امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب        الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    التكوين في مجال الرقمنة.. 20 ألف مستفيد في أفق سنة 2026    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    هولندا.. توقيف 62 شخصا في أحداث الشغب الإسرائيلي بأمستردام    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    الشرطة الهولندية توقف 62 شخصاً بعد اشتباكات حادة في شوارع أمستردام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    محامو المغرب: "لا عودة عن الإضراب حتى تحقيق المطالب"    مؤسسة وسيط المملكة تعلن نجاح مبادرة التسوية بين طلبة الطب والصيدلة والإدارة    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز        بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليازغي: الحسن الثاني لم يخف موقفه السلبي مني في أول لقاء معه وطلب مني التوقف عن تسجيل ملاحظات على كلامه
اليوسفي لم يكن له إلمام بالأوضاع في المغرب واستقال من رئاسة الحزب دون استشارتنا
نشر في المساء يوم 07 - 09 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- حضرت أول لقاء للملك الحسن الثاني مع قادة الأحزاب بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد..
كان ذلك في القصر الملكي بالرباط، وقد حضرته إلى جانب امحمد بوستة، الأمين العام لحزب الاستقلال، وعلي يعتة، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ومحمد بنسعيد آيت يدر، الأمين العام لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، بصفتي كاتبا أول بالنيابة في غياب عبد الرحمان اليوسفي الذي كان خارج أرض الوطن. وكان الموضوع هو طلب عقد دورة استثنائية لمجلس النواب والذي رفضته الأحزاب الحكومية من أجل مناقشة مشاريع القوانين الانتخابية، وكنا قد طلبنا التحكيم الملكي في الموضوع، وهو ما وافق عليه الملك.
أثناء اللقاء، لم يخف الحسن الثاني موقفه السلبي مني وما كان يروى عنه من أن له اقتناعا بأني أحمل مواقف متشددة وأنه لم يكن يطمئن إلي. وأذكر أنني أخذت، عند بداية اللقاء، في تسجيل ملاحظاتي لأنني فهمت من الأقلام والأوراق التي وضعت أمامنا على الطاولة إشارة إلى أن بإمكاننا تسجيل ملاحظاتنا، لكن الملك أوقفني وقال لي: «سي اليازغي، لا تسجل علي شي حاجة خلال هذا الاجتماع، لأنني سأجد في مذكراتك في المستقبل أنك تقول: قال لي الحسن الثاني وقلت للحسن الثاني، سوف نسلمكم بعد اللقاء محضرا كاملا مصورا»، وهذا لم يحصل بالطبع ولم يسلم أي محضر بعد اللقاء لأي واحد منا. وقد جرت الأعراف خلال اللقاءات الملكية على أن يتحدث الملك أو يسأل وعلى أن يدلي قادة الأحزاب بآرائهم أو إجاباتهم، دون أن يعمد أحد منهم إلى تسجيل ما قيل في حضوره أو إبداء ملاحظات على ما قيل في أجهزة الإعلام.
كان هدف اللقاء كذلك مناقشة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية على ضوء الإضراب الذي دعت إليه الكونفدرالية والاتحاد العام للشغالين في قطاع النقل بالدار البيضاء.
وفي بداية اللقاء، تحدث الملك عن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وعبر عن انزعاجه من الدعوة إلى الإضراب في قطاع النقل بالدار البيضاء.
وقد شرحت للحسن الثاني أن الإضراب كان إضرابا عاديا وأن ما نشر وأعلن رسميا حوله غير صحيح، وأن المشكلة تنحصر في سلوك وتصرف الإدارة والمسؤولين، وليس في موقف العمال والمركزيات، كما أوضحت له أن مطالب العمال ليست مادية فقط، وأنهم يطالبون أيضا بالحوار والشفافية في العلاقات وباحترام الحقوق النقابية، وأن هذه مطالب لا تكلف ميزانية المؤسسة شيئا.
وبعد انتهاء اللقاء، وقفت على انفراد مع الملك، وطرحت عليه أربع قضايا ليأخذ فيها مبادرة ملكية، وهي: قضية نوبير الأموي الذي كان معتقلا آنذاك، وقضية أحمد الخيار الذي كان قابعا في السجن المركزي بالقنيطرة محكوما عليه بالإعدام، وقضية الحسين المانوزي المختطف من تونس سنة 1972، وقضية قاسم وزان الذي كان معي في المعتقل السري بتمارة إلى حدود شهر أبريل 1974، فعاود التعبير عن انزعاجه مما جرى في قطاع النقل بالدار البيضاء وموقف الأموي من الإضراب، فقلت له إن موقف الأخير كان حكيما وسردت عليه ما جرى في الدار البيضاء وكيف تصرفت قيادة المركزية النقابية مع قواعدها في النقل الحضري بهذه المناسبة، وطلبت منه تشكيل لجنة تحقيق محايدة تقدم إليه تقريرا وافيا حول ما جرى، وهو عينُ ما قام به الملك، حيث شكل لجنة تقصٍّ حول النقل بالدار البيضاء، ستؤكد له بعد ذلك أن ما قدم إليه في البداية من طرف وزير الداخلية من معطيات لم يكن صحيحا.
وفي تعقيبه على القضايا التي بسطتها بين يديه، قال لي الملك إنه يعرف الحسين المانوزي، لكنه سألني بالمقابل عمن يكون أحمد الخيار وما هو وضعه، كما سألني عن قاسم وزان الذي كان معي في السجن السري بتمارة بعد محاكمته في أحداث 3 مارس 1973 والذي كنت آخر من ودعه وهو على قيد الحياة في أبريل 1974 إبان ترحيلي من معتقل تمارة إلى إيفران حيث وضعت تحت الإقامة الإجبارية، حيث اختفى بعد ذلك ولم يظهر له أثر. وطلب مني الملك إعداد مذكرة بكل تلك المعطيات وتسليمها إلى رضا كديرة، رئيس ديوانه، وهو ما قمت به بالفعل، حيث وافيت الأخير بمذكرة مفصلة بالمطلوب.
- هل تأييد الحكم ضد الأموي واعتقاله كان يستهدف عرقلة الحوار الذي بدأ مع القصر؟
المؤكد أن وزير الداخلية ادريس البصري كان لديه طموح واضح وهو أن يكون المخاطب الأوحد للأحزاب الديمقراطية والمركزيات النقابية، لذلك كان يحاول التشويش على كل حوار مباشر مع القصر أو مع أعضاء الديوان الملكي،
واعتقال نوبير الأموي جاء على إثر تصريح صحفي أدلى به لجريدة «إلباييس» الإسبانية حول فساد الوزراء في الحكومة المغربية مستعملا عبارات قدحية.
- لم يتبنّ الحزب بشكل كامل قضية الأموي إلى درجة أن الكاتب الأول تحدث بمناسبة الذكرى الأربعين للمرحومة ثريا السقاط، مساء نفس اليوم الذي استدعي فيهه الأموي للتحقيق معه، ولم يتطرق لموضوع الأموي..
لا أدري السبب الذي جعل الكاتب الأول يتجاهل الموضوع.. ربما وجد أنه ليس من المناسب في ذكرى المرحومة ثريا السقاط أن يتطرق للموضوع، خاصة وأن القضية لا تتعلق بالنضال الديمقراطي أو ببرنامج الاتحاد، بل بتصريحات صحفية، استعملت فيها عبارات قدحية في حق الحكومة وأعضائها دون ترو، وهي التصريحات التي كانت لا تنسجم والوضع الذي بدأ يتبلور في البلد، والمتمثل على السواء في قيام تحالف الكتلة الديمقراطية وخطوات انفتاح القصر الملكي نحو أحزاب الكتلة، كما أن المركزيات النقابية (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب) وصلت بعملها التنسيقي إلى مستوى متقدم وكانت في مرحلة حوار مع الدولة.. لذلك اعتبرنا أن تصريح الأموي جاء في وقت غير مناسب، لكن هذا لم يمنع مناضلي الحزب من التضامن الأقصى مع نوبير الأموي، ولعل حشد المحامين للدفاع عنه ومؤازرته إشارة واضحة إلى ذلك.
وبسبب قضية الأموي تعثر الحوار وتأجلت جلساته المنتظرة إلى ما بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في شهري يونيو وسبتمبر من سنة 1993، كما لم يتم التشاور مع الأحزاب الديمقراطية التي وضعت مذكرات للإصلاح الدستوري سنتي 1991 و1992 قبل طرح الملك التعديلات الدستورية على الاستفتاء والتي اعتقد الحسن الثاني أنها تشكل خطوات إيجابية مهمة في الإصلاح، وأننا سنقبل بها وسيكون موقفنا منها هو موقف المساندة من خلال المشاركة في الاستفتاء والتصويت عليها ب«نعم»، لأنها تتضمن جزءا من مطالبنا التي وردت سواء في مذكرتنا المشتركة مع حزب الاستقلال أو في مذكرة الكتلة الديمقراطية.
لقد أثار الموقف من التعديلات مشكلة داخل الكتلة الديمقراطية، تجلت في خلق وضع جديد، حيث إضافة إلى تجميد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لمشاركته داخل الكتلة فإن موقف حزب التقدم الاشتراكية، المؤيد للمشاركة في الاستفتاء على الدستور، أدى إلى ابتعاده عن الكتلة، وحين بدأ حوار الكتلة مع الملك في خريف سنة 1993 كانت جلسته الأولى بحضور محمد بن سعيد، الأمين العام لمنظمة العمل، وعلي يعتة، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، لكنني وبوستة طلبنا من الملك عند نهاية الاجتماع أن يكون الحوار في الجلسة المقبلة بدون حضور علي يعتة، فقد تسبب موقف حزب التقدم والاشتراكية في تجميد العلاقات معه وضعف العلاقات مع منظمة العمل، بينما تعمقت العلاقات بالمقابل بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال إلى درجة التقدم بمرشح مشترك في الانتخابات التشريعية المباشرة.
كان وزير الداخلية ادريس البصري قد دفع بالأحزاب الإدارية، الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والحزب الوطني الديمقراطي، إلى تشكيل ما أسماه تكتل «الوفاق» كمحاولة لخلق مواجهة مع الكتلة الديمقراطية.
وفي الانتخابات التشريعية ليونيو 1993 كان مقررا أن يتقدم كل من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ومنظمة العمل بمرشح مشترك، غير أن ذلك لم يتم، ويرجع السبب إلى موقف منظمة العمل التي طلبت لمرشحيها دوائر عديدة معينة، فيما لم نر نحن -الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال- أن ذلك سيضمن نجاح المرشح المشترك للكتلة، خاصة وأن عدد تلك الدوائر كان كبيرا. صحيح أنه كان لدينا، كاتحاد أو استقلال، اتفاق على أن يكون هناك حضور وازن لمنظمة العمل في قائمة الترشح المشترك، لكن ليس بالعدد والدوائر التي تمسكت المنظمة بها، لتقتصر قائمة المرشح المشترك، في النهاية، على الاتحاد وحزب الاستقلال اللذين ستواجههما صعوبات في اختيار المرشحين، لكن هذه الصعوبات كانت في جلها محلية وتعود إلى تقدير الأجهزة المحلية بالحزبين واعتقاد كل منها بأحقية مرشحه في الاستئثار بهذه الدائرة أو تلك، وسيحصل آخر المطاف اتفاق بشأن جميع الدوائر باستثناء دائرة الناظور. وهذا الاتفاق كان تعبيرا عن إرادة صادقة للتعاون لدى الحزبين، قيادة وقواعد.
وقد كانت نتائج تلك الانتخابات إيجابية بالنسبة إلى الحزبين، حيث نجح حزب الاستقلال في أماكن لم يكن له حظ للنجاح فيها خلال الانتخابات السابقة، وكذلك الشأن بالنسبة إلينا، لكن الأساسي كان وجود المرشح المشترك في حد ذاته بين الحزبين. وهذا التعاون فرض أن تكون تلك الاستحقاقات هي المحطة الانتخابية التي شهدت أقل تدخل للسلطة في تاريخ الانتخابات المغربية، بما أتاحه من مساندة من طرف الناخب المغربي للمرشح المشترك، أي دعمه للتعاون والتحالف بين الحزبين، والدليل على ذلك ليس فقط عدد المقاعد التي حصلنا عليها (93 مقعدا) والتي خولت للكتلة احتلال المرتبة الأولى في البرلمان، بل أيضا حجم الأصوات التي حصل عليها المرشح، ثم سقوط الكثير من رموز الأحزاب الإدارية.
وكنا نأمل أن تجري الانتخابات غير المباشرة لشتنبر 1993 (ثلث أعضاء البرلمان) بنفس الروح التي جرت بها الانتخابات المباشرة، لكن وزارة الداخلية أعادتنا إلى زمن التزييف والتزوير الفج والمفضوح، حيث إنها قررت، أمام حجم منتخبي الكتلة في الانتخابات المباشرة، وضع حد لهذا التطور الإيجابي، فأزاغت الانتخابات غير المباشرة عن مقاصدها ونزلت لدعم الأحزاب الإدارية وإنجاح رموزها التي تعثرت في الانتخابات التشريعية المباشرة، وهكذا فإن الانتخابات التشريعية لسنة 1993 لم تنته إلى ما كان يجب أن تنتهي إليه، أي أنها لم تعكس، ولو نسبيا، الخريطة السياسية الحقيقية لبلادنا.
- هل استقالة عبد الرحمن اليوسفي من الكتابة الأولى جاءت احتجاجا على هذه التدخلات؟
كانت استقالة عبد الرحمن اليوسفي من الكتابة الأولى خطوة مؤسفة لم يتشاور فيها مع أحد من أعضاء المكتب السياسي، إذ لا يستقيل قائد حزبي من مسؤوليته الحزبية احتجاجا على الحكومة وتصرفاتها، لذلك كنا في المكتب السياسي في موقف حرج أمام مناضلي حزبنا وحلفائنا وجماهيرنا، وأيضا أمام الحكم.
وقررنا، في المكتب السياسي، الاستمرار في مباشرة مهامنا النضالية وعدم النسج على منوال الكاتب الأول في ما ذهب إليه بأن نقدم استقالتنا من مسؤولياتنا، وأبدينا، في الوقت نفسه، تمسكنا به ككاتب أول، وهذا جعلنا نؤكد أن استقالة الكاتب الأول ليست استقالة للاتحاد الاشتراكي من المعركة وإن كنا قد فقدنا، معنويا، جزءا من قوتنا.
كانت نتائج الانتخابات المباشرة مشجعة، فكأن الشعب المغربي أعطى إشارة قوية إلى أن للكتلة الديمقراطية مكانة متميزة، وهذا خلق تفاؤلا وانشراحا واطمئنانا إلى أن البلاد ذاهبة هذه المرة نحو تكريس حياة ديمقراطية سليمة ناضل من أجلها المغاربة منذ الاستقلال. لكن وزارة الداخلية لم تسمح لهذا التفاؤل وهذه الآمال بالانتعاش والاستمرار، فكان تدخلها في انتخابات الثلث غير المباشر (شتنبر 1993) تدخلا سافرا، منحت الفوز بموجبه أحيانا لأشخاص حصدوا الخيبة في الانتخابات المباشرة، وهو ما خلق جوا حقيقيا من التذمر. هكذا، كنا في وضعية تشي بأن الأمور لن تسير بعيدا في الاتجاه الإيجابي على اعتبار أن آفاق التغيير والإصلاح تقلصت، لكن هذا لم يكن ليبرر استقالة عبد الرحمن اليوسفي من موقع الكتابة الأولى دون استشارة إخوانه في المكتب السياسي وموافقتهم.. لذلك آخذناه على كونه سافر إلى «كان» دون أن يخبر أحدا واضعا إيّانا في حرج وفي حيص بيص من أمرنا، فهل نقدم على ما قام به ونستقيل نحن كذلك من المكتب السياسي تاركين هذا الحزب عرضة للرياح العاتية أم نستمر؟ هنا تذكرت ما سبق أن أخبرني به حسن صفي الدين العرج من كون المقاومين يؤاخذون اليوسفي على غيابه عنهم كلما كانوا أمام مشكلة تتطلب الحسم.. لكن، ما كان لنا أن نترك الاتحاد في وضعية خطيرة يمكن أن تؤدي إلى تشتته، إذ قررنا الاستمرار، فأنقذنا الحزب وأبعدناه عن شلل تام كان يهدد بإفقاده السيطرة على أجهزته التنظيمية وبخلق حالة ارتباك لدى أعضاء فريقه البرلماني ولدى الاتحاديين المستشارين في الجماعات البلدية والقروية، كما كان يهدد بفك تعبئة المناضلين في الأقاليم والفروع.. فالوضعية التي تركها عبد الرحمان اليوسفي بذهابه إلى الخارج لم تكن مريحة، وكانت امتحانا عسيرا للاتحاد الاشتراكي ومناضليه، لكننا تخطينا ذلك الامتحان باقتدار كبير، فقد اعتبرت أن الحزب يجب أن يستمر وأن يتحمل كل مسؤولياته، وأن استقالة الكاتب الأول يجب ألا تفسد الوضع داخل الحزب أو تجمد نشاطه وإشعاعه وتأطيره للجماهير المرتبطة به..
وما كان أكثر إرباكا أن عبد الرحمن اليوسفي لم يشرح لنا في المكتب السياسي، قبل تقديم استقالته (وحتى بعد عدوله عنها)، أسباب اتخاذه قرار الاستقالة، ولم يستعرض عناصر تحليله للوضع وللنتائج المنتظرة من ابتعاده عن المسؤولية الحزبية وعن الوطن.. والأوْلى كان أن يطلق تصريحا يعبر فيه عن غضبه وغضب الحزب من سلوك الحكم في الانتخابات.
ما معنى أن يستقيل الكاتب الأول للحزب ويترك الحزب ويذهب إلى الخارج، خاصة في ظل خلافات تعتمل داخل المكتب السياسي تتطلب حضوره لفضها؟ فكأنه كان يقول لنا، نحن في القيادة المتشبثين بقيمنا والصامدين في وجه الاستبداد: حلوا هذا الحزب واذهبوا إن شئتم! وهذا كان مقترحا طرحه الفقيه محمد البصري في مرحلة سابقة، إذ أكد أن على الاتحاد أن يحل نفسه ويترك الحسن الثاني وجها لوجه مع الشعب المغربي. وكان تصرف عبد الرحمن اليوسفي من الأسباب التي حالت دون أن يعقد الاتحاد الاشتراكي مؤتمره السادس في موعده القانوني، كما حال دون أن تعرف أوضاع حزبنا تطورا استثنائيا في تلك الفترة.. لقد كان التباين في الرأي حاصلا بيننا أحيانا في تدبير العمل الحزبي والعلاقات التنظيمية والتحالفات والرؤية لما يجري في البلاد، كان ذلك يكون موضوع نقاش وحوار، لكننا في غالب الأحيان كنا نصل إلى توافق.
قد يكون اليوسفي شعر بالضعف تجاه نائبه، إلا أنني وعلى العكس من ذلك كنت أشتغل بإخلاص كنائب له وأقوم بالمهام التي كان يكلفني بها هو أو المكتب السياسي، وكنت أتحمل كل مسؤولياتي لجعل الحزب حاضرا بقوة في الساحة الوطنية. ولن أنسى، في مرحلة لاحقة وفي ظروف أخرى، أنني فوجئت بعبد الرحمن اليوسفي خلال اجتماع للمكتب السياسي في مقر الجريدة بالدار البيضاء يعبر عن تذمره من الوضع الدوني الذي يولد لديه ذلك الشعور، واستعمل في سياق تعبيره عن الإحساس الذي يعتريه كلمة بالفرنسية هي Potiche، وتعني أنه لا قيمة فعلية له في القرار وفي الحزب، مشبها إياي بالصدر الأعظم «ابا حماد» مع الملك عبد العزيز في آخر القرن التاسع عشر.
طبعا، لم أتقبل ذلك الكلام منه، لكنني تمالكت أعصابي وتعاملت مع الوضع ببرودة دم، خصوصا أمام أعضاء المكتب السياسي الذين لم يتدخل أي واحد منهم في الموضوع.. فقد كنت أحترم دائما مؤسسة الكاتب الأول والمكتب السياسي، وأيضا مؤسسة نائب الكاتب الأول، لأني إذا ما تحملت مسؤولية فإنني أقوم بها وفق ما تتطلبه من جهد وانخراط في أدائها بكل أبعادها، لأنني أيضا لا أقبل أن أتحمل نيابة الكاتب الأول كمهمة تشريفية من خلال الاكتفاء بحضور الاجتماعات وإبداء الرأي فقط ثم الانصراف إلى حال سبيلي، فأنا حريص، كما كنت دائما، على أن أكون حاضرا مع المناضلين في الأقاليم والفروع وفي القطاعات، أدلي بوجهة نظري وتحليلي لكل من يطلبه مني، حتى يكون الاتحاد حاضرا بقوة في الحياة السياسية الوطنية، ولا أعتقد أن في ذلك أي تنقيص من قدر الكاتب الأول أو من مهمته.. المشكل عند عبد الرحمن اليوسفي يكمن في الآثار التي خلفها عليه ابتعاده سنين طويلة عن الوطن، إذ لم يكن على إلمام دقيق بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المغرب ولا بالتطورات التي عرفها المجتمع المغربي، كما أنه عاش بمنأى عن الاحتكاك بالتنظيمات الاتحادية المحلية والإقليمية والقطاعية وما تطرحه من مشاكل موضوعية وذاتية، تتطلب في الغالب تدخل القيادة، إضافة إلى ضعف تواصله مع الاتحاديين في القاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة