الصحافة هي ملحمة العالم الحر، فحيث توجد ديمقراطية عظيمة، توجد، بالضرورة، صحافة عظيمة، وحيث توجد صحافة عظيمة، توجد، أيضا، تقاليد راسخة في ثقافة القراءة، فالقراء الجيدون يصنعون الصحيفة الجيدة، كما تقول القاعدة الذهبية في مجال الصحافة... من هنا نفهم معنى أن تحتكر صحافة الدول الديمقراطية كل الأرقام القياسية، فنجد صحيفة مثل «نيويورك تايمز»، الأمريكية، عمرها قرن ونصف، و«ديلي ميرور»، البريطانية، توزع مليون نسخة في اليوم... فالعالم الحر سمح للصحافة ولوسائل الإعلام، عموما، بالانتقال من كونها إحدى وسائل إخبار الرأي العام إلى الوسيلة الرئيسية لصناعة الرأي العام، ليتم تتويجها «صاحبة للجلالة» على كل أنواع السلط أو «سلطة السلط»... «الحرة» قناة إخبارية ناطقة بالعربية، مقرها الولاياتالمتحدة، وهي مدعومة وممولة من قبل الكونغرس الأمريكي. بدأت قناة «الحرة» البث في 14 فبراير 2004 على امتداد 22 قطرا. ومثل كل أشكال الدبلوماسية العامة الأمريكية، فإن القناة ممنوعة من البث داخل الولاياتالمتحدة نفسها بسبب قانون سميث موندت 1948 بشأن بث الدعاية الدبلوماسية.وتعلن قناة «الحرة» أن أجندتها هي دعم أفكار الحرية والديمقراطية في العالم العربي وتعزيز الجناح الليبرالي فيه مقابل الاتجاهات المتطرفة الأخرى. ويبدو أن قناة «الحرة» أيضا هي إحدى ردات الفعل مقابل قناة «الجزيرة» الفضائية، التي لا تتوافق مع السياسات الأمريكية في المنطقة العربية. لكن الدعم المباشر لقناة «الحرة» من قبل الحكومة الأمريكية يجعل الشارع العربي متشككا كثيرا حول القناة وأهدافها، خصوصا في ظل انعدام الثقة بالولاياتالمتحدةالأمريكية. الأب المؤسس لقناة «الحرة» هو نورمان جويل باتيز، الذي كان عضوًا في مجلس إذاعة المحافظين (بي بي جي) حيث أشرف على خدمات الإذاعة الحكومية الدولية غير العسكرية مثل إذاعة «صوت أمريكا»، وإذاعة «راديو أوروبا «الحرة»، وإذاعة راديو آسيا «الحرة» ميزانية السنة الأولى للقناة كانت 62 مليون دولار أمريكي، وأكثر من 40 مليون دولار أمريكي لقناة خاصة بالشأن العراقي، تعرف باسم «الحرة عراق»، التي تبث برامجها على القمر الصناعي نايل سات 101. في 2006 طُلبت ميزانية أخرى بقيمة 652 مليون دولارا أمريكيا للتغطية، التي تشمل العرب والأوروبيين. وذكرت دافانا لينزنر أن دافعي الضرائب الأمريكيين دفعوا 500 مليون دولار تقريبًا لتمويل القناة. القناة تشغلها منظمة غير ربحية تدعى «ميدل إيست برودكاستنغ نيتوورك، إنك»، و تمول من قبل مجلس إذاعة المحافظين «بي بي جي». عدد طاقم «الحرة» هو 200 شخص. أغلبهم جاء إلى الولاياتالمتحدة من دول عربية وكانوا يعملون بقنوات تلفزيونية منافسة. ومن ضمن المشاريع الأخرى ذات التمويل المشترك «راديو سوا»، الذي يبث من سبرينفيلد بفيرفاكس فرجينيا قرب واشنطن. تبث «الحرة» طيلة 24 ساعةً يوميا. ومثل باقي ملكيات «بي بي جي»، فهي خالية من الإعلانات. وإلى جانب البرامج التي تنتجها الشبكة، تقوم القناة بعرض برامج أمريكية مشهورة في الولاياتالمتحدة وخارجها مترجمة إلى العربية مثل «فرونت لاين» و«إنسايد ذا أكتورز ستوديوز». في السابق لم يكن المدراء التنفيذيون الكبار في «الحرة» يتكلمون العربية. إذ في ماي 2007 ذكرت أخبار «إيه بي سي» أن هذا جعل القرارات في أيدي المنتجين والمذيعين. وفي خطوة متسرعة، وطبقُا لخواكين بلاليا، العضو في مجلس إذاعة المحافظين، قامت القناة بعجالة بتوظيف صحفيين يتكلمون العربية ولا يفهمون الممارسات الصحفية الغربية أو مهمة القناة المؤيدة للغرب. استجوب بلاليا في ماي 2007 أمام لجنة فرعية من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، وعرض في تلك الجلسة ما أذاعته «الحرة» من رسائل إرهابية عبر نداء مطول لمدة 68 دقيقة من أمين عام حزب الله للحرب ضد الإسرائليين، وتغطية مؤتمر لنكران الهولوكوست للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وإهانة جماعة منشقة من اليهود الأورثودوكس لإسرائيل. وقد قال بلاليا للجنة الفرعية إنه ستتم معالجة هذه القضايا. قامت «الحرة» بمواجهة بعض مخاوفها بالمعالجة المالية والإجراءات المحاسبية. كما قامت بتعيين توم داين، رئيس إذاعة راديو أوروبا «الحرة»، والمدير السابق للجنة العمل السياسية الأمريكية من مجموعة اللوبي الأمريكية الإسرائيلية كمستشار. وعلى مدار عمرها، استضافت «الحرة» العديد من السياسيين البارزين والصحفيين والمثقفين في مقابلات فردية. وكان من الضيوف قاضي المحكمة العليا أنتوني سكالين، مستشار الأمن القومي السابق ساندي بيرجرز، وفرانسيس فوكياما، ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وأحمد كوري، وسليفان شالوم، ومير شيتريت، وتوم فريدمان، وديفيد بروكس، وماري تالين، وجلال الطالباني، وبول فلوكير، وجون بولتون، والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.كما استضافت آخرين خلال تغطيتها السياسية مثل تيري مكأوليف، وجو ليبرمان، وسوزان تيرنبول، وروبرت زمميرمان، وستيف ميرفي، وديفيد كورن، و بيتر فين، ومايكل ستيل، توني كوهلو، وإيلنور كليفت. أظهرت الدراسات مرارًا وتكرارًا بأن «الحرة» كانت غير قادرة على الوصول إلى المشاهدين العرب في استطلاع أجري بجامعة ميرلاند وزوجنبي الدولية وجد أن نسبة مشاهدة «الحرة» في أغلبية البلدان الإسلامية، ضمنها مصر والمغرب والأردن والمملكة ولبنان، في حدود 2 بالمائة في سنة 2008، وأصبحت 0.5 بالمائة في سنة 2009.