فضلت أن تكون عشيقته لتبقى بجانبه، بعد أن تنكرت لها أسرتها، لكنها لم تكن تدرك أن نهاية هذا العشق ستكون مأساوية، فطباع الحبيب الصعبة جعلت منه شخصا صعب المراس، لتنتهي علاقتهما بجريمة قتل راحت ضحيتها صبية لم يتعد عمرها السنتين بعد أن ضربها عشيق أمها ضربة قاتلة. كانت سعيدة كالعديد من بنات جيلها تطمح إلى السعادة، فتاة ذات العشرين ربيعا، حباها الله بخصال حميدة، جعلت منها فتاة مقبولة ومحبوبة لدى جميع معارفها. ورغم أنها لم تكمل تعليمها، إذ توقفت عند محطة التاسعة إعدادي، فإنها لم تكترث بالأمر، وعوضت ذلك بالاهتمام بأشغال البيت، لاسيما وأن والديها كانا يوفران لها كل شيء. غير أن تعرف سعيدة على أحد الشبان، جعلها تتغير رأسا على عقب، فهو بالنسبة إليها أول حب في حياتها، ما جعلها تدخل في صراع قوي مع أسرتها، خصوصا أحد إخوتها، إذ كان يضيق عليها الخناق، ويمنعها من اللقاء به أو التحدث إليه، ما دفع بذلك الشاب إلى أن يتقدم لخطبتها، رغم أنه لم تكن له أية حرفة قارة. فقد كان يساعد فقط والده في دكان للبقالة، ما دفع أسرة سعيدة إلى أن ترفضه، ولا تقبل به زوجا لابنتها. لكن سعيدة كانت مصممة على الزواج منه، لأنه الحب الأول في حياتها.. فقاومت باستماتة حتى نالت رغبتها وتزوجت منه. وبالفعل، انتقلت إلى العيش معه رفقة أسرته، ما تسبب في العديد من المشاكل. حاولت سعيدة جاهدة الصبر، لكن المشاكل تفاقمت إلى درجة أصبحت معها غير قادرة على الاستمرار، ومما زاد الطين بلة أنها أنجبت ابنتها الأولى، فلم يكن لها من بد إلا أن تصبر وتقاوم، لعلمها اليقين بأن أسرتها لن تفرش لها الأرض بالورود إن هي رجعت إليها، فلم تجد منهم أية مساندة تذكر، حتى إنها لما ضاقت بها السبل وطالبت زوجها بأن يطلق سراحها، والذي قبل على الفور مضحيا بسعيدة وبابنته، لم تغادر بيت الزوجية باتجاه أسرتها، بل التجأت في بداية الأمر إلى خالتها التي استضافتها، إلى حين أن تتضح أمامها الأمور . كان من حظ سعيدة أنها التجأت إلى إحدى المقاهي تشتغل فيها مقابل أجر زهيد تنفق أغلبه على ابنتها، وتعطي ما تبقى منه لخالتها، مقابل أن ترضى بها وتبقيها ببيتها. وكان يكفيها أن خالتها تهتم بابنتها طيلة أيام غيابها عن البيت. لكن القدر سيرمي بحميد في طريق سعيدة، إذ تعرف عليها بالمقهى الذي تشتغل به، وتطورت العلاقة بينهما إلى أن تحولت إلى حب جارف. اعتقدت معه سعيدة أنها وجدت أخيرا «رجلا» سيقف إلى جانبها ويساندها في محنتها. فاتفقا في بداية الأمر على أن تنتقل لتعيش معه، ريثما يدبر أمره ويشهرا زواجهما. فرضيت بذلك وانتقلت للعيش معه دون حتى أن تفكر بأن علاقتهما غير شرعية بدون عقد نكاح يجمع بينهما. اعتقدت في أول الأمر أنها وجدت الرجل الذي سيعينها على تكاليف الحياة ويوفر لها بعض الدفء الذي افتقدته منذ أن ثارت على أسرتها، وقبلت الزواج من زوجها الأول. وبالفعل، وجدت في بداية الأمر بعض الحلاوة في العيش، لاسيما أن زوجها (مع وقف التنفيذ)، كان يعاملها معاملة جيدة ومحترمة، وهيأ لها كل أسباب الراحة، إذ منعها من الاشتغال في المقاهي، وطلب منها المكوث بالبيت، والاهتمام فقط بنفسها وبابنتها، ما جعل سعيدة تعتقد أن الحظ ابتسم لها أخيرا، فقد وجدت في حميد مثل الرجولة التي لم تلمسها في زوجها الأول الذي كانت تسيره أمه وأخته. فحميد وإن كان عيبه الوحيد، أنه يدمن على شرب الخمر، ويتناول المخدرات بشكل شبه يومي، ما يجعل منه شخصا صعب الطباع، فإنه كان يعمل ما في وسعه لإسعادها.. وكانت سعيدة تحاول من جهتها أن توفر له كل أسباب الراحة، وتلبي له كل طلباته. لكن في إحدى الليالي، بينما كانت سعيدة و«زوجها» في جلسة حميمية، أصيبت البنت بوعكة صحية، وانخرطت في نوبة من البكاء والصراخ، الذي لم ينقطع رغم كل المحاولات التي قامت بها الأم، ما عكر عليهما صفو جلستهما الحميمية، فحاول حميد أن يضبط أعصابه أمام هذا الوضع، لكنه فشل، وقام حيث الطفلة الصغيرة وحاول عبثا أن يسكت صراخها الذي تحول إلى بكاء مسترسل، لكنها رفضت ذلك بل ازدادت حدة صراخها، فلم يشعر حميد إلا وهو يلوح بالطفلة الصغيرة بين يديه الضخمتين ويقذف بها في الهواء، لتصطدم بالحائط، قبل أن تسقط جثة هامدة بلا حراك. هرولت الأم غير مصدقة حيث جثة ابنتها وقد أخرستها الصدمة، فحاولت إسعافها، لكنها لم تفلح في إعادة الحياة إليها. فقام حميد، مرتبكا، وطلب منها أن تضعها في إناء به ماء بارد، سيما أن الجو كان حارا، لكن محاولتها باءت بالفشل، حيث لم يصدر منها أي رد فعل، فلجأت سعيدة إلى الصراخ والعويل، رغم أن حميد حاول جاهدا منعها، إلا أنها صرخت في وجهه متهمة إياه بقتل فلذة كبدها، فاجتمع الجيران الذين سمعوا صراخ وعويل سعيدة، التي لم تتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى حميد، فتم استدعاء رجال الأمن الذين حضروا إلى عين المكان، وتم اعتقال حميد، وتم تقديمه للمحكمة بتهمة الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه .