سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أبناء مسؤولين يحوّلون مدنا ووزارات إلى ضيعات عائلية سياسي شغل ابنيه في وزارة وآخر ساعد نجله في الحصول على صفقة ترميم وليلي ورئيس جماعة نائبه الأول هو ابنه
اتضح، في ظل الثورات العربية المتلاحقة، أن توريث الآباء مسؤولياتهم لأبنائهم، دون سند قانوني أو عرفي، هو ماركة عربية مسجلة. إلى درجة أن السطر الأول من حكايات ثورات دول كان بسبب رغبة آباء مسؤولين في توريث مناصبهم لأبنائهم، مثل الحاصل في سوريا عندما خلف بشار الأسد والده حافظ الأسد، رغم أن البلاد تعمل بنظام جمهوري يقتضي انتخاب رئيس الجمهورية. الأمر ذاته كاد يتكرر في مصر بعدما شاعت أنباء عن رغبة الرئيس المخلوع حسني مبارك في توريث حكمه لابنه جمال مبارك، رغم أن مصر هي الأخرى جمهورية وليست مملكة. أما ثورات دول أخرى فأماطت اللثام عن علاقات ملتبسة بين مسؤولين وأبنائهم، حيث يجتهد المسؤولون في حفر الطرقات وتعبيدها أمام أبنائهم لخلافتهم والاستفادة من مواقعهم، كما هو حالي العقيد الليبي معمر القذافي الذي زكى أبناءه ورفعهم فوق الجميع، وعين ابنه خميس قائدا لكتائبه العسكرية، وأوحى للجميع بأن ابنه سيف الإسلام هو من سيخلفه في منصبه أخا عقيدا، فصار الابن يتحدث في كل شيء ويتدخل في أي شيء دون أن تكون له مسؤولية معينة في الدولة اللهم أنه ابن العقيد. قلاع وزارية في المغرب، ورغم أن الوضع مختلف، على اعتبار أن النظام المعمول به هو ملكية تقتضي خلافة الابن البكر من ذرية الملك لأبيه على العرش بمقتضى بيعة شرعية، فإن ظاهرة التوريث، أو بالأحرى ثقافته في نسختها العربية، سارية قواعدها على مسؤولين مغاربة، بينهم وزراء ومدراء وزعماء أحزاب ورجال سياسة، وحتى فنانون ومخرجون وممثلون ومطربون، فعدد كبير من الأبناء يخرجون إلى العلن من رحم ماض مجهول ويقعدون على كراسي آبائهم أو يتسلقون سلالم للحاق بهم، لا لشيء سوى لأنهم أبناء هؤلاء المسؤولين الذين لا يألون جهدا في توارث المجد العائلي، بطريقة شرعية أو غير شرعية. قضية توريث المسؤوليات في المغرب قديمة، وترجع إلى الطبيعة السوسيولوجية للمجتمع المغربي الذي يقوم على أساس ما يعرف في علم الاجتماع بإعادة الإنتاج الاجتماعي. هذا المبدأ يقضي بتوارث المهن والمسؤوليات والمهن من الآباء حتى الأبناء. هذا المبدأ ظل ساري المفعول وسنة مؤكدة وسط عائلات مسيطرة حتى بعد بناء الدولة المغربية الحديثة، عقب الاستعمار الفرنسي، وتكريس مبدأ تداول السلطة. هذا ما كشفت عند دراسة أعدتها الأستاذة الجامعية، أمينة المسعودي، في كتاب ألفته، تحت إشراف الأستاذ عبد الله ساعف، وحمل عنوان «الوزراء في النظام السياسي المغربية 1955-1992: الأصول، المنافذ، المآل»، سلطت فيه الضوء على هيمنة نخب وأسر على الحكم بالمغرب وتداولها له بين أبنائها، وفق توزيع جغرافي معين. الباحثة الاجتماعية خلصت إلى أن تداول السلطة في المغرب يقتصر على عائلات بعينها موزعة على مدن معينة، وهي فاسوالرباطوالدارالبيضاءومراكش. المسعودي عرت حقيقة هيمنة النخبة الفاسية على المناصب الحكومية والوزارية منذ الاستقلال، موضحة أن الوزراء المنحدرين من مدينة فاس يهيمنون بشكل واضح جدا على الحكومات المتعاقبة على المغرب من سنة 1955 إلى 1985. هذه السيطرة أبرزتها المسعودي بالاستناد على حقائق رقمية، إذ كشفت أنه من أصل 196 وزيرا، تعاقبوا على المسؤوليات الوزارية بالمغرب خلال الفترة ما بين 1955 و1985، هناك 67 وزيرا ينحدرون من مدينة فاس وحدها، وهو ما يعادل نسبة 34.1 في المائة. أما الوزراء الذين ينحدرون من مدينة الرباط فعددهم 18 وزيرا، أي بنسبة 9.1 في المائة، بينما تأتي مدينة مراكش ثالثة ب12 وزيرا، وهو ما يعادل نسبة 6.1 في المائة. بينما حلت العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، التي كانت قطبا حضريا طيلة الاستعمار، رابعة بعدد وزراء بلغ 11، أي بنسبة 5.6 في المائة. هذه الهيمنة الجغرافية لأربع مدن فقط على المسؤوليات بالمغرب بررته المسعودي بكون العواصم الإدارية، في جميع الدول، عادة ما تكون ممثلة حكوميا تمثيلا قويا، مثل العاصمة الإسبانية مدريد والعاصمة المصرية القاهرة والعاصمة التونسية تونس. أما سيطرة فاس والعائلات الفاسية على السلطة والحقائب الوزارية فقد عزتها المسعودي إلى كون فاس ظلت العاصمة العلمية للمغرب، وهو ما يجعلها فوق العواصم الإدارية والسياسية، ويضفي عليها مشروعية روحية وسلطة علمية تجعلها تحظى بالأولية من حيث الأحقية بحمل المسؤولية، كما يشرعن لآباء مسؤولين نقل مناصبهم إلى أبنائهم. استعمار جديد الهيمنة العائلية الفاسية على المسؤولية بالمغرب ظهر بشكل قوي في قطاعات حكومية معينة، كما أثبتته الباحثة الاجتماعية أمينة المسعودي، والتي أوضحت، بالاستناد على أرقام وإحصائيات أن الفاسيين سيطروا، منذ الاستقلال، على وزارات العدل والخارجية والوزارة الأولى. هذه الحقيقة ما زالت سارية حتى الآن، فوزير الخارجية الحالي، الطيب الفاسي الفهري، هو فاسي، وعباس الفاسي، الوزير الأول، أصله من مدينة فاس. الأكثر من هذا، فهؤلاء المسؤولون الفاسيون غالبا ما يعمدون إلى دعم أبنائهم وصناعتهم لحمل مسؤوليات، سواء في نظام مسؤوليات الآباء، أو في مجالات أخرى. وكمثال على ذلك نذكر المسؤولين سالفي الذكر، الطيب الفاسي الفهري وعباس الفاسي، فللأول ابن هو إبراهيم الفاسي الفهري، يحظى بدعم والده في مجال اشتغاله وهو الدبلوماسية، من خلال دعم وزارة الخارجية، التي يرأسها الوالد، لمعهد «أماديوس» الدبلوماسي الذي يرأسه الابن. بينما لعباس الفاسي ابنان أحدهما هو فهر الفاسي الذي دعمه والده ليصير المسؤول الأول لحزب الاستقلال بالدارالبيضاء، بينما استطاع الثاني، واسمه عبد المجيد الفاسي، أن يصير مديرا عاما لقناة «المغربية»، التي لم تتجاوز نسبة مشاهدتها 2 في المائة في آخر إحصاء هم شهر رمضان الماضي، علما أن سن عبد المجيد لم يكن يتجاوز 25 سنة عندما حظي بهذه المسؤولية. السيطرة الفاسية وتوارث الأبناء للمسؤوليات عن آبائهم، خاصة المنتمين لحزب الاستقلال، فاق درجة الصدفة إلى الفضيحة، فعادل الدويري، مثلا، الذي كان والده، محمد الدويري، وزيرا للتجهيز والإنعاش الوطني في حكومة أحمد عصمان، صار وزيرا للسياحة في حكومة إدريس جطو، وياسمينة بادو، وزيرة الصحة، كان والدها، عبد الرحمان بادو، الذي كان كاتبا للدولة في الشؤون الخارجية في حكومة أحمد عصمان أيضا. سيطرة عائلات على المناصب وتوريثها للمسؤوليات يشمل مدنا عديدة أخرى، ففي وجدة مثلا تهيمن عائلة احجيرة بشكل مطلق، وهو ما يعكسه تولي توفيق احجيرة منصب وزير الإسكان ورئاسة أخيه عمر للمجلس الجماعي لوجده، وكلاهما ينتميان إلى حزب الاستقلال، في الوقت الذي كان والدهما من أعيان وجدة. الأمر ذاته يتكرر بتيفلت التي يسيطر عليها آل عرشان، بعدما خلف أبناء محمود عرشان مجد أبيهما في المدينة، وصار ابنه عبد الصمد رئيسا لمجلسها البلدي. أبناء معارضون بالأمس.. حتى المحجوبي أحرضان، الذي أسس الحركة الشعبية ضدا على حزب الاستقلال، والذي كان حلقه يجف من شدة صياحه واعتراضه على سيطرة الفاسيين على السلطة وتوريثهم مسؤولياتهم لأبنائهم، حذا حذو الذين كان ينتقدهم بالأمس بعدما ساعد ابنه يوسف أحرضان على تولي مسؤولية بوزارة الطاقة، وعندما غادر الابن الوزارة ليؤسس شركته الخاصة، ورثت ابنته ماريا أحرضان منصب أخيها بالوزارة. برلمانيون ومعارضون اشتراكيون ظلوا يشنون حروبا على الحكومات «المخزنية» والمكرسة للتراتبية الاجتماعية، هم أيضا اتبعوا مسار من كانوا ينتقدونهم بالأمس، واحترفوا هواية تعبيد الطرق لأبنائهم، سواء لخلافتهم بالأحزاب التي ينتمون إليها، وهو حال محمد اليازغي والحبيب المالكي وأحمد بنجلون...، أو لدعمهم من أجل الظفر بصفقات تقلع بطائرتهم الاستثمارية، كما حصل مع وزير المالية السابق والعمدة الحالي، الاشتراكي فتح الله ولعلو، الذي ساعد ابنه في الحصول على صفقة لترميم مدينة وليلي الأثرية. تحويل المناصب لسجلات تجارية وعقارية تورث للأبناء قاعدة لا تسري فقط على الوزراء والمسؤولين الحكوميين، بل تشمل حتى رؤساء المجالس المنتخبة والجماعات، خاصة القروية المنفية في فيافي وخلاء لا يعلم أحد ماذا يجري بها. المثال على ذلك جماعة بالقرب من مدينة الصويرة يرأسها أحد الأعيان يبلغ من العمر 80 سنة. الأكثر غرابة هو أن نائب هذا الرئيس العجوز الأول ليس سوى ابنه البكر الذي يتوقع بأن يخلف والده على رأس هذه الجماعة القروية، ويرث تركته بما في ذلك أراض فلاحية ومحطات بنزين وثروات ضمنها كرسي رئاسة هذه الجماعة. مثال طريف آخر على توريث الأبناء «حرفهم السياسية» لأبنائهم، مرتبط بشخصية أثارت جدلا محتدما. يتعلق الأمر بعبد الله الرفوش، الملقب ب«ولد العروسية الصغير»، حتى يميز عن والده «ولد العروسية الكبير» الذي احترف أيضا السياسة. اسم «ولد العروسية»، الذي خلف والده وترشح للانتخابات ب«جليز» بمراكش عن الاتحاد الدستوري، ارتبط بفضائح منذ اليوم الموالي لفوزه في الانتخابات، حيث حلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمراكش للتحقيق في كيفية نجاحه في الانتخابات، كما اقترن اسمه بفضيحة أخرى، قبل أيام، تجلت في رسوبه في امتحان الحصول على الشهادة الابتدائية، كما تدوولت ورقة امتحانه التي تضمنت أجوبة غاية في الطرافة.
فنانون يبنون إمبراطوريات فنية عائلية رفقة أبنائهم حتى الفنانون والممثلون يورثون أبناءهم ما يقومون به، حتى لو تعلق الأمر بمواهب لا تورث، فإذا كانت الشعيبية طلال قد اختارت الفن التشكيلي بموجب قوانين الفطرة، ودون سابق إصرار وترصد، فإن ابنها الحسين طلال، احترف مجال الفن التشكيلي، الذي يدر أرباحا كبيرة، مستفيدا من علاقة قرابته بوالدته. الأمر ذاته ينطبق على المخرجين سهيل وعماد نوري، البالغين من العمر 32 و28 سنة، واللذين اتبعا مسار والدهما، حكيم نوري، واحترفا الإخراج السينمائي، وأضحيا يخرجان أفلاما مشتركة، بل الأكثر من هذا، فهما يدأبان في جل أفلامهما على أن يمثل والدهما أحد الأدوار. تعاضد العائلات الفنية وتعاونها المصلحي في هذا المجال يشمل حتى مجال التلفزيون، هذا الأمر ينطبق على حنان الفاضلي، الكوميدية ابنة المخرج التلفزي عزيز الفاضلي. تعاون الأب وابنته يصل إلى درجة احتكار إنتاج مسلسلات تبث بالقنوات العمومية، يخرجها الأب وتشخصها الابنة حنان، ويشاركهما في الإنتاج والتشخيص أفراد آخرون من عائلة الفاضلي. حتى مجال الغناء أصبح تحت سيطرة العائلات الفنية، والمثال على ذلك يتمثل في المطرب سعد لمجرد، ابن المطرب البشير عبده، والذي صار نجما بحكم أنه ابن لمطرب، فضلا عن مشاركته في مسابقة غنائية تلفزية شهيرة. صناعة الفنانين والمطربين لأبنائهم لا تشترط أن يحوز الأبناء موهبة، والمثال على ذلك شمس، ابن المغنية نعيمة سميح، والذي دأبت الفنانة المغربية على إشراكه في مجموعة من أغانيها واستقدامه معها في البرامج التلفزية والحفلات الفنية التي تحييها، رغم أن ابنها محط انتقاد بسبب صوته غير المطرب.