إن طبيعة عمل الوحي في المجال الكوني هي الطوع والهداية المبنية على التقدير، قال تعالى: "ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللاَرض ايتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين" [سورة فصلت، الآية: 10]، وقال سبحانه: "سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى" [سورة الأعلى، الآيتان: 1-3]، وقال سبحانه على لسان سيدنا موسى عليه السلام في معرض جوابه على أسئلة فرعون معبّرا عليه السلام عن إدراك نبوي عميق لهذه الحقيقة: "قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" [سورة طه، الآية: 49]، وقال تعالى: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدّرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم" [سورة يس، الآية: 37-38]. بيد أن طبيعة عمل الوحي في المجال الإنساني بمقتضى حمل الأمانة، تنبني على الكدح والمكابدة وهو قوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" [البلد، 4]، وقوله سبحانه: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه" [سورة الانشقاق، الآية: 6]. ويتضح الفرق بين شاكلتي عمل الوحي في كلا المجالين انطلاقا من المصطلح المفتاح "السبل"، فالسبل في المجال الكوني تسلك ذُللا أي بيسر وهو ما يتجلى من خلال قوله تعالى في معرض الكلام عن طبيعة عمل الوحي في المجال الكوني "وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون فاسلكي سبُل ربّك ذُللا" [سورة النحل، الآية: 69]. في حين أن السبل في المجال الإنساني تسلك مكابدة وكدحا كما يتّضح من قوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" [سورة العنكبوت، الآية: 69]، ومن قوله سبحانه: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" [سورة المائدة، الآية: 17-18]. والله الهادي إلى سواء السبيل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء