«عددهم بالعشرات، رجالا ونساء، صبية وشبابا، وصل بعضهم إلى القمة.. تأملوا الإسلام فوجدوا فيه الانشراح والاطمئنان.. تقربوا منه فوجدوا فيه القوة والعزيمة والعدل والحرية والأمان. انفرجت أساريرهم بعد أن اهتدوا إلى الطريق الأقوم انطلاقا من قوله تعالى: «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم». اجتازوا مسافات الشك واليقين والخير والشر حتى وصلوا إلى بر الأمان بعد اعتناقهم الإسلام فأخرجوا أنفسهم من الظلمات إلى النور. إنها قصة إسلام هؤلاء. كان كاسيوس كلاي على موعد مع جماعة ألياجا محمد بالمسجد في ميامي حتى يقف عن قرب على تعاليم هذه الجماعة الدينية، التي شكلت نقطة تحول كبيرة في حياته، بل اعتبرت من أهم محطات رحلته الإيمانية، التي قادته إلى الإسلام، الذي بدأ يتعرف على تعاليمه من خلال لقاءاته بهذه الجماعة. وفي هذا يقول كلاي: «بدأت أشعر بشعور روحاني لأول مرة في حياتي عندما دخلت المسجد في ميامي، ووجدت رجلا اسمه الأخ جون يخطب في الحاضرين واعظا. كانت أولى الكلمات التي سمعتها منه هي: لماذا ينادوننا بالزنوج أو السود؟ ويجيب عن هذا السؤال قائلا: هذه طريقة الرجل الأبيض ليأخذ منا هويتنا، فإذا شاهدت رجلا صينيا قادما إليك تعرف أنه قادم من الصين، وإذا رأيت شخصا كوبيا تعرف أنه كوبي، وكذلك الحال إذا رأيت كنديا تعرف أنه من كندا، فما هو البلد الذي يدعى الزنج؟. كانت كلمات ذلك الواعظ قد شكلت لي إجابات عن عدد كبير من الأسئلة، التي كانت تختلج صدري على الدوام مثل الممارسات العنصرية آنذاك تجاه السود، التي شكلت لي هزة نفسية ووعيا جديدا ونقلة كبرى في مسار حياتي». وأضاف كلاي «كان تأثري البالغ بخطة جون الوعظية في مسجد ميامي، الذي ذهبت إليه حسب موعد سابق مع سام، قد سكن روحي قليلا، خاصة أنني علمت بعد حين بأن جون هو مبعوث جماعة ألياجا محمد، الذي أرسله شخصيا من شيكاغو إلى ميامي في سبيل مساعدة الجماعة على نشر تعاليمها في هذه المدينة. كان سام فخورا بهذه المهمة الجديدة التي أسندت إليه. وقد وجدت جون يتحدث إلى الجماعة في المسجد عن قضية الهوية بالنسبة للأمريكيين السود. وبدأ جون يسترسل في التعريف بأن من يأتي من الصين يعرف بأنه صيني ومن يأتي من كوبا يعرف بأنه كوبي ومن يأتي من كندا يعرف بأنه كندي. ويقول جون مستنكرا: ليست لنا أسماء نُعرف بها فننادى بالزنوج أو السود». الهوية الضائعة «قلت في نفسي عم يتحدث هذا الشخص، فأنا عندي اسمي، ولكن واصلت سماع حديثه بإصغاء كامل وهو يشرح مسألة الهوية، قائلا إنه إذا جاء شخص اسمه جانغ فإننا نعرف أنه رجل من الصين، وإذا جاء شخص اسمه جولدبيرج نعرف أنه يهودي، وإذا جاء شخص اسمه أوريلي نعرف أنه إيرلندي وكذلك رولينغ ثندر وسيلفر مون من الهنود، ولكن إذا قال شخص يا مستر جونز أو مستر واشنطن، فإنك لا تعرف من أين جاء؟ لهذا فقد سُمينا من قِبل أسيادنا البيض، فإذا كان مستر جونز لديه خمسون رقيقا فهم الزنوج جونز، فكلهم يطلق عليهم اسم سيدهم جونز، وإذا اشترى مستر واشنطن هؤلاء العبيد سيصبح اسمهم زنوج واشنطن، وكلهم سيتغير اسمهم إلى اسمه. كنت أستمع إلى كلمات الواعظ جون، وقد أمكنني أن أشعر وألمس ما يقوله، فحديثه لم يكن أحاديث ومواعظ كنسية، بل كان شيئا غريبا فريدا يدخل إلى قلبك سريعا، وبدأت أردد في نفسي بعد حديث الأخ جون اسمي، قائلا كاسيوس مارسيلوس كلاي، إنه اسم رجل أبيض في كينيكي كان يملك جدي الأكبر، وقد سمي جدي الأكبر باسمه، ثم أصبح لجدي اسم ولوالدي والآن أنا.أحببت ما سمعت ورغبت في تعلم المزيد، وبدأت أقرأ الصحف التي يكتب بها، كما بدأت أتردد على مثل هذه الاجتماعات وأستمع إلى أحاديث مسجلة، منها حديث مسجل باسم «جنة الرجل الأبيض هي جحيم الرجل الأسود» وكنت أحترم مارتن لوثر كينغ وجميع دعاة الحقوق المدنية، ولكني اتخذت طريقا مختلفا. المعلم مالكوم إكس بعد أن انتظم كلاي في حضور اجتماعات جماعة ألياجا محمد فترة قصيرة، قُدم إلى معلمه الثاني، وهو رجل اسمه جيرميه شاباز. ذلك الشاب اليافع المولود في فيلادلفيا في حضن الكنيسة قبل أن يتحول إلى الإسلام بعد احتكاكه المباشر بسجين مسلم في فرجينيا. وفي هذا يقول شاباز نفسه: «كنت قد تعلمت بعض التعاليم الإسلامية من بعض السجناء المسلمين بفرجينيا، حيث لم أكن بعد قد سمعت عن جماعة المحمدية، فالطريقة التي حدثني بها أحد السجناء، رغم كونها غريبة، أشعرتني بأنها حقيقية ونابعة من الداخل المليء بالثقة والاستقرار والأمان تجاه هذا الدين، وفي نهاية عام 1961 أصبحت معلما في جماعة أمة الإسلام في مدن جنوبالولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي مدن جورجيا وساوث كارولاينا وألاباما ومسيسيبي ولويزيانا وفلوريدا، فأصبحت هذه المناطق تقع تحت دائرة مسؤولياتي التي كلفني بها قائدي ألياجا محمد، وبدأت أتجول في حلقة دائرية من مدينة إلى أخرى حتى وقعت عيناي على كاسيوس كلاي لأول مرة، واتضح لي بعد الحديث إليه بأن مالكوم إكس لم يكن معلمه الأول، خاصة أن أول شخص علم كلاي تعاليم جماعة ألياجا محمد كان هو مسؤول الجماعة في ميامي وقتذاك إسماعيل ساباخان، حيث قال لي حينها: إنني لا أخفي عليك بأنني احب الاستماع إلى تعاليم ألياجا محمد وأفكر جديا في أن أصبح مسلما. بين الكراهية والاحترام ويضيف شاباز «بعد سماعنا رغبة كلاي في أنه يفكر جديا في أن أيصبح مسلما بدأنا نتحدث إليه باستمرار ونشجعه على الحضور لاجتماعاتنا واستجاب هو لذلك. لم يكن يحضر كل الاجتماعات، لكنه يحضر اجتماعا واحدا في الأسبوع، فتعاليمنا كانت تختلف عن تعاليم مارتن لوثر كينغ، ونحن نتعامل مع واقع الحال كما هو، وليس بالطريقة التي يريدها كل واحد أن تكون عليه». بدا كاسيوس كلاي بتعلم الشريعة والدين وأحكام الله وبدأ يستفسر أثناء الدرس عن كل شيء، خاصة مصير الأطفال البيض، الذين قال بشأنهم: ما مصير الأطفال البيض يا ترى؟وهل الطفل الذي ولد أبيض شيطان مثل الرجل الأبيض؟ وبدأت المناقشات تلو المناقشات حتى قال لي أحدهم: إذا أنجب الأسد فلا يكون إنجابه سوى أسد، فلا يمكن للبؤة أن تلد حملا. يقول محمد علي كلاي بعد إسلامه عن تلك الفترة من الميز العنصري: «كان عام 1961 عاما لغياب العدالة وكثرة المظالم، ويمكنك أن تقرأ أي صحيفة كل يوم آنذاك فتجد رجال الشرطة البيض يضربون جماجم السود ويطلقون عليهم الكلاب لتنهش لحومهم.كنت أشعر بأنهم يعاملوننا كالعبيد عكس ما أوجده الله علينا وهو الحرية، فالإنسان حسب ما علمته من ألياجا محمد يولد حرا ويموت حرا ولا استكراه عليه من أحد، وبالتالي لا يمكن لمثل هؤلاء الأشخاص البيض أن يدعوا أنهم أناس الله، وفي الوقت نفسه يسيئون إلى الآخرين، فمثل هذه الأمور ستعمق الظلم وتزرع الكراهية ضد البيض بوصفهم ظلمة وطغاة، وهو الشيء الذي لم أجده في الإسلام المتسامح العادل الذي لا يميز بين البشر انطلاقا من اللون أو الجنس.أحببت هذا الدين وكم تمنيت لو أنني خلقت عليه منذ طفولتي».