«عددهم بالعشرات، رجالا ونساء، صبية وشبابا، وصل بعضهم إلى القمة.. تأملوا الإسلام فوجدوا فيه الانشراح والاطمئنان.. تقربوا منه فوجدوا فيه القوة والعزيمة والعدل والحرية والأمان. انفرجت أساريرهم بعد أن اهتدوا إلى الطريق الأقوم انطلاقا من قوله تعالى: «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم». اجتازوا مسافات الشك واليقين والخير والشر حتى وصلوا إلى بر الأمان بعد اعتناقهم الإسلام فأخرجوا أنفسهم من الظلمات إلى النور. إنها قصة إسلام هؤلاء. «يعرّف نفسه على الدوام بالقول: أنا ابن الإسلام لا أبٌ لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم، جاب أصقاع الدنيا يبحث عن الحقيقة، دان المجوسية، ولم يقتنع بها، هام بالمسيحية قبل أن تلفظه أفكارها بعد اعتناقها لفترة من الزمن وبعد أن فشلت في أن تشفي عطشه للإيمان، تنقل كعبد مملوك لقساوسة ويهود حتى وصل إلى الجزيرة العربية حيث محمد بن عبد الله وأعلن إسلامه بين يديه قبل أن يشتهر بكثرة العبادة ومجالسة النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يفارقه إلا لحاجة حتى قال عنه الرسول سلمان منّا آل البيت. لقمان الحكيم.. وصاحب الكتابين هو الصحابي الجليل سلمان الفارسي (ولد روزبة بقرية جيّ بمنطقة كاروزان جنوبإيران) أو سلمان الخير أو الباحث عن الحقيقة، ذلك الشاب الذي جال أصقاع الأرض يبحث عن الحق والدين والحقيقة حتى وصل إلى الجزيرة العربية حيث محمد بن عبد الله وأعلن إسلامه بين يديه واكتسب معها بعد حين العديد من الصفات ك (لقمان الحكيم) الذي أطلقه عليه علي بن أبي طالب، و(صاحب الكتابين) الذي منحه إياه أبو هريرة. عقل يفكر في إله الكون كان سلمان الفارسي (روزبة) يعيش حياة قلقة رغم مغريات الدنيا التي تناثرت عليه وأحاطت به من كل جانب منذ ولادته حيث والده (خشفوذان)، الذي يعمل دهقانا(رئيسا) لتلك القرية بعد أن تغمّس بالمجوسية حتى أخمص قدميه وعمد لنقلها إلى ولده المدلّل سلمان حيث كان يعبد النار ويلازمها دون تركها تخبو (تنطفئ) ولو لساعة من الزمان، وأخذ يبحث في معتقدات قومه لعلّه يجد فيها ما يلبّي طموحه وانطلق في رحلة البحث عن الحقيقة بعقل يفكر في هذا الكون وخالقه وطاف نتيجة لذلك أصقاع الأرض تاركا نصيبه من الجاه والترف والمكانة الخاصة التي ينعم بها في ظلّ والده (خشفوذان) على غرار أشقائه وتاركا وراءه حياة المترفين في سبيل البحث عن الحقيقة... الفرار إلى الشام يقول سلمان في قصة إسلامه كما ذكرها بها زغلول النجار في كتابه (الذين هدى الله) «عندما كنت صغيرا كان والدي خشفوذان من شدّة خوفه عليّ لا يخرجني من البيت بل كان يحبسني ويقيّد أرجلي إلى جانب النار التي واظبت على اجتهادي في عبادتها حتى قاطنتها (لازمتها) طوال الليل والنهار، وفي إحدى المرات خرجت أريد ضيعة والدي الذي أرسلني إليها وكان هذا الخروج الأول لي من البيت، وبينما أنا أسير في الطريق إذا بيّ وقد مرّرت بكنيسة للنصارى وسمعت صلاتهم ودخلت عليهم أنظر ماذا يفعلون ويصنعون، فأعجبني ما رأيت منهم وفي صلاتهم وقلت لنفسي حينها لعلّ هذا خير من ديننا الذي نحن عليه، فما برحتهم وتركتهم حتى غابت الشمس ولا ذهبت إلى ضيعة أبي ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري من يبحث عني، وكنت قد سألت النصارى حين أعجبني أمرهم وصلاتهم عن أصل دينهم فقالوا لي حينها: أصل ديننا في الشام، وعندما عدت إلى والدي قلت له إنني مررّت على قوم يصلّون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم ورأيت أن دينهم خير من ديننا فحاورني وحاورته ثم قادني وجعل في رجلي قيدا من الحديد وحبسني في بيته. سلمان يدخل النصرانية أخذ قلق خشفوذان يزيد نحو ولده روزبة (سلمان) بعد أن بدا مقتنعا بالدين الجديد للنصارى، فحاول إقناعه بأحقية ما يدين به وقومه لكن دون جدوى رغم استعماله للقوة في تأديبه وثنيه عن رغبته في اعتناق النصرانية، وفي هذا يقول سلمان «بقيت رهين قيد والدي وبيته مدّة من الزمن وبقي حلم الالتحاق بالدين الجديد الذي رأيته يراودني على الدوام، وعمدت لهذه الغاية إلى بعض من أثق بهم وأرسلت معهم إلى النصارى أخبرهم على لساني أنني أعجبت بدينهم وأريد الدخول فيه وطلبت منهم إعلامي إذا قدم عليهم ركب من الشام حتى أخرج معهم وقد فعلوا ذلك وحطمت الحديد وانطلقت في أول قافلة متوجهة إلى الشام، وعندما وصلنا قصدت صومعة رجل الدين الذي يوليه النصارى ثقتهم وأخبرته بقصتي ودخلت في خدمته لتعلّم شريعة الله التي أنزلها على المسيح أقرأ صحائف الإنجيل واطلع على أسراره حتى فارق رجل الدين الحياة، وقلت له وهو على سرير الموت: لقد حضرك أمر الله ما ترى فبما تأمرني والى من توصي بيّ فقال لي حينها: أي بنيّ ما أعرف من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا في الموصل. مضيت سريعا إلى رجل الموصل حتى أتيته وأخبرته الخبر وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم حتى حضرته الوفاة فسألته فدلّني على رجل آخر فأتيته وأخبرته خبري وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم حتى حضرته الوفاة فأمرني أن التحق برجل في عمّورية حيث بلاد الروم، فرحلت إليه وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم واصطنعت لمعاشي بقرات وغنم حتى حضرته الوفاة وقلت له إلى من توصي بي فقال لي: أي بنيّ ما أنا بعارف أحدا على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه وما بقي أحد أعلمه على دين عيسى بن مريم في الأرض أوصيك به، ولكنني قد أظلك (يأتي عليك) زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا يهاجر إلى أرض ذات نخل بين حدتين وبه علامات لا تخفى فإن استطعت أن تخلص إليه (تذهب إليه) فافعل وإن له آيات لا تخفى فهو لا يأكل الصدقة ويقبل الهدية وإن بين كتفيه خاتم النبوة (في إشارة إلى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم). سلمان يدخل المدينة عبدا بعد وفاة ذلك النصراني خرج سلمان من الدير حيث كان يقيم وأخذ يبحث عن الأرض الموعودة التي سيلاقي فيها الرسول الموعود، وبينما هو في الطريق رأى ركبا يقصد أرض الحجاز وعرض عليهم نفسه للخدمة في مقابل أن يقوموا بنقله معهم قائلا لهم: أعطيكم بقراتي وغنمي هاته على أن تحملوني معكم إلى أرضكم، فقبلوا عرض سلمان وسار معهم يخدمهم في رحلتهم تلك ويهيئ لهم ما يحتاجون إليه ويعاني معهم معاناة شاقة خاصة بعد علمهم بكونه نصراني حتى وصلوا إلى وادي القرى وقاموا بابتياعه إلى رجل يهودي مقابل ثلاثمائة درهم... يقول سلمان في كتاب زغلول النجار (الذين هدى الله) «كانت معاناتي ورحلتي مع ذلك اليهودي مليئة بالمعاناة والتعذيب حتى جاءني الفرج من رجل يهودي آخر من بني قريظة وابتاعني منه وخرج بي إلى المدينة، فوالله ما إن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي وأخذت أدعو الله بين الحين والآخر بقرب الفرج واللقاء بالنبي الموعود. في تلك الفترة كان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من مكة يدعو الناس إلى الهدى والحق واتباع دين الله الذي ارتضى، وكان سلمان لا يعلم بذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان سلمان حينها على رأس نخلة وأخذ يسمع صاحبه اليهودي يتحدث إلى رجل آخر ويقول له: قاتل الله بني قيلة (الأوس والخزرج) إنهم والله ليقاصّون (يجتمعون) بقباء قادم من مكة يزعمون أنه نبي، فو الله ما هو إلا أن قالها وسمعتها حتى أخذتني العدواء (ريح باردة) ورجفت بي النخلة حتى كدت أن أسقط فوق صاحبي ثم نزلت سريعا أقول لهم ما الخبر؟، فرفع سيدي اليهودي يده ولكزني لكزة شديدة ثم قال: مالك ولهذا!! اقبل على عملك فقط!! لقاء النبي صلى الله عليه وسلم «أقبلت على عملي حتى أمسيت وأخذت أحدّث نفسي بالقول: لعلّه الرسول الموعود الذي حدّثني عنه ذلك القس الطيب وأخذت أجمع ما عندي حتى جئت الرسول بقباء ودخلت عليه ومعه نفر من أصحابه وقلت له: لقد بلغني أنك رجل صالح وأنك ومن معك غرباء وأهل حاجة وغربة وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلمّا ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به، حينها قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا باسم الله وأمسك يده ولم يبسطها فقلت في نفسي: هذه والله واحدة. إنه لا يأكل الصدقة، ثم رجعت إليه في الغداء وقلت له إنني رأيتك لا تأكل الصدقة وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية ووضعته بين يديه فقال لأصحابه كلوا باسم الله وأكل معهم، وقلت لنفسي: هذه والله الثانية، إنه يأكل الهدية، ثم رجعت فمكثت ما شاء الله وأتيته في البقيع وقد تبع جنازة وحوله أصحابه وعليه شملتان (الشملة كساء من الصوف) مؤتزرا بواحدة ومرتديا الأخرى فسلّمت عليه ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره فعلم أني أريد ذلك فألقى ببردته عن كاهله فإذا بالعلامة بين كتفيه خاتم النبوة كما وصفها لي القس الطيب قبل وفاته، فانكبّبت عليه أقبّله وأبكي بين يديه، حينها أمسك بي وسألني عن قصتي فقصصتها عليه من البداية. سلمان يكاتب على عتقه بقي سلمان رغم إسلامه بين يديّ الرسول عبدا لذلك اليهودي فحال ذلك دون حضوره ومشاركته غزوتيّ بدر وأحد حتى اشتدّ الرّق على سلمان وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معتذرا عن عدم قدرته على المشاركة في تلك الغزوات مظهرا ألمه كونه لا يزال عبّدا لذلك اليهودي ومملوكا له ولا يملك أمره، حينها قال له الرسول: كاتب سيدك حتى يعتقك، فكاتبه سلمان على ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من الفضة والتفت حينها الرسول إلى أصحابه وقال لهم أعينوا أخاكم جزاكم الله خيرا فجمعوا له ثلاثمائة ودّية (الودّية هي الفسيلة الصغيرة التي تكبر فتصبح نخلة بعد أن تنزع عن أمها) ثم أمرهم الرسول بأن يرجعوا بسلمان ومعه النخلات إلى سيّده اليهودي ليحفر لها بأرضه حتى يأتي بنفسه ويضعها بيديه الشريفتين بعد أن منح اليهودي أربعين أوقية من الفضة وتحرّر بموجبها سلمان من حياة الرق والعبودية الطويلة. فكرة الخندق يقول سلمان في وصفه للحظات إسلامه وعتقه من العبودية «كانت عدم قدرتي على المشاركة في غزوات الرسول تؤلمني كثيرا حتى قعدت إلى الرسول وأظهرت ألمي وحزني وأصرّرت بعدئذ على تحرير رقبتي من ذلك اليهودي بثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من الفضة، شعرت حينها بأنني ولدّّت من جديد في ظل دين جديد يعرف العدل والمساواة والتواضع ويبتعد عن الرذيلة والسخرية والازدراء، وعندما جاءت غزوة الخندق الشهيرة وخرجت اليهود تحرض قريش على غزو الرسول وبدؤوا بلملمة صفوفهم حتى وصلوا إلى غطفان وقبائل بنو سليم وأسد وفزازة وبنو مرّة حتى وصل عددهم إلى 10 آلاف مقاتل وأضحت هناك بوادر مكيدة بين الأنصار والمهاجرين بسببي فكل واحدة منهما تريد نسبتي إليها بعد اقتراح بحفر الخندق حول المدينة حتى قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلمان منّا آل البيت. بعد أن أشرت عليهم بفكرة حفر الخندق التي شاركنا الرسول بيديه الشريفتين بحفره.