنْ يكون لنا ميثاق شرف مع أحزاب فاقدة للإرادة، لأن الوثيقة كانت من اقتراح وزير الداخلية، وهو الذي حرص على توقيع جميع الأحزاب عليها.

إن تلك الأحزاب صنيعة لوزارة الداخلية التي كانت تؤسسها وتسهر على رعايتها وعلى تزوير الانتخابات، إن اقتضى الحال، من أجل فوز عدد من مرشحيها، وبالتالي فإن وزارة الداخلية هي التي كان يجب أن تجبر على الالتزام بنزاهة الانتخابات وإبعاد كل آليات التزوير والتزييف والغش وحماية الفساد.

ولا يستبعد أن هدف وزير الداخلية من تلك الوثيقة كان هو أن يزعزع مصداقية الأحزاب الديمقراطية ويقول للمواطن إن كل الأحزاب الموجودة في المشهد السياسي دخلت تحت عباءة وزارة الداخلية.. الوثيقة حول ميثاق الشرف كانت في الواقع مصيدة.

- الانتخابات المحلية حظيت بارتياحكم، هل اعتبرتموها مؤشرا على أن الانتخابات التشريعية ستمر في أجواء تطبعها النزاهة والشفافية؟

بالتأكيد، حملت الانتخابات المحلية التي جرت في يونيو 1997 مؤشرات إيجابية وتحسنا في أداء الإدارة الترابية وتعاملها مع مرشحي أحزاب الكتلة الديمقراطية، ولو أن وزارة الداخلية لم تتخل نهائيا عن أساليبها التقليدية.

لا شك أن انتخابات 1997 التشريعية اختلفت كثيرا عن الانتخابات التشريعية التي جرت سابقا في البلاد، وقد كان ذلك مرتقبا لأن الملك الحسن الثاني كان قد التزم في خطاب تقديم دستور 1996 بأن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، كما نص الدستور على أن تكون الانتخابات التشريعية للنواب بالاقتراع المباشر، وأن يشكل الثلث غير المباشر غرفة المستشارين أو الغرفة الثانية التي لها نفس الاختصاصات باستثناء منح الثقة للحكومة، أي أنه يمكنها أن تسقط الحكومة، وهذه المسألة لم تكن ترضي الاتحاديين والاستقلاليين، لكننا اتفقنا -كما قلت- على التصويت ب«نعم» على أساس أنه (التصويت) إشارة إيجابية تجاه القصر الملكي وفتحٌ لباب المصالحة في البلاد.

- في تلك الفترة قال الحسن الثاني إن المغرب مهدد بالسكتة القلبية، وأنتم قلتم إن المغرب إذا لم يعرف ديمقراطية حقيقية فقد يعرف اضطرابات وحروب مجاعة كالتي كانت تعرفها آنذاك مجموعة من الدول الإفريقية..

طلب الملك الحسن الثاني من البنك العالمي أن ينجز له تقريرا حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي. وقد كان من المفروض أن يتلقى الملك هذا التقرير شخصيا، وبمفرده، لكنه قرر فجأة أن يعلن للرأي العام عن محتواه الذي يقول إن وضعية الاختناق التي يوجد فيها المغرب يمكن أن تؤدي إلى السكتة القلبية، وإنه لا بد من القيام بإصلاحات عميقة في المجتمع والدولة. ورغم أن محرري الوثيقة من مسؤولي البنك العالمي تحدثوا بأسلوب دبلوماسي، فإن اقتراحاتهم كانت واضحة، فإما أن يغير المغرب أسلوبه في الحكم أو أن ينتظر حلول الكارثة التي يسير نحوها، حيث سيعرف انفجارات يصعب التحكم فيها أو تقدير عواقبها وآثارها المدمرة.

وعندما توجه الحسن الثاني إلى الشعب المغربي وأعلن أن البلاد مهددة بالسكتة القلبية، اعتبرت شخصيا أنه قام، في الواقع، بأكبر نقد ذاتي رسمي بعد 30 سنة من الحكم المطلق.

- هل اقتنعتم بنزاهة الانتخابات التشريعية ل1997؟

كان هناك تحسن محقق، إذ لا يمكن أن نقول إنه كانت هناك نزاهة كاملة، وهذا التحسن لمسناه عند السلطات الترابية في كثير من الأقاليم، لكن الإدارة لن ترفع يدها بالكامل عن الانتخابات إلا في استحقاقات 2002 و2003، لكنها ستتخذ، مع الأسف، موقفا سلبيا من استعمال المال الحرام.

- تردد أن التدخل كان لصالحكم، خاصة وأنه كان مطلوبا، دوليا، أن تكونوا الحزب الأول لشرعنة تشكيلكم للحكومة، ولذلك لم تتحمسوا للمرشح المشترك مع حزب الاستقلال..

أبدا، لم يكن هناك تدخل لصالحنا، بل كانت هناك دوائر عديدة عرفت تدخلا للإدارة الترابية ضد مرشحي الاتحاد، وقدم المرشحون الاتحاديون الذين تدخلت السلطة لإسقاطهم طعونا، وكانت الحالة البارزة على هذا المستوى هي دائرة محمد حفيظ، الكاتب العام للشبيبة الاتحادية بالدار البيضاء، الذي اكتشف أن وزارة الداخلية زورت النتائج لصالحه لما قارنها بنتائج ممثليه في مكاتب التصويت، فأخبر المكتب السياسي وتم الاتفاق على أن يعلن رفض منحه المقعد خارج قاعدة انتخابية واضحة، وبذلك أعطى صورة مشرفة عن الشباب الاتحادي الملتزم، فالسياسة أخلاق أولا وأخيرا.

ولا ننسى أن تلك الانتخابات جاءت بعد الانتخابات التشريعية لسنة 1993، التي كان لنا فيها مرشح مشترك والتي أعطت للاتحاد وحزب الاستقلال المرتبة الأولى، ولذلك بقي إشعاع الحزب حاضرا في صفوف الناخبين.

وكنا قد ناقشنا موضوع المرشح المشترك للحزبين، لكن كل واحد منا بقي متمسكا بمطالبه تحت ضغط الفروع والأقاليم، لذلك لم نتفق على عدد مقاعد كل حزب. وسبق لنا أن اقترحنا على حزب الاستقلال ترشيحا مشتركا في الانتخابات الجماعية لسنة 1997، لكنه رفض المقترح تحت ضغط مستشاريه في المجالس المحلية. وقد كنا على اقتناع بأن نتائج الانتخابات المحلية يمكن أن تشكل خارطة واضحة للاتفاق على الترشيحات في الانتخابات التشريعية، لكن حزبينا فوتا هذه الفرصة.

- في تلك الانتخابات احتل حزب الاستقلال المرتبة السادسة، وكانت هذه نكسة بالنسبة إليه؛ هل كان ذلك معاقبة له من قبل القصر على تحالفه معكم، وإضعافا لكم أنتم في التفاوض حول الحكومة الجديدة؟

لم أتوصل شخصيا بمعلومات دقيقة وصحيحة تبرز أن حزب الاستقلال عوقب من طرف الأجهزة الإدارية الساهرة على الانتخابات. لكن فيما بعد سيصرح عبد الرحمن اليوسفي، في مؤتمر وطني لحزب الاستقلال، بأن هذا الحزب ظلم بالفعل.

- نتائج الانتخابات أعطتكم المرتبة الأولى في مجلس النواب، أي أنكم ستكلفون بتشكيل الحكومة، لكن قبل الانتخابات كانت هناك توصيات دولية، خاصة من فرنسا، بأن يشكل الاتحاد الحكومة..

كان الرأي العام الوطني والرأي العام الديمقراطي بالدول الغربية خاصة، يعتقدان أن التغيير في المغرب لا يمكن أن يكون إلا مع المعارضة ومع الاتحاد الاشتراكي بالدرجة الأولى.. كان هذا واضحا في كل التحاليل التي قام بها ملاحظون نزهاء.

- لماذا تم تأخير الإعلان عن تكليف اليوسفي بتشكيل الحكومة 5 أشهر؟

كان لا بد، بعد الانتخابات وافتتاح البرلمان في أكتوبر، من انتخاب مكتب مجلس النواب. لكن ما حدث هو أن الملك لم يتدخل، لأول مرة، في انتخابات رئاسة مجلس النواب، وبقي عدد من المرشحين التقليديين ينتظرون الضوء الأخضر، غير أنه لم يأت، فانتخب عبد الواحد الراضي مقابل مرشح الحركة الشعبية امحند العنصر.

وإذا كان قد حصل تأخير، فإن ذلك يعود إلى موقف حزب الاستقلال، إذ كان هناك اتفاق قائم بيننا، وقعنا عليه سنة 1991 ولا زال ساري المفعول، يقضي بأحد أمرين، إما أن ندخل الحكومة سويا أو أن نبقى خارجها سويا في المعارضة. وهذا الاتفاق ذاته هو الذي جعل الاتحاد الاشتراكي يشارك في حكومة 2007، بالإضافة إلى الرجوع إلى المنهجية الديمقراطية، رغم النتائج التي كان قد حصل عليها والتي وضعته في الصف الخامس. وكان يمكن أن يكون رد فعلنا عنيفا ونرفض المشاركة في حكومة عباس الفاسي، نظرا إلى الحرب الخفية التي شنتها علينا أطراف متعددة لإبعاد الاتحاد الاشتراكي عن المرتبة الأولى حتى لا يشكل كاتبه الأول الحكومة الجديدة. وقد احترمنا التزاماتنا وجنبنا بلادنا أزمة سياسية لم يكن يمكن لأحد أن يتنبأ بعواقبها، فلم يكن مطروحا أن يشكل عبد الرحمن اليوسفي الحكومة بدون حزب الاستقلال، الذي كان قد عقد مؤتمرا استثنائيا قرر فيه عدم التعاطي مع المؤسسات المنبثقة عن نتائج الانتخابات، واضطر اليوسفي إلى انتظار عقد المؤتمر العادي للحزب، في آخر فبراير 1998، والذي سيتخذ قرارا بتفويض الأمر إلى اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أي تسهيل مشاركته في الحكومة وبالتالي احترام التزاماته سنة 1991.

- انتخاب الراضي رئيسا لمجلس النواب كان يجب أن يكون مقابله انتخاب عبد الحق التازي، عن حزب الاستقلال، رئيسا لمجلس المستشارين..

لم يكن ذلك ممكنا، لأننا لم نكن نملك، نحن في الكتلة الديمقراطية، أغلبية في مجلس المستشارين، بل إن المهمة الأساسية التي حددت للمجلس عند إنشائه، دون الإعلان عن ذلك، هي معارضة الحكومة التي سيشكلها الاتحاد، لذلك انتخب جلال السعيد عن الاتحاد الدستوري، فقد كان من الصعب أن يتمكن مرشح حزب الاستقلال من الفوز بالرئاسة.. كان من الممكن أن ينافس جلال السعيد مرشح من التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب في الأغلبية الحكومية، لكن إخواننا في حزب الاستقلال لم يقبلوا بذلك، فترشح ثلاثة وفاز جلال السعيد لأن الأصوات التي كان يمكن أن تصب لصالح منافسه توزعت بين مرشح الاستقلال ومرشح الأحرار.

- كان هناك تنافس بين المجلسين وأحيانا مشاكسة..

لكن حصول الحكومة على تصويت أغلبية داخل مجلس المستشارين على مشاريعها جعل هذا التنافس والمشاكسة شكليين وأساسا من طرف رئاسة مجلس المستشارين مع مضيعة كبيرة لوقت أشغال البرلمان.

- قبل إجراء الانتخابات التشريعية، كانت هناك مؤشرات دالة على أنه سيتم تكليف الاتحاد الاشتراكي بتشكيل الحكومة..

قبل إجراء الانتخابات، لم ترسل إلينا أية إشارة من القصر بأن الاتحاد سيشكل الحكومة الجديدة. وقد كان خطاب الملك في البرلمان حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية هو المؤشر الوحيد على أن رئيس الدولة سيتوجه بدعوة للمعارضة إلى الخروج بالبلاد من هذه الأزمة، حيث تبين له أن نتائج عشر سنوات من التقويم الهيكلي كانت كارثية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي ونشاط الدولة، وبالتالي فقد دق تقرير البنك العالمي ناقوس الخطر، كما قلت. وكان معنى إعلان الملك عن مضمون هذا التقرير أنه بصدد تهييء الرأي العام للمناداة على المعارضة من أجل تدبير الشأن العام وإجراء انتخابات رئاسة مجلس النواب واختيار عبد الواحد الراضي لشغل هذا المنصب. وكما قلت، فلأول مرة لم يقبل الملك أن يشير على أي كان بأن يترشح، وامتنع عن التدخل لصالح أي مرشح، وأغلق أبوابه أمام أية استشارة في هذا الموضوع.

سأذهب أبعد من ذلك لأقول إن البعض اعتبر وقتئذ أن انتخاب الراضي رئيسا لمجلس النواب هو مؤشر على احتمال عدم تكليف عبد الرحمن اليوسفي بتشكيل الحكومة، لكننا لم نأخذ ذلك على محمل الجد، لأننا كنا نعلم بأن الملك مدرك لخطورة الوضعية التي تمر منها البلاد، ومدرك أيضا لما يستطيع الاتحاد أن يلعبه من دور حاسم في تدبير الشأن العام وتخفيف حدة الأزمة وإبعاد شبح السكتة القلبية عن البلاد.

- بعد تشكيل مكتبي مجلسي البرلمان، انشغل حزبكم بترتيب الأوراق مع حزب الاستقلال، هل كنتم متخوفين من أن يؤكد المؤتمر العادي للحزب (فبراير) قرار مؤتمره الاستثنائي بشأن الحكومة..

لا، لم يكن لدينا مثل هذا التخوف، أولا لأن النقاش داخل حزب الاستقلال استمر كما استمر الحوار بين الاتحاد والاستقلال، سواء كان ثنائيا أو في إطار الكتلة الديمقراطية. وموقف المؤتمر الاستثنائي لحزب الاستقلال سواء كان، بالنسبة إلينا، ظرفيا ولم نشعر بأنه كان موقفا يستهدف الضغط على الاتحاد الاشتراكي لأننا آنذاك كنا لا نزال سويا في المعارضة، لكن التغيير يتطلب شيئا من الحكمة والتبصر من طرف قيادتي الحزبين.

- هل خرجت أصوات من حزبكم أو حزب الاستقلال، بسبب تداعيات الانتخابات، تطالب بفك التحالف؟

كانت هناك على الدوام أصوات تخرج، سواء من عندنا أو من عندهم، تطالب بفك التحالف، لأنها أصوات تصدر عن عناصر لم تكن تعي بأن تحالف الحزبين هو تحالف استراتيجي، وبالتالي فكل من كانت له مشاكل مع حزبه أو مع الحزب الآخر، خاصة على المستوى المحلي، كان يطالب بفك التحالف ويعتبر أن الخصم هو الطرف الآخر، أي الاستقلال بالنسبة إلى الاتحاديين والاتحاد بالنسبة إلى الاستقلاليين.

- هناك أطر عليا في الاتحاد كانت تقول إن التحالف مع الاستقلال يعرقل تكليف الاتحاد بتشكيل الحكومة..

نعم، لأنها كانت تعتقد أن الاتحاد هو المطلوب منه تشكيل الحكومة ولا داعي بالتالي إلى ربط هذه المهمة بحزب الاستقلال. ويذهب بعض المحللين، حتى الآن، إلى أن قطبي السياسة في المغرب هما حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وأن الطبيعي هو أن يقود أحدهما الحكومة بينما يقود الثاني المعارضة، وأن يستقطب كل منهما القوى والأحزاب القريبة منه، أي أن يستقطب الاتحاد أحزاب اليسار والديمقراطيين الحداثيين فيما يستقطب الاستقلال الأحزاب والتيارات المحافظة. وهذا تحليل نظري لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي على الأرض منذ استقلال البلاد، خصوصا موقف الحسن الثاني من أحزاب الحركة الوطنية وحرص وزارة الداخلية لمدة طويلة على خلق أحزاب إدارية ضدا على الحزبين.

وبالنسبة إلي، فهذه أطروحة لا تأخذ بعين الاعتبار التطور الذي عرفه المغرب منذ استقلاله إلى الآن، والتطور الذي عرفته مكونات مشهده الحزبي، لذلك اعتبرت دائما أن تحالف حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية هو الأرضية الصلبة التي يمكن أن تسمح بتطور إيجابي للحياة السياسية بالمغرب ورجحان ميزان القوى لصالح الإصلاح والتغيير.

- إدريس البصري لم يكن يحبذ وجود حزب الاستقلال في الحكومة..

نعم، لكنه لم يكن وحده من يتبنى هذا الموقف.. وأنا لا أعتقد أنه كانت هناك حساسية خاصة لدى إدريس البصري من حزب الاستقلال. وإن كان لديه نوع من تلك الحساسية الخاصة تجاه امحمد بوستة، فقد ربط بالمقابل علاقات قوية جدا بكثير من قادة حزب الاستقلال، كما حاول ربط علاقات قوية بأطر الاتحاد الاشتراكي، وعلى رأسهم نوبير الأموي، لكنه كان يكن عداء لافتا لي شخصيا ولكثير من قادة الحزب، مع أنه لم يكن لدي صراع شخصي وذاتي معه، وإنما كان الصراع مع وزير الداخلية الذي ساهم في الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها البلاد وأساء إلى المؤسسات المنتخبة، الوطنية والمحلية.

الواقع أنه كانت هناك أطراف عدة في القصر الملكي والإدارة الترابية لا تريد حزب الاستقلال، كما كانت هناك أطراف أخرى لا تريد الاتحاد الاشتراكي، ومعناه أنه كانت ثمة إرادة لأنْ يكون الحزبان في مواقف متعارضة وأن يكون كل منهما منافسا للآخر أو خصما له، والهدف الأساسي طبعا هو تفريق الحزبين وإبعادهما عن بعضهما حتى لا يتغير ميزان القوى داخل المشهد السياسي.

- كلف الملك رسميا عبد الرحمان اليوسفي بتشكيل الحكومة وحزب الاستقلال ما زال رسميا في موقف الرافض للمشاركة..

استقبل الملك الحسن الثاني عبد الرحمن اليوسفي، يوم 4 فبراير، وكلفه رسميا بتشكيل الحكومة. وكان أول من زاره عبد الرحمان اليوسفي وأخبره بتعيينه من طرف الملك لتشكيل الحكومة هو امحمد بوستة الذي عاتبه على أنه لم يستشره قبل قبول المهمة. وكوزير أول معين، بدأ اليوسفي مشاوراته، التي استمرت أربعين يوما، مع الكتلة الديمقراطية وأيضا، وبشكل ثنائي، مع حزب الاستقلال والأحزاب الوطنية في البرلمان.

وقبل ذلك، كان قد قام بزيارات لكل من عبد الله إبراهيم، بصفته آخر رئيس حكومة اتحادي، وللفقيه محمد البصري، كما التقى قادة المركزيات النقابية ومنظمات المجتمع المدني. وخلال تلك الفترة، عقد حزب الاستقلال مؤتمره العادي يوم 21 فبراير والذي ترك للجنة التنفيذية صلاحيات اتخاذ القرار المناسب بخصوص المشاركة في الحكومة، وبذلك راجع الموقف الذي أقره المؤتمر الاستثنائي والقاضي بعدم التعامل مع مؤسسات منبثقة عن انتخابات مزورة.

كان عبد الرحمان اليوسفي يخبرنا دائما بالاتصالات التي كان يتلقاها، وقبل يوم 4 فبراير 1998 أخبرنا بتكليفه من طرف الحسن الثاني بتشكيل الحكومة، وأنه قبل تلك المهمة دون استشارة قبلية للمكتب السياسي للحصول منه على الموافقة. ولقد طرحنا في المكتب السياسي ضرورة جمع اللجنة المركزية للتداول في هذا المستجد الهام.

وفور خروج عبد الرحمن اليوسفي من القصر الملكي، اتصل بي هاتفيا وقال لي إن الملك استقبله وقرر تكليفه بتشكيل الحكومة، واتفقنا على عقد اجتماع للمكتب السياسي في أقرب وقت. وبعد أن أبلغ المكتب السياسي بالتكليف، تقرر عقد اجتماع للجنة المركزية حدد له يوم 8 فبراير.

وأثناء اجتماع المكتب السياسي، اكتفى عبد الرحمن اليوسفي بإبلاغنا بأن ما جرى خلال اللقاء هو أن الملك كلفه بتشكيل الحكومة دون أن يدخل في التفاصيل، لكنه صرح في فترة لاحقة بأنه أدى والحسن الثاني اليمين على المصحف، ولم ندر حتى الآن حقيقة ما دار بينهما وعلى ماذا أقسما، كل ما انتهى إلى علمنا أنه جرى تعاقد جديد غير مكتوب ما بين الاتحاد الاشتراكي والمؤسسة الملكية، على أساس إدخال البلاد في ورش الإصلاح والتدبير العقلاني للشأن العام، ونقل البلاد من وضعية الاختناق الذي تعيشه إلى فضاء صحي ونظيف يسمح لها بالانخراط جديا في البناء الديمقراطي والتضامن الاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة