على طول رقعة هذا الوطن العربي، وعلى امتداد المخاضات التي مر منها إنسانه من أجل التحرر والبقاء والكينونة، نواكب هذا الحراك الذي لم يفتر يوما منذ اشتعل مع أحلام النهضة العربية المؤجلة، من خلال زاوية خاصة: زاوية الكاريكاتور ومبدعيه. في هذه السلسلة ننفتح على تجارب رسامي كاريكاتور عرب سخروا ريشاتهم وفنهم للانخراط في نهضة أمتهم، غير أن حبهم لهذا الوطن لم يكن دائما ليشفع لهم ويكف عنهم الأيدي. فكثير من فناني الكاريكاتور قدموا أرواحهم فداء لريشاتهم وأفكارهم وأحلامهم، لكن الكثير منهم أيضا ألهم القراء والمتابعين وطبع ذاكرة وتاريخ الوطن العربي. في هذه السلسلة نسترجع محطات من حياة هؤلاء وفاء لهم ولفنهم النبيل.. «أبو سيف» هو التوقيع الذي كان يستعمله الرسام إبراهيم لمهادي في أغلب رسوماته على صفحات جريدة «العلم» منذ بداية الستينيات حتى سنة 1975. رسوم الفنان إبراهيم المهادي عبرت الحدود المغربية إلى بعض الجرائد العالمية بالنمسا، ونال عنها جوائز عالمية سنة 1966 عند معالجته موضوع حرب الفيتنام. ولد لمهادي الشهير ب«أبو سيف» بدرب السلطان بالبيضاء سنة 1941، والتحق بسلك التعليم سنة 1958 حيث اشتغل معلما بالمدارس الابتدائية بكل من الدارالبيضاء والمحمدية وإقليم سطات، وتقاعد سنة 1985 برتبة مدير مؤسسة. يعد إبراهيم لمهادي أحد الرسامين المغاربة الأوائل، الذين وضعوا اللبنة الأولى لتأسيس فن الكاريكاتور بالمغرب، وشارك في إصدار عدة جرائد ساخرة خلال الثمانينيات، كما نظم وشارك في عدد من المعارض داخل المغرب وخارجه. نشر لمهادي أول رسوماته بجريدة «أخبار الدنيا» سنة 1963 ليلتحق بجريدة «العلم» في نفس السنة، وبعد ذلك بدأت تظهر رسوماته في يومية «المحرر» سنة 1975.وفي سنة 1980، تم اعتقاله في منتصف الليل بسبب رسم كاريكاتوري انتقد فيه الخطاب الملكي للحسن الثاني آنذاك، وكان لمهادي يشتغل آنذاك بيومية «المحرر»، وقد تم منعه من الرسم طيلة 18 سنة، عاد بعدها للنشر في أسبوعية «الصحيفة» وجرائد وطنية أخرى. جمع إبراهيم لمهادي خلاصة تجربته في الكاريكاتير في كتاب سماه : «سنوات الرصاص والحبر والفحم و الطباشير»، يضم أجمل ما رسمه خلال نصف قرن من الإبداع في مجال الكاريكاتير على صفحات الجرائد المغربية، ويشكل شهادة صادقة وتأريخا واضحا لمرحلة مهمة من التاريخ السياسي المغربي. يتميز الرسام لمهادي بجرأة الفكرة وقوتها. كما يتميز بالبساطة الممتنعة والسلاسة في تنفيذ الخطوط. يقول الرسام الكاريكاتوري لمهادي في مقدمة كتابه عن هذا الفن «الرسام الكاريكاتوري صادق في كل ما يعبر عنه، يتطرق لمشاكل وهموم الناس دون مغالاة أو تهريج، وهو يوصل أفكاره بدقة وسرعة مع وضع ابتسامة على شفتي كل قارئ».